الوظيفة الرئيسية للمصارف التجارية هي قبول الودائع المختلفة واستخدامها في القروض والسلفيات والاستثمارات. ويعتبر منح القروض والسلفيات المختلفة منح الائتمان أو التسهيلات الائتمانية. ويعتبر منح الائتمان بالدرجة التي تتفق
مع توفير الأمان لأموال المودعين وبما يحقق الرفاهية للمجتمع ونموه وازدهاره أمرًا حيويًَا لازدهار الحياة الاقتصادية. ووظيفة منح الائتمان تعتبر من أهم وأخطر وظائف المصارف التجارية، وذلك لأن الأموال التي تمنحها البنوك كتسهيلات ائتمانية ليست ملكًا لها بل هي أموال المودعين. لذلك تقوم إدارة المصرف التجاري برسم سياسته الائتمانية بما يحقق له حسن وسلامة استخدام الأموال المتاحة له مع تحقيق عائد مناسب. وتقتضي السياسة الحكيمة لتوظيف الأموال المواءمة بين ودائع المصارف من ناحية واستخداماتها لهذه الودائع من ناحية أخرى، خاصة من حيث نوع وحجم وآجال استحقاق كل منها. وتعتمد المصارف التجارية في إقراضها على أنواع وحجم وآجال الودائع المتاحة لديها وذلك بما يحقق أهداف خطة التنمية الاقتصادية القومية، بالإضافة إلى الأغراض التمويلية العادية التي تقوم بها المصارف التجارية، وذلك أنها بحكم وظيفتها كوعاء للمدخرات عليها إقراض هذه المدخرات المتاحة لديها وتوزيعها على مجالات الإنتاج والخدمات المختلفة لدفع عملية النشاط الاقتصادي. ويضاف إلى ذلك أن المصارف التجارية منشآت تهدف إلى الربح، ومن الطبيعي أن أرباح المصارف التجارية تزداد كلما زادت القروض التي تمنحها، غير أن حريتها هذه مقيدة في تحديد حجم قروضها لسببين:
(1) موقف السيولة لدى المصارف، حيث تلتزم من ناحية أمام المودعين في سحب ودائعهم في أي وقت باعتبارها ودائع تحت الطلب، ومن ناحية أخرى تلتزم المصارف أمام المقترضين بعدم رفض طلبات القروض السليمة بدعوى السيولة.
(2) مدى ما يتوافر في القروض من ضمانات وذلك لأهميتها وعلاقتها المباشرة بالمركز المالي للمصرف وسمعته ومدى قدرته على تحقيق الربح.
هذا، وتوجد أصول وقواعد وأسس علمية متعارف عليها لإصدار قرار بالموافقة على منح الائتمان من عدمه. والمصرف التجاري بمنحه الائتمان يكون قد أقرض المبالغ التي كانت عبارة عن ودائع لديه وهو ملتزم بردها عند حلول أجلها وليس عند طلبها، ولذلك تعنى المصارف التجارية بتحقيق المواءمة بين مواعيد قروضها واستحقاقات الودائع لديها وإلا اضطرت إلى الاستعانة بما لديها من أموال سائلة أو الاقتراض من مصارف وجهات أخرى مما يعد نذيرًا بضعف مركزها المالي وترديها إلى هاوية الاضطراب المالي. لذلك كانت الأهمية الخاصة لوجود قواعد وأسس علمية للقروض تكون سياجًا يصون أموال المودعين، وأن تكون هذه القواعد والأسس مرنة، تراعي مدى الوعي المصرفي، والوعي بالالتزام لدى الأفراد، وتخصص المصرف، ومتطلبات تطور المصارف، وأن معايير تعقييم العملاء يجب أن تسبق أسس تقييم العروض التي تمنح لهم، وتتمثل أهم معايير تقييم العملاء في: حسن سمعة العميل وكفاءته وخبرته الفنية بأسرار عمله، وتطور الأسواق، وملكياته العقارية – بينما تتمثل الأسس العملية العامة لتقييم القروض في: الاستعلام عن العميل من حيث مركزه المالي وسمعته في السوق وتصرفاته الشخصية – المعاملات السابقة للعميل مع المصرف وأيضًا مع المصارف الأخرى مع الاستعانة بالبيان المجمع لمخاطر التسهيلات الائتمانية من المصرف المركزي، وتناسب القروض مع الاحتياجات الفعلية ورأس مال المقترض ونشاطه الانتاجي والتسويقي – تحليل القوائم المالية مع الاطلاع على تقرير مراقب الحسابات وملاحظاته، وذلك بالإضافة إلى دراسة الميزانيات التقديرية – إن وجدت – للتعرف على واقعيتها، وعلى مصادر الأموال المتوقع الاستعانة بها لتحقيق الأهداف نحو زيادة الانتاج والمبيعات والأرباح، وتكلفة هذه المصادر، وبالتالي تقرير حجم التمويل اللازم من المصرف لعملائه. إن المصارف التجارية تمنح التسهيلات الائتمانية بعد دراسة مصرفية واعية هادفة لمركز العميل المالي ووسائله المالية، وبعد التأكد من قدرته على تسديد قيمة التسهيل بالإضافة إلى ما يستحق من فائدة ومصاريف وعمولات في المواعيد المحددة، وذلك كله من منطلق أن هذه التسهيلات الائتمانية تتم من ودائع العملاء الذين لهم الحق في طلب سحب ودائعهم في أي وقت.
