تعاني العديد من المنظمات في القطاع العام من ظاهرة تسببت في تكليفها الكثير مادياً ومعنوياً ألا وهي ظاهرة تسرب الكفاءات الوظيفية بعد إنفاق المنظمات الشيء الكثير والمكلف على تدريبهم وتعليمهم وتمكنهم من أداء أعمالهم بدرجة عالية من الكفاءة والخبرة ويندرج تحت مسمى الموظفين الأكفاء القيادات الوظيفية، وأعضاء هيئة التدريس المتميزين في الجامعات وغيرها من الكليات والمعاهد وكذلك الأطباء ذوي التخصصات النادرة والمهندسين المبتكرين والمبدعين وكذلك الإداريين المتفوقين وغيرهم الكثير ممن يندرج تحت مسمى موظف كفء ولهذا تم اختيار هذه الظاهرة والمشكلة التي وصلت حد التضخم في الوقت الحاضر لدراستها ومحاولة إيجاد بعض الحلول التي ربما تساعد في التقليل من هذه الظاهرة قدر الإمكان.
مفهوم التسرب الوظيفي:
يعرف التسرب الوظيفي بأنه توقف الفرد عن عضويته من أحد المنظمات التي يتقاضى منها تعويضاً نقدياً، ويلاحظ من هذا التعريف أنه يركز على التوقف والانفصال من المنظمة كما يركز على أن عملية التوقف عن العضوية أو ترك المنظمة تتم بطريقة اختيارية.
وعرفه الصباغ بأن التسرب أو ما يشار إليه أحياناً بدوران العاملين، بقصد به الاستقالة الاختيارية للعاملين، ولا يشمل الطرد أو الاستغناء عن الخدمة.
ويربط بعض الباحثين التسرب الوظيفي بدوران العمل الذي يُعرف بأنه تلك الحركة الناجمة عن ترك بعض العاملين للخدمة داخل التنظيم وإحلال آخرين جدد محلهم ، ويشير هذا التعريف إلى ظاهرة التغير في عدد العاملين نتيجة الالتحاق بالخدمة أو انتهائها.
ومن ذلك يمكن القول بأن التسرب الوظيفي هو استقالة الموظف من المنظمة التي يعمل بها ويتقاضى منها راتباً بمحض إرادته وباختياره.
آثار التسرب الوظيفي:
بالتمعن في تعريف التسرب الوظيفي، يلاحظ أن توقف الفرد عن عضويته في المنظمة باختياره وهذا التوقف أو الاستقالة هي محصلة نهائية لأسباب أو مشاكل يواجهها الموظف. وقبل الدخول في معرفة الأسباب التي دعة إلى ترك الموظف لمنظمته، لابد من معرفة الآثار المترتبة على هذا التوقف والتي جعلت الكثير من الباحثين يتجهون لدراسة هذه الظاهرة .وهذه الآثار التي يولدها التسرب الوظيفي لا يمكن القول بأنها دائما سلبية بل على العكس فأحيانا يكون لهذه الظاهرة آثار ايجابية. ومن أهم الآثار المترتبة على التسرب الوظيفي (السلبية والايجابية) ما يلي:
1- الآثار السلبية:
أ- على مستوى المنظمة:
1- زيادة في التكاليف عند عمليات إحلال موظفين جدد لسد الوظائف الشاغرة نتيجة للتسرب الوظيفي ( استقطاب، توظيف، تدريب، ………. ).
2- فقد الخبرة لدى الموظفين المتسربين وصعوبة استحصالها، وبذلك تفقد المنظمة جزء من ثروتها.
3- انخفاض إنتاجية الموظفين خلال الفترة التي تسبق تسربهم، مما يؤثر سلبيا على بقية زملائهم في العمل، وإمكانية تسرب بعض أسرار المنظمة لجهات أخرى.
ب- على مستوى الفرد المتسرب:
1- فقد الفرد مكانته الوظيفية و أقدميته في المنظمة والتي اكتسبها خلال فترة عمله.
2- التكاليف المادية من خلال الانتقال من مكان إلى آخر.
3- خلق حالة من عدم الاستقرار وعدم القدرة على التكيف بالنسبة لعائلة الموظف عند الانتقال من مدينة إلى أخرى.
ج- على مستوى الزملاء في المنظمة:
1- فقدان الزملاء الأكفاء.
2- انخفاض الرضا عن العمل.
3- زيادة أعباء العمل عليهم بسبب تسرب زملائهم.
د- على مستوى المجتمع:
زيادة نسبة التسرب في مجتمع ما قد يؤدي إلى إعاقة الإنتاجية في هذا المجتمع.
2- الآثار الإيجابية:
أ- على مستوى المنظمة:
1- التخلص من الموظفين الذين هم دون المستوى أداء وإنتاجية.
2- إدخال تعديلات جديدة وتغيير في طبيعة ومرونة العمل.
