بين القلق و الخوف .
رغم أنّ القلق رافق الإنسان في حياته و منذ تواجده الأوّل على سطح الأرض إلاّ أنّه في هذا العصر أصبح ضريبة لابدّ من دفعها لقاء العيش في ظِلال الحضارة ، فإنسان الكهوف و المغارات كانت مباعث قلقه إيجاد المأوى و الطّعام و الأمن … و غير ذلك من ضروريات الاستقرار ، أمّا اليوم فالقلق يلازمه ملازمة لصيقة في كلّ خطوة و في كلّ لحظة و أحيانا يتضخّم حتى يكاد يبتلعه بل في أحيان كثيرة يكبر و يكبر حتى يجرّه إلى دوّامة ” الإضطرابات النّفسيّة ” .
” القلق في حدّ ذاته شيء عاديّ من حيث أنّهُ شائعٌ و يحدثُ لكلّ النّاس ” ( إزاك .م . ماركس – التّعايش مع القلق – ترجمة محمد عثمان نجاتي ص 30 )، فالقلق انفعال نشعر به عندما نجد أنفسنا محاصرين في زاويّة ضيّقة و حينما نكون مهدّدين ، رغم أنّ مصدر التهديد قد يكون واضحا و قد يكون مُبهما .
فمثلا قد يجد أحدهم نفسه قلقا متوتّرا و يشتكي من قلقه هذا و إن سألته : و ما سببُ قلقك ؟ يقول لك : لا أعرف ، استيقظت صباحا وجدت نفسي هكذا …
و إذا بالقلق و التّوتّر ينزاحان بمجرّد نزع الحذاء ، فإذن حذاء ضيّق قد يُشعرك بعدم راحة لدرجة لا تتصوّرها و هكذا ربطة العنق ، البنطال و كلّ لباس ، كما أنّ أحلامنا التي ننساها صباحا أحيانا تكون أفكارها سببا باعثا لكثير من القلق المبهم عند كثير من الأشخاص …
و إذا تمعّنا جيّدا انفعال القلق وجدناه شبيها بانفعال آخر هو الخوف فكليهما شعور بعدم الرّاحة يحرمك التّمتّع بحياتك ، ينغّص عليك أيّامك و يفسد عليك نومك … زد على ذلك فالمظاهر الفيزيولوجيّة و البيولوجيّة لكليهما نفسها ، من تعرّق و زيادة ضربات القلب و ارتجاف للأطراف و ارتفاع للضّغط …
أمّا في علم النّفس فالتّمييز بين القلق و الخوف يكون من خلال ” السّبب ” .
فالقلق ” هو انفعال مُكدِّر مرتبط بالشّعور بخطر محدق غير واضح ” ( إزاك .م . ماركس – التّعايش مع القلق – ترجمة محمد عثمان نجاتي )
أما “الخوف فشعور مماثل ينشأ كاستجابة لخطر أو تهديد واقعي ” ( إزاك .م . ماركس – التّعايش مع القلق – ترجمة محمد عثمان نجاتي )
لكن … هل تتوقّع أنّ الخوف برغم ماهيّته إلاّ أنّه و بمقدار معتدل يكون سببا في جودة الأداء و دقّة الإنجاز ؟ فالطّالب الذي يخاف من الرّسوب – بمقدار يمكن التّحكّم فيه – حتما سيشمّر على ساعد الجد و سيدرس و يذاكر حتى يحقّق التفوّق . أيضا الخطيب الذي لولا أنّه خاف من العثرات قبل الكلام لما أحسن الخطاب …
أمّا أن يزيد الخوف عن حدّه إلى درجة شل الحركة أو التّفكير فهذه الحالة ستدمّر أداء الإنسان و ترمي به إلى مخالب الفشل مثله مثل حالة اللّاخوف التي تخلق الإهمال .
و الشيء الغريب العجيب أن يتحوّل الشعور بالقلق أو الخوف ، إلى هدف يسعى إليه و يتلذّذ به الكثير من المغامرين في مجالات المصارعة الحرّة و سباق السّيارات المجنون ، و القفز من الأماكن العاليّة و تسلّق الجبال …
فهؤلاء يشعرون بالقلق و يشعرون بالخوف لكن بالمقابل هناك رغبة قويّة لإثبات الذّات ، هذا التّزاوج بين الهدف و الثّمن يؤدّي إلى تسجيل أسماء كثيرة في كتاب ” غنيس للأرقام القيّاسيّة ” .
فإذن القلق و الخوف لحدّ الآن عاديّان يشترك فيهما كلّ النّاس .
فمتى يصبحان مرضيّين ؟
” القلق و الخوف يُعتبران شاذَّين فقط عندما يكونان أضخم من الاستجابة العاديّة للضّغط في ثقافة معيّنة و عندما يكونان معوّقين للفرد في حياته اليوميّة ” ( إزاك .م . ماركس – التّعايش مع القلق – ترجمة محمد عثمان نجاتي )
إذن إذا شعرت بالقلق أو الخوف فلا تترك كرة الثّلج تكبر فتدمّرك ، بل الجأ إلى أقرب النّاس إليك و حدّثه في الأمر ، تشارك مع من يستحقُّ آلامك فإنّ المشاركة تُبقي الخوف قزما يساعدك لكن لا يجرؤ على تدميرك .
ملاحظة هامّة : إن لم تجد كفاءة في الإنصات و المشورة في الذين لجأت إليهم و زادت حدّة خوفك أو قلقك لا تخجل من طرق باب أخصّائي نفساني … سيمدّك بالأفكار التي ستفتح لك نوافذ الحدائق الغنّاء …
*هل جرّبت قراءة القرآن و التضرّع إلى الله ؟ قد يكون نعم و النتيجة لا شيء … هل تعلم لماذا ؟ لأنّنا لا نعرف كيف نُنصت لأفكار القرآن و ندعو الله بأدعيّة صاغها الآخرون و ليتنا فهمناها ..؟
تحيّاتي و تقديري
؛