اعداد محاسب

تطور تعليمات الافصاح

كان الافصاح المتعلق بالمعلومات المالية في الولايات المتحدة الامريكية ولغاية العام 1934 غير مطلوب من الجهات والمؤسسات التي ترغب في بيع وشراء الاسهم والسندات. إن قانون تبادل الاسهم والسندات لعام 1934 الذي كان

يدارمن قبل هيئة تبادل الاسهم والسندات هو القانون الذي نظم الافصاح لبعض المعلومات المالية في ذلك الوقت. علماً بأن هذه الهيئة كانت قد خولت لوضع بعض المبادئ المحاسبية وممارسات الاقرار، وقد أعطى هذا القانون الضوء الاخضر لجمعيات ممارسي المحاسبة للسيطرة على هذه الفعاليات مادامت هذه الجهات تستطيع أن تظهر وبوضوح قابليتها على تنفيذ تلك المهام وبشكل مؤثر .

في العام 1938 قامت جمعية المحاسبين الامريكية بإصدار دراسة من قبل الباحثين ( سانديرس هاتفيلد، وموور) بعنوان كشف المبادئ المحاسبية وذلك ضمن جهود إظهار قبول هيئة تبادل الاوراق المالية للممارسات المحاسبية، وفي العام 1938 أيضاً أعلنت هيئة تبادل الاوراق المالية ضمن سلسلة إصدارات محاسبية وتحت العدد الرابع الى أنها أي الهيئة ستقوم بقبول الكشوفات المالية وفقاً للمبادئ المحاسبية المقبولة قبولاً عاماً والمعدة من قبل جمعيات ممارسي مهنة المحاسبة، وقد أعطت بذلك مركزاً كبيراً وقوة لهذه المؤسسات المهنية المتخصصة، من هذا المنطلق يتضح بأن الهيئة المسؤولة عن تطبيق قانون عام 1934 والمشار اليه أعلاه، قد أعطت الجهات المحاسبية المتخصصة مهمة وضع الممارسات المقبولة لمهنة المحاسبة، وقد اعتبر بعض الباحثين بأن الهيئة قد أنذرت الجهات المحاسبية المتخصصة لآخذ زمام المبادرة وقيادة المبادرات لتطوير معايير محاسبية، وبخلافه فإن هيئة تبادل الاوراق المالية ستقوم بهذا الدور عوضاً عن الجمعيات المحاسبية المهنية.

منذ العام 1939 أصدرت جمعيات المحاسبة المهنية دوريات (نشرات) عن المبادئ المحاسبية المطبقة، وما بين العامين 1938 و 1939 تم إصدار 12 نشرة تتعلق بالبحوث المحاسبية ، أما في المملكة المتحدة البريطانية وحتى العام 1970 عندما تأسست اللجنة التوجيهية للمعايير المحاسبية التي فيما بعد سميت بلجنة معايير المحاسبة وبعدها سميت بمجلس معايير المحاسبة، حتى ذلك الوقت كان على الجمعيات المحاسبية في المملكة المتحدة البريطانية الالتزام بالمعايير المحاسبية المهنية المتطورة، وقبل هذا التأريخ كانت الجهات المحاسبية المهنية المتخصصة تقوم بإصدار سلسلة من التوصيات الى أعضائها. أما في الولايات المتحدة فقد كانت هناك نشرات وبحوث محاسبية (تصدر عن لجنة الاجراءات المحاسبية) قد تأسست منذ العام 1938، وكذلك كانت هناك اَراء وأفكار تصدر عن مجلس مبادئ المحاسبة الذي تأسس في العام 1959، هذه النشرات التي تحمل الاَراء وألافكار المحاسبية لم تكن ملزمة التطبيق من قبل ممارسي المحاسبة، بل كانت تشكل أفضل الممارسات العملية لمهنة المحاسبة في ذلك الوقت، ومن المفيد الاشارة الى أنه من الواضح أن عدة نتائج وبحوث ظهرت فيما بعد معتمدة على تلك النشرات والاراء، حيث تم في العام 1965 إصدار التعليمات رقم 203 الصادرة عن جمعية ممارسي المحاسبة في الولايات المتحدة الامريكية التي كانت صادرة طبقاً لمخرجات المبادئ التي نشرها مجلس مبادئ المحاسبة المتعلقة بالافصاح ضمن الملاحق الخاصة بالكشوفات المالية. ومنذ الاول من تموز عام 1973 تم تغييرإسم مجلس مبادئ المحاسبة الى مجلس معايير المحاسبة المالية، الذي قام بدوره بإصدار عدة معايير محاسبية ملزمة وبشكل دوري .

أما لو تتبعنا هذا الموضوع في استراليا، فمن الواضح أن تأريخ التعليمات المحاسبية فيها تعتبر حديثة العهد، ففي العام 1946 قامت جمعية المحاسبين القانونين الاسترالية بإصدار خمسة توصيات تتعلق بمبادئ المحاسبة، التي كانت بشكل واضح معتمدة في إصدارها على المستندات والمبادئ المحاسبية المنشورة سابقاً من قبل جمعية المحاسبين القانونيين في بريطانيا وويلز، وفي العام 1956 صدرت عدة توصيات عن جمعية المحاسبين في إستراليا التي فيما بعد سميت بجمعية ممارسي مهنة المحاسبة في استراليا. وفي السنوات اللاحقة تم الاتفاق بين كلا الجمعيتين على إصدار كشوفات وتوصيات بشكل مشترك ومن خلال إلاتحاد الاسترالي للبحوث المحاسبية، وهي مؤسسة اشترك في تأسيسها كلٌ من جمعية المحاسبين القانونيين الاسترالية وجمعية ممارسي مهنة المحاسبة في إستراليا، وقد كان من المؤمل أن يقوم هذا الاتحاد بدور كبير في مجال تطويرالمعايير المحاسبية في إستراليا، إلا أن دوره قد تقلص بشكل كبير وخاصة بعد العام 2000 عندما اجريت تعديلات شاملة على التعليمات المطبقة وبالخصوص المتعلقة منها بكيفية إعداد التعليمات المتعلقة بوضع المعايير المحاسبية. إن هذه التعديلات الجذرية أناطت مهمة إصدار المعايير المحاسبية بيد مجلس معايير المحاسبة الاسترالي بدلاً عن جمعيات المحاسبة المهنية العاملة، ولهذا فأن هذه الخطوة تعتبر عملياً تقليصاً في قابلية هذه الجمعيات المهنية على إصدار تعليمات للتطبيقات الذاتية، وأما في الوقت الراهن فقد تم اعتماد معايير الاقرار المالي الدولية في إستراليا ولهذا فإن أغلب المعاييرالمحاسبية الموضوعة والسارية المفعول حالياً قد تطوربشكل مركزي من قبل مجلس معايير المحاسبة الدولي الذي يتخذ من المملكة المتحدة البريطانية مقراً له، لهذا وبشكل منطقي فان مهمة مجلس معايير المحاسبة الاسترالي في إصدار وتطوير المعايير المحاسبية بشكل منفصل قد تقلص كذلك نظراً لاعتماده على مايصدره المجلس الدولي للمعايير المحاسبية

وبما أننا لازلنا نتحدث عن مراحل تطور الافصاح، نرى أنه من المفيد الاشارة هنا الى جانب مهم من الحقائق الموجودة التي لايمكن معها الافتراض أو التكهن بمعطيات منطقية قد تصيب أحياناً وقد تخيب أحياناً اخرى، فإذا ما نظرنا الى الكم الهائل من المعلومات المتوفرة عن الاسواق المالية العالمية وبمجرد معرفة التواريخ الحقيقية لآنشاء أغلب هذه الاسواق نلاحظ ان هذه الاسواق كانت موجودة أصلاً في بعض الاحيان بعشرات السنين أو حتى بمئات السنين قبل كل التواريخ المشار اليها أعلاه، فكيف علينا إذن أن نفسر هذه الظاهرة ونحن أمام حقائق تأريخية دامغة لا يمكن تجاهلها أو عدم الاخذ بها، خاصة ونحن ندعي الامانة البحثية والمصداقية التي يجب أن يتم التركيز عليها في مثل هذه الحالات العلمية، لذا إرتأى الباحث الاشارة الى بعض تلك الحالات التي تشير الى حتمية وجود الافصاح منذ مئات من السنين (ولو بأشكال بسيطة أو أولية تختلف عما هو متاَلف عليه في الوقت الحاضر)، نعم إن البدايات الاولى للافصاح يمكن ان تكون وليدة الظروف الاقتصادية وبالاخص الازمات المالية والاقتصادية التي انتابت العالم المتحضر وبالاخص في القرن الحالي والذي سبقه، ولكن السؤال الكبير الذي يطرح نفسه هنا وبالحاح كبيرهو، كيف نفسر وجود أسواق أسهم وسندات عالمية (حتى ولو كانت محلية في ذلك الوقت، أي تعمل على نطاق داخلي ) منذ مئات من السنين وكيف كانت تتعامل بغياب الافصاح وقواعده ومبادئة؟ هل يعقل مثلاً أن أول بورصة للسوق في انتوورب ببلجيكا انشئت في العام 1460 وفي بريطانيا تأسست بورصة لندن في العام 1570 أما في الولايات المتحدة الامريكية فقد أنشأت بورصة نيويورك في العام 1792 وبالتحديد يوم 17 من أيار في شارع وول ستريت الذي حمل السوق هذا الاسم لحد الان والذي يعرف بسوق وول ستريت، وفي فرنسا كانت أول معاملات للبضائع العامة ترجع الى العام 1719 ثم قفلت هذه البورصة في العام 1793، لكنها فتحت مرة اخرى في عام 1796 .

وأما في اليابان فيعتبر سوق طوكيو للاسهم الذي تأسس في 15 من اَيار من العام 1878 في مدينة طوكيو اليابانية من أشهر اسواق المال في العالم، حيث بدأ العمل في هذا السوق منذ الاول من حزيران عام 1878، وفي العام 1943 تم اتحاد هذه السوق مع عشرة أسواق يابانية اخرى عاملة في المدن اليابانية المختلفة لتأسيس سوق مالية واحدة تحت اسم سوق يابان للاسهم، لكن هذه السوق الموحدة اغلقت وتم إعادة صياغتها نتيجة لإلقاء قنبلة على مدينة ناكاساكي اليابانية إبان الحرب العالمية الثانية. علماً بأن سوق طوكيو للاسهم قد تم إعادة افتتاحها تحت اسمها الحالي في 16 من أيار من العام 1949 أي بعد صدور قانون التعامل بالاسهم في اليابان. وهناك العديد من الاسواق الاخرى التي كانت موجودة قبل عشرات من السنين، أي قبل وجود مبادئ وتعليمات ومعايير الافصاح المعروفة حالياً، إذن كيف يعقل تواجد هذه المجموعة من الاسواق وكيف كانت تتعامل في غياب الافصاح المحاسبي والمالي؟ أم هل كانت هناك مبادئ قد تعتبر بديلة أو مشابهه لما نألفه في أيامنا هذه؟ للاجابة عن هذه التساؤلات وغيرها نرى أن حجم التعامل في هذه الاسواق لم يكن بالحجم الكبير الذي عليه التعاملات المالية الكبيرة هذه الايام، هذا من جانب، ومن جانب اَخر فإن أقتصار تلك المعاملات على ما يبدو على الاسهم والسندات المحلية كل ذلك كان من السهل تدبيره في تلك الايام التي لم تكن التقنية متوفرة وعدم وجود وسائط النقل المتطورة التي تساعد على انتشار التجارة بشكلها الحالي، أي أن الحياة كانت بعيدة عن التعقيد وتتسم بالبساطة والسهولة وبصغر حجم التعامل، لهذا نستطيع أن نقول إن غياب الافصاح لن يوثر على فعالية السوق في ذلك الوقت، لكن إذا ما قارنا حجم التعامل الحالي لهذه الاسواق فإننا سنلاحظ وبشكل لا يقبل الشك الاهمية الموضوعية للافصاح ومتطلباته باعتباره احدى الدعائم الاساسية لنجاح أي سوق مالية، علماً بأن تواجد الشركات العالمية والعابرة للقارات يرجع تأريخها الى حقب السيطرة الاستعمارية التي كانت تسود العالم منذ مئات السنين، فعلى سبيل المثال فإن المورخ البريطاني الشهير(نيل فيركسون) يشير الى أن أول شركة مساهمة عالمية كانت قد تأسست في العام 1602 أي في مطلع القرن السابع عشر وهي شركة الهند الشرقية الهولندية المتحدة، حيث حققت هذه الشركة تقدماً وازدهاراً وسعة نفوذ لهولندا في ذلك الزمان، حيث أقامت على أثرها شبكة من القلاع والموانئ والاساطيل العاملة بين نيويورك وأندونوسيا، ونتيجة لذلك فقد حققت أرباحاً هائلة. ومن الجدير بالذكر أن أصل كلمة بورصة يعود الى اسم عائلة فان در بورصن البلجيكية التي كانت تعمل في مجال البنوك، واتفق على أن يكون الفندق الذي تملكه هذه العائلة بمدينة بروج مكاناً لالتقاء التجار المحليين في فترة القرن الخامس عشر، فأصبح بمرور الزمن رمزاً لسوق رؤوس الاموال وبورصة للسلع. وقد جاء أول مانشر لما يشبه قائمة بأسعار البورصة طيلة فترة التداول لآول مرة عام 1592 بمدينة انفرز .

تأسيساً على ما جاء أعلاه فإن وجود الافصاح يكون حتميٌ (برأي الباحث) منذ تلك الحقب الزمنية المشار اليها، لكن مبادئه وتعليماته لم تكن من التعقيد الذي نلمسه هذه الايام، وإذا ما قبلنا بهذا الافتراض، فإن وجود الافصاح على مايبدو لم يكن إجبارياً بموجب تعليمات ملزمة كما يألفه المهنيون والباحثون والمهتمون بشكل عام هذه الايام. حالياً نرى أن وضعية أسواق الاسهم والسندات العالمية قد اتسعت وتضخمت بشكل واسع جداً نتيجة للتعاملات الدولية الكبيرة وخلق فرص استثمارية هائلة لم تكن مألوفة في السابق وانتشار سبل الاتصالات والتكنولوجيا المتطورة وتقدم الوسائل الالكترونية الحديثة وغيرها من الاسباب التي ساعدت على رواج التجارة ومعاملات التبادل الدولية من خلال الشركات والمؤسسات الاقتصادية عابرة القارات والتي قد تعزى أيضاً الى العولمة المالية والاقتصادية بشكل عام.

فمن حيث التعامل يعتبر سوق نيويورك في وول ستريت أكبر الاسواق المالية العالمية، فقد بلغ إجمالي التعامل برأسمال الشركات المسجلة في هذه السوق في نهاية حزيران 2010 مامقدارة 11,794 ترليون دولار أمريكي قياساً ب 9,864 ترليون دولار أمريكي لنفس الفترة من العام 2009، وتأتي سوق طوكيو للاوراق المالية بالمرتبة الثانية حيث بلغ حجم التعامل بها ولنفس الفترة في حزيران 2010 ما مقداره 3,277 ترليون دولار مقارنة بمبلغ 3,204 ترليون دولار في حزيران 2009، وكانت المرتبة الثالثة من نصيب سوق ناسداك الامريكية فقد بلغ حجم التعامل بهذه السوق في نهاية حزيران 2010 ما مقداره 3,165 ترليون دولار أمريكي مقارنة بمقدار 2,590 في حزيران 2009، أما سوق لندن فقد جاءت بالمرتبة الرابعة بين أسواق العالم المالية وبالمرتبة الاولى بين مجموعة الدول الاوربية حيث بلغ إجمالي رأسمال الشركات المسجلة في هذه السوق في حزيران 2010 ما مقداره 2,407 ترليون دولار مقارنة بمقدار 2,198 ترليون دولار في نهاية حزيران من عام 2009

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى