الأخبار

رفع أسعار الفائدة .. قرار حكيم من البنك المركزى

كانت هناك حالة من الترقب لقرار لجنة السياسة النقدية الخميس الماضى، هل سيرفع البنك المركزى الفائدة أم يخفضها أم يثبتها؟

 

سؤال تردد وسبقته أراء للخبراء رصدناها عقب صدور القرارات الإقتصادية التصحيحية الأخيرة لدعم الطاقة، وطالبوا فيها بضرورة رفع أسعار الفائدة ولو بربع فى المائة، ويصدر قرار اللجنة برفع أسعار الفائدة 100 نقطة أى بنسبة 1% بما اعاد البسمة لوجوه المدخرين و90% منهم من القطاع العائلى الذى ترجع له النسبة الأعظم من المدخرات فى البنوك التى تجاوزت فى إبريل الماضى 1.35 ترليون جنيه. والنسبة الأعظم من المدخرين من القطاع العائلى يمثلون صغار المدخرين الذين يعيشون على عائد مدخراتهم المحدودة بالبنوك، وهذا العائد مع إرتفاع معدلات التضخم معرض للتناقص، ومن هنا فإن القرار الذى أصدره البنك المركزى برئاسة هشام رامز جاء بمثابة المرهم فوق الجرح ليخفف من ألام إرتفاع معدل التضخم الحتمى والذى لمسناه جميعا فور صدور القرارات التصحيحية من الحكومة.

وكانت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزى قد قررت فى اجتماعها يوم الخميس الماضى، رفع سعرى عائد الإيداع والاقراض لليلة واحدة لدى البنك المركزى بواقع 100 نقطة أساس ليصل إلى 9.25% للإيداع و10.25% للإقراض.

وذكر البنك فى بيانه أنه تقرر رفع سعر الائتمان والخصم بواقع 100 نقطة أساس ليصل إلى 9.75 %.

والجديد فى القرار هو التنسيق بين السياستين النقدية والمالية، فمما لا شك فيه يعنى رفع أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض بالبنك المركزى والبنوك، زيادة مقابلة فى الأعباء التى تتحملها وزارة المالية والخزانة المصرية كعائد على ما تصدره من أذون وسندات تمثل خدمة الدين المحلى، ولكن تحمل الحكومة لهذا العبء يعنى من ناحية أخرى اهتمام من الحكومة بتقليل وطأة القرارات الإقتصادية الأخيرة خاصة على صغار المدخرين ، وهو ما يعنى إمتصاص الطفرة الأولى من الزيادة فى الأسعار وتقليل عبئها على الطبقة الوسطى بينما تتخذ الحكومة التدابير اللازمة لحماية الطبقات الفقيرة منها ما أعلنه وزير المالية من توجه لمنح الأسر الفقيرة دعما نقديا بخلاف الدعم العينى الذى يحصلون عليه.

مشكلة السياسة النقدية فى مصر أنها لسنوات سبقت عملية الإصلاح المصرفى ظلت أسيرة السياسة المالية ومن هنا كان التحكم الإدارى قبل التسعينيات فى أسعار الفائدة التى ظلت لسنوات طويلة سلبية إلى حد كبير مانعا للإدخار، وأيضا فاقدا للقدرة على مكافحة التضخم حيث كان التوجه فى السابق إستهداف سعر الصرف. ومنذ صدور قانون البنك المركزى والبنوك، والذى أكد الإستقلالية الكاملة للبنك المركزى فى رسم السياسة النقدية أصبحت هذه السياسة تسير فى إتجاه السيطرة على معدلات التضخم بغض النظر عن عجز الموازنة وتأثيراتها على عبء خدمة الدين. وبعد الثورة إنخرط البنك المركزى فى الهم العام لإقتصاد البلد بحيث أصبحت السياسة النقدية إلى جانب إستهداف التضخم تحرص على التنسيق مع الوضع الإقتصادى العام، فالإقتصاد كله فى ازمة، وعدم الإلتفات بسياسات مرنة فى هذا الإتجاه سيضر فى نهاية المطاف البنوك التى ظلت صامدة على مدى ثلاث سنوات ونصف حتى الأن، والركود الإقتصادى سيؤثر عليها حتما فى المستقبل، ومن هنا فنحن جميعا مسئولون عن الإقتصاد حتى على مستوى المواطن العادى الذى يجب أن يراجع أساليبه فى الإستهلاك والإدخار خلال المرحلة المقبلة.

رفع سعر الفائدة يصب فى خانة سعر صرف الجنيه المصرى أيضا وهو ما يعنى تعويض المدخر والمستهلك المصرى عن إرتفاع الأسعار عقب القرارات الإقتصادية الأخيرة وأيضا نتيجة الوضع الإقتصادى المتردى على مدى السنوات الثلاث بعد ثورة يناير.

إطفى النور شعار يجب أن نرفعه جميعا داخل منازلنا، وفى الشوارع والمتاجر والفنادق، وفى كل مكان، والذى يعنى أن نمد أيدينا لإغلاق أى مصباح كهربائى لسنا فى حاجة إليه ، تقليل إستهلاك البنزين والسولار أيضا سيكون فى إطار مسئوليتنا المجتمعية كشعب، تقليل إستهلاكنا من السلع والخدمات سيكون ضمن إجراءات ترشيد الإستهلاك المطلوبة وهذا لابد وأن يتواكب مع سياسة جديدة تلتزم بها الشركات المنتجة باستخدام عبوات أصغر حجما وأقل سعرا، فبدلا من إستهلاك كيلو سكر أو لتر زيت يمكن استهلاك نصف هذه الكمية.

قرار المركزى أيضا سيشجع عملية تحويل المدخرات من النقد الأجنبى للجنيه المصرى وهو ما يعنى زيادة موارد البنوك من النقد الأجنبى اللازم لفتح اعتمادات الاستيراد خاصة للسلع الإستراتيجية.

وربما يعتقد البعض أن القرار سيؤثر سلبا على الإستثمار حيث يرفع عبء فائدة الإقراض من جانب البنوك، ولهؤلاء نقول لهم إطمنوا فدالة الإستثمار لن تتحرك فى الوقت الراهن، وسعر الفائدة لم يكن يوما عائقا أمام الإستثمار ـ خاصة فى مصر ـ حيث أن المستثمر يطلب فى الأساس الأمان، والإستقرار فى السياسات، وسرعة الإجراءات، وتوفير مصادر الطاقة والمياه والنقل.

المرحلة المقبلة يجب أن تكون أعيننا على الشارع المصرى ، ويجب أن نحمى الطبقة المتوسطة، فهى الطبقة التى تحمل جينات المجتمع الثقافية والحضارية ولا يرعاها أحد، فالحكومة تحمى الفقراء، والأغنياء تحميهم أموالهم، والطبقة الوسطى تحتاج من يسترها من شر الحاجة ، والضغوط الإقتصادية المتراكمة عليها.

هذه الطبقة الوسطى هى المفجرة للثورات، وهى القادرة على رفع صوت الشعب عاليا فى المطالبة بحقوقه، وعلينا أن نكفل الحماية لهذه الطبقة التى لا يقل تعدادها عن 30 مليون نسمة ، فهى المسئولة على تطوير المجتمع، وهى الأكثر إهتماما بعمليات التعليم والرعاية الصحية.

أخيرا .. نقول شكرا للبنك المركزى على قراره الشجاع، ونقول لصانع القرار فى مصر وللحكومة المصرية ولوزارة المالية أن إستقلال البنك المركزى فى رسم السياسة النقدية هو صمام الأمان الأول للإقتصاد المصرى حتى لا تنجرف السياسات ، ونهدر كل سياسات الإصلاح التى تمت فى الماضى، ونعود لفوضى التضخم المرتفع، وسعر الصرف المنفلت، والإحتياطى من النقد الأجنبى المتناقص، والعجز فى ميزان المدفوعات والميزان الجارى. إحترسوا ، ولنعمل جميعا متضامنين، فمحافظ البنك المركزى هو المستشار الإقتصادى الأول للدولة، وتجاهل نصائحه لن يضره فى شئ، ولكن ستكون التكلفة غالية على الحكومة وعلى الإقتصاد وعلى الشعب فى نهاية المطاف.

المصدر:الأهرام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى