ما هو الدور الحقيقي الذي يلعبه القائد في النجاح أو الفشل؟ وهل يتحمل القائد وحده مسؤولية قراراته أم أن للظروف المحيطة به دور قد يعجز هو عن التحكم به؟..
لقد طبع الناس على محاولة ربط الأحداث حولهم بأسباب محددة. حيث أن ذلك يساعدهم في تفسير هذه الأحداث واستقراء المستقبل كذلك. وفي هذا تحميل مسؤولية للقائد أكثر مما يحتمل..
فالقائد عنصر من عناصر النجاح أو الفشل بلا شك، وهو مسؤول عن اتخاذ القرار وتحمل مسؤولية وعواقب قراراته، لكنه يبقى مجرد عنصر من مجموعة عناصر..
فرب قائد اتخذ قراراً سليماً ولكن الأتباع نفذوه بشكل خاطئ ففشل الأمر. ومن ذلك تخطيط الرسول عليه الصلاة والسلام لغزوة أحد وأمره للرماة بأن لا يتزحزحوا عن موقعهم مهما حصل. فهنا اتخذ الرسول القائد صلى الله عليه وسلم قراراً سليماً، ولكن مخالفة الأتباع (الرماة) للأوامر وعدم انضباطهم كان سبباً في هزيمة المسلمين..
ومن الطبيعة البشرية كذلك تبسيط الأمور المعقدة كمحاولة ربط النجاح والفشل بالقائد فقط..
بدلاً من النظر إلى مجموعة العوامل المحيطة به والتي تؤدي بمجموعها إلى النجاح أو الفشل. وبالتالي فإننا نعتبر القائد ناجحاً عندما تنجح المنظمة التي يقودها حتى لو كان النجاح سببه ظروف خارجية أو خطوات اتخذها من سبقه وجاء الآن وقت إثمارها، وكذلك الحال بالنسبة للومه على الفشل. ويغفل الناس عن دور وجهد العاملين مع هذا القائد وخبراتهم وربما تضحياتهم في سبيل تحقيق النجاح والوصول للهدف..
وقد تصيب هذه النظرة بعض القادة بالغرور، وهو أمر يساهم الأتباع في إيجاده عندما ينسبون كل نجاح له، وينسبون الفشل لغيره. والإسلام على عكس ذلك يأمر القائد والناس عامة بالتواضع، ويذكرنا دوماً بأهمية كل فرد في الجماعة. وفي قصة حصار مسلمة بن عبد الملك للحصن موعظة لنا جميعاً. إذ حاصر مسلمة حصناً فندب الناس إلى نقب ?أي فتحة في الجدار- منه. فما دخله أحد، فجاء رجل من وسط الجيش فدخل ففتحه الله عليهم. فنادى مسلمة: أين صاحب النقب؟ فما جاء أحد. فنادى: إني أمرت الإذن بإدخاله بأي ساعة يأتي، فعزمت عليه ألا جاء. فجاء رجل فقال: استأذن لي على الأمير. فقال له: أنت صاحب النقب؟ قال: أنا أخبركم عنه. فأتى مسلمة فأذن له، فقال له: إن صاحب النقب يأخذ عليكم ثلاثاً ألا تسودوا اسمه في صحيفة إلى الخليفة
ولا تأمروا له بشيء
ولا تسألوه ممن هو؟ قال مسلمة: فذلك له. قال: أنا هو
فكان مسلمة لا يصلي بعدها صلاة إلا قال: اللهم اجعلني مع صاحب النقب..
وهكذا فإن نسبة النجاح إلى أصحابه لا يعيب القائد بل يرفع من مكانته لدى أتباعه والعاملين معه ويشجعهم على التفاني في تنفيذ خططه والإبداع في تحقيق الأهداف، وهذه هي الثقافة التي يجب أن يسعى كل قائد من أجل زرعها في منظمته وبين أعضائها..