«تطوير التشريعات الضريبية».. سياسة حالية لوزارة المالية تبدو في ظاهرها هدفاً جيداً لإصلاح منظومة الضرائب وتوسيع القاعدة الضريبية،
ولكن في باطنها تحمل «آفة» كبيرة لمناخ الاستثمار بمصر .. حيث مرت المنظومة الضريبية في مصر بمحطات عديدة من التعديلات التشريعية منذ اندلاع ثورة يناير عام 2011، وحملت تلك التعديلات تغييرات جوهرية في صلب قانون الضرائب يصل الى حد زيادة السعر الضريبي نفسه الذي انتقل الى مرحلة الصعود من 20% الى 25% حتى وصل الى 30% لمن يزيد دخلهم السنوى على المليون جنيه.. ووسط هذه السلسلة من التعديلات العديدة تأثر مناخ الاستثمار وحجم الأموال المستثمرة داخل مصر، وبصرف النظر عن جدوى تلك التعديلات التشريعية الضريبية وتأثيرها على زيادة الحصيلة، إلا أن عدم الاستقرار الضريبي بهذا الشكل خلال تلك الفترة الوجيزة يحمل رسائل عديدة للمستثمر وللمجتمع الضريبي، مفادها قد يصل الى حد عدم ضخ استثمارات جديدة فى ظل الخوف من مستقبل المنظومة الضريبية، أو التعامل بحذر من قبل الممولين مع الإدارة الضريبية، بما يتنافى مع فلسفة قانون الضرائب منذ صدوره عام 2005 والذى اعتمد على مبدأ الثقة والاستقرار التشريعي، من خلال التغيير الجوهري الذى حدث بالقانون القديم وتحوله الى فكر جديد يجمع بين أطراف المعادلة الضريبية على الثقة.
شهدت السنوات الثلاث الأخيرة مجموعة من التعديلات التشريعية أدت إلى حدوث عدد من الأزمات داخل المجتمع الضريبي، وعلى سبيل المثال الازمة التي حدثت في عهد حكومة الإخوان، حين تم تعديل قوانين الضرائب وصدورها من مجلس الشعب السابق، ثم اصدار رئيس الجمهورية المعزول د.محمد مرسي قرارا جمهوريا بإيقاف العمل بها بعد رفضها من جانب المجتمع الضريبي.
وقامت الحكومة التالية برئاسة الدكتور حازم الببلاوى بإجراء عدة تعديلات تشريعية ضريبية أيضا أبرزها تطبيق تعديلات قانون الضرائب على الدخل الخاصة بزيادة حد الإعفاء الشخصي من 4 آلاف جنيه إلى 7 آلاف جنيه سنويًا، وكان يهدف إلى استفادة أسر جميع العاملين بالجهاز الإداري للدولة والبالغ عددهم نحو 6٫2 مليون موظف بخلاف ملايين الأسر المصرية بالقطاع الخاص، حيث أدى هذا التعديل إلى إعفاء الشريحة الأولى لدخل أصحاب المرتبات والبالغة 5 آلاف جنيه، وهو ما يعني أن أول 12 ألف جنيه من دخل العاملين بالجهاز الإداري للدولة غير خاضعة لضرائب الدخل، أما ما زاد على ذلك من 5 آلاف جنيه وحتى 30 ألفا وهي الشريحة الثانية فتخضع لضريبة بنسبة 10%، والشريحة الثالثة أكثر من 30 ألف جنيه حتى 45 ألفا ستدفع ضريبة 15%، والرابعة أكثر من 45 ألفا وحتى 250 ألف جنيه ستدفع 20%، والخامسة والأخيرة الأكثر من مبلغ 250 ألف جنيه ستدفع ضريبة 25%.
وقبل اجراء استحقاق الانتخابات الرئاسية أصدر الرئيس السابق عدلي منصور قرارين جمهوريين, يقضي الأول بتعديل بعض أحكام قانون الضريبة علي الدخل رقم91 لسنة 2005, أما الثاني فيجيز التصالح في المنازعات الضريبية بالنسبة للدعاوي القضائية المرفوعة حتي الاربعاء الماضي، حيث نص قرار تعديل قانون الضريبة علي الدخل علي اضافة بند يسمح بخصم80% من مخصصات القروض التي تلتزم البنوك بتكوينها – وفقا لقواعد إعداد وتصوير القوائم المالية وأسس التقييم الصادرة عن البنك المركزي – من الوعاء الضريبي للبنك, واعتبار هذه القيمة ضمن تكاليف البنوك (المصروفات), وهذا التعديل كانت له ظروف خاصة جدا، حيث أعاد هذا القانون النص السابق إلغاؤه من البند (2) من القانون 91 لسنة 2005, والذي تم إلغاؤه وفقا للمادة الرابعة من القانون رقم 11 لسنة 2013 الذي أصدره الرئيس السابق محمد مرسي والذي ترتب عليه في ذلك الوقت عدم احتساب مخصصات القروض في عداد التكاليف، مما أثار غضبا كبيرا في البنوك وأدي إلي تهديد هشام رامز محافظ البنك المركزي بالاستقالة.
أما القرار الجمهوري الثاني فقد أجاز التصالح في المنازعات الخاصة بضريبة الدخل في الدعاوي القضائية المقيدة أمام جميع المحاكم بما في ذلك محكمة النقض وذلك وفقا للقانون رقم 195 لسنة 1997، وينص هذا القانون علي تشكيل لجان أعضاؤها من القضاة, تعمل علي إجراء مصالحات بين مصلحة الضرائب والمواطنين سواء الذين طعنوا علي قرارات إلزامهم بدفع مبالغ مالية ضريبية, أو المتهمين بالتهرب الضريبي.
وجاء أبرز التعديلات وأهمها القرار الجمهوري رقم 44 لسنة 2014 الخاص بضريبة الأغنياء والذي أدى إلى ارتفاع نسبة الضريبة الى 30%، حيث تحددت نسبة هذه الضريبة بواقع 5% كضريبة إضافية مؤقتة تسدد فى الأصل نقداً وليس عيناً، مع إقرار يناير 2015، على دخول الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين (الأفراد والشركات) التى تزيد على المليون جنيه سنويا، كما أجاز قرار رئيس الجمهورية للممول طلب استخدام مبلغ ضريبة الـ 5% الإضافية في تمويل مشروع خدمي أو أكثر من المشروعات ذات المنفعة العامة التي ستدرج في قائمة تصدر بقرار من وزير المالية بعد التنسيق مع وزير التخطيط في مجالات التعليم أو الصحة أو الإسكان أو البنية التحتية أو غيرها من المجالات الخدمية الأخرى، مع مراعاة أن تكون تلك المشروعات والموزعة قطاعياً على مختلف محافظات ومدن الجمهورية، وسيتم سداد تلك الضريبة الجديدة في موسم تقديم الإقرارات الضريبية التي سيبدأ تقديمها من أول يناير 2015 حتى 31 مارس للأفراد و30 ابريل للشركات. وبالنسبة للشركات التي تكون سنتها الضريبية متداخلة فتطبق هذه الضريبة على السنوات الضريبية التي تبدأ بعد أول يناير 2014 وسيتم تحصيلها مع مواعيد تقديم الإقرارات لهذه الشركات ولمدة ثلاث سنوات، والمتوقع ان تحقق حصيلة بما يتراوح بين 3 و3.5 مليار جنيه.
وكان آخر تلك التعديلات التشريعية الضريبية مشروع القانون الجديد الذي يفرض ضرائب رأسمالية بنسبة 10% على أرباح البورصة المحققة والتوزيعات النقدية، وإعفاء أول 15 الآف جنيه من التوزيعات النقدية، مع إعفاء البورصة من الضريبة في حالة الخسارة وترحيل الخسائر لمدة 3 سنوات، كما يتضمن المشروع عدم إخضاع الأسهم المجانية التى توزعها الشركات المقيدة فى البورصة على مساهميها للضريبة على التوزيعات، وبالنسبة للأجانب سيتم تحصيل ضريبة الأرباح الرأسمالية مع كل عملية على أن تتم التسوية كل 3 أشهر، وذلك كضريبة مستقطعة بنسبة 10% على كل عملية وبدون تكاليف الخسائر لأنه يقوم بتسويتها في بلده، حيث يتضمن مشروع القانون تطبيق ضريبة تبلغ 10٪ على صافى الربح المتحقق فعليًا على المحفظة المالية فى نهاية كل عام، للأفراد أو الأشخاص الاعتبارية، كما سيتم إلغاء ضريبة الدمغة على تعاملات البورصة المطبقة حاليًا، وإقرار ضريبة على التوزيعات النقدية للأسهم بسعر 10٪، على أن تنخفض إلى 5٪ للمساهمين طويلى الأجل من ذوى حصص الملكية التى لا تقل عن 25٪ بصفتهم مساهمين استراتيجيين.
ولم يتوقف أمر التعديلات التشريعية الضريبية على السنوات الثلاث الاخيرة فقط، بل سبقتها تجارب أخرى أبرزها صدور القانون رقم 114 الذي أضاف بندا جديدا فى مادة الإعفاءات توضح أن تطبيق الإعفاءات لا تؤدى إلى خسارة ترحل بالمخالفة لأساس عدم الازدواجية، وكذلك إلغاء إعفاء عائد أذون الخزانة وما أثير حوله من لغط، وأزمة خضوع المدارس والجامعات الخاصة، ثم أزمات الصيادلة التى أدت إلى صدور القرار الوزاري رقم 414 لسنة 2009 والخاص بمحاسبة المنشآت الصغيرة.
ويأتى الآن وزير المالية هاني قدري ليؤكد أن الحكومة مستمرة في إجراءات الإصلاح الاقتصادي عبر سعيها المستمر لتوسيع القاعدة الضريبية، فضلاً عن التحول نحو ضريبة القيمة المضافة، وإصلاح قانون الضرائب على المبيعات وقانون الجمارك وتحسين نظام الخزانة سواء الديون أو النقد.
من جانبه يؤكد المحاسب القانوني أشرف عبد الغني رئيس جمعية خبراء الضرائب المصرية أن الاستثمارات لها أثر كبير فى زيادة الايرادات الضريبية وزيادة معدلات النمو الاقتصادى ومن ثم حل أزمة البطالة وعدم الاعتماد على المعونات الخارجية، وأضاف ان المستثمر يبحث عن الاماكن التى تتوافر بها عوامل جاذبة للاستثمار مثل الموقع الجغرافى وسهولة التنقل بين بلدان العالم وتوافر الموارد اللازمة سواء كانت موارد طبيعية أو صناعية أو زراعية أو بشرية وتوافر البنية التحتية من مياه وكهرباء وتليفونات وطرق، وكذلك توافر الاستقرار السياسى والأمنى الذى يتمثل فى الاستقرار الداخلى وعدم وجود منازعات طائفية أو قلائل أو مظاهرات أو عمليات ارهابية فضلا عن الاستقرار الخارجى المتمثل فى حدود آمنة بلا تهديدات أو حروب.
وشدد على أنه من أهم العوامل المشجعة للاستثمار الاستقرار فى التشريعات الضريبية والمصداقية فى المنظومة الضريبية والاجراءات المبسطة فى استخراج التراخيص والموافقات اللازمة لاقامة المشروعات الاستثمارية، إذ ان عدم استقرار التشريعات الضريبية والتعديلات المتكررة أو المفاجأة أو غير واضحة الدلالة أو التى قد يتعارض بعضها مع البعض قد يفتح الباب على مصراعيه للاجتهاد فى التفسير، ومن ثم اختلاف فى التطبيق من جهة إلى أخرى داخل المصلحة الواحدة مما يؤدى الى فقد الثقة لدى المستثمرين.
ويطالب الخبير الضريبي فرج عبدالسميع بضرورة تأجيل طرح تعديلات جديدة للتشريعات الضريبية فى الوقت الحالى، وأن تركز الحكومة كل جهودها على حل المشكلات المزمنة التى يعانى منها المجتمع الضريبى وشرائحه المختلفة منذ سنوات طويلة فى تعاملها مع مصلحة الضرائب، ويرى أن الدعم الضريبى للمؤسسات الصناعية والتجارية والاستثمارية بشكل عام له أولوية قصوى لاستعادة النشاط وزيادة معدلات الإنتاجية واستغلال كامل طاقات تلك المؤسسات بما يعود على الاقتصاد الوطنى فى النهاية بمنافع كثيرة تنعكس فى النهاية على زيادة متحصلات الخزانة العامة للدولة من الضرائب والرسوم.
ودعا «عبدالسميع» إلى ضرورة بحث الحكومة عن اساليب جديدة وغير تقليدية لكيفية مساندة القطاعات الاقتصادية المختلفة سواء من خلال تبسيط الاجراءات الضريبية وتقديم معاملة ضريبية عادلة، أو بتيسيرات لحل ازمة المتأخرات الضريبية ومنح حوافز للسداد المعجل للمستحقات، خاصة ان تجربة منح تلك الحوافز خلال الفترة الماضية أثبتت نجاحاً كبيراً فى دعم الحصيلة الضريبية اضافة الى استفادة الممولين منها بوضوح الموقف الضريبى لمنشآتهم بما يساعدهم فى التخطيط للمستقبل، كما طالب بمنح اهتمام اكبر بازالة العوائق وتخفيف الاعباء ومنح مزايا ادارية ومالية لقطاعات الاعمال تساعد المشروعات القائمة على تجاوز الصعوبات الكبيرة التى تواجهها حالياً، وفى ذات الوقت دعم القدرات التنافسية لمناخ الاستثمار المحلى من اجل استعادة الاستثمارات التى هربت خلال الفترة الماضية للخارج وزيادة التدفقات الاستثمارية الراغبة فى اقامة مشروعات جديدة.
وأكد المحاسب القانوني أحمد عبدالحكيم أن أهم الأمور التي تبث الثقة لدى المستثمر، التطبيق السليم للقانون والمصداقية من جانب مصلحة الضرائب باعتبارها الطرف الثانى فى المنظومة الضريبية وعدم حرمان المستثمر من حافز له وتطبيق سعر الضريبة الخاضع لها، كما هو الوضع حال وجود اتفاقيات دولية بشأن سعر ضريبة أو الاعفاء منها والتزام المصلحة بتعهداتها مع المستثمر فى نزاع ضريبى وعدم العدول على ما تم ثم الاتفاق عليه
وشدد على أن الاستقرار التشريع الضريبى والمصداقية فى تطبيق القوانين الضريبية والوضوح فيها وسهولة الاجراءات فى الحصول على التراخيص والموافقات اللازمة والحصول على امتيازات ضريبية والتعامل مع جهة واحدة أو فى مكان واحد لانهاء الاجراءات وتطوير قوانين الاستثمار بما يواكب التطورات والمستجدات العالمية ورفع كفاءة العاملين القائمين على تطبيق هذه القوانين من أهم العوامل لتشجيع الاستثمار.