تبحث النماذج الكمية التقليدية لإدارة الإنتاج وخاصة منها بحوث العمليات عن الأمثلية. أي إيجاد الحل الأمثل من بين عدة حلول بديلة وهي تقوم
على تحديد الهدف الذي غالبا ما يكون تعظيم الأرباح أو تخفيض التكاليف في ظل قيود تفرضها محدودية الموارد المتاحة. وتأخذ المشكلة المراد حلها صورة رياضية يطلق عليها النموذج الرياضي ويتكون من: الهدف أو دالة الهدف والمتغيرات والعلاقات الهيكلية وفي أيامنا هذه أصبحت مشكلة الإنتاج مختلفة، فهي تسويقية أكثر منها تموينية وما كان هدفا أصبح قيدا. ويمكن إعطاء تصور لطبيعة هذا التغير واختصاره في أربع عناصر سبق التعرف عليها على أنها أسبقيات تنافسية مما يفسر كونها قيودا وليست أهدافا. والإنتاج أصبح يعمل في إطار أربع قيود يفرضها النظام التسويقي وهي: الحجم، الجودة، التكاليف والوقت، وهي ما يمكن تسميته بالمزيج الإنتاجي Production- Mix.
– الحجم: إن المؤسسة التي لا تنتج الكمية الكافية للطلب تفتح الباب أمام المنافسة في محاربتها في أجزائها السوقية. ويعتبر ذلك منافيا لما تسعى الإستراتيجية التسويقية تحقيقه، فأول عمل يقوم به التسويق هو بحوث السوق تليه عملية التجزئة ثم استهداف السوق. ويعمل التسويق على توسيع الأجزاء المستهدفة متى أمكن بإيجاد استعمالات جديدة للمنتوج أو باكتشاف أجزاء تحتية، ويدخل ذلك ضمن كيفيات التعامل مع الندرة التجارية أو الإدارية من أجل زيادة نصيبها في السوق. ويعتبر حجم المؤسسة كأحد المزايا التنافسية التي تثبتها في السوق في ظل اقتصاد السوق (كما سبق الإشارة إلى ذلك).
وخلاصة القول أن هدف الحجم يتحول إلى قيد يفرضه النظام التسويقي على الإنتاج، وأي تعارض في الأهداف أي عدم إنتاج الكمية اللازمة يعتبر تبذيرا في الموارد، بالمعنى التسويقي، وهو لا يقل أهمية عن التبذير في الموارد المالية والبشرية. وفي نفس السياق فإن الحجم مرتبط بشبكة التوزيع وأيضا بسياسة الترويج اللتين وضعتا لمقابلة طلب الأجزاء التسويقية المستهدفة، مما يعني تبذيرا آخر في الموارد المخصصة على مستوى شبكة التوزيع وتنشيط المبيعات.
والنتيجة المستخلصة في أن عدم كفاية حجم الإنتاج للطلب كان يفسّر على أن له تأثيرا سلبيا على الأرباح ورقم الأعمال، غير أن أثره أبعد من ذلك فهو يصل إلى حد فقدان أجزاء سوقية ومرد ذلك عدم التنسيق بين الجهود التسويقية والإنتاجية، وهذه الإشكالية تتجاوز الأساليب التقليدية لبحوث العمليات.
– التكلفة: لقد كان ولا يزال عامل التكلفة من بين المزايا التنافسية التي يمكن الاعتماد عليه لاكتساب أنصبة سوقية. وقد يبدو هدف تخفيض التكاليف أمر تجاوزته الأحداث المعاصرة من خلال وزن القرارات التسويقية في توجيه الإستراتيجية الكلية للمؤسسة. وترتبط التكلفة بالتسويق في ثلاث عناصر من المزيج التسويقي، وهي: المنتوج والسعر والتوزيع. ولا شك أن المنتوج بمواصفاته وبأبعاده المختلفة يفترض مستوى معين من الموارد لتحقيق هذه المواصفات. وتؤثر السياسة التوزيعية بدورها على التكلفة عندما يتم التمييز مثلا بين التوزيع الشامل وتوزيع حسب المكانة الاجتماعية Prestige، فوضع أسعار منخفضة للنوع الثاني قد يفرز تناقضا واضحا بين النظرة التسويقية والإنتاجية، كما أن السياسة السعرية التي تتأثر بالجزء المستهدف عند اختيارها لسياسة الأسعار المنخفضة أو المرتفعة، يترتب عليها مستوى معين من التكاليف تبعا للسياسة المتبعة، مما يحول عنصر التكلفة من هدف لإدارة الإنتاج إلى معطيات يحددها التسويق وهي بذلك قيود.
– الجودة: طالما اعتبرت الجودة أحد أهم الأهداف الإنتاجية والتسويقية. غير أن هذه النظرة تغيرت عندما تعارضت الرؤى بين اعتبارها هدف أم قيد. ويقع الفصل في ذلك بعد التأكيد على أنها أحد الأولويات التسويقية التي يجب أن ينفذها الإنتاج في إطار قيود تسويقية. وقد عرفت الجودة بأنها أحسن طريقة للوصول إلى ذهن المستهلك وبناء تموقع positioning فعال. وإذا كان التسويق يعطي الوعود التي يبني من خلالها المستهلك التوقعات، فإن الإنتاج يأتي كحلقة وصل بين الوعود والتوقعات المبنية لدى المستهلك. فالمنتوج الذي يوصل قيمة أكبر للمستهلك هو ذلك المنتوج الذي يكون الفرق بين أدائه وتوقعات الزبون موجبة، مما يحقق زيادة في ولاء الزبون وإمكانية توسع نصيب المؤسسة من السوق. أما إذا كانت الفروق سلبية، فإن الإنتاج أخفق في تنفيذ الوعود التسويقية وخيب آمال المستهلكين. وقد يترتب على ذلك ضياعا للجهود التسويقية في صورة تبذير للموارد، إذا ما استثنينا تأثيره المباشر على أرباح المؤسسة ومبيعاتها، وكل ذلك يحدث بسبب عدم التنسيق بين الجهود التسويقية والإنتاجية.
ومن جانب آخر ترتبط الجودة بالتسويق من خلال السياسة السعرية، ويصبح من الخطأ الاعتقاد بأن السعر مرتبط بالجودة. والواقع أن الجودة مرتبطة بالسعر، لأن هذا الأخير بدوره يرتبط بالتكاليف، والتكلفة هي ما يحدد جودة المنتوج. ويمكن استنتاج تحول منطق التفكير من الاعتقاد بأن الجودة التي كانت هدف النظام الإنتاجي أصبحت قيدا، ويكمن التغيير في أن الاستعمال الأمثل للموارد بهدف الحصول على أحسن مستوى من الجودة، يتحول إلى العكس، أي انطلاقا من مستوى جودة معطى، يحدده التسويق، ما هي الموارد اللازم توفيرها.
– الآجال: لكي تستطيع المؤسسة تحقيق ميزة تنافسية على مستوى الآجال ينبغي أولا أن تحترم آجال الإنتاج. وعلى الرغم من أن آجال التسليم تقع على عاتق المصالح التسويقية, إلا أن هذه الأخيرة لن تفي بوعودها ما لم يتم الإنتاج في المواعيد المحددة، والتي بدورها تخضع لمعطيات تسويقية. ومجمل القول أن كل عناصر المزيج التسويقي تؤثر على آجال الإنتاج كطبيعة المنتوج (منتوج قابل للتخزين، موسمي) والأسعار (كلما كان السعر مرتفعا قل التخزين) وغيرها.