وللتسهيلات الائتمانية نتائج اقتصادية هامة نذكر منها/
(1) تقوم التسهيلات الائتمانية بدور هام في الحياة الاقتصادية حيث تعتمد عليها الأنشطة الاقتصادية لتوفير احتياجاتها من السيولة اللازمة لتغطية عملياتها الداخلية والخارجية المختلفة.
(2) يؤثر حجم التسهيلات الائتمانية على الحالة الاقتصادية العامة، فالمبالغة في حجم الائتمان يمكن أن يؤدي إلى آثار تضخم ضارة، والانكماش في منح الائتمان قد يؤدي إلى صعوبة مواصلة المشروعات لنشاطها، وبالتالي الحد من التنمية الاقتصادية والاجتماعية… لذلك يجب أن يكون الائتمان متوازنًا وملبيًا للاحتياجات التمويلية الفعلية للاقتصاد القومي بما يؤدي إلى زيادة معدلات التنمية المنشودة، ولذلك أيضًا فإن الدولة تحاول أن تسيطر على الائتمان بوسائل مباشرة وغير مباشرة من خلال المصرف المركزي، ويساعدها في ذلك القرارات الائتمانية الصادرة عن إدارات الائتمان بالمصارف التجارية حيث أن قرار الائتمان يجب أن لا يخرج عن السياسة الائتمانية للمصرف وهي مرتبطة بسياسة الدولة ووجدت أصلاً لتحقيق أهدافها.
(3) تمويل خطة التنمية الاقتصادية القومية، حيث يكون التمويل لغرض محدد ومواكب لسياسة الدولة، وذلك بتوفير الأموال اللازمة لقطاعي الصناعة والزراعة، لما لهذين القطاعين من دور حيوي في توفير احتياجات المجتمع والمواطنين، ورفع معدل نمو الصادرات، والحد من الاستيراد، وذلك بالإضافة إلى تمويل التجار بما يتناسب مع مراكزهم المالية، وبالشكل الذي يمكنهم من تنمية أنشطتهم في سهولة ويسر وتجنب التعرض للاختناقات أو الأزمات المالية.
(4) تمويل التجارة الدولية سواء بالنسبة لاعتمادات الاستيراد أو التصدير، وإصدار خطابات الضمان المحلية والخارجية.
(5) المساهمة في مشروعات أخرى مثل المساهمة في مصارف وشركات تابعة وذات مصلحة مشتركة وشركات انتاج الدواء، والغذاء والملابس والمساكن والملاحة والسياحة، الخ.
تعريف الائتمان المصرفي
يمكن تعريف الائتمان المصرفي بأنه الثقة التي يوليها المصرف التجاري لشخص ما حين يضع تحت تصرفه مبلغًا من النقود أو يكفله فيه لفترة محددة يتفق عليها بين الطرفين، ويقوم المقترض في نهايتها بالوفاء بالتزاماته، وذلك لقاء عائد معين يحصل عليه المصرف من المقترض يتمثل في الفوائد والعمولات والمصاريف.