3- إعادة تقييم السياسات والإجراءات.
ب- على مستوى الفرد المتسرب:
1- زيادة التعويض المادي الذي يتقاضاه عند انتقاله لمنظمة أخرى.
2- التقدم الوظيفي في مجال عمله.
3- زيادة قوة العلاقات الأسرية عند انتقاله إلى المدينة التي يفضلها.
ج- على مستوى الموظفين الذين بقوا داخل المنظمة:
1- زيادة اتجاهاتهم الإيجابية نحو العمل.
2- ارتفاع مستوى أدائهم لأعمالهم.
3- زيادة فرص التقدم للإمام.
د- على مستوى المجتمع:
انتقال الأفراد إلى مجال جديدو قابل للتوسع في فترات الازدهار والنمو الاقتصادي وهذا ينعكس أثره ايجابيا على التنمية الاقتصادي.
أسباب التسرب الوظيفي:
وبعد معرفة الآثار المترتبة على التسرب الوظيفي ومدى ما تسببه السلبية منها من خسائر فادحة ليست في تكاليف أحلال موظفين جدد فقط بل في فقد خبرات بُنيت على مدى سنين من العمل المتواصل والدؤب والمميز أيضا لاؤلئك الموظفون الأكفاء الذين تركوا المنظمة، فلابد من معرفة الأسباب التي أدت إلى تسرب هذه الكفاءات، وللتعمق أكثر فهناك أسباب تنشئ داخل حدود المنظمة وتسمى هذه الأسباب بالتنظيمية، أو لأسباب تختص بتوفر فرص عمل وعروض من القطاع الخاص برواتب أعلى وحوافز مادية ومعنوية أفضل، وتسمى بالأسباب الاقتصادية، أو لأسباب شخصية. ولتوضيح هذه الأسباب بشكل مفصل يمكن القول بأن من:
1- الأسباب التنظيمية:
أ- مقدار الأجور والمرتبات بكافة أنواعها.
ب- عدم الشعور بالأمان في العمل (اغتراب الموظف).
ج- المركزية في العمل (الشعور بالدونية وعدم السيطرة على مجريات عمله).
د- عدم التقويم الصحيح لمحتوى الوظيفة (بسبب عدم الرضا).
هـ- عدم وجود فرص للتقدم والتطوير المهني.
و- الحجم التنظيمي (قد يكون مؤثر في تسرب الموظفين).
ز- ضعف العلاقات والاتصالات (عدم الاندماج بين الموظفين).
2- الأسباب الاقتصادية:
أ- التضخيم (يشجع عدد أكبر من الموظفين في الدخول إلى سوق العمل).
ب- مستويات التوظيف العالي يوفر فرص عمل متعددة قد تحفز الموظف إلى ترك عمله والانتقال إلى منظمة أخرى (كلما ارتفعت نسبة البطالة تنخفض معدلات التسرب).
ج- تركيبة القوى العاملة وما تمثله نسبة الشباب فيها (إن وجود نسبة كبيرة من الموظفين الشباب وتوافر فرص عمل بديلة يدفعهم إلى التسرب).
3- الأسباب الشخصية:
أ- القيم (لا علاقة لها بالعمل)، (مثل البحث عن وظيفة للزوجة أو الأبناء أو الحصول على تعليم للأبناء بطريقة أفضل).
ب- الرغبات والاحتياجات (كلما كانت الرغبات الشخصية والمتطلبات الوظيفية متشابهة إلى حد كبير كان معدل التسرب أقل).
ج- الدوافع (عدم التوافق بين الحاجات التي يشعر بها الأفراد في المنظمة والحوافز التي تقدمها لهم الإدارة أو انعدام الوضوح ).
د- المسؤولية الاجتماعية والأسرية (كلما زادت المسؤوليات للموظف كلما كان دافعاً له على البحث عن بدائل أفضل من وظيفته الحالية).
هـ- العمر وطول الخدمة (كلما كان الموظف صغير السن ومدة خدمته قصيرة يكون احتمال تسربه أكثر من الموظف كبير السن وصاحب مدة خدمة كبيرة).
العوامل المؤثرة في التسرب الوظيفي:
وعندما ندقق الملاحظة بأسباب التسرب الوظيفي سواء أكانت أسباب تنظيمية أو اقتصادية أو شخصية، فأنه يتضح ارتباطها بالحوافز وبالرضا الوظيفي وبالاغتراب الوظيفي وكذلك بالالتزام التنظيمي، ويمكن التوسع في ذلك بما يلي :
1- الحوافز وارتباطها بالتسرب الوظيفي:
والحوافز هي الإمكانيات المتوفرة بالبيئة والتي تستخدم لتحقيق دوافع الفرد نحو سلوك يشبع رغبته. والحوافز للفرد نوعان حوافز مادية وحوافز معنوية، وتنقسم أيضا ومن زاوية أخرى إلى حوافز ايجابية وحوافز سلبية. وأن قسوة العقوبة والشدة في التعامل (حوافز سلبية) تعد أحد أسباب التسرب الوظيفي نتيجة الشعور بالظلم والاضطهاد وهذا ما يدفع الموظف للتسرب الوظيفي وترك العمل. ونظراً لأهمية الراتب (حافز مادي) وكونه يشكل أحد الحوافز الضرورية للعمل فإن له علاقة قوية جداً بمعدلات التسرب وذلك أن أكثر العوامل أهمية في ترك العمل هو انخفاض الراتب، كما أن الترقية (حافز ايجابي) تعطي الحافز للموظف لبذل أقصى جهده في سبيل العمل وتزيد من رضاه عن عمله لشعوره بتقدير رؤسائه لجهوده وبالتالي يقل تسربه وظيفياً.
2- الرضا الوظيفي وارتباطه بالتسرب الوظيفي:
الرضا الوظيفي هو مجموع المشاعر الوجدانية التي يشعر بها الفرد نحو العمل الذي يشغله حاليا، وهذه المشاعر تعبر عن مدى الإشباع الذي يتصور الفرد أن يحققه من عمله. والأفراد الذين لديهم قدرة عالية على التكيف ويقنعون بما يُتاح لهم من إشباع يميلون إلى أن يقرروا رضا أعلى في الجوانب المختلفة عن الأفراد ذوي القدرة المحدودة على التكيف والذين يحتفظون بطموح وأهداف إشباع عالية. وبذلك تتفاوت درجة الرضا بين الأفراد عبر العوامل والعناصر المختلفة للرضا. ومن الملاحظ أن من أسباب التسرب هو عدم الرضا عن العمل وسود المناخ التنظيمي وذلك نتيجة لسوء توافر عدد من العوامل مثل الأجور والرواتب والصلاحيات ومحتوى العمل والعلاقات والاتصالات مما يولد اتجاهات سلبية لدى العاملين، تكون محصلة تلك الاتجاهات السلبية توالد شعور بعدم الرضا الوظيفي وبالتالي الرغبة في ترك العمل.
3- الاغتراب الوظيفي وارتباطه بالتسرب الوظيفي:
الاغتراب الوظيفي هو شعور الموظف بأنه ليس له سيطرة على مراحل عمله الحالي ويتعذر عليه تحديد أهداف وظيفته، أو هو الفشل في الانتماء إلى نشاطات عمله التي تمكنه من التعبير عن شعوره. وللاغتراب صور منها (فقدان القدرة، فقدان المعنى، فقدان المعايير، الانعزال، الإحساس بالإحباط، والاستياء وعدم الرضا، الإحساس بالضآلة أمام الآخرين). وهذا الاغتراب له علاقة ايجابية بعملية التسرب فكلما زاد الشعور بالاغتراب لدى الموظف وترافق ذلك مع الشعور بانعدام القدرة وعدم التحكم أدى ذلك إلى زيادة البحث عن بدائل لعمله الحالي وهو ما يسمى بالتسرب أي أن الانتماء الوظيفي يقلل في عملية التسرب .
4-الالتزام التنظيمي وارتباطه بالتسرب الوظيفي:
الالتزام التنظيمي هو حاصل أو ناتج عن ثلاث عناصر هي التطابق (وهو تبنى أهداف التنظيم باعتبارها أهداف للفرد العامل في التنظيم)، والارتباط (وهو درجة الانغماس النفسي ونشاطات الفرد داخل المنظمة)، والإخلاص (وهو درجة شعور الفرد بالارتباط والالتزام للمنظمة التي يعمل بها).
والالتزام التنظيمي هو عملية نشطة وايجابية يعبر أعضاء التنظيم من خلالها عن اهتمامهم بالمنظمة وباستمرارية نجاحها وعافيتها. والعوامل المؤثرة بالالتزام التنظيمي هي مدى التفاعل الاجتماعي بين العاملين، فكلما زاد التفاعل زادت الروابط الاجتماعية ومن تم أصبح الفرد مرتبطاً أكثر بالمنظمة، كذلك مدى الرضا الوظيفي حيث يعتبر الرضا من أسباب الالتزام، ومن العوامل المؤثرة أيضا بناء التنظيم وهيكله، وتفويض الصلاحية، ومستوى مشاركة الفرد في تنظيم عمله، وكذلك وضوح مهام العمل، ودعم وتشجيع الرؤساء والزملاء، ومكافآت العمل، والعدالة في الترقية. وبذلك يتضح وجود علاقة عكسية بين الالتزام التنظيمي والتسرب الوظيفي، فكلما ازداد الالتزام التنظيمي لأفراد التنظيم كلما انخفض معدل التسرب الوظيفي، وبصورة أخرى فأن انخفاض الولاء التنظيمي مؤشر للتسرب الوظيفي.