تعرف عندما ترتبط الحياة بالمشروع برأي مايكل بيرك
يعتقد “مايكل بيرك” بأن تحوله إلى مليونير كاد أن يودي بحياته. فقد خضع لعملية جراحة قلب بعد تسعة أشهر فقط من إقدامه على بيع شركته “بيبو” للشبكات الاجتماعية عبر الإنترنت إلى شركة “أميريكان أون لاين” (AOL) مقابل 850 مليون دولار في مارس 2008.
فمنذ ذلك الوقت تحول المرض البسيط الذي كان يعاني منه منذ فترة طويلة إلى خطر يهدد حياته. ويعتقد “بيرك” رائد الأعمال (entrepreneur) المولود في بريطانيا بأن ذلك لم يكن مجرد صدفة.
1
يقول “بيرك” الذي بلغ مؤخرا الأربعين من العمر “إن الإحصاءات تظهر أن بعض الناس يموتون بعد وقت قصير من إحالتهم إلى التقاعد. وأعتقد بأنني مررت بشيء مشابه. إذ أن بيع الشركة قد مثل تحولا كبيرا في نمط معيشتي”.
استغرق تعافي بيرك من العملية الجراحية ستة أشهر في حين ولدت زوجته وشريكته في الأعمال، “زوتشي” طفلهما الثالث بعد فترة قصيرة من بيع شركة “بيبو”، وهو ما جعل الأسرة أيضا مشغولة.
غير أن “بيرك” الذي يبدو متعافيا ونشطا في يوم مشمس في شمال لندن أثناء زيارة إلى المملكة المتحدة من مدينة سان فرانسيسكو حيث يقيم، يبدي الآن حماسا للتحدث عن كيفية عودته إلى مجال الشركات المبتدئة في مجال التكنولوجيا ولكن باعتباره مستثمرا رأسماليا، بما في ذلك مبادرته الجديدة مع برينت هوبرمان، المؤسس المشارك لشركة “لاستمنيت دوت كوم” (Lastminute.com)، وباعتباره رائد أعمال مرة ثانية من خلال مجموعة من الأفكار الجديدة.
لقد عادت شركة “بيبو” إلى واجهة الأخبار مرة أخرى وذلك بفضل إقدام شركة AOL على بيعها إلى شركة “كرايتيريون كابيتال بارتنرز” ومقرها كاليفورنيا مقابل مبلغ لم يتم الكشف عنه ويعتقد بأنه أقل من 10 ملايين دولار أو جزء يسير جدا مما دفعتها إلى “بيرك”.
فقد بدأ موقع “بيبو” للشبكات الاجتماعية بالتدهور حالما اشترته شركة AOL حيث انخفض عدد المستخدمين من 24 مليون في يونيو 2008 إلى 9.2 مليون مستخدم في مايو 2010، حسب الأرقام الصادرة عن شركة “كومسكور”. وتقارن هذه الأرقام بعدد مستخدمي موقع “فيس بووك” البالغ 500 مليون مستخدم.
وعن السعر الذي تقاضته AOL عن موقع “بيبو”، يقول بيرك “من الواضح أنه سعر منخفض إلا إنني سعيد بأن الموقع سيستمر بدلا من أن يتم إقفاله. فهناك قدر مؤكد من العاطفة حول هذا الموقع. إذ عملنا لفترة طويله على تطويره. وأنا لست من النوع الذي ينظر إلى الخلف”. لهذا السبب لم يفكر بيرك على الإطلاق بأن يعيد شراء الموقع. وعن ذلك يقول “أفضل أن أتطلع إلى الأمام”.
وأثناء جلوسه في مطعمه المفضل “يورك أند ألباني” الذي يمتلكه الطباخ الشهير “غوردون رمزي” والذي يقع بالقرب من منزل عائلته في منطقة بريمورس هيل في لندن، يتحرك “بيرك” قليلا في كرسيه أثناء تأكيده على أنه لا يعتقد بأن الهبوط السريع الذي أصاب موقع “بيبو” يمكن أن يؤثر سلبا عليه.
إذ يقول إن الاتجهات تتغير على شبكة الإنترنت. فقد كان في البداية موقع “ماي سبيس” ومن ثم موقع “بيبو”، أما الآن فإن الهيمنة تعود إلى موقع “فيس بووك”.
ويضيف قائلا “لم أقم على الإطلاق بأي شيء فقير عندما كنت أدير الشركة. فقد حاولت تحقيق النمو بقدر المستطاع”. ومن وجهة نظره، يعتقد “بيرك” بأن من الصعب العثور على سبب معين يقف وراء فشل موقع “بيبو” في الازدهار.
ويضيف “من الواضح أن التوقيت كان مناسبا لنا وسيئا لشركة AOL. فالاقتصاد العالمي قد شارف على الانهيار بعد شهرين أو ثلاثة أشهر من توقيع صفقة البيع. كما أن AOL أقدمت على تغيير المدير التنفيذي بعد فترة وجيزة، وفي العادة يميل المدراء التنفيذيون إلى أن تكون لديهم مشاريع خاصة بهم. ولم تحظ مثل تلك المشاريع بالفرصة على تحقيق النجاح”.
حقق “بيرك” 600 مليون دولار من صفقته مع AOL. لذلك فهو يعتزم استخدام جزء كبير من هذا المبلغ لتأسيس مشاريع جديدة. إذ يقول “ليس هناك العديد من رواد الأعمال ممن يريدون التقاعد. فهم لا يعتزمون على الإطلاق أن يؤسسوا شركة لكي يبيعونها ويحققوا الأموال، بل إنهم يجدون شعورا عظيما بالقناعة في تحقيق شيء ما”.
وبشكل عام فإن رواد الأعمال في مجال التكنولوجيا المتقدمة ينقسمون إلى صنفين، المثاليون نسبيا، والآخرون الذين يضعون تحقيق المال نصب أعينهم. وعلى ما يبدو فإن “بيرك” يحاول أن يضع نفسه في خانة الصنف الأول من خلال المشاريع الجديدة التي يريد القيام بها، رغم أنه يبدو ظاهريا بأنه من الصنف الثاني بفضل صفقة بيع موقع “بيبو”.
ويحاول “بيرك” في الوقت الحاضر وضع الأسس الصحيحة لشركته التكنولوجية “مونكي إنفيرنو” ومقرها مدينة سان فرانسيسكو في حين يخطط لأن يكون له نحو خمسة مشاريع جديدة تحت التطوير في وقت واحد.
أول هذه المشاريع يتمثل في موقع “بيرثدي ألآرم. دوت كوم (BirthdayAlarm.com)، وهو موقع يساعد المستخدمين على تذكر أيام الميلاد. وكان “بيرك” قد أسس هذا الموقع قبل نحو 10 أعوام إلا أنه لم يحرز فيه سوى نجاحا متواضعا حيث يبلغ عدد مستخدميه في الوقت الحاضر 50 مليون مستخدم وتصل إيراداته إلى 4 ملايين دولار في السنة. إلا أنه تم إهمال هذا الموقع أثناء فترة صعود موقع “بيبو”.
المشروع الثاني الذي يعتزم “بيرك” إقامته يتمثل في موقع “جوليتيكس”، وهو موقع معقد للشبكات الاجتماعية مخصص للمستخدمين المهتمين أو النشطين في السياسة. ويتوقع “بيرك” أن يتم إطلاق هذا الموقع في غضون الأشهر القليلة المقبلة. يحاول “بيرك” في مشاريعه الجديدة إعادة خلق الشروط التي تم خلالها تأسيس موقع “بيبو”. فهناك خمسة مبرمجين جالسين حول طاولة في مكتب مفتوح في محاولة لتقليد إمكانية البدء بتاسيس شركة أثناء الجلوس على طاولة طعام في المطبخ. إلا أن ما يميز المشاريع التي يحاول “بيرك” تأسيسها هو غياب القلق بشأن تأمين مصادر التمويل. إذ يقول “لا أجد أنه يتعين علي أن أسعى لتأمين التمويل لذلك فلسنا ملزمين بأن نكون مسؤولين أمام أي أحد”.
كما يقول “بيرك” أنه لا يتوقع بالضرورة إحراز نجاح على غرار ذلك الذي أحرزه في موقع “بيبو”. ويضيف قائلا “لن أكون حزينا إذا لم ننجح في خلق شيء يفوق بيبو. سأكون حزينا إذا لم يحقق أي مشروع من تلك المشاريع النجاح”. يعتبر “بيرك” نفسه بأنه حقق نسبة نجاح مقدارها 50% في مجال شركات الإنترنت المبتدئة حتى الآن. ففي حين فشلت الشركات الثلاث الأولى التي أسسها فإن الشركات الثلاث الثانية حققت الأرباح. ومع هذه الخبرة، وباعتباره بريطاني يؤسس الشركات في الولايات المتحدة، يشعر “بيرك” بقوة بالفرق القائم بين مواقف الجهات الداعمة المحتملة للشركات المبتدئة في المملكة المتحدة عنه في الولايات المتحدة.
وعن ذلك يقول “إذا فشلت في الولايات المتحدة فإن الناس ينظرون إليك باعتبارك شخصا يحمل آثار المعارك أي باعتبارك أكثر حكمة وأقل احتمالا على ارتكاب نفس الاخطاء مرة أخرى. أما في المملكة المتحدة فإن الفشل يتم النظر إليه بشكل سلبي. وأعتقد أن بإمكان المرء أن يعرف متى يكون رواد الأعمال ناجحين. فأنا أعرف أنهم سينجحون يوما ما ولكن يجب عليهم أن يتحملوا احتمالات الفشل لعدة مرات في البداية. وأنا أخبر رواد الأعمال بذلك عندما أقابلهم إلا أنهم يكتفون بالابتسام”.
وبالإضافة إلى شركة “مونكي إنفيرنو”، يعمل “بيرك” جنبا إلى جنب مع “هوبرمان” على وضع اللمسات الأخيرة على شركة “بروفاونديرز كابيتال (ProFounders Capital)، وهي شركة للاستثمار في المشاريع وتركز الآن على الاستثمار في المراحل الأولى من مشاريع التكنولوجيا الأوروبية. وعن ذلك يقول “أشعر بأن لدي واجب للقيام بذلك. فجميع رواد الأعمال يريدون أن يروا غيرهم من رواد الأعمال يحققون النجاح”.
وعلى ما يبدو فإن اهتمام بيرك بهذه الشركة ينبع جزئيا من شعور وطني. إذ يبدي “بيرك” قلقا تصاعدا من هجرة المبتكرين إلى الولايات المتحدة. إذ يقول “بإمكاننا أن نبني مواهب عظيمة هنا في المملكة المتحدة إلا أن هذه المواهب غالبا ما تميل إلى النزوح إلى الولايات المتحدة. وهناك العديد من المواهب هنا إلا أن المشكلة الرئيسية تكمن في الصمود وفي تنمية الشركات الكبيرة”.
ومثل وجهة النظر هذه لا تخلو من المفارقة، خصوصا إذا عرفنا بأن “بيرك” انتقل إلى الولايات المتحدة، متأثرا بزوجته الأمريكية، قبل أن يبدأ بتأسيس موقع “بيبو”. غير أنه عازم على أن تتخذ شركة “مونكي إنفيرنو” من المملكة المتحدة مقرا لها.
وباستثناء فترة التدهور في صحته، فإن “بيرك” يؤكد على أن لم يتغير سوى قليلا نسبيا رغم ثروته الجديدة التي اكتسبها. فهو لا يزال مبرمجا في قلبه وقالبه، ولا يحب شيء أكثر من أن يقضي جل وقته في كتابة شفرات البرمجة، وهي ممارسة يصفها بأنها “مريحة للأعصاب وممتعة وأشبه بلعبة شطرنج”.
وعن ملاذاته وإنفاقه الشخصي، يقول “بيرك” “اشترينا عقارين ولكن لم نقم بما يقوم به الأغنياء عادة من شراء طائرة خاصة أو يخت. قدمت طلبا لشراء سيارة جاغوار موديل 1965 يجري الآن تعريتها وإعادة بنائها لي، وأعتقد بأن ذلك متعة”. وعن سبب عدم إنغماسه في الصرف والإنفاق، يقول “بيرك” “عندما لا يستطيع المرء أن يحصل على شيء فهو يريده ولكن عندما يستطيع الحصول عليه فإنه لا يريده. بإمكان المرء أن يغرق بالكامل في امتلاك الأشياء”.