اعداد محاسب

شرح التأصيل الاسلامى للمراجعة والرقابة

التأصيل الاسلامى للمراجعة والرقابة

إعداد

مطاوع السعيد السيد مطاوع

مدرس المحاسبة المساعد

     لقد وجدت عملية المراجعة والرقابة مع نشأة الإنسان، الذى من فطرته الخطأ والنسيان، مصداقاً لقول الله تبارك وتعالى: ” ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا “[1]  وحديث النبى صلى الله عليه وسلم: إن الله وضع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ” (رواه مسلم) ، ويحتاج الإنسان إلى من يراجع أعماله، ويصوب له أخطائه ويذكره بما ينسى فى كل أموره، وهذا من بين مهام المراجع، إذ يدقق ويفحص لاكتشاف الأخطاء العمدية وغير العمدية ويقدم الإرشادات والتوصيات والنصائح للتصويب.

     ومن الخطأ أن يظن أحد أن عملية المراجعة والرقابة نشأت مع وجود المؤسسات الإقتصادية، بل موجودة منذ القدم، ولقد وجد لها أصول فى الحضارات المختلفة، لأنها مرتبطة بالأعمال والسلوكيات والتصرفات والمعاملات سواء أكانت مالية أم غير مالية، عبادات أو معاملات، وهذه من لوازم أى حضارة، ولقد أثبتت الدراسات وجود أدلة على قيام قدماء المصريين بأعمال المراجعة، وكان للدولة الإسلامية نظماً مالية تراجع معاملاتها بواسطة مراجعين كلن يطلق عليهم : المستوفي.

     ويرى المؤرخون أن علم المراجعة والرقابة عرف منذ العصور القديمة حيث عرفه قدماء المصريين والإغريق واليونان، على أنه “التأكد من صحة الحسابات المالية للحكام[2] ولقد تبين من التنقيب فى التراث الإسلامى – وبصفة خاصة – دواوين الدولة الإسلامية أن مهنة المراجعة بشقيها : المراجعة الداخلية، والمراجعة الخارجية، وتقارير مراقب الحسابات كلها كانت موجودة وكان لها أسسها المستنبطة من مصادر الشريعة الإسلامية ومن واقع الحال فى النظم المالية الإسلامية آنذاك[3].

     ولقد استنبط علماء وفقهاء الفكر الإسلامى أسس المراجعة كعلم، وضوابطها المهنية كمهنة، كما كان مطبقاً فى النظم المالية الإسلامية، وأصبح يدرس فى الجامعات الإسلامية، كما أسست منظمات وهيئات مهنية إسلامية، تعتنى بمهنة المحاسبة والمراجعة منها على سبيل المثال : هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية-دولة البحرين، والتى وضعت معايير مراجعة إسلامية للمؤسسات المالية الإسلامية والتى تطبق الآن فى المصارف الإسلامية[4].

     وهناك بعض المصطلحات المعاصرة مثل المراجعة الداخلية والمراجع الداخلى، لهما ما يناظرهما فى التراث الاسلامى ولكن بأسماء أخرى ولكن تتماثل فى المضمون، وتطبيقاً للقاعدة ليست العبرة بالأسماء ولكن العبرة بالمسميات ومن هذه الأسماء: المستوفى، وشاد الدواوين، ومجلس بيت المال[5].

     وقد تبين من دراسة التراث المحاسبى الاسلامى فى دواوين الحكومة وجود وظيفة “المستوفى” وهى تناظر وظيفة “المراجع الداخلى” وهى وظيفة داخل ديوان المال تختص بفحص ومراجعة الحسابات والسجلات والدفاتر التى ترفع إليه للاطمئنان من سلامتها، كما كانت ترسل إليه تقارير الجهات المختلفة (الأقطار أو الأمصار) ليقوم بفحصها ومراجعتها ويعد بشأنها تقارير ترفع إلى ناظر الديوان.

ومن الأعمال التى كان يقوم بها المستوفى “المراجع الداخلى” أو شاد الدواوين على سبيل المثال ما يلى[6]:

–                                 المراجعة المستندية قبل الصرف للتأكد من سلامتها للموافقة على الصرف.

–                                 المراجعة الحسابية للأرقام الواردة بالمستندات والسجلات .

–                                 فحص ومراجعة حساب الإطلاقات ( النفقات والمصروفات) .

–                                 فحص ومراجعة حساب الارتفاعات (الإيرادات) .

–                                 فحص ومراجعة دفتر المكلفة (تعليق اليومية أو أوراق المياومة) .

–                                 فحص ومراجعة الحواصل المعدومة: أى المبالغ المسروقة والمنهوبة.

–                                 فحص ومراجعة الختمة الشهرية والسنوية : أى الحسابات الختامية الشهرية   والسنوية .

–         فحص ومراجعة حسابات الأعمال : الأنشطة المختلفة من مبيعات ومشتريات.

–                                 فحص ومراجعة توالى الغلال : وهو يشبه دفتر مراقبة المخازن .

       ويلاحظ أن هذه الوظائف هى التى يقوم بها المراجع الداخلى فى الفكر المعاصر.

     وكان المراجع الداخلى فى دواوين بيت المال وغيرها من الدواوين الحكومية يعتمد على مجموعة من القواعد والضوابط والتى تناظر الفكر المعاصر منها على سبيل المثال : المشروعية (الحلال والحرام)، الطيب والخبيث، الاستحقاق، أدلة الإثبات، التعاون، البراءة، ولقد تبين من دراسة التراث المحاسبى الاسلامى أيضاً أن المراجع الداخلى كان يستخدم مجموعة من الأساليب والى كانت مناسبة فى ذلك العصر، منها على سبيل المثال: العلامات، المقارنات، المطابقات، الدقة الحسابية، الدقة المحاسبية، وغيرها، وكان يعد تقارير عن نتائج المراجعة: بعضها فورى، شهرى، سنوى[7].

     ولم ترد فى كتب الفكر المحاسبى الإسلامى  تفرقة دقيقة بين المراجعة الداخلية والمراقبة الداخلية، فكان كلاهما مرادف للآخر، ويفهم من ذلك أن مصطلح المراجعة الداخلية، كان يطلق عليه أحياناً : اسم المراقبة الداخلية.

    يعتبر المراجع أساس تحقيق عملية المراجعة لمقاصدها، ولقد اهتم الإسلام به من حيث قيمه الإيمانية والأخلاقية والسلوكية، كما اشترط الفقهاء أن يتوافر فيه مجموعة من الاشتراطات العلمية والخبرات الفنية حتى يؤدى دوره على الوجه الأمثل، ويطلق على المراجع فى النظم المالية الإسلامية اسم المستوفي أو المدقق، وكانت من الوظائف الديوانية، وكان من عمله: الضبط والتدقيق والتحرير ومعرفة أصول الأموال ووجوه مصارفها ،واكتشاف الأخطاء سواء كانت رقمية أم قانونية، وكان يطلق عليه اسم :” ناظر الحسابات ” وهى مشتقة من الفعل ” نظر” أى فحص الحسابات، الداخل والخارج وبيان التفريط.

     ولقد حدد الفقهاء الصفات الواجب توافرها فيمن يتولى الوظائف المالية بصفة عامة، ويدخل فى نطاق ذلك وظيفة المراجع، فعلى سبيل المثال ذكر الأسعد بن مماتى: ” يجب أن يكون الكاتب حراً، مسلماً عاقلاً، صادقاً، أديباً، فقيهاً، قوى النفس، حاضر الحس، جيد الحدس، محب الشكر، عاشق لجميل  الذكر.

     وفى مجال مراجعة حسابات الشركاء فى الشركات الإسلامية، استنبط الفقهاء الضوابط الشرعية التى تحكم ذلك، فبجانب قيام كل شريك بمحاسبة ومراجعة الشريك الآخر، كان العامل على الزكاة الذى يتولى التدقيق والفحص لحساب حق بيت المال.

[1]  سورة البقرة، من آيه رقم 286

[2]  د. تفيده مصطفى، مذكرات في المراجعة، مطبوعات كلية التجارة ، جامعة الأزهر، بدون تاريخ، ص1.

[3]  لمزيد من التفاصيل يرجع إلى:

–        زينب عبد اللطيف محمد، المراجعة في دواوين الدولة الاسلامية، رسالة ماجستير، كلية التجارة، جامعة الأزهر(بنات)، 1413هـ.

–        وفاء عبد الباسط البنا، الرقابة الداخلية في النظام المالي الاسلامى، رسالة ماجستير، كلية التجارة، جامعة الأزهر(بنات)، 1416هـ.

[4]   د. حسين حسين شحاته، أصول المراجعة والرقابة، دار التوزيع والنشر الاسلامية، بدون تاريخ، ص29.

[5]  لمزيد من التفاصيل يرجع الى:

–        زينب عبد اللطيف محمد، مرجع سبق ذكره، ص87 وما بعدها.

–        د. عوف الكفراوي، الرقابة المالية في الاسلام، مؤسسة شباب الجامعة، الاسكندرية، 1983، ص125.

[6]  د. حسين حسين شحاته، أصول الفكر المحاسبي الاسلامى، مكتبة التقوى، القاهرة، 1414هـ.

[7]  محمود المرسي لاشين، التنظيم المحاسبي للاموال في الدولة الاسلامية، دار الكتاب اللبناني، دار الكتاب العربي، ص19، ص249 وما بعدها.(رسالة ماجستير من تجارة الأزهر ، 1973.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى