رغم مرور عامين على انتعاش السوق السوداء للدولار مجددا، فإن البنك المركزى لم يتمكن من السيطرة عليها، بينما شهد العام الماضى قرارات إغلاق جماعية لشركات صرافة، بدعوى ضلوعها فى المضاربة على الدولار، واستحداث عطاء دولارى رابع أسبوعيا من جانب المركزى بدلا من 3، لإتاحة العملة الأمريكية بالسوق.
وفشلت آلية العطاءات الدولارية الدورية والاستثنائية فى هزيمة السوق السوداء خلال 2014، والذى شهد ارتفاع الدولار لمستويات قياسية غير مسبوقة، قاربت الـ8 جنيهات خلال الفترة الأخيرة، مدفوعة بنقص المعروض، وزيادة الطلب، بينما ظل لفترات طويلة ثابتا عند متوسط 7.18 جنيه.
واستغل المضاربون طوال العام الماضى، إعلان الحكومة والبنك المركزى التزامهما بسداد الأقساط والديون الخارجية فى مواعيدها دون تأجيل أو تأخير أو إبطاء، ومنها القروض القطرية، لتأجيج نار السوق السوداء المشتعلة، وإشعال المضاربات وتعطيش السوق، بينما استمر البنك المركزى فى «لعبة الموت» معهم، حيث عمد إلى تكبيدهم خسائر من خلال تدخله أحيانًا بشكل مباشر لضبط السوق من خلال ضخ الدولار بالبنوك لتلبية احتياجات العملاء.
ورغم أن هشام رامز، محافظ البنك المركزى المصرى، تعهد بالقضاء على السوق السوداء للدولار خلال عام 2014، فإن العام انتهى ولا تزال المضاربات مستمرة.
وأمام نقص موارد النقد الأجنبى، إلا من حصيلة قناة السويس، والمساعدات العربية الخليجية، حاول البنك المركزى جاهدا، طيلة العام الماضى، محاربة السوق السوداء للدولار، بأسلحته التقليدية «العطاءات- الإغلاقات لشركات الصرافة» لكن دون جدوى، بينما يسعى إلى القضاء عليها خلال العام الجديد 2015.
ويدرس رامز إجراءات لتوحيد سعر الصرف خلال العام الجديد 2015، بين البنوك والصرافات، ليكون وقتها سعرا رسميا واحدا، مثلما كانت عليه السوق عام 1991، ولكن بعد القضاء على المضاربات، وترك السوق لآليات العرض والطلب، دون إجراءات بوليسية، حسب قول محافظ البنك المركزى مؤخرا.
توحيد سعر الصرف جاء ضمن إجراءات طلبها صندوق النقد الدولى مؤخرا، من الحكومة والبنك المركزى المصرى، لاستكمال المشاورات، تمهيدا لإصدار التقرير الرسمى حول الاقتصاد يناير 2015. واتفق محمد الأتربى، رئيس بنك مصر، مع اتجاه هشام رامز، لاستهداف القضاء على السوق السوداء للعملة خلال العام المقبل، والعودة إلى مستويات ما قبل 2011، بدعم من توقعات عودة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وحصيلة السياحة، والتصدير، وتحويلات المصريين بالخارج إلى الارتفاع، ما يسهم فى مساعدة المركزى على تحقيق هدفه.
وقال الأتربى إن البنك المركزى حتى الآن، وبرغم الظروف التى تمر بها البلاد، لا يزال قادرًا على كبح جماح السوق السوداء، وما حققه فى هذا الصدد يعد إنجازا، وفقا لقوله.
توقع رئيس بنك مصر تحسن الإيرادات السياحية، وتدفقات النقد الأجنبى خلال العام المقبل، ما يمكن البنك المركزى من القضاء على السوق السوداء، وكذا زيادة أرصدة الاحتياطيات الدولية من النقد الأجنبى.
وفى الجانب الآخر، قال مستوردون وتجار إن توقف البنوك عن تمويل صفقات الاستيراد، سواء للخامات أو السلع الوسيطة أو المنتجات تامة الصنع، خلق حالة ضغط شديدة على السوق، حيث اضطرهم الأمر إلى تدبير احتياجاتهم من تلك الصفقات عبر السوق الموازية فى وقت لا تزال فيه موارد البلاد من النقد الأجنبى متراجعة.
وكان البنك المركزى قصر تمويل الواردات على قائمة من السلع الاستراتيجية التى لا يتجاوز عددها 12 سلعة، ولم تكف العطاءات الدولارية التى طرحها بكثافة على مدار العام حاجة السوق، خاصة أن الحصول على الدولار من جانب المستورين كان مرتبطا لدى البنوك بسداد مصاريف تدبير عملة كانت البنوك تقدرها بشكل عشوائى، الأمر الذى أنعش السوق الموازية ودفع الأسعار بها إلى التحرك الصعودى.
أما الصناع فكان لهم رأى مهم، حيث أكدوا أن صعوبة الحصول على الدولار من السوق الرسمية وبالأسعار المعلنة أجبرتهم على تدبير احتياجاتهم عبر السوق الموازية، الأمر الذى كان له تأثير نسبى فى ارتفاع أسعار السلع وارتفاع التكلفة التى يتم حسابها فى معظم الأحوال على أساس أسعار الدولار فى السوق الموازية فى أغلب الصناعات.
بينما أعلن هشام رامز، محافظ البنك المركزى، أنه بصدد اتخاذ إجراءات فنية جديدة خلال الفترة المقبلة للسيطرة على السوق السوداء للدولار، مؤكدا أنها ليست «إجراءات بوليسية»- حسب قوله، وتهدف لضبط سوق الصرف.