من منا لم تصادفه تحديات بل ومعوقات في عمله؟ من منا لم يتمنى النجاح.. لكن وجده صعب المنال؟؟
“ريتشارد كارلسون” مؤلف كتاب “لا تهتم بالصغائر في العمل” استخلص النصائح التي يمكننا بها تحويل عملنا بما فيه من متاعب إلى مهمة ممتعة تضيف لنا الكثير.
قسم “كارلسون” هذه النصائح إلى ثلاث أقسام رئيسية:
يأتي على رأسها: الإيحاء للذات؛ فكثير من مشاكلنا تبدأ – ويمكن أن تنتهي – من داخلنا.
ويلي ذلك: الابتعاد عن المثالية الزائدة!! فنحن ننصح دائما بالتحلي بالأخلاق العظيمة، وإيثار الغير والبعد عن الأنانية والتعاون..الخ. ولكن يبالغ كثيرون منا في ذلك، فيحملون أنفسهم فوق طاقتها.
أما القسم الثالث – وهو محور هذا المقال – فهو:
التخلص من بعض صفاتك السلبية
ليس من بيننا الإنسان الكامل الصفات. وصفاتنا السلبية لا تؤثر فقط على محيطنا الشخصي، بل يكون لها أيضًا أثرها السلبي في مجال العمل. ومن بين وسائل علاج بعض هذه الصفات السلبية:
1) أن تتعلم التفويض لمساعدين:
التفويض في العمل من أهم الجدارات التي يجب أن يتعلمها كل مدير. فمحاولتك القيام بكل شيء بنفسك لا تعني سوى نتيجة واحدة: أنك لن تتمكن من إنجاز أية مهمة على الوجه الأكمل. فعادة ما تكون المهام أكثر من الوقت المتوافر. وإذا لم يشاركك أحد في إنجازها، ستجد نفسك تدور في حلقة مفرغة من عدم الإنجاز والإحباط والاكتئاب ثم محاولة تعويض ذلك بإنجاز جميع مهام المرة التالية، فلا يحدث ذلك بالطبع، فتصاب بالاكتئاب والإحباط.. إلخ.
أما إذا تعلمت أن تفوض شخصًا يقوم ببعض أعمالك فستجد نتيجة أفضل بكثير. فأنت ستنجز ما تبقى من أعمال في الموعد المحدد وبالشكل اللائق المطلوب. وكذلك سيفعل من فوضته. والسبب هو أنكما ركزتما على مهام قليلة محددة، أفسحتما لهما وقتا كافيًا وذهنًا صافيًا. أما النتيجة الكلية فهي إنجاز تام ورائع ومكتمل لجميع المهام المطلوبة.
فنحن لسنا “بالرجل الخارق” أو “سوبرمان”. ومشاركة الغير لنا لا تدل أبدًا على عيب فينا أو تقصير منا. بل إنها تدل على وجود مهارة إضافية إدارية لديك، هي مهارة التفويض. وهي ليست أمرًا سهلاً، لكنك ستعتاده بالتأكيد مرة بعد مرة. كما أنك ستضع بذلك نبراسًا لباقي العاملين بالشركة، وبذلك يرتفع إجمالي أدائها. وتتخلص أنت من حالات التوتر التي تصيبك وتصيب الآخرين بسبب تعنتك ورفضك تفويض أية أعمال للغير.
2) ارفض بعض الأعمال دون إحساس بالذنب:
مشكلة كثيرين منا أنهم يظنون أن كلمة “لا” ستغضب الآخرين منهم. فإذا وصلت هذه القناعة إلى مجال العمل وجب أن نتوقف عندها لنمنحها بعض التفكير الجدي. لنتخيل مثلاً السيناريو التالي: يطلب منك مديرك أو أحد زملائك القيام بعمل ما. ومكتبك مكدس بالأوراق والمشروعات والمهام الأخرى. والحل الواقعي هو أن ترفض قبول أعمال أخرى ستضاف إلى كاهلك ويتراجع فيها أداؤك. فماذا تفعل أنت؟ تقبل ذلك التكليف، متمنيًا في قرارة نفسك أن تتمكن من إنهائها بشكل ما: بالسهر لوقت أطول أو ربما بالتنازل عن جودة الأداء بعض الشيء مقابل الانتهاء من جميع الأعمال.
وما نريد أن نقوله لك هو: تأكد أن تفكيرك هذا يتضمن عدة أخطاء.
فأولاً، لن تتأثر علاقتك الجيدة بالآخرين برفضك لبعض المهام، خاصة إذا شرحت لهم بهدوء أسباب رفضك لها.
ثانيًا، أنك عندما تقبل تلك الأعمال تضحي في الواقع من أجل لا شيء. فهذا القبول ليس في مصلحتك (لأنه عبء سيضاف إلى أعباء أخرى)، وليس في صالح زميلك أو مديرك (الذي ستؤدي له العمل بشكل غير مكتمل) وهو بالتأكيد ليس في صالح العمل أو المؤسسة (لأن أسلوب العمل هذا لن يؤدي إلى نتائج جيدة أبدًا. فما هي الاستفادة التي حققتها من قبولك لها؟ من الأفضل أن ترفض بهدوء وبدون تعنت، وتأكد أن الآخرين سيحترمونك عندئذ وسيستمرون على علاقتهم الجيدة معك أكثر بكثير من المواجهات والمشادات التي ستشهدها علاقتكما بعد أن تقدم تقريرًا ناقصًا أو غير جيد على الإطلاق. كما ستسيء أنت إلى نفسك أكبر إساءة عندما تصاب بالتوتر والعصبية من جراء اللهاث في محاولتك لإنجاز الأعمال المتكدسة على مكتبك، وكذلك عندما تصاب بالإحباط والاكتئاب بعد أن ترى أن كل ما بذلته من جهد لم يؤد سوى إلى نتائج سلبية للغاية على أدائك وسمعتك وعلاقتك بزملاء العمل ومديريه.
3) لا تكن أنانيًا:
قد تلاحظ أن هذه الصفة لا تسير مع نفس تيار الصفات التي ذكرناها سابقًا. فهذا الشخص الأناني لا يفكر سوى في ذاته وفي أدائه وفي أهمية وقته وفي ألا يستغله الآخرون (حسب تفكيره). والأدهى من ذلك أنه لا يستمع للآخرين، ويعتبر العمل سلمًا لنجاحه على حساب الآخرين أو بتسلق أكتافهم.
وفي عصر “فرق العمل” التي أصبحت المؤسسات لا تستغني عنها بأي حال من الأحوال، نجد أن تلك الشخصية تعتبر من المعوقات الكبيرة لنمو المؤسسة وتقدمها ونجاحها. كما أنه يضر نفسه أكبر ضرر لأن الشخص الأناني كثير الاهتمام بالصغائر – خاصة في العمل – مما يسبب له توترًا وشدًا عصبيًا مستمرًا. وهو في النهاية لا يجني سوى علاقات سيئة مع الآخرين. ويؤدي ذلك بالتأكيد إلى تدهور آدائه وإنتاجيته ونتائجه.
نود أن نقوم بإضافة صغيرة هنا، وهي أن نفرق بوضوح بين الأنانية واحترام الذات. فالأولى صفة سلبية لها آثارها الوخيمة على صاحبها وعلى الآخرين، كما أوضحنا سابقًا. أما احترام الذات فينبع من الرغبة في المحافظة على كبرياء الشخص وكرامته. وهو أمر مطلوب جدًا في مجال العمل. ويؤدي – على عكس الأنانية – إلى الحفاظ على مشاعر الآخرين وأحترامهم، مما يؤتي نتائج إيجابية للغاية.
4) توقف عن الشكوى المستمرة:
صفة أخرى من أسوأ الآفات التي يمكن أن يصاب بها الإنسان ويضر بها نفسه وغيره. فكثرة الشكوى بذاتها لن تجدي شيئًا في حل مشكلة قائمة. ويكون من الأوفق لو استثمر هذا الشخص الشكاء البكاء وقته في محاولة جدية وعملية لحل مشكلته. وثانيًا أنه ينفصل عن الواقع لأن الواقع لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون سيئًا إلى درجة الشكوى المستمرة منه. إنما يكمن الخطأ بالتأكيد في نظرة هذا الشخص المتشائمة التي لا ترى سوى الجانب المظلم لأي موضوع، فيصاب بالتوتر العصبي المستمر، لا لشيء سوى أنه لا يعيش الواقع بحلوه ومره، إنما بمره فقط.
