زكاة الرواتب والأجور وإيرادات المهن الحرة
إن للزكاة مكانة عظيمة في الإسلام؛ فهي الركن الثالث بعد الشهادتين والصلاة، وقد عُني بمباحثها العلماء قديماً وحديثاً، ولا يزال البحث يتجدد في هذه الشعيرة؛ لعناية الشارع بها، ولأنها تتعلق بالجانب المالي في حياة الناس.
وقد تناول هذا البحث زكاة موارد مالية حديثة، هي الرواتب والأجور، وإيرادات المهن الحرة، التي ظهرت كمصادر كسب لها مكانتها في حياة الناس اليومية؛ فبينت الدراسة الآراء الفقهية الواردة في حكم زكاتها، مع الأدلة، والمناقشة، والترجيح.
وخلص البحث إلى ترجيح القول بوجوب زكاتها، مع توضيح كيفية زكاتها، والمقدار الواجب فيها، وذكر نماذج تطبيقية لذلك.
مقدمة:
فريضة الزكاة ركن من أركان الإسلام، تقوم بتنظيم شؤون حياة العباد اجتماعياً واقتصادياً وروحياً، ولها دور جليل على مستوى الأفراد والجماعات، حيث تنمي روح الإخاء بين الأغنياء والفقراء والمحتاجين، وقبل ذلك كله هي تطهير لنفس الغني من داء الشُّح والبخل والطمع، قال -تعالى-: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا) [التوبة: 103].
وفي الزكاة تطهير لنفس الفقير والمحتاج من رذيلة الحقد، وداء الحسد، وآفة البغضاء، فما أن يصل شيء من مال الغني لأخيه الفقير؛ إلا ويشعر الأخير بأن مَنْ حوله من أبناء المجتمع الذين أنعم الله عليهم بالمال يمدون يد العون والمساعدة له؛ فيُدخل ذلك السرور في قلبه نحوهم، وينعدم الحسد والبغضاء، ويتحقَّق ذلك كله طالما أن فريضة الزكاة قائمة بين المسلمين على أكمل وجه، وفي جميع أنواع الأموال الزكويَّة.
وعلى الرغم من أن فريضة الزكاة شُرعت بنصٍّ صريح من الآيات القرآنية، وحدَّدت السنة الشريفة مقاديرها وتفاصيلها، غير أن هناك مصادر كسب برزت في حياة الناس، تحتاج إلى مزيد من إلقاء الضوء عليها، حتى يُتوصل إلى التكييف الفقهي الصحيح لها، تلكم المصادر هي: رواتب الموظفين، وأجور العمال، وإيرادات أصحاب المهن الحرة، ونحوها، وقد برزت كمصادر للدخل لدى الأفراد في العصر الحاضر مقابل عملهم، وجزاء جهدهم.
وسيعالج هذا البحث هذا الموضوع الهام والمعاصر، وذلك من خلال محاولة الإجابة عن التساؤلات الآتية:
هل ورد عن النبي -صلي الله عليه وسلم- أو الخلفاء الراشدين، أو الأئمة الفقهاء أخذهم لزكاة الرواتب؟ هل كانت تُعرف هذه الدخول بأسماء أخرى؟ وإذا لم يتناولها السلف بالبحث والتفصيل؛ فمتى ناقشها الفقهاء المعاصرون؟ وما هي الآراء التي حولها؟ وما مستنَد كل رأي؟ وما الراجح منها؟ وعلى فرض وجوب الزكاة فيها، كيف تزكَّى؟ ومتى تزكَّى، عند الحول أو عند القبض؟ وكيف ينزل التطبيق إلى الواقع؟
تمهيد:
أهمية الرواتب والأجور وإيرادات المهن الحرة كموارد للكسب
يطلق لفظ الراتب على ما يأخذه الإنسان بصفة مستمرة مقابل عمل يقوم به ، جاء في “المعجم الوسيط”: “الراتب: يقال رزق راتب: ثابت ودائم، ومنه الراتب الذي يأخذه المستخدم أجراً على عمله” مُحْدَثَةٌ.
أما إيرادات المهن الحرة، فيراد بها: ما يحصل عليه أصحاب المهن الحرة في مقابل العمل الذي يقومون به، كدخل الطبيب من عيادته الخاصة، ودخل المحامي، ومَنْ في حكمهما.
وقديماً كان يسمَّى أجور العمال (أُعِطيَّات)، قال مالك في “الموطأ”: “قال القاسم بن محمد: وكان أبو بكر إذا أعطى الناس أُعطِيَّاتهم يسأل الرجل: هل عندك من مال وجبت فيه الزكاة… “
ولما كانت فئات الموظفين والعمال والمهنيين في مجملها تمثل ثقلاً مقدَّراً في أي مجتمع، وأن رواتب بعضهم تفوق في أحيان كثيرة دخول كثير ممن يعملون في التجارة الزراعة؛ لذا كان لا بدّ من الاهتمام بالنظر في إيجاب الزكاة في أموالهم؛ فان ثبت شرعاً أخذ الزكاة منهم كان ذلك طُهْراً لأموالهم، واستكمالاً منهم لأركان دينهم، وعوناً منهم لإخوانهم المحتاجين، لاسيما وقد أصبح للموظفين دخول عالية؛ لأن فيهم الوزير، والمدير، والأستاذ الجامعي، والاستشاري الطبيب، والمحامي، وأمثالهم. كما أصبح الصناع والمهنيون يحصلون على نسب كبيرة من الدخول لقاء أتعابهم.
المبحث الأول:
آراء الفقهاء وأدلتهم في حكم زكاة الرواتب وأجور العمال وإيرادات أصحاب المهن الحرة:
لاشك أن رواتب الموظفين وأجور العمال وموارد المهنيين أصبحت في عصرنا الحاضر تمثل موارد ضخمة ومتجددة لدى عدد ليس بالقليل من أصحاب هذه الفئات، وقد تباينت وجهات النظر، لا في حكم الزكاة فيها فحسب؛ بل في متى تزكَّى، وفي مقدار الزكاة فيها، ولعل مردَّ ذلك الخلاف كالآتي:
1- لم يرد فيها نصٌّ صريحٌ من كتاب أو سُنَّة.
2- لم تكن هذه الدخول معروفة في عهد النبوَّة، وإن عُرفت رواتب الجند والمرابطين في عهد أبي بكر رضي الله عنه- والخلفاء من بعده، وكانت تسمَّى الأُعْطِيَّات، ولكن دخول الوظائف وأجور العمال ونحوهما على الوجه المعروف في عصرنا الحاضر لم تكن معهودة للفقهاء في عصور الإسلام الأولى.
3- الاختلاف في قياسها على المال المستفاد.
4- الاختلاف بين الفقهاء في زكاة المال المستفاد، هل تكون عند استفادته أو بعد الحول.
هذا وسنبدأ بقول الموجبين ومستنَدهم في ذلك، ثم نعرض لقول المانعين ومستنَدهم كذلك.
المطلب الأول:
قول الموجبين وأدلتهم:
1- يقول الشيخ محمد الغزالي: “إن مَنْ دخله لا يقل عن دخل الفلاح الذي تجب عليه الزكاة يجب أن يخرج زكاة؛ فالطبيب، والمحامي، والمهندس، والصانع، وطوائف المحترفين والموظفين وأشباههم تجب عليهم الزكاة، ولا بدّ أن تُخرج من دخلهم الكبير، ولنا على ذلك دليلان:
الأول: عموم النص في قول القرآن الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ) [البقرة: 267]. ولاشك أن كسب الطبقات الآنفة الذكر كسب طيب يجب الإنفاق منه.
والدليل الثاني: أن الإسلام لا يُتصور في حقِّه أن يفرض الزكاة على فلاح يملك خمسة أفدنة، ويترك صاحب عمارة تدرُّ عليه مقدار محصول خمسين فداناً، أو يترك طبيباً يكسب من عيادته في اليوم الواحد ما يكسبه الفلاح في عام طويل من أرضه، إذا أغلَّت بضعة أرادب من القمح، ضُربت عليه الزكاة يوم حصاده!!.
لا بدّ إذن من تقدير زكاة أولئك جميعاً، وما دامت العلة المشتركة التي يُناط بها الحكم موجودة في الطرفيْن؛ فلا ينبغي المراء في إمضاء القياس وقبول نتائجه” [5، ص166 وما بعدها].
2- وعرض الأساتذة: عبد الرحمن حسن، ومحمد أبو زهرة، وعبد الوهاب خلاف لهذا الموضوع في محاضرتهم عن الزكاة، في حلقة الدراسات الاجتماعية، عام (1372هـ/ 1952م) بدمشق، فأوجبوا فيه زكاة كسب العمل؛ حيث قالوا: “أما كسب العمل والمهن؛ فإنه يؤخذ منه زكاة إن مضى عليه حَوْلٌ، وبلغ نِصَاباً”.
واستدلُّوا على ذلك بقولهم: “أما كسب العمل والمهن الحرة؛ فإنَّا لا نعرف له نظيراً، إلا في مسألة خاصة بالإجارة على مذهب أحمد -رضي الله عنه- فقد روي عنه أنه قال فيمن أجَّر داره، فقبض كِرَاها، وبلغ نِصَاباً: إنه يجب عليه الزكاة إذا استفاده من غير اشتراط؛ وإن هذه في الحقيقة تشبه كسب العمل، أو هو يشبهها، فتجب الزكاة فيه إذا بلغ نصاباً” [6، ص248]. ونصُّ المسألة كما قال ابن قدامة: “روي عن أحمد فيمن باع داره -يعني: أجَّر داره- بعشرة آلاف إلى سنة، إذا قبض المال يزكٍّيه. إنما نرى أن أحمد قال ذلك لأنه مَلَكَ الدراهمَ في أول الحَوْل، وصارت دَيْنًا له على المشتري -أي: المستأجر-، فإذا قبضه زكَّاه للحَوْل الذي مرَّ عليه في مِلْكه، كسائر الديون، وقد صرَّح بهذا المعنى في رواية بكر بن محمد عن أبيه، فقال: إذا أكرى داراً أو عبداً في سنة بألف، فحصلت له الدراهم وقبضها، زكَّاها إذا حال عليها الحَوْل من حين قبضها، وإن كانت على المكتري؛ فمن يوم وجب” [7، جـ1، ص490].
3- وأوجب يوسف القرضاوي في كتابه “فقه الزكاة” زكاةَ الرواتب والأجور، وإيرادات المهن الحرة، واستدلَّ على ذلك بأنه مال مُستفاد، فقال: “تؤخذ الزكاة من الرواتب ونحوها، والتكييف الفقهي الصحيح لهذا الكسب أنه مال مُستفاد” [8، جـ1، ص490].
4- ويقول حسين شحاته: “ويخضع إيراد كسب العمال بنوعَيْه للزكاة، واستدلَّ على ذلك بقوله: “ودليل خضوع إيراد كسب العمل بنوعَيْه للزكاة ثابت ومؤكد بما ورد في القران الكريم من آيات، وبما بيَّنه الرسول العظيم من أحاديث، وما روي عن السلف الصالح من اجتهادات”.
أ – فقد ورد في القرآن الكريم قول الله – عز وجل -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ) [البقرة: 267]. ويعدُّ إيراد العمل هو ما كسبه الإنسان من بذل الجهود العضلية والذهنية، وهو كسب طيب، يجب أن تؤدَّى زكاته، مثله مثل الفلاح الذي يعمل ويكسب من الأرض، والتاجر الذي يعمل ويكسب من التجارة، والصانع الذي يعمل ويكدح من الصناعة.
ب – أما الأحاديث التي تؤكِّد وجوب الزكاة في إيراد كسب العمل بنوعَيْه -باعتباره مالاً مستفاداً- كثيرة، منها قوله -صلي الله عليه وسلم-: ((على كل مسلم صدقة)). الحديث. أخرجه البخاري كما في (فتح الباري)، كتاب الزكاة، باب: على كل مسلم صدقة، حديث رقم (1445) [9، جـ3، ص307]. كما قال الرسول -صلي الله عليه وسلم -: ((من استفاد مالاً؛ فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحَوْل)) [10، جـ3، ص26]. رواه الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما- مرفوعاً وموقوفاً، وقال: “الموقوف أصح؛ لأن فيه من طريق المرفوع عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، ضعيف في الحديث، ضعَّفه أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، وغيرهما من أهل الحديث، وهو كثير الغلط”. وحكم الألباني على المرفوع بالضعف، كما في كتابه “ضعيف الجامع الصغير وزياداته”، [11، ص780].
جـ – كما ورد عن الخلفاء الراشدين أخذهم زكاة المال من الأُعْطِيَّات ومن المال المستفاد، فيقول أبو عبيد: “روي عن عائشة ابنة قدامة بن مظعون، قالت: كان عثمان بن عفان -رضي الله عنه- إذا خرج للعطاء أرسل إلى أبي، فقال: إن كان عندك مال قد وجبت فيه الزكاة، حاسبناك فيه من عطائك” [1، ص254 – 225].
5- وممن قال بإخضاع الرواتب والأجور وإيرادات المهن الحرة ونحوها للزكاة، قياساً على زكاة المال المُستفاد، كلٌّ من: أبو بكر الجزائري [12، ص33]، ومحمد سعيد وهبه [13، ص233]، وعبد العزيز جمجوم [13، ص33]، ومحمد كمال عطية [14، ص 71 – 75، 123 126]، وسلطان بن محمد بن علي سلطان [15، ص119]، ومحمود أبو السعود [16، ص146 وما بعدها]، ومحمود عاطف البنا [17، ص176 وما بعدها]، ومنذر قحف [18، ص73)، ويحيى أحمد مصطفى قللي [19، ص73]، وجمعة محمد مكي [20، ص 199 – 204]، ومحمد العقلة [21، ص164].
6- ونصَّ مرسوم فريضة الزكاة بالمملكة العربية السعودية رقم (8634) لعام (1370هـ)، ولائحته التنفيذية الصادرة بالقرار الوزاري رقم (93)، وتاريخ (6/ 8/ 1370هـ، 13/ 5/ 1951م)، وما لحق ذلك من مراسيم وتعديلات، بإخضاع رؤوس الأموال وغلاَّتها، وكلِّ الواردات والأرباح والمكاسب التي تدخل على الأفراد والشركات من مزاولة تجارة، أو صناعة، أو أعمال شخصية، أو ممتلكات ومقتنيات نقديَّة [22، ص135].
7- وقد جاء في ندوة الغرفة التجارية الصناعية بالرياض، المنعقدة في (15/6/1411هـ، 1/1/1991م) ما نصُّه: “والمملكة العربية السعودية منذ تأسيسها تقوم بجباية الزكاة الظاهرة؛ كالزروع والثمار والمواشي، أما الزكاة الباطنة -كالنقود وعروض التجارة – فكانت تُترك للرعايا السعوديين ليدفعوها بمعرفتهم، إلى أن صدر نظام جباية فريضة الزكاة بالمرسوم الملكي رقم [17/ 2/ 28/ 8634]، لعام (1370هـ/ 1951م)، باستيفاء الزكاة الشرعية كاملةً من جميع الأفراد والشركات الذين يحملون الرعويَّة السعودية، ويستند نظام فريضة الزكاة على مجموعة من الخصائص، أهمها: نظام جباية وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، فالنظام لم يقصر في جباية الزكاة على عروض التجارة فقط، بل شمل جميع الأموال، سواء كانت ثروة عقارية؛ كالعمارات، أو صناعية كالمصانع، أو مالية؛ كالأوراق المالية. وهذه الأموال يمكن تقسيمها إلى ثلاث مجموعات متميزة؛ بحيث تتضمن كل مجموعة منها الأموال ذات الخصائص المشتركة:
فالأولى: رؤوس الأموال المنقولة؛ كالأنعام، والنقود، وعروض التجارة، والأوراق المالية.
أما الثانية: فتشمل الأموال الثابتة؛ كالزروع والثمار، والمستغلاَّت كالعقار والمصانع.
أما الثالثة: فتشمل المال المستفاد؛ ككسب العمل، والرواتب والأجور والمكافآت، وما في حكمها، ودَخْل المهن الحرة؛ مثل: الإيرادات التي يحصل عليها الأطباء، والمحامون، والمحاسبون، والمهندسون، وغيرهم من أصحاب المهن الحرة والحِرَف” [23، ص 16 – 17].
8- أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية، فتوى رقم (282)، وتاريخ (11/ 11/ 1392هـ) بوجوب الزكاة على مَنْ ملك نصاباً من النقود، كالذي يوفِّره الموظف شهرياً من مرتبه. فتوى رقم (282)، وتاريخ (11/ 11/ 1392هـ). [24، ص 158 – 159].
9- ونصَّت وقائع وتوصيات مؤتمر الزكاة الأول بالكويت، المنعقد في (29/ رجب/ 1404هـ، الموافق 30/ 4/ 1984م) على وجوب زكاة الأجور والرواتب، وأرباح المهن الحرة وسائر المكاسب [25، ص 442 – 443].
10- ونصَّت المادة (22) من قانون الزكاة بجمهورية السودان، والبند (11) و (12) لائحة الزكاة، لسنة (1413هـ/ 1993م) على وجوب زكاة المرتبات والأجور، والمكافآت، والمعاشات، ودخول أصحاب المهن الحرة والحرف [26، ص 7 8].
المطلب الثاني:
قول المانعين وأدلتهم:
لم أطَّلع على قول يخالف في إخضاع الرواتب والأجور ودخول المهن الحرة للزكاة، سوى ما أورده كوثر الأبجي [27، ص 356]، ولم يسمِّ قائله، لكنه ذكر مستنَده بقوله: “ولكن يقابل هذا الرأي -أي: رأي من أخضعها للزكاة- الرأي الثاني، ويستند إلى ما يلي:
1- أن الثروات والدخول المستحدَثة التي لم توجد في عهد النبي -صلي الله عليه وسلم- ولا في عصر الخلفاء الراشدين، ووجدت فقط في عصرنا هذا هي فقط التي يمكن الاجتهاد فيها بالقياس على سائر أنواع الزكاة، بغرض إخضاعها للفريضة؛ حيث إن كافة أنواع الثروات التي كانت موجودة في زمن النبي -صلي الله عليه وسلم- قد أُخضعت للزكاة، وعلى ذلك تشمل الزكاة كافة ثروات العصر، أما الدخل الناتج عن كسب العمل فقد كان موجوداً زمن النبي -صلي الله عليه وسلم- وزمن الخلفاء الراشدين من بعده، ومع ذلك فلم يخضعها أحد للفريضة، ولو كان يمكن إخضاعها، لما أغفلتها الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة.
2- إن وجوب تزكية إيراد كسب العمل تخريجاً على أنه مال مُستفاد تخريجٌ حديثٌ؛ رغبةً في إخضاع هذا الإيراد، ولو كان هو المال المُستفاد المقصود به في مراجع الفقه الإسلامي؛ لما استعصى تخريجه على علماء العصور السالفة.
3- إن هذا المال سيخضع حتماً للزكاة بعد استقطاع الأعباء العائلية، متمثلاً في زكاة النقدَيْن، فإذا كنَّا سنخضعه لزكاة كسب العمل، فهل سنعفيه حينئذٍ من زكاة النقدَيْن منعاً للثني؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل يجوز أن نُخضع المال لزكاة ثم تشريعها بالقياس، ونعفي المال من زكاة أصلية؟.
4- إن زكاة كسب العمل -تشبيهاً بضريبة كسب العمل- التي تُخضع المرتبات والأجور وإيراد المهن الحرة للضريبة، ولا يصح أن نضيف للزكاة من المفاهيم والمبادئ الوضعية، إلى جانب أن كسب العمل يخضع فعلاً في معظم المجتمعات الإسلامية لضرائب وضعية، والمطلوب هو تخفيف الأعباء المالية على كسب العمل بصفة خاصة؛ نظراً لأنه يعتمد على المقدرة الذهنية والعضلية للإنسان، وهو مَعِينٌ سريع النضوب، ويجب المحافظة عليه، فإذا كانت الضرائب واقعاً مفروضاً في المجتمعات الإسلامية؛ فالأحرى بنا أن نخفِّف الأعباء المالية، لا أن نضيف عبئاً جديداً.
5- إن الدولة المعاصرة تحتاج لإنفاق نفقات عامة كثيرة، في نواحٍ متعددة بخلاف مصارف الزكاة، وعلى ذلك إذا كانت هناك إيرادات لم تفرض عليها الشريعة أصلاً زكاةً، مثل: كسب العمل -أي: الرواتب، والأجور، ودخل المهن الحرة- فالأوجب أن تُفرض عليها ضريبة تخصص حصيلتها للإنفاق في أوجه المصارف الأخرى التي تحتاجها الدولة، بدلاً من الاجتهاد الذي قد يصيب أو يخطئ في تشريع زكاة جديدة.
المطلب الثالث:
مناقشة الأدلة والترجيح:
1- الناظر في أدلة الموجبين يجدها تنحصر في الآتي:
أ – عموم النصوص من الكتاب والسنة [20، ص199]؛ كاستدلالهم بعموم قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ) [البقرة: 267]، واستدلالهم بحديث: ((على كل مسلم صدقة)). قالوا: “يا نبي الله، فمَنْ لم يجد”؟ قال: ((يعمل بيده؛ فينفع نفسه ويتصدَّق… ))، الحديث. أخرجه البخاري كما في “الفتح”، في كتاب الزكاة، باب: على كل مسلم صدقة، حديث رقم (1495)، [9، جـ3، ص307].
ب – القياس على المال المُستفاد [8، جـ1، ص490]، والمال المُستفاد: هو الكسب الذي يحصل عليه، ليس من مالٍ عنده، ولا بديلاً عنه؛ بل استفاده بسبب مستقل؛ كأجرٍ عن عمل، أو مكافأة، أو هبة، أو نحو ذلك، سواء كان من جنس مالٍ عنده، أم من جنس غيره [8، جـ1، ص491؛ 1، ص257].
جـ – القياس على زكاة كسب الفلاح والتاجر والصانع [1، ص254]:
فكما يجب على الفلاح الذي يعمل ويكسب من تجارته، والصانع الذي يعمل ويكدح من الصناعة، فكذا يجب على الموظف والعامل ونحوهما زكاة كسبهما؛ فالجميع كسب مقابل جهد عضلي أو ذهني.
قلت: أما استدلال الموجبين بعموم الآية ففي محله، ويشهد له قول الإمام البخاري في “صحيحه”، في كتاب الزكاة، “باب صدقة الكسب والتجارة”، لقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ) [البقرة: 267]، إلى قوله -تعالى-(وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) [البقرة: 267]، ونقل الحافظ ابن حجر عند شرحه هذا الباب أحاديث: منها ما أخرجه الطبري من طريق هيثم، عن شعبة، ولفظه: (مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ)، قال: ((من التجارة))، (وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ). قال: ((من الثمار)). وعن علي: قال في قوله: (وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ) قال: “يعني الحبّ والثمر، كل شيء عليه زكاة”. وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: “يأمر الله عباده المؤمنين بالإنفاق والمراد به الصدقة ها هنا”. قال ابن عباس: “من طيبات ما رزقهم الله، من الأموال التي اكتسبوها” [28، جـ1، ص303].
أما استدلالهم لإيجاب الزكاة في الرواتب ونحوها بعموم حديث: ((على كل مسلم صدقة))؛ رواه البخاري كما في “الفتح”، كتاب الزكاة [9، جـ 3، ص 307]. فلا وجه له فيما أرى؛ لأن المراد بالصدقة هنا: المعروف بعامة، ويدل على ذلك بعض ألفاظ الحديث، وما قاله شرَّاح الحديث، قد قال ابن حجر: “وهل تلتحق هذه الصدقة بصدقة التطوع التي تحسب يوم القيامة من الفرض الذي أخلَّ به؟ فيه نظر، والذي يظهر لي أنها غيرها، لما تبين من حديث عائشة المذكور: أنها شُرعت بسبب عتق المفاصل، حيث قال في آخر هذا الحديث: ((فانه يمسي يومئذ وقد زحزح نفسه عن النار))” [9، جـ3، ص307].
وورد الحديث في صحيح مسلم بلفظ: ((على كل سُلامَى من أحدكم صدقة؛ فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمرٌ بالمعروف صدقة، ونهيٌ عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى)) [29، جـ1، ص499].
وقد أشار ابن حجر إلى ما ورد في لفظ مسلم: ((ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى)) بقوله: “وهذا يؤيد ما قدمناه: أن هذه الصدقة لا يكمل منها ما يختل من الفرض؛ لأن الزكاة لا تكمل الصلاة، ولا العكس، فدلَّ على افتراق الصدقتيْن”. وإذا كانت الصدقة الواردة في هذا الحديث: ((على كل مسلم صدقة)) تفارق الصدقة التي تشمل الزكاة؛ فلا وجه إذن -ولو من جهة العموم- للاستدلال بهذا الحديث على إيجاب زكاة الرواتب والأجور ونحوها.
أما إيجاب زكاة الرواتب والأجور ونحوها بالقياس على زكاة كسب الفلاح والتاجر والصانع فواضح؛ لأن الجميع كسب مقابل جهد، أما وقد أوجب الشارع الزكاة في كسب الفلاح إذا بلغ مقداراً معيناً، وكذا التاجر؛ فيمكن أن يقاس على ذلك إيجاب الزكاة في الرواتب والأجور، وإيرادات المهن الحرة.
2- أما ما استدل به المانعون فنجمله في الآتي:
أ – أن الدخل الناتج عن كسب العمل رواتب، وأجور، وإيرادات مهن كان موجوداً زمن النبي -صلي الله عليه وسلم- وزمن الخلفاء من بعده؛ فلم يخضعها أحد للفريضة، ولو كان يمكن إخضاعها؛ لما أغفلتها الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة.
ب – أن إيجاب الزكاة في إيرادات كسب العمل تخريجاً على المال المُستفاد تخريجٌ حديثٌ؛ رغبة في إخضاع هذا الإيراد، ولو كان هو المال المستفاد المقصود به في مراجع الفقه الإسلامي؛ لما استعصى تخريجه على علماء العصور السالفة.
جـ – أن هذا المال سيخضع لزكاة النقدَيْن بعد استقطاع الأعباء العائلية، فإذا أُخضع لزكاة كسب العمل، فترتب على ذلك إعفاءه من زكاة النقدَيْن، منعاً للثني، فهل يجوز إخضاع مال لزكاةٍ تم تشريعها بالقياس، ويعفى من زكاةٍ أصلية؟.
د – إن زكاة كسب العمل رواتب، أو أجور، أو إيراد مهن حرة تشبه ضريبة كسب العمل التي تخضع المرتبات والأجور وإيرادات المهن الحرة للضريبة، ولا يصحُّ أن نضيف للزكاة من المفاهيم والمبادئ الوضعية.
الرد على ما استدلَّ به المانعون:
1- قولهم: “إن كسب العمل كان موجوداً زمن النبي -صلي الله عليه وسلم- وزمن الخلفاء من بعده، ولم يخضعه أحدٌ للزكاة”! يُردُّ عليه بأن الدخول المكتسبة من عملٍ ومهنٍ لم تكن ذات شأن في عهد الرسول -صلي الله عليه وسلم- مقارنةً بما هو عليه حال كثير من الرواتب والدخول الآن، فقد رتَّب رسول الله -صلي الله عليه وسلم- لعتَّاب بن أسيد رضي الله عنه- لما ولاَّه مكة بعد الفتح درهمين كل يوم [30، جـ3، ص359]، وإذا كان الولاة من خيرة الناس لم تتجاوز رواتبهم هذا الحد، فما بالك برواتب من هم دونهم إن رُتِّبتْ لهم رواتب؟!.
أما بعد عهد النبوة؛ فقد ثبت أن ابن مسعود -رضي الله عنه- كان يزكِّي الأُعْطِيَّات، فيأخذ من كل ألفٍ خمسة وعشرين.
وروى مالك في “الموطأ”، عن ابن شهاب قال: “أول من أخذ من الأُعْطِيَّة الزكاة معاوية بن أبي سفيان” [4، جـ1، ص246]. قال القرضاوي: “لعله يريد أول من أخذها من الخلفاء، فقد أخذها قبله ابن مسعود كما ذكرنا، أو لعله لم يبلغه فعل ابن مسعود؛ فقد كان بالكوفة -يعني ابن مسعود- وابن شهاب بالمدينة” [8، جـ1، ص501].
ونقل أبو عبيد: أن عمر بن عبد العزيز كان إذا أعطى الرجل عمالته أخذ منها الزكاة، وإذا ردَّ المظالم أخذ منها الزكاة، وكان يأخذ الزكاة من الأُعْطِيَّة إذا خرجت لأصحابها [31، ص437].
2- أما قولهم: “إن إيجاب الزكاة فيها تخريج على المال المُستفاد تخريجٌ حديثٌ”، فيجاب عليه بأنه لمَّا كان تعريف المال المستفاد يشمل هذه الدخول؛ فلا وجه للتعليل بأن علماء العصور السالفة لم يخرِّجوه، فعدم تخريجهم له مردُّه إلى أن الدخول في تلك العصور لم تبلغ بأصحابها الغنى المشاهَد اليوم، فمظاهر الغنى تبدو واضحة في عصرنا الحاضر على أصحاب الدخول العالية -من رواتب، وأجور، وإيرادات المهن الحرة- سواء في مأكلهم، أو ملبسهم، أو مسكنهم، أو مركبهم.
3 قولهم: “إن هذا المال يخضع لزكاة النقدَيْن؛ فلا وجه لإخضاعه لزكاةٍ تمَّ تشريعها بالقياس، ويعفى من زكاة أصلية”.
الردُّ: إن الرواتب، وأجور العمل، وإيرادات المهن، كلها أموال تدفع لمستحقيها نقداً -غالباً-، فإما أن تزكَّى -إن استُحقَّت فيها الزكاة- عند القبض، أو بعد الحَوْل، على خلافٍ سيأتي بيانه في المبحث القادم، فما وجه القول بأن زكاة النقدَيْن أصلية، وزكاة كسب العمل شُرعت بالقياس؛ فهي ليست أصلية، مع أننا نقرأ في القرآن قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ) [البقرة: 267].
ونجد في السُّنَّة قوله -صلي الله عليه وسلم-: ((… فأعلِمْهُم أن الله افترض عليهم صدقةً في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم، وتُردُّ على فقرائهم))؛ رواه البخاري كما في “الفتح” [9، جـ3، ص261].
4 – أما القول بأن: “زكاة كسب العمل رواتب، وأجور، وإيرادات مهن حرة تشبه ضريبة كسب العمل التي تُخضع المرتبات للضريبة، ولا يصح أن نضيف للزكاة من المفاهيم والمبادئ الوضعية”.
الرد: إذا كانت الضريبة هي أقرب إلى الزكاة من حيث الوصف المالي المحاسبي في شكل كل منهما، فإن الزكاة ليست في حقيقتها ضريبة على الإطلاق، وذلك بالمعنى المتعارف عليه للضريبة، فالزكاة ركن عبادةٍ خاصةٍ بالمسلمين، تتمثل في صورة تصرف مالي، تتَّسم بالدوام، ولا تتبدل أحكام الله فيها بتبدل الظروف الزمانية والمكانية، وبالتالي لا تُستخدم لأهداف توجيهية موقوتة، وإنما تتحقق بها أهداف ثابتة مخصصة، روحية ومادية، في حين أن الضريبة نظام مالي تصيب فيه الدولة وتخطئ، فهو من فكر البشر، تتبدل أحكامه بتبدل الظروف الزمانية والمكانية، وتتحقق به في الأساس أهداف مادية بحتة ومختلفة [32، ص330]؛ فلا وجه إذن للقول بأن زكاة كسب العمل أُضيفت من مفهوم الضريبة؛ بل هذا كسبٌ توجَّب على صاحبه أداء فريضة الزكاة فيه -إن توافرت فيه شروطها- بأدلة شرعية.
الترجيح:
مما سبق من عرض وتعليق على آراء وأدلة الفريقين -الموجبين والمانعين- يتضح لنا ترجيح القول بوجوب زكاة الرواتب والأجور وإيرادات المهن الحرة، فمن كان له كسب عمل -موظفاً، أو عاملاً، أو صاحب مهنة حرة- يفضل عن حاجته بقدر النِّصاب، وجبت عليه الزكاة؛ لأنه يُعدُّ بذلك غنياً، قال -صلي الله عليه وسلم-: ((تؤخذ من أغنيائهم، وتُردُ على فقرائهم))؛ أخرجه البخاري كما في “الفتح” [9، جـ3، ص261]. فالأغنياء كلهم فُرضت عليهم الزكاة، سواء كان هذا الغنى معبَّراً عنه بثروة تملك من ذهب، أو فضة، أو إبل، أو غنم، أو عروض تجارة، أو زراعة، فلا وجه لاستثناء أغنياء كسب العمل.
المبحث الثاني:
كيفية زكاة الرواتب والأجور وإيرادات المهن الحرة؟
وفيه ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: نصاب الزكاة:
اختلف الفقهاء الموجبون في تحديد قيمة النِّصاب فيها إلى ثلاثة أقوال:
الأول: اعتبار نصابها بنصاب الزروع والثمار؛ فمن بلغ دخله ما قيمته خسمة أوسق، أو خمسين كيلة مصرية أو (653 كيلو جرام وزناً من أدنى ما تخرجه الأرض كالشعير)؛ وجبت عليه الزكاة.
وعلَّة ذلك: أن كسب العمل إيراد وثمرة مباشرة للعمل، فيقاس على زكاة الزروع والثمار [5، ص 166- 168؛ 23، ص155].
الثاني: اعتبار نصابها نصاب النقود:
وحدُّوه بما قيمته (85 جراماً) من الذهب، أي: ما يساوي عشرين مثقالاً، أو (200) درهم من الفضة؛ وذلك لأن الناس يقبضون رواتبهم وأجورهم وإيراداتهم بالنقود؛ فالأولى أن يكون المعتبر هو نصاب النقود [8، جـ1، ص 513 – 514].
الثالث: اعتبار نصاب الرواتب والأجور على نصاب النقود:
أي ما يعادل (85 جراما) من ذهب، أو (200 درهم) من الفضة، واعتبار نصاب إيرادات المهن الحرة على الزروع والثمار؛ فيكون نصابها ما يعادل قيمته خمس أوسق، أو (50 كيلة مصرية)، أو (653 كيلو جرام وزناً من أدنى ما تخرجه الأرض كالشعير) [1، ص258].
وعلِّة التفرقة في هذا -عندهم- أن كسب أصحاب الرواتب والأجور مصدره العمل فقط؛ أما كسب أصحاب المهن الحرة فمصدره رأس المال والعمل.
قلت: ولعل هذا التميُّز في معدلات الزكاة حسب مصادر الأموال ملحوظٌ في الأفكار الضريبية المنادية بالتفرقة -في الضريبة- بين مال مصدره رأس المال، وآخر مصدره العمل، وثالث مصدره خليط الاثنين [34، ص249].
ونرجِّح القول الثاني: لما ورد فيه من أن الجميع يتقاضون أجورهم بالنقود، إضافةً إلى أن ما يتبقى لدى الواحد منهم بعد قضاء حاجاته وديونه -إن وجدت- يكون عادة في صورة مدخرات نقديَّة، والمال المدَّخر قد فُرضت عليه الزكاة بمقدار ربع العشر.
كما يمكننا القول بأن قيمة معدني الذهب والفضة تتَّصف بالثبات النسبي في مقابل قيمة الزروع والثمار؛ فإنها تتأثر بعوامل بيئية أو محلية، مما يجعلها لا تناسب أن يُقاس على قيمتها نصاب زكاة الرواتب والأجور وإيرادات المهن الحرة.
هذا ولا بدّ أن يكون مقدار النصاب المعتبر لوجوب الزكاة فيه من صافي الدخل، يعني: بعد خصم الديون الحالَّة -إن وجدت-، والحد الأدنى للمعيشة من الرواتب، كما تطرح النفقات والتكاليف من إيرادات أصحاب المهن الحرة، فما بقي بعد هذا كله تؤخذ منه الزكاة إذا بلغ نصاب النقود.
وقد نص الحنفية على أنه يشترط في المال الذي تجب فيه الزكاة -بالإضافة إلى شرط النماء- شرط أن يكون نصاباً فاضلاً عن حاجته الأصلية؛ لأنه به يتحقق الغنى، فالمال المُحتاج إليه حاجة أصلية لا يكون صاحبه غنيّاً عنه [35، جـ2، ص828].
واعتبر جمهور الفقهاء المالكية، والشافعية، والحنابلة شرط الفضل عن الحاجات الأصلية داخلاً في شرط النماء، ولا حاجة للنص على اشتراطه، قال ابن قدامة: “الزكاة إنما تسقط عما أُعدَّ للاستعمال؛ لصرفه عن جهة النماء” [7، جـ4، ص222].
وعلل الشربيني الخطيب عدم وجوب الزكاة في البقر العوامل، التي يستخدمها صاحبها في حراثة الأرض؛ بأنها لا تقتنى للنماء؛ بل للاستعمال، كثياب البدن ومتاع الدار [36، جـ1، ص380].
وعدَّ القرافي من شروط وجوب زكاة النقدَيْن التمكين من التنمية، قال: “يدل على اعتباره إسقاط الزكاة عن العقار والمقتناة”، ومراده بالمقتناة؛ أي: ما يقتنيه المرء للاستعمال، لا للنماء [37، جـ3، ص40].
وجاء في “فقه الزكاة” للقرضاوي: “فالذي نرجحه ألا تؤخذ زكاة الرواتب والأجور إلا من (الصافي)، وإنما قلنا تؤخذ من صافي الإيراد أو الرواتب ليطرح منه الدين الحال إن ثبت عليه ويعفى الحد الأدنى لمعيشته ومعيشة من يعوله، لأن الحد الأدنى لمعيشة الإنسان أمر لا غنى له عنه، فهو من حاجته الأصلية والزكاة إنما تجب في نصاب فاضل عن الحاجة الأصلية، كما تطرح النفقات والتكاليف لذوي المهن، فما بقي بعد هذا كله من راتب السنة وإيرادها تؤخذ منه الزكاة إذا بلغ نصاب النقود فما كان من الرواتب والأجور لا يبلغ في السنة نصاباً نقدياً بعد طرح ما ذكرناه؛ كرواتب بعض العمال وصغار الموظفين فلا تؤخذ منه الزكاة” [8، جـ2، ص517).
كيفية تقدير الحاجات الأساسية المعفاة من الزكاة:
ينبغي أن يراعى في إعفاء الحاجات الأصلية من الزكاة من دخل الشخص ما يلي:
1- ما يكفيه هو ومَنْ يعول من زوجة، وأولاد، ووالدَيْن، وسائر من تلزمه نفقته من الأقارب، على أن يكون ذلك في حدود القصد والاعتدال، بلا إسراف ولا تبذير. قال – صلى الله عليه وسلم -: ((كفى بالمرء إثماً أن يضيِّع من يَقُوت))؛ أخرجه أبو داود في كتاب الزكاة، بابٌ في صلة الرحم [38، جـ2، ص132]، وأخرجه الحاكم في “المستدرك”، وقال: “هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرِّجاه”، ووافقه الذهبي [39، جـ1، ص415]، وحكم عليه الألباني بأنه حسن [40، جـ1، ص317).
2- حالة الشخص، ووضعه الاجتماعي، وعلاقته بجيرانه وأقاربه وأصدقائه، فينبغي أن تكون حاجته الأصلية لائقة به.
3- ما على صاحب الدخل من ديون حالَّة؛ لأن قضاء الديون الحالَّة من الحاجات الأساسية، وكذلك يلحق بالدَيْن الالتزامات المالية المستوجَبة عليه من قِبَل الجهات الرسمية؛ كالضرائب، والمساهمات الإلزامية، فكلها تُنقص الدخول حتماً.
4- أن تكون الجهة القائمة على جمع الزكاة منوطاً بها تقدير الحدِّ الأدنى للمعيشة دورياً، ويعلن ذلك، حتى يفرَّق بين أصحاب الدخول القليلة؛ فلا يدخلون[1]، وأصحاب الدخول البالغة النِّصاب؛ فيدخلون.
المطلب الثاني: مقدار الزكاة الواجب:
ذهب معظم الفقهاء المعاصرين إلى أن القدر الواجب في زكاة الرواتب والأجور وإيرادات المهن الحرة، هو ربع العُشر فقط؛ عملاً بالنصوص التي أوجبت في النقود ربع العُشر؛ ولأن دخل الفرد يعتمد على العمل وحده، ومن ثَمَّ وجب تخفيف الزكاة عليه؛ رعاية للطبقات العاملة، واستئناساً بما عمل به ابن مسعود وعمر بن عبد العزيز -رضي الله عنهما- من اقتطاع الزكاة من العطاء إذا أعطوه، من كل ألف خمسة وعشرين [25، ص 442 – 443؛ 8، جـ1، ص 519 – 520؛ 21، ص166].
وذهب البعض إلى التفرقة بين زكاة الرواتب والأجور من جهة وزكاة إيرادات المهن الحرة من جهة أخرى، فجعلوا مقدار الزكاة في الرواتب والأجور (2. 5%) وفي إيرادات المهن الحرة: إما (5%) إذا حسب على الإيراد الإجمالي، أو (10%) إذا حسب على الإيراد الصافي وذلك بعد استبعاد كافة التكاليف والمصاريف التي تكبدها المزكي في سبيل الحصول على الإيراد [1، ص 258، 259]. وقد سبق لأصحاب هذا القول أن فرقوا -كما في المطلب السابق- بين نصاب الزكاة في الرواتب والأجور فقاسوه على نصاب النقود، بينما قاسوا نصاب إيرادات المهن الحرة على نصاب الزروع الثمار.
وكما سبق أن رجحنا -في المطلب الأول- القول بقياس نصاب الزكاة في الرواتب والأجور وإيرادات المهن الحرة على نصاب النقود، باعتبار أن الجميع يتقاضون -أو يقبضون- أجورهم بالنقود، فكذا هنا؛ لا نرى وجهاً للتفرقة بين الرواتب والأجور وإيرادات المهن الحرة في المقدار الواجب؛ بل يلزم الجميع نسبة (2. 5%)، باعتبار أن المصدر في الجميع العمل.
المطلب الثالث:
اشتراط الحول وعدمه في زكاتها.
سبق أن ذكرنا أن من الموجبين من اعتبر وجوب الزكاة في الرواتب والأجور وإيرادات المهن الحرة أنها مال مُستفاد -مُستفاد بسببٍ مستقل- وقد تعددت آراء الفقهاء حول زكاة المال المُستفاد بسبب مستقل.
الرأي الأول: المال المُستفاد من غير جنس ما عنده، إن كان نصاباً؛ استقبل به حَوْلاً وزكًّاه، ولا يُضمُّ إلى ما عنده؛ بل له حكم نفسه، وهذا قول الجمهور [7، جـ4، ص 75].
الرأي الثاني: أن الزكاة تجب فيه حين استفاده، روي ذلك عن ابن مسعود، وابن عباس، ومعاوية من الصحابة، والأوزاعي من التابعين [7، جـ4، ص75].
ورجَّح ابن قدامة الرأي الأول -رأي الجمهور- حيث يُشترط للمال المُستفاد حَوَلاَن الحَوْل، وذلك بقوله: “ولنا حديث عائشة، عن النبي -صلي الله عليه وسلم-: ((لا زكاة في مال حتى يحُول عليه الحَوْل))” [7، جـ4، ص77]؛ والحديث أخرجه ابن ماجه، باب من استفاد مالاً، من كتاب الزكاة، وصححه الألباني: في كتابه “صحيح سنن ابن ماجه” [41، جـ2، ص98].
ورجَّح بعض الفقهاء المعاصرين الرأي الثاني، القاضي بوجوب إخراج زكاة المال المستفاد في الحال، وذلك استناداً إلى حكمة تشريع الزكاة، ومصلحة الإسلام والمسلمين في عصرنا هذا، وإلى أن اشتراط الحَوْل في كل مال -حتى المُستفاد منه- ليس فيه نصٌّ في مرتبة الصحيح أو الحسن يقيد النصوص المطلقة، ولذا اختلف الصحابة والتابعون فيه، باعتباره من الأمور الاجتهادية [8، جـ1، ص 505 510].
والواقع؛ أن القول باستحقاق الزكاة في المال المُستفاد حين استفادته لا يمنع من اعتبار الحَوْل في إخراج زكاته، وذلك بأن تحدَّد الفترة التي تتخذ أساساً لتحديد النِّصاب ومقدار الواجب؛ فيُضمُّ ما يحصل عليه الموظف، أو العامل، أو صاحب المهنة الحرة، من إيرادات صافية خلال السنة؛ فتؤخذ منها الزكاة متى بلغت نصاب النقود، بعد خصم الديون الحالَّة، وتكاليف الحصول على الدخل، وما يلزم من حاجته الأصلية.
فلو قدَّرنا أن دخل موظف، أو عامل، أو صاحب مهنة حرة يبلغ في الشهر أربعة آلاف ريال؛ فإن حاصل إيراده السنوي يكون (48000) ريال، فيُقتطع من هذا المجموع ما عليه من ديون حالَّة أثناء السنة، وما عليه من نفقات لنفسه ولمن يعول شرعاً أثناء السنة، فإذا كان المتبقي بعد هذا الاقتطاع يبلغ نصاب النقود؛ زكَّي المقدار الباقي في نهاية الحَوْل، الذي يحدِّد بدايته صاحب الدخل؛ بأن يجعل له شهراً يستقبل به العام، فإذا جاء ذلك الشهر الذي أكمل به الحَوْل، يحسب ما بقي لديه من مال، فيُخرج زكاته إن بلغ نصاباً، ولو لم يكن قد مر على آخر دفعة حصل عليها سوى بضعة أيام.
ووفقاً لاحتمال إنفاق المرء لهذا المال الفاضل في حاجته في أغراض أخرى، بأن يشتري به أصولاً ثابتة أو عقاراً قبل نهاية الحَوْل؛ فإننا نرى أن يحدِّد الفرد من خلال شهر واحد متوسط نفقاته، ثم ما فضل له من دخله يصبح هو وعاء الزكاة خلال الشهر، ثم يضرب في اثني عشر، ويخرج الزكاة بنسبة (2. 5%) من المجموع؛ فكأنه قد وزع قدر الزكاة على شهور السنة تقديراً؛ فيصبح هذا المقدَّر هو الواجب عليه كزكاةٍ في ذمته، في حال إنفاقه للفاضل عن حاجته الأصلية في أغراض أخرى خلال العام.
المطلب الرابع:
1- حالات تطبيقية على زكاة الرواتب والأجور:
حالة (1):
موظف يعمل براتب شهري قدره (6500) ريال، وليس له مصدر سوى هذا الراتب، فإذا علم أن نفقاته تقدر بـ (3800)، وأن سعر الجرام من الذهب (30) ريالاً، فما قيمة الزكاة المستحقة عليه؟
الإيراد الكلي خلال العام = 6500 × 12= 78000 ريال.
يطرح مبلغ حاجاته الشخصية الأصلية= 3800 × 12=45600 ريال
صافي الإيراد الفاضل عن حاجاته = 32400 ريال
النصاب المقرر = 85 × 30 = 2550ريال.
إذن صافي إيراد هذا الموظف الفاضل عن حاجاته يزيد على النِّصاب، ويخضع للزكاة بمعدل 2. 5%.
قيمة الزكاة المستحقة (32400×2. 5%) ÷ 100= 810 ريالات
الزكاة الشهرية المستحقة: 810 × 12 = 67. 5 ريال
حالة (2):
موظف أو عامل يعمل براتب شهري قدره (2200) ريال، وليس له مصدر دخل سوى هذا الراتب، فإذا علم أن نفقاته الشهرية تقدر بـ (2000) ريال، وأن سعر الجرام من الذهب (30) ريالاً، فما هي قيمة الزكاة المستحقة عليه؟
الإيراد الكلي خلال العام: 2200 × 12 26400 ريال
يطرح مبلغ حاجاته الشخصية: 2000× 12 = 24000ريال
النصاب المقرر: 85 × 30 =2550 ريال.
إذن من مقارنة الفاضل له عن حاجاته من دخله، نجده دون النِّصاب؛ فلا زكاة عليه.
2 – حالات تطبيقية على زكاة إيرادات المهن الحرة:
حالة (1):
طبيب له عيادة خاصة، بها ثلاثة ممرضين، وعامل، فإذا كانت إيراداته ومصروفاته بالريال السعودي خلال عام (1418هـ) كالآتي:
35000 إيجار العيادة
25000 بدل سكن
82000 رواتب
60000 آلات طبية (معدل إهلاك 15%) = 9000
150000 أثاث (معدل إهلاك 10%) = 15000
40000 مكيفات (معدل إهلاك 10%) = 4000
25000 أجهزة طبية (معدل إهلاك 10 %) = 7500
20000 إيجار جهاز أشعة
10000 أدوات طبية مستهلكة
24000 مصروفات كهرباء
5500 مواد تنظيف
5000 غيارات طبية
4000 كتب طبية
9000 أدوات مشتراة
130000 إيرادات طبية
100000 فحوصات عامة
60000 إيرادات المختبر
70000 إيرادات العمليات
55000 أتعاب حقن
75000 إيرادات الأشعة
المطلوب استخراج حساب الزكاة المستحقة على هذا الطبيب لعام (1418هـ)، إذا علم أن نفقات حاجاته الأصلية تقدر بمبلغ (5000) ريال، وأن سعر الجرام للذهب خلال ذلك العام (30) ريالاً تقريباً.
الجواب:
أولاً: إيرادات العام:
إيرادات طبية: 130000 ريال
فحوصات عامة: 100000 ريال
إيرادات المختبر: 60000 ريال
إيرادات عمليات: 70000 ريال
أتعاب حقن: 55000 ريال
إيرادات الأشعة: 85000 ريال
المجموع: 5000000 ريال
ثانياً: مصروفات العام:
موارد أدوات طبية مستهلكة: 10000
غيارات طبية: 50000
كتب طبية: 40000
أدوية: 9000
مواد تنظيف: 5500
المجموع (لمصروفات الموارد): 33500
أجور رواتب: 820000
بدل سكن: 20000
إيجار جهاز أشعة: 20000
المجموع (للرواتب): 122000
إهلاك آلات طبية 15% 9000
أثاث (10%)= 15000
مكيفات (10%)= 4000
أجهزة طبية (30%)= 7500
المجموع (للإهلاكات)” 35500
مصروفات أخرى:
إيجار: 35000
مصاريف كهرباء: 24000
المجموع (للمصروفات الأخرى): 59000
المجموع الكلي للمصروفات: 250000
صافي الإيراد في العام = (500000 – 250000) =25000
ثم يطرح صافي حاجات نفقاته الأصلية في العام: 50000
إذن يصبح وعاء الزكاة = 250000 – 50000 =200000
نصاب النقود = 85 × 30 = 2550
إذن الفاضل من دخله بعد خصم تكاليف الحصول على الدخل، وما يلزم حاجاته الأصلية على النِّصاب، ويخضع لزكاة النقود بمعدل 2. 5 %.
فتكون قيمة الزكاة المستحقة عن العام (1418هـ) لهذا الطبيب عن دخله في عيادته الخاصة كالآتي: (200000 × 25) ÷ 1000 = 5000 ريال.
أما عن الشهر فتكون كالآتي: (5000 ÷ 12) = 416 ريال.
الحالة (2)
محاسب قانوني يعمل في مكتب خاص، وكانت مصروفاته وإيراداته بالريال السعودي خلال عام (1418هـ):
إيرادات العام: 450000
إيجار: 24000
رواتب: 120000
مصروفات كهرباء: 6000
مكيفات (معدل إهلاك 10%): 25000
أجهزة حاسوب (معدل إهلاك 10%): 30000
أثاث (معدل إهلاك 10 %): 15000
مصروفات: تلفون، تلكس، بريد: 5000
المطلوب: استخراج حساب الزكاة عليه خلال عام (1418هـ)، إذا كانت نفقات حاجاته الأصلية تقدر بمبلغ (42000 ريال)، وأن سعر جرام الذهب خلال ذلك العام (35 ريالاً) تقريباً.
الجواب:
أولاً: الإيرادات =450000
ثانياً: المصروفات:
إيجار: 24000
رواتب: 120000
مصروفات كهربائية: 6000
إهلاك مكيفات: 2500
إهلاك أجهزة حاسوب: 3000
إهلاك أثاث: 1500
مصروفات: تلفون وخلافه 5000
نفقة حاجاته الأصلية: 42000
المجموع: 204000
إذن صافي الإيراد: 450000 204000 = 246000
نصاب النقود = 85 × 35 = 2975
إذن؛ الفاضل من دخله بعد خصم تكاليف الحصول على الدخل، وما يلزم من حاجاته الأصلية يزيد عن النِّصاب، ويخضع لزكاة النقود بمعدل 2. 5%، فتكون قيمة الزكاة المستحقة عليه لعام (1418هـ) كالآتي:
(246000 × 25) / 1000 = 6. 150 ريالا (6. 150)
أما عن الشهر فتكون 6. 150 / 12 = 512. 5 ريال تقريباً.
الخاتمة في أهم النتائج:
1 – إن الرواتب والأجور والمهن الحرة أصبحت تمثل نسبة كبيرة من مصادر الدخل لدى الكثيرين من أفراد المجتمعات؛ فارتفع بذلك عدد غير قليل إلى درجة الغنى؛ مما يستوجب عليهم الزكاة.
2 – إن هذه الزكاة تختصُّ بالدخل، وليست بالثروة أو رأس المال، فالمقصود هنا الدخل الدوري والمتجدد.
3 – إن هذه الزكاة شخصية، قياساً على سائر الزكوات، الأمر الذي يستوجب مراعاة الأعباء العائلية والشخصية الضرورية للمكلَّف، وتكاليف الحصول على الدخل والديون؛ فإن بلغ الفاضل عن ذلك قيمة نصاب النقود زكَّى، وإلا فلا.
4 – إن تقدير الحوائج الأصلية يختلف من شخص لآخر، وذلك باختلاف ظروف كل فرد، واختلاف أفراد الأسرة، مما يجعل تقدير هذه الحوائج يخضع لتقدير المزكِّي نفسه، طبقاً لظروفه الخاصة، وتقدير القائم على الزكاة.
5 على الجهات المختصة تحديد تكاليف المعيشة دورياً -خلال كل عام- يراعى فيها الظروف المعيشية التي يعيشها الناس، على أن يقدر ذلك بعناية ومن أهل الاختصاص؛ حتى لا تؤخذ الزكاة من غير أهلها.
6 – يجب على كل موظف، أو عامل، أو صاحب مهنة حرة أن يتقي الله في كسبه، فلا يبخل بحق الله إن كان مستحقاً؛ حتى يطهر نفسه وماله بهذه الشعيرة العظيمة وهي الزكاة، فإن لم تقم الجهات الرسمية بتحصيلها، لزم على كل فرد القيام بذلك؛ لأنها فريضة عينية، أي: متعينة على من وجبت عليه.