بقلم د.عرفان فوزي
ويمكن القول أنه يسود الفكر المالي وهو بصدد تحديد مفهوم الدخل من الناحية الضريبية اتجاهان
الإتجاه الأول : يضيق من تعريف الدخل ويعرف الدخل بالنظر إلى المصدر الذي يأتي منه ،وهو ما يستلزم للدخل عنصر الدورية والانتظام وهو ما يعرف بنظرية [المصدر أو المنبع].
الإتجاه الثاني : يوسع من تعريف الدخل وهو ما يعني تعريف الدخل بالزيادة في الأصول المكونة لثروة الممول، ولذا يطلق على هذا الاتجاه [بنظرية الميزانية أوالإثراء] ورغم ذلك نجد أن مفهوم الدخل في التشريعات الضريبية المعاصرة هو مزيج متفاوت النسب من نظرية المصدر ونظرية الإثراء . وفيما يلي بيان هاتين النظريتين.
النظرية الأولى: النظرية التقليدية [ نظرية المنبع أو المصدر[ يعرف الدخل وفقاً لهذه النظرية هو كل قوة شرائية نقدية جديدة تتدفق بصفة دورية خلال فترة زمنية بحيث يمكن استهلاكها دون المساس بمصدرها “رأس المال”. وقيل أيضاً في تعريفه ” بأنه كل قوة شرائية صافية ناتجة من مصدر قابل للبقاء وتوضع تحت تصرف المكلف بصفة دورية”. وقيل أيضاً ” بأنه كل ثروة قابلة للتقويم النقدي يحصل عليها الممول بصفة دورية من مصدر قابل للبقاء يمكنه من إشباع حاجاته باستهلاكها دون مساس بماله الأصلي”. يتضح لنا من خلال هذه التعريفات ضرورة توافر ستة شروط مجتمعة لكي يعد الدخل دخلاً وفقاً لنظرية المنبع أو المصدر. أن يمثل الإيراد قوة شرائية والقوة الشرائية تعني إمكانية أن يتعامل بها المكلف في الأسواق بكافة المعاملات المدنية، وهذا ما يستدعي أن يكون الإيراد مبلغ من النقود أو شئ يمكن تقدير قيمته النقدية، فلا يدخل في مفهوم الدخل المنافع والخدمات التي يحصل عليها المكلف ولكن يتعذر تقدير قيمتها النقدية، لذلك فإن خدمات الزوجة أو الأم لا تعد دخلاً بالرغم من أنها تساعد في رفاهية الأسرة لصعوبة تحديد قيمتها النقدية بينما يعتبر سكن الإنسان في منزله دخلاً حيث يسهل تحويله إلى نقود، كذلك يعد دخلاً كافة ما يحصل عليه الفرد من مزايا عينية طالما كانت قابلة للتقويم النقدي، مثال ذلك السكن المجاني، والسيارة الخاصة، والوجبات المجانية، التي قد يحصل عليها بعض العاملين كمزايا عينية إلى جانب رواتبهم. (2) دوام المصدر وبقاؤه (الاستمرارية) فيشترط أن تكون هذه القوة الشرائية ناتجة من مصدر قابل للبقاء، وهذا يعني إستمرار مصدر الدخل وعدم فنائه بعد أن يعطي ثماره، ولا يعني قابلية المصدر للبقاء إستمراريته بصفة دائمة ومطلقة، وإنما يكفي بقاء الإنتاج القوة الشرائية أكثر من مرة واحدة، فالعمارات السكنية تمثل مصدر دخل لصاحبها قابل للبقاء وكذلك الشركات التجارية لأصحابها والعمل على اختلاف أنواعه مصدر قابل للبقاء. (3) أن يكون الدخل دورياً : ويقصد بالدورية احتمال تجدد الدخل وتكراره لأكثر من مرة في فترات متعاقبة (كــالرواتب، إيراد العيادة الطبية، ربح التاجر) ويلاحظ هنا أنه لا يقصد بالدورية دورية ثابتة ومنتظمة لأن القول بذلك معناه أن الدخل يكون ثابتاً لا يتغير بالزيادة أو النقص وهذا غير صحيح، وإنما يكفي أن يكون هناك احتمال للدورية أي يكون الأصل الذي أنتج الدخل قابلاً لإعادة إنتاجه، دون ضرورة ضمان نفس القدر من الدخل ومادام مصدر الدخل موجود فإن الدورية المحتملة تكون موجودة أيضاً،وعلى ذلك يمكن اعتبار الإيراد الناتج من عملية التأليف دخلاً بالنسبة للأستاذ الجامعي لأن احتمال التكرار مرجح فطبيعة مهنته تستلزم منه الاستمرار في عملية التأليف وتقديم الأبحاث، أما ما يحصل عليه الشخص العادي من تأليف أحد الكتب في مجال هوايته فيعتبر دخلاً عرضياً خاصةً إذا كان احتمال التكرار معدوماً، ولا يشترط أن تكون هذه الدورية منتظمة بمعنى ضرورة حدوثها كل فترة زمنية محددة، إنما يكفي احتمال تكرارها على فترات قد تطول أو تقصر وبقيم قد تزيد أو تنقص، فقد يمرض الطبيب أو المحامي أو يتعطل العامل عن عمله لفترة ثم يعاود العمل . (4) أن يوضع تحت تصرف المكلف : فلا يكفي أن يكون الدخل محتمل الحصول بل لابد وأن يتحقق الإيراد حتى يصبح دخلاً، ويجب أن نفرق هنا بين تحقق الدخل وبين حصول المكلف عليه وتسلمه له فالعبرة بوضع الدخل تحت تصرف المكلف أو الفرد حتى ولو لم يتسلمه فعلاً، إذ يكفي أن يكون في استطاعته أن يتسلمه فوراً إذا رغب في ذلك، وبناءً على ذلك فلا تعد الأرباح الناتجة من إعادة التقدير ربحاً إلا إذا تمت عملية البيع. (ب) صافية : إن استغلال المصدر القابل للبقاء استغلالاً اقتصادياً لينتج عنه قوة شرائية يقتضي من مالكه إنفاق Expense بعض الأموال اللازمة للحصول على هذه القوة الشرائية أو هذا الدخل الدوري، ولابد من تنزيل أو خصم ما يتكبده الشخص من مصاريف لازمة لإنتاج الإيراد، كمصاريف الاستغلال والصيانة والإهلاك حتى يعد الدخل دخلاً،ومن هنا كان من الضروري أن تكون القوة الشرائية صافية أي بعد خصم كافة النفقات اللازمة للحصول عليها . (6) المـدة : الدخل من الوجهة المالية هو الإيراد الذي يحصل عليه الإنسان في مدة معينة والمدة غالباً سنة ما لم ينص على خلاف ذلك، والسنة قد تكون تقويمية [ميلادية] أي من أول يناير مع التقويم الشمسي، أو مالية ( مع ميزانية الدولة)، أو تجارية (حسب ميزانية المشروع)، ومدة السنة لا يمكن أن تكون السنة التي تجبي خلالها الضريبة بل السنة السابقة.
النظرية الثانية : [نظرية الميزانية ] زيادة القيمة الإيجارية “الإثراء”: ظهرت هذه النظرية تحت إلحاح تزايد الأعباء العامة والحاجة إلى توسيع وعاء الضرائب، وتذهب هذه النظرية إلى التوسع في تفسير مفهوم الدخل كوعاء للضريبة، حيث يعد دخلاً طبقاً لهذه النظرية كل زيادة في الجانب الإيجابي لذمة الممول أو لمقدرته الاقتصادية خلال فترة زمنية معينة أياً كان مصدر هذه الزيادة سواء اتصفت هذه الزيادة بالدورية والانتظام أو لم تتصف بذلك. ولذلك تعرف بأنها قيمة الزيادة الصافية Surplus في ثروة المكلف الاقتصادية بين تاريخين، ويقتضى ذلك حصر ثروة المكلف الاقتصادية في بداية العام ثم حصرها مرة أخرى في بداية العام التالي، واعتبار كل زيادة صافية طرأت على ثروة المكلف بين التاريخين دخلاً خاضعاً للضريبة. ولذلك لا يقتصر الدخل طبقاً لهذه النظرية على الموارد التي تتأتى من استغلال رأس المال أو من العمل أو من اندماج كليهما بصفة دورية وانتظام، وإنما يمتد ليشمل كل زيادة في الإثراء خلال فترة من الفترات حتى ولو كان ذلك بصفة عارضة وليس هناك أمل في تكراره، وذلك كجوائز السندات، والأرباح المتحققة من بيع الأسهم، والإيراد الذي يتحقق من عملية عارضة من شراء وبيع عقار أو منقول ،وكذلك الزيادة في قيمة الأصول الرأسمالية العقارية أو المنقولة بصرف النظر عما إذا كانت هذه الزيادة قد تحققت فعلاً عن طريق بيع تلك الأصول أو تحققها مفترض دون أن يتم البيع وإنما بسبب الزيادة في أسعار تلك الأصول. وهكذا يتضح لنا كيف توسع هذه النظرية من مفهوم الدخل بالمقارنة بنظرية المنبع أو المصدر . ورغم ذلك فإن الباحث يتفق مع وجهة النظر التي ترى أن هناك صعوبات إدارية تواجهها الإدارة الضريبية عند تحديد دخل المكلف وفقاً لنظرية الإثراء، كصعوبة الحصر في تواريخ متعاقبة وتتبع عمليات وانتقال الثروات العقارية والمنقولة بين المكلفين، بالإضافة إلى صعوبات التقييم للأصول والعناصر المختلفة المكونة لثروة كل مكلف في أزمنة مختلفة، وهناك احتمالات للتهرب الضريبي على أوسع مدى في ظل هذه النظرية، هذه الصعوبات وغيرها تعد من أهم الأسباب الرئيسية في عدم اعتناق التشريعات الضريبية للمفهوم الحر لنظرية الإثراء في تحديد الدخل الخاضع للضريبة. وعلى العكس من ذلك نجد أن نظرية المصدر تضيق من مفهوم الدخل وذلك لاشتراطها توافر شرط الدورية والانتظام حتى يعتبر الإيراد دخلاً، وبذلك فهي تستبعد الدخول العرضية مما يؤدي إلى تقليل حصيلة الضرائب وبالتالي تؤثر سلباً على موارد خزينة الدولة، ويمكن تجنب تلك السلبية بالنص صراحةً على إخضاع بعض الدخول العرضية للضريبة على نحو ما أخذ به المشرع الضريبي المصري، ونجد غالبية التشريعات الضريبية المختلفة تختلف فيما بينها في الأخذ بأي من هذين النظريتين، وإن كان غالبية التشريعات تحدد الدخل عن طريق المزج بين نظرية المصدر ونظرية الإثراء،إذ قلما نجد نظاماً ضريبياً يأخذ في تحديد مفهوم الدخل بنظرية معينة دون سواها، وأنه يحكم النظم الضريبية في الاختيار بين أي من هاتين النظريتين موضوع الحاجة إلى الأموال فعندما تريد الدولة الحصول على حصيلة غزيرة فإنها تتوسع في مفهوم الدخل (فتأخذ بنظرية الزيادة في القيمة الايجابية الإثراء) واستبعادها شروط الدورية والانتظام.
مع خالص تحياتي واحترامي.