ويتطلب الأمر منا إبراز نواحي الجمال في حياتنا، مهما كانت صغيرة. فلا يجب أن تحصل على ترقية حتى ترى الجانب المشرق للعمل، إنما يكفي ثناء رئيسك في العمل على مجهودك في أحد المشروعات. فذلك دليل على أنك تسير في الطريق السليم وستحصل على الترقية المرغوبة في يوم من الأيام. وحتى لو لم تكن تحصل على الراتب الذي تعتقد أنك تستحقه، فيكفيك مؤقتًا أي جديد تتعلمه من خلال العمل أو الخبرة التي تكتسبها يومًا بعد يوم، أو علاقات الأخوة التي تنمو بينك وبين زملائك وتقوى بمرور الزمن.
إنها جميعًا صغائر قد تقلب يومك وتجعله سعيدًا مشرقًا. وينعكس ذلك بالتالي على معنوياتك التي ستجعلك مقبلاً على العمل محبًا له، مما يؤثر على أدئك ونتائجك. كل ذلك بتغيير نظرتك فقط لأمور قائمة بالفعل، لكنك لا تراها، أو لا ترغب في أن تراها.
5) لا تعد بما ليس في مقدورك:
قد يظن الكاذب أنه أصبح في مأمن من المشاكل بعد قوله الكذب. ولكن العكس تمامًا هو الذي يحدث. فقد ثبت بالدليل القاطع أن الكاذب من أكثر الناس توترًا وعصبية وقلقًا. فهو يجب أن يظل مترقبًا أثر كذبته على الدوام. كما يخشى طوال الوقت أن يقول أو يفعل ما يكشف كذبه. وهكذا قد ينقذه كذبه من ورطة مؤقتة (من وجهة نظره)، لكنه يوقعه في مشاكل أكبر على المدى الطويل.
والحنث بالوعد نوع من أنواع الكذب. فأنت تعد بشيء تعلم مقدمًا أنك لست بقادر على تحقيقه أو أو الوفاء به. فإذا امتد ذلك إلى مجال العمل كانت له عواقب وخيمة. فأكثر ما يسيء إلى علاقة أية مؤسسة بعملائها هو عدم وفائها بوعودها لهم. فإذا أصغينا السمع سنجد أننا نلقي بالوعود يمينًا ويسارًا طوال الوقت دون أن ندري أحيانًا. فقولنا – من باب المجاملة – “إذا احتجت لشيء اسألني، أو اطلبه مني” يجعل الكثيرين يصدقوننا حرفيًا. فإذا سألونا بالفعل تذمرنا، إما لأننا لا نستطيع مساعدتهم، أو لأننا لا نملك الوقت الكافي لهم.. إلخ. والخطأ ليس خطؤهم. فلماذا وعدناهم نحن في المقام الأول إذا كنا غير قادرين على الوفاء بذلك الوعد؟ وتكون النتيجة عادة مشادة من نوع ما أو توتر يصيب تلك العلاقة ويمتد إليك شخصيًا. ولكن نكرر الخطأ نفسه المرة تلو الأخرى. فعند العاملين مرة، والعملاء مرة، والموردين مرة، ونحن نخلق المشاكل من حيث لا ندري.
الأجدى هنا أن نتريث قليلاً قبل أن نندفع في الوعد بشيء ما. وأن نضع في أذهاننا ملحوظة هامة، هي أن من حولك يصدقونك ويثقون في أنك تقصد ما تقوله فعلاً. فلا تعتقد أنك تقول شيئًا من قبل المجاملة، وأن الغير يفهمون الأمر على نفس الشكل. بل هم يفهمونه حرفيًا، وتقع عليك أنت التوابع. وأعلم أن عدم الوفاء بالوعد من أكثر ما يسيء لسمعتك في عملك، ويثير التذمر من حولك، وقد يهدم مجهوداتك الأخرى كلها.
أما إذا وعدت بشيء بالفعل، فعليك أن تعمل جاهدًا على الوفاء بذلك الوعد، وأقصر الطرق للقيام بذلك هي أن تعد بما تستطيع الوفاء به، ولا تورط نفسك في وعود خارج نطاق سيطرتك أو معرفتك، فإن ذلك أكثر احترامًا لك ولكل من تتعامل معه.