الخدمة المتميزة هي التي تحقق توقعات العميل وتلبي احتياجاته في الوقت المناسب وبالتكلفة المناسبة وتترك لديه انطباعًا إيجابيًا يجعله يعود إلى التعامل مع مقدم الخدمة مرة بعد أخرى. هذا يعني أن الخدمات المتميزة لا تقدم للعميل أكثر مما يحتاج، ولا تبالغ في تقديم قيم مضافة ومرتفعة التكلفة، ولا تغري العميل لشراء ما يزيد عن احتياجاته.
قدمت شركة “جت بلو” للطيران عرضًا لعملائها يمكنهم من السفر على مدار شهر كامل مقابل 700 دولار؛ مما دفع الآلاف من القاعدين إلى شراء التذاكر والتنقل بين المدن دون توقف وأحيانًا بلا هدف؛ ظنًا منهم أنهم يسافرون ببلاش. هؤلاء المسافرون بفعل الإغراء لم يدركوا أنهم كانوا يهدرون أكثر مما يكسبون، ويستهلكون أكثر مما يستطيعون استجابة لعرض مغر هدفه ملء مقاعد الطائرات في أوقات الركود. أحدهم اشترى تذكرة وارتحل لمسافة 30 ألف كيلومتر وزار 14 ولاية وهو يجري مقابلات للحصول على وظيفة، لكنه فشل. وكان من أسباب الفشل أنه كان يصل مواعيد مقابلاته مرهقًا ومشتت الذهن بسبب السفر المتواصل.
هذه الشركة تشبه شركة مطاعم وجبات سريعة معروفة تعمد – في الأسواق التي يشتد فيها التنافس – إلى تقديم عروض مميتة حيث يدفع الزبون الجائع مبلغًا مقطوعًا ويأكل كل ما يستطيع، حتى لو أدى الأكل الزائد إلى تخمته ثم زيادة وزنه ثم مرضه. فهي تقدم أكلاً رخيصًا وغير صحي وبطريقة غير أخلاقية لينطبق عليها المثل “تدس السم في الدسم” لأن أكلها دسم وسام.
دعاني أبنائي مؤخرًا إلى تناول الغذاء في مطعم فاخر يقدم الوجبات الصينية أو لنقل الشرقية، لكنه أمريكي المنشأ. عندما تدلف إلى المطعم تقابلك نادلة حسناء وتقودك إلى مقعد وثير، ثم تسلمك إلى نادل هندي ليقوم على خدمتك أو صدمتك. كنت وأبنائي نبحث شأنًا خاصًا ونريد مناقشة بعض المسائل المتعلقة بعملنا بهدوء. لكن “الجرسون” الهندي أبى أن يسمح لنا بذلك. فقد كان يتدخل كل 3 أو 4 دقائق ليشرح جودة الأكل، وأنواع الخلطات والنكهات الشهية التي تميز المطعم. فرغم أننا أتينا إلى المكان بمحض إرادتنا، إلا أنه واصل عزفه التسويقي المنفرد حتى نهرته بعد محاضرته الخامسة وطلبت منه أن يتركنا نأكل بطريقتنا ونتحدث براحتنا. وعقدنا العزم على ألا نعود لهذا المطعم مطلقًا، لا سيما وأن أكله مرتفع التكلفة بسبب المبالغة في تصاميمه الداخلية وأناقة مضيفيه وموظفيه، دون أية قيمة مضافة لطعامه وشرابه.
ما كتب في خدمة العملاء كثير، لكن قليلين هم من تنبهوا إلى أن الخدمة المبالغ فيها تؤتي أثرًا عكسيًا في الغالب الأعم؛ لا سيما عندما يدرك الزبون أنه يدفع مقابل إضافات ولمسات لا يحتاجها. خدمة العملاء تبدأ وتنتهي بعملية اتصال إنساني؛ إما أن تكون ناجحة أو فاشلة. وهي أيضًا ذات مبنى ومعنى ومحتوى ورسالة؛ والزائد فيها أيضًا ضار مثل الناقص.