وهكذا يكون التسهيل الائتماني عبارة عن إما: (1) مبلغ محدد من المال يتفق عليه ويضعه المصرف تحت تصرف العميل لاستخدامه في غرض محدد ومعلوم للمصرف، وفي الحدود والشرط، وبالضمانات الواردة بتصريح التسهيل الائتماني خلال مدة سريانه وذلك بهدف تنمية نشاط العميل الجاري المتسم بالنجاح، مقابل تعهد والتزام العميل برد هذا المبلغ مع الفوائد والعمولات والمصاريف المستحقة من خلال البرنامج الزمني المقرر للسداد، وإما:
(2) تعهد يصدر من المصرف بناء على طلب العميل لصالح طرف آخر (المستفيد) ولأجل غرض معين ومحدد، ولأجل معلوم، كما هو الحال في خطاب الضمان حيث يصبح المصرف بمجرد إصداره لخطاب الضمان متعهدًا بأداء قيمته للمستفيد عند أول طلب دون أية معارضة من أي جانب شريطة أن تصل المطالبة للمصرف في موعد غايته تاريخ استحقاق خطاب الضمان.
تعريف السياسة الائتمانية وعناصرها:
وتعرف السياسة الائتمانية بأنها بمجموعة المبادئ والأسس التي تنظم أسلوب دراسة ومنح التسهيلات الائتمانية، وأنواع الأنشطة الاقتصادية التي يمكن تمويلها، وكيفية تقدير مبالغ التسهيلات المطلوب منحها (الحدود)، وأنواعها، وآجالها الزمنية، وشروطها الرئيسية.
وللوصول إلى قرار ائتماني سليم يجب أن يكون داخل إطار وأهداف السياسة الائتمانية للمصرف، وهي تختلف بعض الشيء من مصرف إلى آخر تبعًا للظروف الخاصة بكل مصرف.
ويلي مرحلة القرار الائتماني مرحلة تالية وهامة تتمثل في متابعة التسهيلات الائتمانية الممنوحة. ولها وسائلها وأساليبها الخاصة للمحافظة على أموال المودعين.
وتتمثل أهم عناصر السياسة الائتمانية فيما يلي:
(1) القطاعات والأنشطة التي يخدمها المصرف التجاري في مجال منح التسهيلات الائتمانية، حيث يجب أن يتفق التسهيل الائتماني مع طبيعة النشاط النوعي للمصرف (تجاري – صناعي – زراعي – عقاري)، كما يجب أن يتفق مع حجم الموارد المالية للمصرف ومدى تأثيرها في تحديد المجالات التي يمكن للمصرف تمويله، كما يجب أن يتلق مع متوسط قيمة الموارد المالية المتاحة للمصرف من حيث آجال الودائع وتوزيعها، ومدى انتشار فورع المصرف وبالتالي إمكانية توجيه الائتمان إلى قطاعات وأنشطة مختلفة باختلاف النشاط المتميز للبيئة الكائن بها فرع المصرف.
(2) الأغراض التي تمنح من أجلها التسهيلات الائتمانية، وهي أغراض انتاجية تتعلق بالعمليات الانتاجية، مثل تمويل النشاط الجاري (شراء مواد خام أو بضائع بغرض البيع أو دفع أجور ومرتبات أو تغطية المصروفات العمومية والإدارية، الخ)، وتمويل النشاط الاستثماري من حيث إنشاء مشروعات جديدة أو توسعات استثمارية في مشروعات قائمة أو إحلال وتجديدات الطاقة الانتاجية للمشروعات القائمة، يضاف إلى ذلك الأغراض الاستهلاكية.
آجال التسهيلات الائتمانية وأسلوب سدادها:
يعد أجل التسهيل الائتماني (تاريخ سداده) من أهم عناصر القرار الائتماني، حيث تكون التسهيلات الائتمانية قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل، وحيث يتحدد لها برنامج زمني بهدف أن تحل موارد العميل الذاتية تدريجيًا محل التسهيل الائتماني المقدم من المصرف، أو تترك كوعاء دائم لمقابلة احتياجات العملاء واختناقات السيولة لديهم، على أن يودع بها متحصلات نشاطهم بصورة مستمرة بحيث تتميز هذه التسهيلات بالنشاط والحركة، وتكون معدلات هذا النشاط والحركة أحد معايير اتخاذ القرار بتجديدها أو تعديلها بالزيادة أو التخفيض.
الضمانات التي يقدمها العملاء للمصارف مقابل التسهيلات الائتمانية:
لا بد أن يقابل التسهيلات الائتمانية التي يصرح بها ضمانات كافية لسداد قيمة التسهيلات بالإضافة إلى ما يستحق عليها من فائدة أو عمولات ومصاريف وذلك طالما أن هذه التسهيلات تتم من ودائع العملاء، أي من مال عام سيقوم المصرف برده إلى أصحابه بالإضافة إلى ما يستحق عليه من فائدة مدفوعة. وحتى التسهيلات الائتمانية بدون ضمان التي تصرح بها المصارف التجارية لبعض عملائها لها ضماناتها التي تتمثل في وسائل العميل المالية، وفي مركزه الاجتماعي والأدبي أو السياسي، ويحرص هؤلاء العملاء على الوفاء بالتزاماتهم تجاه المصرف.
