تُتَّهمُ النساءُ عادةً بالثرثرة ونقص العقل، والسطحية والجهل، وأنا أرى بأنَّ هذه الصّفات تنطبق على فئةٍ من النساء، تلك التي لم تَعرِف غايتَها
في هذا الوجود حقَّ المعرفة، ولم تُدرِك عِظَم الأمانة والرسالة التي تَحمِلها، فالمسلِمة التي تعي هذا، وتُدرك أن عليها رسالةً يجب أن تؤديَها في هذه الحياة – لا تجد وقتًا للثرثرة، ولا تَقبَل بأن توصف بالجهل أو قلة العقل؛ لأن حاملةَ هذه الصفاتِ معولُ هدمٍ وليست عاملَ بناء في صرح الأمة التي تنتمي إليها! ولذلك تجدها تسعى جاهدةً لأنْ ترتقيَ وتسمو بدينها وعقلها وفكرها وعلمها وأخلاقها، وتتنافس مع قريناتها ولكن ليس في السفاسف كما تفعل بعض النساء وللأسف، وإنما في معالي الأمور، شأنها في ذلك شأن الصحابيات الجليلات – رضي الله عنهن – في علو الهمة، والتسابق نحو الجنان.
شَرَفُ النَّفْسِ عِفَّةٌ وَصَلاحٌ وَلُبَابٌ يُزْرِي بِزَيْفِ القُشُورِ
ذَكِّرِينَا بِالمُؤْمِنَاتِ الخَوَالِي يَتَنَافَسْنَ فِي مَعَالِي الأُمُورِ
وَرِيَاضُ الآدَابِ يَرْتَعْنَ فِيهَا كَجِنَانٍ مَسْكُونَةٍ بِالحُورِ
وتراها خيرَ مُعينٍ لزوجها في العلم والدَّعوة، وفي كل باب من أبواب الخير، بل ربما تسابقه وتنافسه في ذلك، وهو في أتمِّ الرضا والسّرور، وتَملؤه السعادة والحبور؛ لأنه عرف من يختار.
مَنْ شَاءَ أَنْ يَحْيَا قَرِي رًا هَانِئَ البَالِ اصْطَفَاكِ
أَوْ شَاءَ عُشًّا حَافِلاً بِاليُمْنِ لَمْ يَخْتَرْ سِوَاكِ
أَوْ شَاءَ جِيلاً صَالِحًا طَابَتْ مَغَارِسُهُ اجْتَبَاكِ
مثل هذه المرأة تَعي تَمامًا ماذا يعني أنَّها راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، وتشعر بعِظَم الأمانةِ والدَّور المُلقَى على عاتقِها تجاه أولادها؛ فترعاهم، وتحنو عليهم، وتؤدبهم وتربيهم خير تربية، وتَسمو بأرواحِهم وعقولِهم، ولا يكون هذا إلا إذا أرضعتهم الدِّين كما ترضعهم الحليب! فهذا غذاء الأبدان، وذاك غذاء العقول والأرواح.
وَأَمَانَةُ الأَجْيَالِ فِي أَعْنَاقِنَا دَيْنٌ نُوَفِّيهِ إِلَى الرَّحْمَنِ
تِلَكَ الوُرُودُ النَّاشِئَاتُ عَلَى التُّقَى رَيَّانَةً مُخْضَرَّةَ الأَغْصَانِ
هَلاَّ أَخَذْتِ بِهِنَّ فِي نَهْجِ العُلاَ وَوَقَيْتِهِنَّ حَبَائِلَ الشَّيْطَانِ
أختاه فلتكن لك غايةٌ سامية تمضين نحوَها، ولتكوني من أصحاب الهمم العالية والنفوس التوَّاقة، وإيَّاكِ والعيشَ سبهْللاً، فليس هذا من نَهج المسلم، وإيَّاك والجهلَ، فما الجهلُ إلا مفسدةٌ، ولكل سوءٍ مجْلَبَة، ثُمَّ إيَّاكِ من الفراغ القاتل والمُدمِّر، فهوسببٌ لكثيرٍ من الذّنوب والمعاصي، وضياعٌ بل قتلٌ للوقْتِ بالثرثرة الفارغة، ولستُ أدري كيف يكون عندَ المسلم وقتُ فراغٍ لا يقضي فيه أمرًا ينفعهُ في دينه أو دُنياه؟! فهذا الوقت مقتٌ عليه، كما قال التابعي الجليل سفيان الثَّوْريُّ: “مَن لم يتأدَّبْ للوقت، فوقتُه مَقْت”. ولقد كان يأتي الإمامَ ابنَ الجوزي – يرحمه الله – أحيانًا في مَجلسه بعضُ البطَّالين فارغو النّفوس والعقول؛ ليتحدَّثوا معه بأحاديثَ لا تُغْني ولا تُسمِن من جوع، فيقول عنهم: “فجعلْتُ من المستعدِّ للقائهم قطعَ الكاغد (أي: الأوراق)، وبري الأقلام، وحزم الدَّفاتر، فإنَّ هذه الأشياء لا بُدَّ منها، ولا تحتاج إلى فكر وحضور قلب، فأرصدتُها لأوقات زيارتهم؛ لئلا يضيع شيء من وقتي”. ووردَ عن الشيخ الفقيه النحوي ابن عقيل الحنبلي أنه قال مُفْتِيًا: “إنِّي لا يحِلُّ لي أن أضيِّعَ ساعة من عمري، حتى إذا تعطَّلَ لساني عن مذاكرة ومناظرة، وبصري عن مطالعة، أعْمَلْتُ فكري في حال راحتي وأنا مستطرح”.
أرأيتِ أختي إلى هؤلاء كيف كانتْ هِمَمُهم عند الثُّرَيَّا؟! فلتكن لك همة عالية، ولتكن لك رسالةٌ تَحمِلينها، وليس أسمى مِن حمل رسالة الإسلام، فامضي نحوها واثقةَ الخطا، عزيزةَ الجانب، مرفوعةَ الهامة.
أَنَّى حَلَلْتِ فَأَنْتِ بَدْرٌ سَاطِعٌ مُتَلأْلِئٌ بِخَلائِقِ القُرْآنِ
فِي البَيْتِ تَبْنِينَ النُّفُوسَ فَتَرْتَقِي فِي سَعْيِهَا وَتَفُوزُ بِالرِّضْوَانِ
فِي كُلِّ قَلْبٍ حَائِرٍ يَرْجُو الهُدَى فِي الأَهْلِ فِي الأَتْرَابِ فِي الجِيرَانِ
بِرِسَالَةِ الإِسْلامِ فِيضِي حَيْثُمَا يَمَّمْتِ وَجْهَكِ بِالسَّنَا الرَّبَّانِي
فَرِسَالَةُ الإِسْلامِ مَبْعَثُ عِزَّةٍ وَمَنَارُ إِصْلاَحٍ وَحِصْنُ أَمَانِ
أَكْرِمْ بِهِ مِنْ دَعْوَةٍ قُدُسِيَّةٍ بِالبِرِّ مُشْرِقَةٌ وَبِالعِرْفَانِ
فَتَمَثَّلِيهَا فِي الحَيَاةِ فَإِنَّمَا خَيْرُ الحَصَادِ هِدَايَةُ الإِنْسَانِ
اللهم اجعل أنفاسنا في طاعتك، ووفِّقنا للعمل الصالح الذي يُرضيك عنَّا ويُقرّبُنا إليك، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم آمين، والحمد لله رب العالمين.