أربع خطوات للتخلص من نكد الأشرار
من أصعب أمور هذه الحياة عدم الانسجام مع الناس، وعدم التكيف مع البيئة التي يعيش فيها الإنسان، فمن استطاع أن يكف كدر تعامل الناس عنه فقد نجح وفاز…
وليس هناك أجمل من أن يعيش الإنسان في محيط يتسم بالتفاهم، و يسوده التعاون والتعامل الراقي؛ فهو بذلك يعيش حياة سعيدة ، ينعم بالراحة النفسية والسكينة القلبية….
أما إذا عاش في بيئة متخلفة، يسودها الحقد والبغضاء، ويخيم عليها الحسد والكراهية، ويلفها الشقاء والتعاسة؛ فلا شك أن حياته ستصبح جحيما لايطاق، ونكدا لاينقطع…
وهناك أفكار ومسائل قد ذكرها العلماء والصلحاء الذين صقلتهم العلوم وعركتهم التجارب، في حل هذه المعضلة التي طالما أرقت الكثيرين، و لذا ينبغي أن نستفيد منها، ونتخذها نبراسا يضئ طريقنا عبر دروب الحياة المتعرجة…
هذه الخطوات قد قرأتها من قبل، وحاولت الآن أن أجد مصدرها؛ فلم أنجح؛ ولذلك سأنقلها من الذاكرة، مع الاعتذار لما فيها من نقص أو قصور، وهي…
إذا أردت أن تسلم من أذى الناس فأتبع الخطوات التالية :
1- عليك أن تصبر على ما يصدر منهم من أذية لشخصك، ولا تنتصر لنفسك أبدا مبتغيا بذلك الأجر والثواب من الله تعالى القائل ﴿ ولأن صبرتم لهو خير للصابرين ﴾ بعد قوله تعالى﴿ وإن عوقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به﴾
2- عليك أن تمنع نفسك من أذية أحد من الناس مهما كانت الظروف ، وتحتسب الأجر من الله
3- عليك أن تيئس وتقطع طمعك في أي خير أو مصلحة تأتيك من قبل أحد من الناس؛ فإن طمعك في ذلك سيكون كدراً وتنغيصاً عليك في حالة عدم تحققه، ولا يدخل في هذا ما أتاك من خير منهم دون طلب أو استشراف نفس
4- عليك أن تبذل ما عندك من خير ومساعدة للناس طيبة بها نفسك، راجياً بذلك الثواب من الله تعالى، فلا شك أن مد يد المساعدة للمحتاجين أمر يجد فيه الإنسان سعادة لاتساويها سعادة…
هذه المسائل قد تساعد من يريد الإنسجام في بيئته، ويعيش فيها بغبطة واطمئنان، فهي ليست إلا عامل مساعد وحسب…
ولما كان أكثر تنغيصات الحياة وكدرها يصدر من ذم الناس و إزدرائهم للإنسان؛ لإن النفس بطبعها تكره الذم والتنقيص، وتحب المدح والثناء, وأكثر نكدها يكون عندما ينالها الذم، أو يلحقها التنقيص، أو يُحط من قدرها بالشتم و الإزدراء، ومما يؤلمها إيضا أن يصرف عنها ثناء تستحقه و تتطلع إليه…
ولاشك أن التقدير الاجتماعي مطلب نفسي، وجاحة طبيعية للإنسان لاتقل خطرا عن حاجاته الأخرى مثل الطعام والشراب والسكن وغير ذلك…
والثناء والتقدير الاجتماعي يعد أكبر دافع للإنسان نحو الإبداع والعمل الخلاق والا نتاج المتميز، وأهم عامل للسعادة و الراحة النفسية…
أما الاحتقار والتنقيص والازدراء، فهو التحطيم والأحباط لمعنويات الإنسان، وهو والتخريب والنكد لنفسيته، وهو التعاسة والشقاء لروحه…
وللأسف فإن الازدراء والتنقيص هو الأوسع انتشارا، والأسهل استخداما، والأكثر ممارسة في مجتمعنا؛ ولذلك فينبعي أن نتخذ كل الوسائل التي تقينا شره ، فإن لم نستطع ذلك؛ فعلينا أن نضع حاجزا نفسيا يمنع أثره على نفوسنا، ويخفف من ضغظه على أرواحنا؛ ولذلك فسأنقل لكم كلاما نفيسا للإمام الغزالي في هذا الموضوع…
يقول أبو حامد الغزالي:
أعلم – رحمك الله – أن الناس أربعة أقسام بالإضافة إلى المادح والذام :
( الحالة الأولى : أن يفرح الإنسان بالمدح , ويشكر المادح , ويغضب من الذم , ويحقد على الذام ويكافئه أو يحب مكافأته ( أي يرد الصاع صاعين ) وهذا حال أكثر الخلق .
الحالة الثانية : يمتعض في الباطن على الذام , ولكن يمسك لسانه وجوارحه عن مكافأته , ويفرح في الباطن بالمدح , ويرتاح للمادح , ولكن يحفظ ظاهره عن إظهار السرور .
الحالة الثالثة : أن يستوي عنده الذم والمدح , فلا تغمه( تحزنه) المذمة ولا تسره المدحة ، وهذا أول درجات الكمال .
الحالة الرابعة : أن يكره المدح ويمقت المادح , إذ يعلم أنه فتنة عليه قاصمة لظهره, مضرة له في دينه .
ويحب الذام إذ يعلم أنه بصره بعيبه , وأرشده إلى مهمته، وأهدى إليه حسناته, وهذه درجة الصدق في العبادة، والزهد في الدنيا، والتوجه بالقلب إلى الدار الآخرة )…
نقلا عن كتاب إحياء علوم الدين للغزالي بتصرف
ونحن لانطمع أبدا في الوصول إلى الحالة الثالثة أو الرابعة , فتلك مرتبة عالية لا يبلغها إلا أصحاب السمو النفسي , والإيمان الراسخ , ونهاية مانطمح إليه هو الارتفاع من الحالة الأولى إلى الثانية , فلعلنا نتخلص من النكد الذي يلازمنا عندما نحس أن أحدا ذمنا أو احتقرنا سواء كان ذلك حقيقة أو وهما , فربما أن بعضنا لا ينام ليلته تلك ألما وحسرة , فعندما نعلم أن هناك من الناس من يستوي عنده المدح والذم, فلا يفرحون لمدح، ولا يتألمون لذم؛ لأن قلوبهم سابحة في ملكوت الله, فهي حسنة الظن بالله، مؤقنة بما عندالله من نعيم أعده لإوليائه، عارفة بحقارة الدنيا وما فيها، ولذلك رحلت عنها بفكرها و خواطرها .
وهناك فئة أخرى من الصالحين المخلصين تكره المدح لأنها تخشى الفتنة، وقد تحب الذم لما فيه من الحسنات؛ فمن ذمك في غيبتك؛ فقد أهدى إليك حسناته؛ فهي الغنيمة الباردة، فلعل النفوس عندما تعرف ذلك تخفف من غلوائها، و تثوب إلى رشدها, بحيث لاتقتلها الهموم، وتخيم عليها التعاسة كلما هبت ريح الازدراء من قبل أناس مات لديهم الإحساس، وساءت عندهم الأخلاق…
ومن عرف الدنيا على حقيقتها, وتيقن من زوالها وحقارتها، سهل عليه ما يلاقي فيها، وانصرف ذهنه وهمه لما هو أعظم وأجل، وهو السير في دروب الدار الآخرة …
منقول بأمانة