تعرف على الإدارة العادلة.. هل هناك وجود لها؟
يُعتبر مبدأ الإدارة العادلة مجالًا واسعًا للبحث داخل المؤسسات؛ حيث يخضع للتدقيق بما يمكن أن يتناول طبيعة القرارات التي يتم إصدارها، والتوقيت الذي أُقرت فيه، إضافة إلى طرق التعامل مع الموظفين، والعمل على عدم الانجراف وراء العواطف أو المشاعر، وغيرها الكثير من الأمور التي تبدو أنها تساهم في تحقيق الموضوعية وكل ما هو في صالح العمل.
في الغالب يجب أن يتسم المدير الناجح بالعديد من الصفات التي تساعده في الإمساك بزمام الأمور بالشركة، علمًا بأن المناصب الإدارية تختلف وتتعدد وفقًا لمهام كل واحد منهم؛ لذا يتوجب عليه معرفة تفاصيل دوره دون أن يتدخل في أدوار الآخرين.
قد نتحدث مطولًا عن صفات المدراء الناجحين في العالم؛ ولعلهم السبب الأهم والأبرز لنجاح المؤسسات؛ إلا أن الواقع في المنطقة العربية يختلف إلى حد ما عن التجارب العالمية.
القائد الإنساني
“القائد” هو الكلمة السرية لأبواب الإدارة العادلة؛ حيث يمكن لهذا الشخص أن يدر الأموال على المؤسسة، فضلًا عن توجيه الطاقم الوظيفي كل في مجاله دون أن يقع في الكثير من الفخاخ التي تختبئ وراء صفات قد تبدو مثالية.
وبالطبع فإن الباحث عن المثالية سيكون الخاسر دائمًا –فلا وجود للكمال في عالم البشر– وبالتالي فإن القائد هو من يتولي مهام الإدارة العادلة؛ عن طريق معرفة كيفية الإلمام بكل الأمور التي تساعده في تعزيز إنسانيته بالمقام الأول.
صفات تهدد الإدارة
هناك العديد من الصفات التي يمكنها أن تقضي على القائد وتجرده من مهامه، وتجعله واحدًا من ملايين المدراء الضعفاء الذين يقفون عاجزين عن الإدارة العادلة؛ والتي يمكن تلخيصها كما يلي:
الانجراف وراء المشاعر
يعلم القائد الناجح أن الانجراف وراء مشاعره، سواء كانت إيجابية أم سلبية، لن تساعده في مهامه الإدارية، فكما قيل في الأمثال قديمًا: “لا تعطي وعدًا وأنت في قمة سعادتك، ولا تتخذ قرارًا وأنت في قمة غضبك”.
يعتبر هذا هو المبدأ الذي تحتكم إليه الإدارة العادلة أو الإنسانية، فلا مجال لوجود العواطف أو المشاعر في المؤسسات؛ سوى في حالات بسيطة.
ولأن لكل قاعدة استثناء؛ فإن التعامل بالإنسانية –كمراعاة الحالات المرضية أو إعطاء الفرص الثانية لبعض المخطئين من الكوادر– يساهم في تعزيز روح الولاء والانتماء لدى الموظفين تجاه الشركة.
لكن كيف يمكن التعرف على المدير الفاشل الذي يتخذ من الإنسانية ذريعة حتى يجذب ولاء الموظفين إليه –وليس للشركة– من خلال تصرفاته أو قراراته؟ إن سلوكيات هذا النوع من المدراء تتعدى حدود كسب إخلاص الموظفين فقط، ليغدو الأمر استعبادًا.
وينجرف المدير الفاشل بالطبع وراء مشاعره ويمكن اكتشافه بسهولة، فصوته العالي يعتبر من أهم صفاته السيئة، إضافة إلى انحيازه إلى بعض الموظفين، ممن أظهروا الولاء له؛ ما يجعلهم مدللي المؤسسة ويقضي على جودة العمل. كما يمكنه اتخاذ العديد من القرارات التي تصب في صالحه الخاص، مع التخطيط لما يمكنه أن يعزز من أيام بقائه في منصبه.
العواطف المزيفة
تقضي الإدارة العادلة على الزيف بين أركان المؤسسات، وفي الطريق إلى تحقيق النجاح فإنها تتخذ من حكمة الجمال الإنساني الداخلي سلاحًا للقضاء على قبح النفاق والذل، وطريقًا لمعرفة الوجوه الحقيقية لكل فرد وفقًا لعمله.
قد تمنح الإدارة العادلة منصبًا كبيرًا لأحد الكوادر والتي تؤمن بقدراته في العمل باحترافية وتطوره باستمرار. وعلى النقيض تمامًا؛ فإن المدير الفاشل يمنح المناصب القيادية لكل من يظهر الولاء له، دون النظر إلى جودة العمل، أو إمكاناته المحدودة، وفي مزاد علني لبيع القيم والأخلاق يبدأ في القضاء على التوازن داخل الشركة، والقضاء بيد الظلم الوحشية على روح التعاون والشغف والحماس الموجودة داخل الأكفاء.
ويبدأ فشل المدير في التفاقم من أجل الحفاظ على احتياجاته الشخصية التي تعتمد على المنصب والأموال –خاصة أن رواتب المديرين تختلف تمامًا عن معدل رواتب الموظفين– كما يحرص على إظهار العواطف المزيفة تجاه بعض الموظفين؛ سعيًا لكسب ودهم وإبراز روح المرح غير الحقيقية لصاحب العمل.
الأقوال لا الأفعال
تُظهر الأفعال معدن الأشخاص الحقيقية فما بالك فالمدراء؟ إن الإدارة العادلة تعتمد على الأفعال الصائبة، واتخاذ القرارات الصحيحة بموضوعية تامة.
ويتمثل فشل المدير غير الكفء في ترديد العديد من الأقوال المعهودة، كما تخرج الأمور عن سيطرته عندما يحاول إدخال عنصر الفكاهة إلى الحوار العملي في محاولة منه لإخفاء فراغه الداخلي والعقلي.
يميل القائد الناجح إلى تحديد مدة الاجتماعات الخاصة التي يعقدها مع باقي الطاقم الوظيفي؛ حتى لا يهدر الوقت المخصص للعمل، واعيًا لقيمته الأصلية من أجل التطور وتحقيق أهداف الاجتماع المنشودة، والرؤية العامة للمؤسسة المبنية على مبدأ الإدارة العادلة.
على الجانب الآخر فإن المدير الفاشل يسعى إلى الحديث مطولًا في اجتماع قد يدوم لمدة ساعات دون وضع قائمة مهام، أو استراتيجيات معينة للعمل؛ حيث يتخذ كلامه مسارًا دائريًا حول الأمور المعقدة تائهًا عن النقطة الأساسية والمغزى الرئيسي للاجتماع.
ديكتاتورية الرأي
تنصت الإدارة العادلة إلى كل موظف؛ إعمالًا لمبادئ المسؤولية الجماعية، وأخذًا بالشورى لتحقيق أفضل النتائج، فقد يمتلك أصغر الموظفين سنًا أفضل الأفكار ويكون أكثرهم رجاحة في الرأي، بينما يعمل القائد المميز على الاستماع إلى الكوادر؛ حيث يعلم جيدًا قدرتهم على تطوير الأداء.
فيما تحرص الإدارة غير العادلة على الاحتفاظ برأي واحد؛ وهو رأي المدير، كما يفرضه على جميع مرؤوسيه، والويل لمن يمكنه الاختلاف في وجهات النظر.
وبالتالي فإنه لا وجود لديكتاتورية الرأي ووجهات النظر الموحدة بين مطبقي الإدارة العادلة؛ حيث يمكن لرأي واحد خاطئ أن يقضي على سنوات نجاح سابقة للمؤسسات.
الإدارة العادلة
الحق يقال إن الإدارة العادلة لن تتحقق في الشركات بصفة عامة؛ فالعدل صفة إلهية غير بشرية على الإطلاق؛ لذلك فهي تخضع إلى عنصر الإنسانية بداخل كل مدير، مع السير على خط رفيع وشائك؛ حرصًا على مرؤوسيه.
يبدو وصف الإدارة الإنسانية واضحًا؛ لكنه غير دقيق في الوقت ذاته؛ إذ إن الإنسانية تحمل الكثير من مشاعر الود والعواطف التي يجب أن يضعها المدير جانبًا من أجل إرساء الحقائق المجردة من كل زيف أو قبح، مع الإمساك بميزان العدل.
ومن بين القرارات الموضوعية –فالمدير شخص في نهاية المطاف وقد تتولد لديه الكثير من المشاعر المتباينة– في العمل: الثبات الانفعالي، الإنصات إلى الموظفين، معرفة الفرق بين الود ومراعاة المسؤولية الاجتماعية، القيادة بصدق، الحكمة في وضع القواعد، تنظيم الوقت، ووضع الرؤية والأهداف التي تقوم عليها المؤسسة أو الشركة، وهنا يكمن الدور الأساسي للقائد الناجح الذي يعمل على تطبيق الإدارة العادلة بكل إنصاف.