أنواع التسهيلات الائتمانية
وفي مجال الاستخدام والاستثمار تتفاوت أنواع القروض والسلف من حيث:
(1) الضمانات.. فتتنوع التسهيلات الائتمانية إلى: قروض وسلفيات بدون ضمان شخصي، وقروض وسلفيات بضمانات عينية، وقروض وسلفيات بدون ضمانات.
(2) آجال الاستحقاق.. فتتنوع التسهيلات الائتمانية إلى: تسهيلات قصيرة وطويلة الأجل. وفي المصارف التجارية تغلب التسهيلات القصيرة والمتوسطة الأجل، بينما تكاد تنعدم لديها التسهيلات طويلة الأجل خشية عدم تمكنها من استرداد قيمة هذه التسهيلات إذا ما زادت سحوبات المودعين، بالإضافة إلى وجود مصارف ومؤسسات مالية متخصصة في منح التسهيلات الائتمانية طويلة الأجل مثل المصارف الصناعية والعقارية والزراعية.
أهم أنواع التسهيلات الائتمانية بدون ضمان:
(1) التسهيلات الائتمانية بدون ضمان: وتمنح هذه التسهيلات اعتمادًا على المركز المالي للعميل وكفيله (إن وجد) وفقًا لما تسفر عنه الدراسة الائتمانية في هذا الشأن، ونوع التسهيل الائتماني المقدر للعميل، ومع مراعاة أن يكون التمويل لأغراض التشغيل لعمليات تتوافر فيها طبيعة التصفية الذاتية. فالمصرف التجارية قد يمنح عميله الذي يثق فيه قروضًا بدون ضمانات (تسهيلات على المشكوف) معتمدًا في ذلك على قوة ومتانة مركزه المالي وسلامة نتائج أعماله، وحسن سمعته.
(2) التسهيلات الائتمانية بضمان: وتمثل الضمانات وسائل تأمين المصرف التجاري ضد خطر عميله، حيث تساعده على استيفاء حقه عندما يتعثر العميل في السداد في موعد الاستحقاق وذلك بالتصرف في الضمان، كما أن وجود الضمان تحت يد المصرف يعطي له الحق في جزء من الذمة المالية للعميل بما يحميه من قسمة الغرماء عند تصفية أموال العملاء. وقد تكون الضمانات عينية أو شخصية، وقد يجمع المصرف التجاري بين النوعين من الضمانات فيطلب من عميله أن يقدم له كفيلاً شخصيًا مليئًا بالإضافة إلى رهن محله التجاري أو عقارًا يملكه أو أوراق مالية أو بضائع، أو التنازل للمصرف عن بعض مستحقاته لدى الغير، أو غير ذلك من أنواع الضمانات. وأهم أنواع التسهيلات الائتمانية مقابل ضمانات هي: (أ) التسهيلات لخصم أو بضمان كمبيالات محلية، (ب) التسهيلات لخصم أو بضمان كمبيالات خارجية، (ج) التسهيلات الائتمانية بضمان أوراق مالية (أسهم وسندات)، (د) التسهيلات الائتمانية بضمان بضائع، (هـ) التسهيلات الائتمانية لإصدار خطابات الضمان، (و) التسهيلات الائتمانية بضمانات متنوعة مثل القروض بضمان شهادات الاستثمار، والقروض بضمان ودائع لأجل أو الودائع بإخطار أو ودائع التوفير.
التسهيلات الائتمانية من حيث آجال استحقاقها:
(1) القروض والسلف قصيرة الأجل: ولا تزيد آجالها عن سنة وتمثل الجانب الأكبر من قروض المصارف التجارية، وتعد أفضل أنواع التوظيف لديها، وهي تمنح بغرض تمويل الأنشطة الجارية للعملاء.
(2) القروض متوسطة الأجل: وتتراوح آجالها بين سنة وخمس سنوات، وهي تمنح بغرض تمويل الأنشطة الاستثمارية.
(3) القروض طويلة الأجل: وتزيد آجالها عن خمس سنوات، وتمنح بغرض إقامة المشروعات الجديدة أو لتطوير مشروعات قائمة.