تنمية بشرية

** زلات التفكير !! **

التفكير هو وظيفة العقل الأساسية ، والتفكر والتدبر والتأمل كلها مسميات لعملية تجعل العقل : عقلًا

العقل له مزلآت وهذهـ منهـآ

 

المزلة الأولى : تعميم الحالات الخاصة

بعض الناس نظرته جزئية للأحداث ، والقياس عنده على ما يراه دائمًا مطّرد ، فما

يحصل له يظنه حاصلًا للجميع ، وما يسمع عنه يظنه كذلك عند غيره ، فحين يعنفها

زوج : ترى الرجال فجرة ، وحين يحسن إليه مدير : يتصور المديرين بررة ، وحين يرى

نظام مدينة يخيل إليه أنّها الدولة ، وحين يتعامل مع فرد يحكم من خلاله على شعب ! ،

والعاقل يضع الأمور في موازينها ، ولا يحمّل الأشياء أكثر من مضامينها ، فلكل حال

مقال ، ولا يستقيم لنا التعميم بحال !

 

المزلة الثانية : تضخيم الصغائر

من طبيعة العقل البشري أن يركز على ما يراه مباشرة ، وهذا التركيز يجعل الأشياء

تظهر أكبر مما هي عليه في الحقيقة ، والوقوف عند الأشياء يجعلك ترى فيها ما لا تراه

خلال مرورك السريع عليها ، لذا كان النظر كثيرًا للصغيرة : يجعلها في مصاف الكبيرة أو أشد
وما ذاك إلا لأنها تضخمت من كثرة ترداد البصر وتكرار النظر ، والعاقل يعلم أنه لو

كان في طريق سفر ووقف عند كل ما يراه على جنبات الطريق من الصغائر ؛ لما وصل

ويعلم أن الكبار إنما شُرع وقوفهم من أجل الأمور الكبار .

 

المزلة الثالثة : محورية الذات

بعض الناس يتصور أنّ ذاته محور من حوله ، فيريدهم أن يفكروا بما يفكر ، ويهتموا

بما يهتم ، ويهمشوا ما لا يهمه ، فإن طلب : انتظر تلبية حاجاته فورًا ، وإن سأل

ينتظر الجواب حالًا ، وكأن الآخرين قد خُلقوا له ، وأنّ أعمالهم تتوقف من أجله ، فلا اعتبار لنفسيات وحاجات غيره

ولا تقدير لرغبات وطلبات من حوله ، فعليهم أن يعذروه إذا قصّر ، وعليهم أيضًا أن يفهموه إذا غيّر

وعليهم أيضًا ألا يتضايقوا من غضبه إذا عبّر ، ومثل هذا يَتعَب ويُتعِب ، ولن تستقيم له أمور

ولن تدوم له أنفس مالم يتدارك نفسه بعقال يلجم الذات ، وتغيير يصحح التفكير .

المزلة الرابعة : الاستسلام للأولية

من طبيعة النفس البشرية : الركون للمعلومة البكر وإن كانت عارية من الدليل ؛ لأن الجو قد خلا لها : فتمكنت
، وحين تزاحمها معلومة أخرى تنقضها سواء كانت بدليل أو بدونه ، فإن النفس تلقائيًا

تجنح إلى تأييد الأولى ، وليس في هذا غضاضة إن كانتا بلا دليل ، فليست إحداهما

بأحق من الأخرى ، ولكن الأمر يختلف عندما يكون الدليل مع الأخرى ، وهنا يكون المحك بين الاستسلام

لسطوة المعلومة البكر ، أو الخضوع لسلطان الحجة والدليل ، فالنفس تميل إلى الأول

والعقل يدعو إلى الثانية !

 

المزلة الخامسة : المعيار الذوقي

يضع بعض الناس ذوقه : معيارًا للآراء والأحكام ، فما يراه جميلًا هو الجمال بعينه ، وما يعده فنًا
هو الفن بذاته ، وما يعجبه هو المفضل دون شك ، وأما ما لا يتوافق مع ذوقه ، ولا

ينسجم مع اختياره : فهو الساقط الذي لا قيمة له ، والعقلاء في كل عصر ومصر

يعرفون أن أذواق الناس تختلف كما تختلف أشكالهم ، إذا لا تكاد تجد ذوقين متطابقين ، ومع أنّ هذه الحقيقة

واضحة للمتأمل وضوح الشمس في رائعة النهار ، إلا أن جل اختلافات الناس في ما

بينهم يكون من جملة أسبابها : هذا السبب !

 

المزلة السادسة : الاستغراق في اللحظة الحاضرة

من طبيعة النفس البشرية أنّ يتملكها الحاضر ، دون اعتبار للماضي أو تفكير في

المستقبل ، وهذا ما يفسر لك كثرة وقوعنا في الأخطاء ، إذ حين تستولي اللحظة الحاضرة على الأذهان : تغيب عنها الحقائق !

والتحدي يكون حين تقاوم هذا الطغيان الجارف للحدث اللحظي ، بحيث تجعله في حجمه الطبيعي

فلا يغلق عليك منافذ التفكير القويم ؛ ومن ثم تتخذ القرار بالتصرف السليم !

المزلة السابعة : السبب الواحد

تميل العقول البشرية في طبيعتها للأمور السهلة ؛ لأنها توفر عليها عملية التفكير المتعبة
فتركن لأي تفسير للظواهر وإن كان جزئيًا ، فتكتفي في تفسير حدوث حدث أو أحداث : بالسبب الواحد

وليت هذا يكون في الأمور الشخصية البسيطة فقط ، بل يتمادى فيشمل تفسير الظواهر الاجتماعية

والأحداث السياسية ، وكثيرًا من الأمور التي تُحيّر العصبة من أولي الفكر والنُهى ، والعاقل يعرف

أنّ لكل نتيجة مقدمة ، وهذه المقدمة تشمل أسبابًا رئيسية وأخرى فرعية ، ومن التسطيح

بمكان أن تختزل بسبب واحد.

 

المزلة الثامنة : وهم الاستغناء

من طبيعة الإنسان أن يطغى إذا رآه استغنى ، وكلما ظن الإنسان أنه مستغنٍ عن غيره : كان أقرب

للشدة والجفاء ، وكلما ظن أنه محتاجٌ لغيره : كان أقرب للرفق والصفاء ، وما أجمل

الرفق مع عدم الحاجة ، وما أقبح الشدة والإهمال مع عدم الاستغناء ، والعاقل يعلم تمام

العلم أنه ما دام حيًا فهو محتاج إلى الآخرين مهما كان ومهما كانوا ، سنة كونية ،

والحاجة هنا لا تعني التذلل ، ولكن أمور الحياة لا تستقيم ولن تستقيم لأحد دون مساعدة من أحد

ومن توهم الاستغناء عن الخلق : فقد ارتقى مرتقى صعبًا ، ومن كان في خدمة غيره :

سهل الله له من يخدمه .

 

المزلة التاسعة : الاعتقاد بلا دليل

عندما يغيب العلم ، وتميل النفس ، وتسيطر البيئة : يصدر الاعتقاد بلا دليل ، وهذا

النوع من الاعتقادات من أعصى الأشياء على التغيير -إن لم يتداركه توفيق- ، والمهندس الحاذق

لا يبني أبراجه بلا براهين ، ولا ينشئ الطرق بلا علامات ، لذا تواصى العقلاء قديمًا

وحديثًا : استدل ثم اعتقد ، ولا تعتقد قبل أن تستدل !

 

المزلة العاشرة : ماذا لاَ لماذا

مما جُبل عليه الإنسان ، أن يتعلق بالظواهر من الأمور ، ولا يميل إلى قراءة ما بين

السطور ، فكل الناس ترى وتسمع وتسأل : ماذا يحدث ؟! ، ولكن القليل منهم من يسأل : لماذا يحدث ما يحدث ؟!

، فاستكناه الأسباب ، واستمطار العلل ، واستنباط الحكم ، واجترار العبر ، بعيدة عن

التفكير السائد ، رغم أنها تفتح آفاقًا في الفهم ، وزيادة في العقل !

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى