تنمية بشرية

صفات الأخصائي النفسي في ضوء الدين الإسلامي

 صفات الأخصائي النفسي في ضوء الدين الإسلامي

يقول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }(سورة آل عمران أيه :104).
لابدا لكل من يعمل في مجال الصحة النفسية، أن تكون لهم صفات وخصائص إيجابية تحفزهم على العمل بإخلاص ومحبة، ومن هذه الصفات بعد النظر، الأسوة الحسنة، القدرة على الحوار، والقدرة على تحمل المسؤولية ومساعدة الآخرين، وعلى فهم النفس مع التخصص العلمي الذي يجب أن يكون أساس لكل أخصائي نفسي وقاعدة ينطلق منها للحياة المهنية، حثي تتوفر عنده القدرة على تشخيص الأمراض النفسية وعلاجها، كما لابد أن تكون لديهم موهبة في إقناع المرض والمسترشدين عن طريق الإيحاء الإيجابي الذي يدفع بهم إلى الأمام والى التوافق النفسي.
ومن الأخلاقيات التي يجب أن تتوفر في صفات الأخصائي النفسي، أن يعمل في أطار معايير أخلاقية ودينية، كما يطلب القرآن الكريم من المسلمين أن يكونوا ملتزمين بالأخلاق الدينية، كما أن الالتزام والتدين هما أحسن الصفات لمن يتولون شئون الناس، وللعاملين في الميادين الإنسانية . من ضمنهم الأخصائي النفسي، ويقول الله في هذا الصدد .
(إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ )سورة المائدة أيه: 27)
و كما ينعكس السلوك الديني على سلوك الأخصائي النفسي، وعلى معاملته لزملائه وعلى المسترشدين، وعلى توافقه المهني بصفة عامة.، ومن هذه الصفات الإيمانية التي تتطلب لذلك :

1- التفاؤل:-
يعبر التفاؤل تعبير صادق عن الرؤية الايجابية للحياة سوى كانت في الحاضر أوفي المستقبل، وهو من الصفات الاساسيه لأي شخصيه ناجحة، فهو يزرع الأمل ويبث الطمأنينة والسكينة في النفس.
فالتفاؤل من أهم الصفات الايمانيه التي تحفز الإنسان المؤمن للعمل في هذه الحياة ويتضح من ذلك بأن التفاؤل صفه إيمانيه، تقوم على عدة عوامل منها حسن الظن بالله ،لان التشاؤم وهو عكس التفاؤل سؤ ظن بالله، والمؤمن المسلم مأمور بحسن الظن بالله تعالى ،ومن العوامل الايمانيه التي تقوم عليها صفة التفاؤل أيضا، هوالتوكل على الله عز وجل، وهومن أسباب النجاح فالإنسان عندما يتوكل على الله عز وجل يتفاءل بالخير ينتظر الأمل ولا يخيب ولا ييأس، كما قال الله تعالى (( وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ))(سورة يوسف: 87)

ولقد اكتشف العلم بان هناك علاقة بين التفاؤل وصحة الإنسان البدنية حيت قرر الطب أن مادة الكولسترول، وهي مادة سامه تتكون في الجسم، فتترسب في الشرايين، وينتج عنها كل الأمراض انسداد الشرايين، والضغط والدبحة الصدرية والسكتة القلبية، يساعد الإجهاد العقلي و التفكير المعتل على تكوينها في الجسم، وينصح الأطباء المرض المصابين بهده المادة أن يحاولوا جهد طاقاتهم الترفيه عن أنفسهم. بل يقررون أن التفاؤل والبشاشة لا تفيد المرضى فقط بل هما خير وقاية للإنسان من الإصابة بالكولسترول.
والتفاؤل مهم للأخصائي النفسي وللعاملين في ميدان الإرشاد والعلاج النفسي، لأنه ينقل هذه الصفة إلى من يقوم بعلاجهم وإرشادهم، فهو بهذه الطريقة يؤثر عليهم عن طريق الإيحاء بتهدية أنفسهم والتقليل من التوتر والخوف عندهم.
ولابدا للأخصائي النفسي أن ينقل دائما الأخبار السارة لمسترشيديه، حيث يقول الرسول- صلى الله عليه وسلم – في هذا الشأن (يسروا ولا تعسروا .وبشروا ولا تنفروا) متفق علية –رواه البخاري ومسلم –
ويجب أن يتابع الأخصائي النفسي مع مسترشديه بالابتسامة المتفائلة التي تبعث فيهم روح الأمل والتفاؤل.
2- العفو والتسامح:-
يحث الإسلام الإنسان على العفو، والأمر بالمعروف ،والإعراض عن الجاهلين .كذلك يدعوه للتسامح بما يحرر نفسه وسريرته من مشاعر الغل والحقد والانتقام، وهى مشاعر مرضية، ويقول الله تعالى في الآية الكريمة(وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ) (الفرقان: 63) ويقول- الرسول صلى الله عليه وسلم- في الأحاديث الشريفة. (لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ).رواه الشيخان (ولا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق ).رواه مسلم.(الكلمة الطيبة صدقة ).متفق عليه رواه البخاري ومسلم.
كما يقول الله تعالى في آيات أخرى. (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) (آل عمران: 134)
(وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) (فصلت:34 ).
توضح هذه الأحاديث الشريفة والآيات الكريمة العفو والتسامح ،وأن يكون الإنسان متسامح يعني أن يكون نقي النفس خالي من العقد والإمراض النفسية لأنة في حصانة منها .
فالإنسان المتسامح تفرز بداخله مواد مهدئة تحميه وتقيه من الإمراض الجسمية والنفسية، وتقضى عليه الشعور بالراحة النفسية والاطمئنان النفسي ، علماٌ بأن هذه المواد تفرز من المخ وأهمها .
-الاندروفينات :و تتكون من 31 حمضاٌ أمنيا وهو نوعان ألفا وبيتا ويتم استخدامها من الهيبوتلاموس. والغدة النخامية ولهما تأثير رادع في تسكين الألم وتحمل الأوجاع. وجرام واحد منها يضاعف 50 مرة مفعول الافيونات الصناعية دون أن يكون لهاته الافيونات أثار الإدمان أو أثار مضاعفات الإدمان التي نلاحظها على متعاطي الأفيونات الصناعية.

-الانكفالينات : وهى خمسة أحماض أمينيه وتسمى بالأمينات الخماسية وتفرزها المشتبكات العصبية الموجودة في المسارات الحسية وخاصة في النخاع المستطيل والمخ وهاته المهدئات الطبيعية تعمل بشكل متوازن ومتفاعل ومنسق ومنتظم – ماهو حال جميع العمليات التي يشرف عليها المخ، وإفرازها بشكل متوازن يساعد الفرد في التحكم في انفعالاته وشهواته والتخفيف من الألم وأن اى زيادة أو نقصان في هذا التفاعل الرائع، يؤدي إلى نتائج سلبية، ولقد بينت الدراسات الحديثة أن هذه المواد تؤثر في صحة الفرد الجسمية والنفسية والأكثر من ذلك تؤثر في الجنين إذا كانت الأم حاملاً أو في الرضيع إذا كانت الأم مرضعا .
فالتسامح هو من الصفات اللازمة لعمل الأخصائي النفسي من أجل أن تستمر العملية الإرشادية والعلاجية وتحقق إلى ما تصبوا إليه. فالشخصية المتسامحة تدل على أنها شخصية متوازنة وناجعة ، فمهنة الإرشاد النفسي تتطلب لمن يخوضها أن يكون شخص حليم ، خالي من الاضطرابات والعقد النفسية المثمثله في الأحقاد والكراهية وسؤ الظن بالله والتشاؤم.
3- الرضا عن الحياة :
الرضا مؤشر مهم من مؤشرات الصحة النفسية السليمة، إذا أن الرضا عن الحياة يعني تحمس الفرد للحياة و الإقبال عليها والرغبة الحقيقة في أن يعيشها.
