تعرف على “كارل بستاني”..وحكاية الكعكة الطازجة
عندما يتعلق الأمر بتصميم نموذج للأعمال، ليس هناك من شيء مشترك على ما يبدو بين بيع الكعك أو البسكويت، من جهة، وتعليم الأطفال، من جهة أخرى.
إلا أن شركة “سابس” للخدمات التعليمية، وهي شركة لبنانية تدير 61 مدرسة تنتشر في 15 بلدا، تبنت نموذج تأمين الكعك الطازج باعتباره نموذجا للحفاظ على المعايير المهنية التي تتبعها هذه الإمبراطورية التعليمية.
تقول صحيفة الفاينانشيال تايمز إن “كارل بستاني”، رئيس شركة “سابس” ومقرها في أدما شمال العاصمة اللبنانية بيروت، قد ألهمته قضية “كعك السيدة فيلد” والتي اكتشفها أثناء دراسته في دورة أعمال تدريبية بجامعة هارفارد الأمريكية. وعن ذلك يتذكر “بستاني” قائلا “إن إحدى الوسائل التي يتم من خلالها السيطرة على نوعية الكعك قد تمثلت في سيطرة الجهاز المركزي على مدة بقاء الكعك خارج الفرن”.
ويقول “بستاني” إنه طور طريقة مشابهة استخدمها في فحص 47 ألف تلميذ و 4 آلاف موظف في مدارس “سابس” في الولايات المتحدة وألمانيا والمملكة المتحدة والشرق الأوسط.
ولكي يستعرض ما يعنيه بذلك، يفتح “بستاني” برنامجا على جهاز للكمبيوتر في مكتبه الذي يطل على البحر المتوسط. ويظهر البرنامج نتائج امتحان الرياضيات في مدرسة تابعة لشركة “سابس” تقع في منطقة بمدينة نيو أوريليانز. وتظهر هذه النتائج أن 75% من الطلبة قد رسبوا في الامتحان الأسبوعي بمادة الرياضيات.
عن ذلك يقول “بستاني” بصوته المنخفض وبلحيته الفضية التي تمنحه سمات معلم لمادة الجغرافيا “اعتمادا على هذا البرنامج فأنا في موقع يبعد 40 ألف ميل عن المدرسة ولكن بإمكاني أن أرفع سماعة الهاتف لأسأل كاثرين مديرة هذه المدرسة وأقول لها: ماذا حدث لطلبة الصف الثاني؟ فلديك عدد كبير من الطلبة الصغار الذين يرسبون بعد أن رسبوا في الأسبوع الماضي وما زالوا يرسبون الآن. ما الذي تفعلينه إزاء ذلك؟”.
وعلى الرغم من كون لبنان معروفا بتصدير المصرفيين والمحامين، إلا أن الأعمال داخل البلاد لم تبل بلاء حسنا في مجال التوسع على الصعيد العالمي. لذلك فإن تجربة شركة “سابس” تعد أستثناء نادرا.
ومع التوجه السائد للعديد من الشركات الكبرى نحو تقليص عملياتها الدولية بسبب أوضاع الأزمة المالية العالمية، فإن الوقت الحالي لا يبدو مناسبا لأي شركة لكي تشرع في مشروع طموح داخل الصين أو لأن تراهن على آفاق الاقتصاد في دولة الإمارات العربية المتحدة.
بيد أن “بستاني” يؤكد على أن شركة “سابس” المملوكة لأسرته تتمتع بوضع يؤهلها للتصدي لعاصفة الأزمة العالمية. ويعترف “بستاني” بالقول “نتوقع أن تقدم بعض الشركات التي تدعم دخول الآباء على تقليص أعداد الموظفين الأجانب ومن شأن ذلك أو يؤثر علينا بشكل واضح”. إلا أنه يشير إلى أن البنية السعرية التي تتبناها “سابس” ستمنحها ميزة في مناطق ودول مثل دولة الإمارات العربية المتحدة.
يقول “بستاني” “أعتقد بأننا سنربح أكثر مما سنخسر لأن مدارسنا تتمتع بموقع جيد في السوق ولأن أسعارها أقل بكثر من أسعار منافسينا”. ويضيف قائلا “في دبي هناك العديد من المدارس التي تم افتتاحها مؤخرا والتي تتقاضى رسوما تعليمية مرتفعة جدا. غير أن وزارة
التعليم لا تسمح للمدارس بزيادة رسومها بشكل عشوائي، لذلك فإننا نعتبر رسومنا التعليمية منخفضة لأننا موجودون في الساحة منذ 30 عاما”.
وفي حين تصل الرسوم التعليمية التي تتقاضها شركة “سابس” إلى 20 ألف درهم إماراتي (5.45 ألف دولار) للطالب الواحد في السنة، فإن بعض المدارس تتقاضى ما يتراوح بين 35 و 50 ألف درهم للطالب الواحد في نفس المرحلة الدراسية. وعن ذلك يقول “بستاني” “أعتقد بأن العديد من تلك المدارس ستخسر زبائنها وأن هؤلاء الزبائن سيأتون إلينا”.
ويضيف “بستاني” قائلا “أدركنا بأنه من أجل أن يكون التعليم ناجحا، يتعين النظر إليه باعتباره قطاعا اقتصاديا. والعديد من الناس لا يحبذون هذا المصطلح، ولكن لو تم التفكير به بطريقة فجة، فإن المصنعون يصنعون السيارات والأثاث ولكننا نبني البشر، فما هو أهم من بناء البشر؟”
يعود تأسيس “سابس” إلى عام 1886، عندما أقدم القس “طانيوس سعد” على تأسيس مدرسة تقع خارج بيروت. وقد انضم والد السيد “بستاني” إلى ملكية تلك المدرسة في الخمسينات من القرن الماضي، وهو ما أعطى للمدرسة اسما مركبا من سعد و”بستاني”.
وقد بقيت “سابس” باعتباره عملية إدارة مدرسة واحدة حتى عام 1975، وهو عام اندلاع الحرب الأهلية في لبنان، لتنتقل المدرسة إلى إمارة الشارقة في دولة الإمارات العربية المتحدة ولتختص بتعليم أولاد الموظفين الأجانب.
يقول بستناني “إن الشارقة كانت تمثل مدينة مختلطة يتدفق إليها البشر من جميع أنحاء العالم وذلك أثر اكتشاف النفط والغاز فيها. وقد بدأ الناس يسألوننا عن إمكانية افتتاح مدرسة في هذا المكان أو ذاك، وبهذه الطريقة بدأنا بتوسيع عملياتنا”.
بدأت “سابس” بالتوسع في خارج دولة الإمارات العربية المتحدة في أواسط الثمانينات حتى أصبحت متواجدة الآن في عموم بلدان الشرق وفي منطقة الخليج باستثناء الكويت. كما تمتلك “سابس” تسع مدارس في الولايات المتحدة ومدرستين في ألمانيا ومدرسة واحدة في مدينة باث بالمملكة المتحدة.
ولا تكشف “سابس” عن التفاصيل المالية لعملياتها إلا أن “بستاني” يقول إن قيمة الإيرادات السنوية تصل إلى 50 مليون دولار.
وتشير صحيفة الفاينانشيال تايمز إلى أن نجاح “سابس” يعد جزئيا شهادة على حركة العولمة. إذ أن العديد من تلاميذ مدارس “سابس” هم أبناء المدراء والموظفين المغتربين والأجانب – فهناك تلاميذ يمثلون 80 جنسية في مدارس “سابس” في دبي – أو أبناء أولئك الذين يريدون أن يضمنوا لأينائهم الحصول على تعليم عالي في بلد ينطق بالإنجليزية. وتجدر الإشارة إلى أن التعليم في مدارس “سابس” يتم باللغة الإنجليزية في جميع المراحل.
وعلى مدى عدة عقود قامت سلسلة مدارس “سابس” بتقديم الخدمات التعليمية التي تتراوح من الروضة إلى التعليم الثانوي العالي، إلا أنها أقدمت مؤخرا على افتتاح أول معهد تعليم جامعي يحمل اسم “كلية سابس” وذلك في إحدى محافظات إقليم كردستان في شمال العراق.
وتدرس “سابس” في الوقت الحاضر الدخول إلى الصين ضمن خطة تنطوي على افتتاح 30 مدرسة خلال خمس سنوات. ويساور بستاني طموح بأن تكون “سابس” قادرة على تعليم 5 ملايين تلميذ بحلول العام 2020.
وعلى الرغم من خطط التوسع الطموحة إلا أن أعمال “سابس” ما تزال خاضعة لملكية الأسرة. فجميع أولاد “بستاني” الثلاثة درسوا في مدارس “سابس”. ويعمل إثنان منهم في إدارة أعمال الأسرة في حين ما يزال الثالث يدرس في الجامعة.
ولدى “سابس” ثلاث نماذج مختلفة لمدارسها ولنظامها
التعليمي، وهي نماذج يراها بستاني باعتبارها مفتاحا لخطط التوسع الطموحة. ففي حين تقوم “سابس” بتشغيل بعض المدارس التقليدية الخاصة حيث يدفع الآباء الرسوم التعليمية، فإنها تستخدم أيضا نموذج الشراكة بين القطاعين العام والخاص في تشغيل مدارس نيابة عن الحكومة.
والأخيرة تسمى في الولايات المتحدة باسم” مدارس الميثاق” حيث تقدم كل ولاية مبلغا لتمويل تعليم كل تلميذ وبقيمة 9700 دولار في ولاية ماساتشوستس، على سبيل المثال، في حين تقوم”سابس” بتشغيل وإدارة المدرسة. وتشغل “سابس” 30 مدرسة في عموم دولة الإمارات العربية المتحدة.
أما النموذج الثالث فهو عبارة عن نظام للترخيص يتم في ظله تشغيل المدارس باستخدام مناهج “سابس” إلى جانب بعض من 900 كتاب مدرسي يعود للشركة. ويعتبر النموذجان الأخيران مفتاحا لهدف “سابس” في تعليم 5 ملايين تلميد بحلول العام 2020.
ويستخدم منهاج “سابس” برامج كمبيوترية وكتب مدرسية مصممة من قبل نحو 160 شخص يتخذون من أدما في لبنان مقرا لهم، وتتراوح اختصاصاتهم بين المهارات الأكاديمية والتفتيش الأكاديمي وتطوير البرامج وتصميم الكتب.
ومع ذلك فإن “بستاني” يدرك جيدا بأن نموذج الحجم الواحد الذي ينطبق على الجميع لا يصلح عندما يتعلق الأمر بتعليم أطفال في بلدان عديدة باحتياجات متباينة. وفي حين أن جميع مدارس “سابس” تدرس منهاج سابس، فإن هذا المنهاج مفصل حسب احتياجات كل بلد. وفي بعض الأحيان يعني هذا التفصيل إضافة مادة تاريخ الحكومة الأمريكية في المدارس الكائنة بالولايات المتحدة.
غير أن الفرق الأساسي فيما بين مدارس “سابس” يكمن في تعليم الدين. ففي حين أن مدارس “سابس” معروفة بكونها مدارس غير دينية إلا إنه يتعين عليها أن تتبع القواعد والأحكام والقوانين المتبعة في كل بلد تعمل فيه. إذ يقول بستاني “إن طبيعة الحكم في لبنان لا يتطلب منا تعليم الدين لذلك فنحن لا نقوم بتعليم تلك المادة. أما في الأردن، فإن النظام يقتضي تعليم الدين المسيحي للمسيحيين والدين الإسلامي للمسلمين. غير أنه في دولة الإمارات العربية المتحدة، ينص القانون على أنه يتعين على المسلمين أن يتعلموا مادة الدين ولا يتعين على المسحيين أن يفعلوا ذلك”.
ولكن أينما كانوا وفي أي مدرسة يدرسون، يتعين على تلاميذ مدارس “سابس” أن يخضعوا لنظام مستمر من الاختبار عبر امتحانات أسبوعية، وهي اختبارات بإمكان بستاني أن يطلع على نتائجها وهو جالس في مكتبه