أفكارُك هي البذور التي تنمو منها حياتك.. تلك هي البداية، أفكارك هي الأساس الذي به يمكنك أن تغيِّر حياتك سواء للأحسن أو للأسوأ، وللوصول للأحسن في أي شيء يجب أن تفكِّرَ بما يسعدك ويسعد الناس معًا، وهذا لن يحدث إلا باستخدام الذكاء العاطفي.
يقول أبو الحسن الندوى: “إن الإنسان ليس عقلًا مجردًا ولا كائنًا جامدًا يخضع لقانون أو إدارة قاصرة، ولا جهازًا حديديًّا يتحرك ويسير تحت قانون معلوم أو على خطٍّ مرسوم، إن الإنسان عقلٌ وقلب وإيمان وعاطفة وطاعة وخضوع وهيام وولع، وحب وحنان، وفي ذلك سر عظمته وشرفه وكرامته، وفي ذلك سر قوته وعبقريته وإبداعِه وسرُّ تفانيه وتضحيته، وبذلك استطاع أن يتغلب على كل معضلة ومشكلة، وأن يصنع العجائب والخوارق، واستحقَّ أن يتحمل أمانة الله التي اعتذرت عنها السماوات والأرض والجبال فأبَيْن أن يحملنها، وأشفقن منها وحملها الإنسان ووصل إلى ما لم يصل إليه ملك مقرَّب ولا حيوان ولا نبات ولا جماد.
إن صلة هذا الإنسان بربه ليست صلة قانونية عقلية فحسب يقوم بواجباته ويدفع ضرائبه ويخضع أمامه ويطيع أوامره وأحكامه، إنما هي صلة حب وعاطفة كذلك، صلة لا بد أن ترافقها ويقترن بها ويتحكم فيها في حنان وشوق وهيام ولوعة، وتفانٍ وتهالك، والدين لا يمنع من ذلك بل يدعو إليه ويغذيه ويقويه، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ) [البقرة: 165].
إذَن هي العاطفة والعاطفة الذكية
والعاطفة هي: الاستعداد النفسي الذي ينزع بصاحبه إلى الشعور بانفعالات معينة تجاه شخص أو شيءٍ أو فكرة.
والذكاء العاطفي: هو القدرات والمهارات في التعرف على مشاعرنا الذاتية ومشاعر الآخرين لنكون أكثر تحكمًا، وقدرة الإنسان على التعامل الإيجابي مع نفسه والآخرين، وهو: الاستخدام الذكي للعواطف؛ فالشخص يستطيع أن يجعل عواطفه تعمل من أجله أو لصالحه باستخدامها في ترشيد سلوكِه وتفكيرِه بطرق ووسائل تزيد من فرصة نجاحِه في
العمل والبيت وفي الحياة بصورة عامة، وعواطفُنا هذه تنبع من أربعة أسس:
الأول: القدرة على الفهم والتقدير الدقيق والتعبير عن العاطفة فلا نبقى عبيدًا للمشاعر.
الثاني: القدرة على توليد المشاعر حسب الطلب عندما تسهِّل فهم الشخص لنفسه أو لشخص آخر.
الثالث: القدرة على فهم العواطف والمعرفة التي تنتج عنها.
الرابع: القدرة على تنظيم العواطف لتطوير النمو العاطفي والفكري.
إذن هو: يجمع بين المنطق والعواطف في حل المشكلات، يساعد على زيادة المرونة والتأقلم مع المتغيرات، يتجاوب بلطف مع الأشخاص الذين يصعب التعامل معهم.
إذن هو: التعرف على المشاعر وتوظيفها بطريقة إيجابية، أي تضع يدك على مشاعرك وتضع لها عقلًا.
ولكن السؤال: لماذا مطلوب أن أكون صاحب ذكاء عاطفي؟
مطلوب حتى تجيد التعامل مع الآخرين، تنسجم عواطفك ومبادئك وقيمك معًا فتشعر بالرضا، حتى تتخذ قراراتك الحياتية بطريقة أفضل وتحظى بصحة جسدية ونفسية سليمة وتحفز نفسك لعمل ما تريد، وتكون أكثر فعاليةً من خلال فريق وتمتلك حياة زوجية أكثر سعادة وتكون مربيًا ناجحًا ومؤثرًا في أسرتك، وتحصل على معاملة أكثر احترامًا، وتكون أكثر إقناعًا وتأثيرًا في الآخرين، وفي النهاية تحقِّق السعادة لنفسك وتنجح وظيفيًّا.
فالشخص الذي يتمتع بالذكاء العاطِفِي يغضبُ وينفعل مثلَه مثل غيرِه، ولكن كل انفعال يأخذ وقته، فهو على الرغم من كونه حساسًا جدًّا، إلا أن كل موقف لديه يأخذ وقته،
فلديه القدرة على تحويل ذهنِه سريعًا للسعادة الإيجابية.
– فالمدير الذي يتمتع بذكاء عاطفي لديه القدرة على توفير مناخ عمل ممتاز مليء بالإنتاج ومتاح به حرية الابتكار والتغيير، لديه قدرة على الابتسامة الصافية النقية التي تلغي الكثير من المعوِّقات.
– والزوج/ والزوجة اللذان لديهما الذكاء العاطفي لديهما القدرة على إدارة البيت والحياة داخله بكل مشكلاتها ومنغصاتها بقدر كبير من السلاسة والمرونة، على الرغم من وجود خلافات وبعض المشاحنات اليومية مع كل من في البيت ولكن في النهاية البيت سعيد.
– والشخص الذي يسير في الشارع وحدثت له حادثة بسيارته مع غيره ولديه الذكاء العاطفي ستكون لديه القدرةُ على امتصاص غضب المشكلة بدلًا من السبِّ واللعن والضرب، ثم في النهاية يعتذرون لبعضِهم البعض أو يلجئون للشرطة للعناد وغير ذلك الكثير، أليس هذا حسنًا وإجادة تعامل مع الآخرين وسعادة للنفس؟!
– صاحب الذكاء العاطفي استدعى المشاعر المناسبة بالقدر المناسب مع الشخص المناسب فكانت إدارة مثالية للمشاعر.
– صاحب الذكاء العاطفي استخدم المكونات الثلاث للإنسان وهي: (العقل والمشاعر والمهارات) ووظفها جيدًا حتى حظِيَ بما يريد.
– صاحب الذكاء العاطفي هنا:
إن كان رجلًا ستجده: متوازنًا اجتماعيًّا، صريحًا، مرحًا، لا يميل إلى الاستغراق في القلَق، ملتزمًا بقضايا الآخرين وصاحب علاقات قوية بهم، صاحب أخلاق، راضيًا عن نفسه والآخرين والمجتمع بشكلٍ كبير.
وإن كانت امرأةً ستجدها: حاسمة، تعبِّر عن مشاعرها بصورة مباشرة، الحياة عندها لها معنى، تندم إن مرت بلحظة غضب دون مبرر، تتكيف مع الضغوط النفسية دون استسلام لها، متوازنة اجتماعيًّا، تشعر بالراحة عند المرح والمزاح، تلقائية، منفتحة على غيرها من النساء.
والإسلام هو أساس الذكاء العاطفي الفطري؛ فالإسلام بتعاليمِه وتصوراتِه الواضحة للعقل والقلب، والتي تنمِّي كل أركان الذكاء العاطفي بدون جهدٍ يُذكر من الشخص إلا الالتزام بتعاليمه عزَّ وجل وسنة رسوله.
إنه الإسلام الذي ينقِّي الشخصيةَ من السلبية وعدم الثقة بالنفس ويهدئُ من روعِ المسلم ويأمره بعدم الغضب والانفعال، ويأمرُه بالعطف على الجميع حتى الحيوان والجماد، إنه الإسلام الذي يأمر بحسن الخلق مع الغير وانتقاء أفضل الكلمات في التعامل مع الآخرين
منقول