والشعور بالرضا يعرف بأنه تقدير عقلي لنوعية الحياة التي يعيشها الفرد ككل، أو حكم بالرضا عن الحياة.ويمثل الرضا عدة أبعاد مختلفة، مثل الرضا عن العمل . الرضا عن الزواج . والرضا عن الصحة .فمثلا يعبر الرضا عن العمل، عن التوافق والصحة النفسية، كما يتأثر الرضا عن العمل بخصائص العمل نفسه. مثل الرتابة و التنظيم الالى وسوء الإشراف والصراع مع الزملاء وغيرها من الضغوطات الأخرى في العمل
وكذلك يشمل الرضا عن الحياة القناعة والرضا بالقضاء والقدر، اللذان يعتبران من الأمور المؤدية إلى راحة البال والى السعادة، فقناعة الإنسان بما قسمه الله تعالى من رزق و رضاه عن ظروف وأوضاع حياته التي قدرها الله تعالى له من السمات الإيمانية التي تساعد الإنسان للوصول إلى درجات الصحة النفسية العليا، كما في قوله تعالى(وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ )( التوبة: 100)

و كان الرسول صلى الله عليه وسلم يوصى أصحابه بالقناعة والرضا لتتحقق لهم راحة البال واطمئنان النفس، وكان عليه الصلاة والسلام يعلم أصحابه أن الغنى ليسى بكثرة المال ، وإنما الغنى هو في قناعة النفس ورضاها. واستغنائها وتعففها. عن أبى هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (ليس الغنى عن كثرة العرض .ولكن الغني غنى النفس )
ولذلك يجب أن يكون الرسول قدوتنا في التعامل مع ظروف الحياة والخبرات التي نمر بها، لان هذا يساعدنا على العيش فيها بسلام واطمئنان، وبما أن الرضا والقناعة هما من مقومات الصحة النفسية، فلدا يجب أن يكونا من الصفات الأساسية لعمل الأخصائي النفسي، حتى ينجح في مهنته الإرشادية والعلاجية؛ لان مهنة الأخصائي النفسي تتطلب رحابة صدر وسكينة واطمئنان واتزان نفسي، ليساعده ذلك على إدارة العملية الإرشادية والعلاجية . ومن صفات الأخصائي النفسي الراضي عن حياته هي النظرة السليمة الموضوعية للحياة ومطالبها ومشكلاتها اليومية ، والعيش بواقعية، والمرونة والإيجابية في الحياة والانفتاح على الخبرات الجديدة، والقدرة على مواجهة إحباطات الحياة اليومية، وتحمل مسؤولية السلوك الشخصي و المسؤولية الذاتية نحو المجتمع ، والسيطرة على الظروف البيئية كلما أمكن والتوافق معها.،
4- البساطة والتواضع :-
فالتواضع والبساطة من السمات الإيجابية التي يتحلى بها المؤمن الحق. أى الذي آمن بالله حق إيمانه، فالله تعالى يقول في الآية الكريمة ( تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ )( القصص الآية(83).

فالتواضع يفتح أمامنا كل أبواب الحياة. وهو خلق الأنبياء والمصلحين، والباب الذي يمكننا منه التنعم بكل إشكال السعادة، وفي الحديث النبوي الشريف ( مازاد عبداٌ بعفو إلا عزاٌ. وماتوا ضع أحد لله إلا رفعه الله ) .. وقال صلى الله عليه وسلم ( الكرم التقوى والشرف والتواضع. واليقين الغني ).ليس منا من لا يشعر بالميل والحب للإنسان المتواضع الذي يظهر الود والاحترام للآخرين. لأن قلوب الناس تهفو نحو الإنسان المتواضع وتنفر من المتكبرين .والمتغطرسين علاوة على ذلك أن التواضع من الأخلاق الحميدة والحسنة التي تساعد صاحبها للوصول إلى أعلى درجات الصحة النفسية والتوافق النفسي والتوافق مع الحياة
والأخصائي النفسي المتواضع ، يمتلك قلوب مرشديه ويؤثر ذلك على العملية الإرشادية المتمثلة في ثقة المسترشد به، مما يزيد العملية الإرشادية نجاحا والوصول إلى الهدف المبتغى منه
5-صدق النوايا :-
قال صلى الله عليه وسلم (نية المؤمن خير من عمله و إن الله ليعطى العبد على نيته مالا يعطيه على عمله. وذلك أن النية لارياء فيها . والعمل يخلطه الرياء) وقال الإمام علي رضي الله عنه ( عود نفسك حسن النية. وجميل المقصد. تدرك في مباغيك النجاح )…
إن الله تبارك وتعالى يؤخذ الإنسان على مانوي، لذلك فإن أخطر ما يهدد سعادة الإنسان هو الازدواجية والنفاق في الفكر و العمل، ومن يمارس عملاٌ وهو غير مقتنع لن يتذوق طعم السعادة.إطلاقاٌ.
وصدق النوايا من الأخلاق الحسنة التي تدلل على الإيمان . حيث قال الله تعالى ((فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ )).(الفتح:18).
فالأخصائي النفسي عندما يصدق في عمله ويكون مخلصا له فأن ذلك يؤثر على شخصيته ومهنته ويكسبه صفات محبه للجميع، والسر في ذلك هو إخلاص النية والصدق في مساعدة الآخرين والحفاظ على إسرارهم، وبالصدق والإخلاص يحدث تقدما هائلا وفهما في العلاقة بين المرشد والمسترشد أو طالب المساعدة، فيحدث تبادل ومشاركة بين الطرفين، فحينها يشعر الطرف الأخر(طالب المساعدة بالحب وانه مقبول بكل ظروفه للمرشد أو المعالج، فيؤثر ذلك على العملية إرشادية بالتقدم و النجاح.
6- الكرم :-
يقول صلى الله عليه وسلم ( خلقان يحبهما الله عز وجل وخلقان يبغضهما الله عز وجل . فأما اللذان يحبهما الله تعالى فحسن الخلق والسخاء . وأما اللذان يبغضهما الله . فسوء الخلق والبخل . وإذا أراد الله بعبد خيرا استعمله في قضاء حوائج الناس ). وقال ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تجافوا عن ذنب السخي فإن الله اخذ بيده كلما عثر ). وإن من يكرم الآخرين فإنما يكرم نفسه ، لأن من يهتم بالناس ويحترمهم إنما يعكس اهتمامه بنفسه واحترامه لها، والإنسان قد يكرم ويقدم المساعدة إذا جاءه محتاج وطلب منه المساعدة ،ولكن الكرم الحقيقي هو ا ن يعرف الإنسان حاجة الآخرين. وان يقدم لهم مايحتاجون قبل أن يتفوهوا بحاجتهم إليه، هذه يعنى الكرم بالمال، وهناك نوع أخر من الكرم لايقل أهميته عن كرم المال ، وهو كرم النفس. ويعنى مواساة الناس والاهتمام بهم ومشاركتهم في أفراحهم وإحزانهم، وقد جاء في الحديث الشريف (الكلمة الطيبة صدقة ) فإن كان الإنسان عاجزا عن مساعدة الآخرين بماله فليعمل على مواساتهم بكلامه)
كما في قول الرسول صلى الله عليه وسلم “اتقوا النار ولو بشق تمرة فمن لم يجد فبكلمة طيبة”متفق علية رواه البخاري ومسلم
وهذا ما يتفق مع عمل الأخصائي النفسي الذي يفترض أن يسخر نفسه لخدمة الآخرين بكل نية صادقه ورضا عم يفعل للآخرين.وان أهم شئ في عمل الأخصائي هو الكلام الطيب لمسترشديه وهو أساس العملية الإرشادية والعلاجية الذي يعتبر من الإيحاء الايجابي والذي يشيد به علم النفس الايجابي للدفع بالمرضى والمسترشدين إلى الثقة بالنفس والى التنمية الذاتية التي تدفع بهم إلى الأمام والى التوافق والاتزان النفسي.
كما إن صفة الكرم من الأشياء التي تدل على الصحة النفسية لصاحبها وهذا ما تتطلبه مهنة الأخصائي النفسي ليكون ناجح في عمله.
7- التفاهم:-
لا يعنى التفاهم الفهم، وربما يبدأ التفاهم بالفهم، اى فهم الآخرين قبل التفاهم معهم . والإنسان لايحمل في كل الأوقات أراء الآخرين ورغباتهم نفسها، ولكن يجب أن تكون بينه وبينهم درجة من التقارب في الأفكار والمشاعر والرغبات، لكي يتمكن من التفاهم معهم والعمل إياهم
ويقول الله تعالى عن التفاهم (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )(النحل: 125)
و أن التفاهم من الأمور التي تدلل على التوازن النفس، وتدلل على أن صاحبها يتمتع بقدر كبير من الصحة النفسية، لأنه يتدارك الأمور بحكمة وتدبر، وهذه الصفة من متطلبات عمل الأخصائي النفسي لان فهم المسترشدين وتفهمهم، أمر مهم لسير العملية الإرشادية والعلاجية، فالأخصائي الجيد يتقبل الناس على ما هم عليه، وحتى يتقن الأخصائي النفسي ذلك لابد، من أن يتعلم أن ينظر بمنظار الآخرين، ويفكر بصدق بما يريدون ، فالناس طاقات وقدرات تختلف من شخص لأخر، وعندما يتقبل الأخصائي الناس على ماهم عليه، فان هذا يؤدي إلى نجاحه لان ذلك التقبل يؤدي شعور الطرف الأخر بالطمأنينة، عندها يتمتع الأخصائي النفسي بخاصية النجاح وتقبل الآخرين إليه، ومن بعض صفات الأخصائي النفسي المتفاهم هو فهم النفس والتقييم الواقعي الموضوعي للقدرات والإمكانيات والطاقات لدى مسترشديه، وتقبل نواحي القصور لديهم، وتقبل مبدأ الفروق الفردية ، وتقدير دواتهم حق قدرها ، واستغلال قدراتهم وطاقاتهم إلى أقصى حد ممكن ومساعدتهم إلى الدفع بها إلى الأمام، وبذلك يكون أخصائي ناجح في عمله وفي مهنته الإرشادية. مما يعود عليه وعلى الآخرين بالخير والنفع.
8- الرحمة والإحسان:-
الرحمة يقصد بها ” إرادة إيصال الخير إلى الآخرين، والرحمة تنبع عن نفس تواقة للخير محبة له
والرحمة ضرورية لكل أمر يقصد التغير والنتيجة، والإحسان، وخير من يمثل ذلك نبينا محمد-صلى الله عليه وسلم- إذ يصفه ربنا جل وعلا بقوله ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ )(التوبة: 128) وجعل الله من صفات المؤمنين أن يوصي بعضهم بعضا برحمة الضعيف والتعطف عليه، فقال تعالى في سورة البلد (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ)(البلد:17)
ومن صفات الشخص الرحيم: رقة في القلب،وإرهاف في الشعور وتدفعه للرأفة بالآخرين، والتألم لهم، وكفكفة دموعهم، والتحقق من أحزانهم، هذه الرحمة التي تدفع القلب إلى الأثير بالمحتاج، والمكشوف، وأصحاب الأعذار، فيهب مسرعا للإعانة ورفع ذلك الأذى عنهم
وبين رسول -الله صلى الله عليه وسلم- أهمية الرحمة وقنن مضامينها وأشاد في أثارها ونتائجها، إذ بها يعم الخير وينتشر، وتزداد أواصر التواد وتستقر، فقال ( ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاونهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضوا تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى).وحث الرسول الكريم صلوات الله عليه على أهمية الرحمة، وجعلها الأساس المفهم في الحياة بكل جوانبها فقال ( من لايرحم لايرحم).وقال أيضا (الراحمون يرحمهم الرحمن ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)
والرحمة تدفع الإنسان إلى الإحسان، والجزاء من جنس العمل، كما بين تعالى بقوله.( هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ) (الرحمن: 60).
هذه الإحساس المتمثل في تفريج الكرب عن المكروبين: قال الرسول- صلى الله عليه وسلم- “ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة”، وتيسير الأمر على المعسرين، قال علية الصلاة والسلام ” ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة”، والستر على المسلمين،و قال “من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة.
وفي إعانة المحتاجين و قال ” والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه”
كما يقول عن الرفق “ان الرفق لايكون في شئ الا زانه. ولاينزع من شئ إلا شانه) رواه مسلم
هذه بعض مظاهر الرحمة التي أوصى بها رسول الله (صلى الله علية وسلم) الناس، التي لو اتصفوا بها لسموا في إنسانيتهم.ولامتلأت نفوسهم بالسكينة والاطمئنان، كما يقول عليه الصلاة والسلام ” لاتنزع الرحمة إلا من شقي “
ومن هنا كانت صفة الرحمة هي أساس قوي للعملية الإرشادية والعلاجية لعمل الأخصائي النفسي، لما تمثل من دور مهم يشمل جوانب كثيرة في مساعدة الآخرين وفي تحسين أوضاعهم والدفع بهم إلى الأمام.
9-الصبر:-
من المؤشرات الهامة للصحة النفسية قدرة الفرد على تحمل المشاق في هذه الحياة، والصمود في مواجهة الشدائد والأزمات.والصبر عليها. فلا يضعف أمامها ولا ينهار، ولا يتملكه اليأس، وان الشخص الذي تكون صفة الصبر من صفاته، إنما هو شخصية سوية يتمتع بقدر كبير من الصحة النفسية
وإن الصبر صفة نفسية يتميز بها بعض الأفراد للتغلب على ضغوط الحياة المختلفة، وبالتالي فإنهم أكثر توافقا وأكثر شعورا بالصحة النفسية، حيث يري أنها علاج ناجح للتغلب على أعباء الحياة ونكبات الزمان، وتقوية لشخصية الفرد في تحمل الضغوط النفسية، والقدرة على تنفيسها بالصبر، .وقد أوصانا الله تعالى في كثير من الآيات بالصبر فيقول سبحانه وتعالى
( وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ )(الأنفال: 46)
(وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) .(البقرة: 155-157 )
( وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ )كما أن الفرق بين الإنسان الصابر وغير الصابر، أنه يقدر على ضبط نفسه والتحكم في عواطفه وانفعاله وتوجيه سلوكه وعلاقاته الإنسانية التي ترضي الأذواق الراقية والآداب الرفيعة التي تنطبق والدين الإسلامي، ولا تجرح إحساس أحد أو تؤذيه، وصفة الصبر من الصفات التي يجب أن يتحلى بها الأخصائي النفسي، لكي يتوافق في عمله وينجح فيه، لكونه يقابل الكثير من الناس مختلفين في الأذواق والعادات والسلوكيات وكذلك الثقافة،كما أن العملية الإرشادية والعلاجية تتطلب شخصية قوية صبورة ذات صدر رحب على من يترددون عليه، وما يحملون معهم من مشكلات وهموم،وكما أن الخطط العلاجية والإرشادية، تحتاج إلى صبر مهما طالت الفترة العلاجية أو قصرت، كل هذا يحتاج إلى التحلي بالصبر حتى تتم العملية الإرشادية والعلاجية في أفضل ما يمكن.
10- الاتزان الانفعالي:-
أن الاتزان الانفعالي هو حالة شعورية يبدي فيها الفرد استجابة انفعالية مناسبة لطبيعة المواقف أو المثير الذي يستدعي هذه الانفعالات
كما يرى القريظي أن الفرد الذي يتمتع بصحة نفسية سليمة يبدي استجابات انفعالية ملائمة ومتوافقة مع مايقتضية الموقف الذي يواجهه ومناسبة من حيث شدتها فلا كبث فيها ولا تفريط
ويعتبر الاتزان الانفعالي من الأخلاق الإسلامية التي ينادي بها القرآن الكريم فيقول سبحانه تعالى ” ((أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)).(يونس:62).
((إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ)).( التوبة:40)
توضح هذه الآيات بأن الأيمان بالله يشيع في القلب الطمأنينة والثبات والاتزان ويقي المسلم من عوامل القلق والخوف والاضطراب.
أن الاتزان الانفعالي من الأمور المهمة لمهنة الأخصائي النفسي وللمشغلين في ميدان الإرشاد والعلاج النفسي لأنهم معرضين لكثير من الأمور الصعبة التي تلزم الحكمة والتوازن الانفعالي والحكم على الأمور بكل روية وتأني، فليس من الحكمة أن يكون الأخصائي النفسي عرضة للانفعالات الشديدة، فمثلا ليس من الحكمة أن يسترسل الأخصائي النفسي في الغضب لكل شئ لايوافق هوى نفسه.أو يستسلم للعديد من المخاوف.
ويستطيع الأخصائي النفسي بشي من التدريب والصبر والعقل والروية أن يتعلم كيف يضبط نفسه ويتحكم في انفعالاته ويسيطر عليها كما أن مهمته كأخصائي نفسي تهيئ له هذه الظروف ككونه يقابل العديد من الناس، يختلفون في الطباع والصفات والثقافة ، مما يجعله عرضة للانفعالات عديدة، ولذلك وجب علية أن يتحكم في انفعالاته، وأن يكون متوازنا في عواطفه اتجاه مسترشديه، وهذا من الحكمة ومن الأخلاق التي أت بها الدين الإسلامي الحنيف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى