المحاسبة القضائية والتي قد تسمى بتسميات أخرى كالمحاسبة العدلية، المحاسبة التحقيقيه أو التحليلية أو (الاستقصائية) او غيرها، يعود تاريخها إلى ما يقرب من 200 سنة، تمثلت بشهادات أعطيت للمحاسبين تؤهلهم للمشاركة بإجراءات التحكيم وفض
النزاعات بالمحاكم، وفي الولايات المتحدة الأمريكية تم الاستعانة بحوالي (500) محاسب كوكيل خلال الحرب العالمية الثانية، وبهذا أصبحت المحاسبة القضائية مهنة تتطلع إلى أبعد من الأرقام في التعامل مع الواقع، وهي تستعين بالقانون ومهارات التحقيق لتكون حاضرة في المحاكم، فهي اذن تستخدم علم ومهارات المحاسبة والتدقيق والتحقيق من أجل كشف الأضرار المالية والتقرير عنها للاستعانة بها في التحقيقات القانونية ومن ثم في عمليات التقاضي لفض النزاعات بصورة عادلة.
والسؤال الذي يطرح نفسه بعدئذ هو لماذا المحاسبة القضائية، والجواب بكل بساطة يمليه الواقع الحالي للعالم اجمع الذي يعاني من تفاقم حالات الغش والاحتيال والتزوير والفساد والاستغلال.. خصوصا في ظل التطورات الاقتصادية والتقنية الهائلة وما يرافقها من مشاكل قانونية ومالية واجتماعية، فنجد مثلا: غش الموظف، غش الإدارة، غش المستثمر، غش البائع، احتيال الزبون، غش التجارة الالكترونية
انهيار الشركات
إن انهيار شركات كبرى مثل انرون، ورلدكوم، غلوبال كروسينغ، وتايكو وغيرها من الأسماء المدرجة في القائمة في وول ستريت التي توسمت بالعار جراء التلاعب في قواعد المحاسبة لزيادة أرباحها في سوق الأسهم. وتكشف الامر عن مليارات الدولارات من عمليات الاحتيال المالي، وتقارير مكتب المحاسبة الحكومي الأمريكي تبين أن ما يقرب من 10 ٪ من الشركات المسجلة في البورصة أصدرت أرباحا غير حقيقية. وسوق الأوراق المالية يشهد دوامة من فقدان المستثمرين للثقة في إدارة الشركات والبيانات المالية الصادرة عنها، وهناك أيضا عدد كبير من حالات الفشل، والدعاوى والمحاكمات التي تجرى كل يوم نتيجة العائدات غير المشروعة، هذا كله يؤشر حالة تزوير واسعة النطاق لم يشهدها التاريخ الطويل للمحاسبة، الإحصاءات تدل على ان الخسائر السنوية الناتجة عن الغش والاختلاس تقدر بحوالي 900 مليار دولار، بالإضافة إلى ذلك تورط شركات المحاسبة والتدقيق في ذلك مثل تستر شركة آرثر اندرسن على تلك الحالات، لذا ليس من الغريب أن تجد الشركات نفسها هذه الأيام في المحاكم بصورة معتادة.
وعلى ضوء ما تقدم فهناك مهارات عديدة يجب أن يتقنها المحاسب القضائي بينها متخصصة ولازمة للتمكن من تنفيذ عملية التحقيق، يجب أن يلم بها وأهمها، الفهم المعمق للبيانات المالية والقدرة على تحليلها، فهم دقيق للجوانب القانونية المتعلقة بقضايا الغش والاحتيال وما شابه ذلك، فهم اللوائح التي تؤثر على عمل الشركات وسلوكها كالضرائب والحوكمة لإلمام بأساليب العثور على الأصول المفقودة، مهارات الاتصال والتواصل مع الآخرين.
والاهتمام بالمحاسبة القضائية يزداد من قبل الحكومات وصانعي القرار بسبب ارتفاع مخاطر الممارسات المالية غير القانونية, ما يتطلب من المحاسب أن يلم بمهارات وخبرات عديدة مرتبطة بهذا المجال، فبالإضافة إلى المهارات المحاسبية يحتاج المحاسب إلى إلمام ببعض الإجراءات القانونية كأساليب التحقيق وإجراءات الدعاوى القضائية وأساليب تسوية وفض المنازعات.