هناك ضغوط قوية على الشركات المدرجة لتحسين أدائها باستمرار، والإعلان بنهاية كل فصل عن نتائج مالية تتجاوز أرقامها التوقعات وتتفوق
على نتائج الفصول السابقة، إلا أن هذه الضغوط تؤدي أحيانا إلى ارتكاب الشركة بعض التجاوزات المحاسبية بهدف تحسين نتائجها المالية، وغالبا تأتي هذه التجاوزات بصور يصعب اكتشافها من قبل مراجع الحسابات أو من خلال استخدام بعض الأساليب الواقعة خارج اختصاص مراجع الحسابات والمهام المناطة به. وبالطبع فإنه من الصعب على المستثمر العادي وأكثر المحللين الماليين قراءة البيانات المالية بدقة ومقارنتها بالنتائج المالية السابقة للشركة وكذلك مقارنتها بالنتائج المالية للشركات الأخرى المماثلة، لذا يحدث أن تقوم بعض الشركات “بطبخ” بياناتها المالية بشكل معين، أحيانا نظامي وأحيانا أخرى بشكل غير نظامي، وذلك من أجل تحسين صورتها أمام المساهمين وكل الأطراف المعنية.
يؤخذ على أسلوب إعلان النتائج المالية بنهاية كل فصل في أنه يدفع بمديري الشركات إلى التركيز على المدى القصير واللهث خلف إصدار نتائج متميزة من فصل لآخر، بينما في الماضي حين كانت معظم الشركات حول العالم لا تنشر بيانات فصلية، كانت هذه النزعة أقل حدة. هذا التركيز على إظهار نتائج متميزة يؤدي إلى التلاعب بأرقام المبيعات والتكاليف وبعض بنود قائمتي المركز المالي والتدفقات النقدية.
قد يبدو أن التلاعب بأرقام المبيعات أمر بالغ الصعوبة، إلا إن لجأت الشركة إلى الاحتيال الفج بتزييف حجم مبيعاتها، غير أن هذا نادر الحدوث. بدلا من ذلك، تلجأ بعض الشركات إلى أسلوب تسجيل المبيعات قبل استحقاقها، في مخالفة لمبدأ الاستحقاق المحاسبي ومبدأ المزاوجة بين الإيرادات والتكاليف. يحدث ذلك أحيانا بسبب الضغوط على رجال المبيعات الذين عليهم تحقيق حصة معينة من المبيعات بنهاية كل فصل مالي، فيتم تسجيل مبيعات لسلعة أو خدمة لم يستلمها العميل بعد، وربما لم يتم توقيع عقدها مع العميل. أو أن تسجل إيرادات عقد يمتد لعدة سنوات في نتائج العام الحالي، لا أن توزع الإيرادات على السنوات بحسب استحقاق كل عام. كما أن أحيانا بنهاية العام يكون هناك تساهل في شروط البيع وملاءة المشتري، فترتفع المبيعات وينتفخ بند الحسابات المدينة في قائمة المركز المالي دون وجود أسس محاسبية سليمة. كما أن لدى الشركة الحرية في تحديد نسبة الحسابات المشكوك في سدادها، فإن كانت المبيعات غير مشجعة، تلجأ الشركة لخفض مبلغ الحسابات المشكوك في تحصيلها من أجل رفع قيمة صافي الأرباح.
معظم المستثمرين يركزون على الأرباح التشغيلية، كونها تعطي انطباعاً دقيقاً لتفوق الشركة في مجال عملها، لذا تقوم بعض الشركات بتحسين صورة الأرباح التشغيلية بتسجيل إيرادات غير متكررة أو غير تشغيلية على أنها تشغيلية. على سبيل المثال قد يتم تسجيل قيمة بيع بعض الأصول أو الممتلكات من ضمن الإيرادات، بدلا من تضمينها في بند آخر بعيدا عن الأرباح التشغيلية، أو أن يتم تسجيل أرباح استثمارات عامة ليست من ضمن صلب عمل الشركة على أنها إيرادات مستحقة.
تحسين الأرباح يتم إما من خلال رفع حجم المبيعات أو خفض حجم التكاليف، وهذا ما تقوم به بعض الشركات. على سبيل المثال من الممكن تغيير طريقة إطفاء الأصول (أو استهلاكها) من طريقة توزيع التكلفة بالتساوي على عدد السنين، إلى طريقة أخرى تقسم فيها التكلفة بشكل يخفض من تكاليف السنوات الأولى، فتظهر الأرباح بشكل أفضل. وبالرغم من أن للشركة الخيار في تحديد طريقة الاستهلاك المناسبة، إلا أن تغيير الطريقة من حين لآخر يعد من الأساليب التي تستوجب حذر المحلل أو المتابع. أما تكلفة البضاعة المباعة فيمكن التلاعب بها بعدة طرق، أبرزها اعتماد التكلفة الأقل عندما تتفاوت تكاليف البضاعة على الشركة؛ بمعنى أنه قد تم شراء وحدات من البضاعة المباعة بأسعار مختلفة طيلة العام، فيمكن اختيار التكلفة الأقل إذا كان الهدف رفع حجم الأرباح التشغيلية، وترك البضاعة المشتراة بأسعار عالية لوقت آخر. كما أن في الإمكان إخفاء بعض التكاليف بصورة شبه نظامية، وذلك باستخدام أسلوب إطفاء التكلفة على عدة سنوات، الذي يستخدم مع الأجهزة والمعدات، التي تستخدم في صلب عمل الشركة وتستمر في الخدمة لعدة سنوات، بدلاً من احتساب التكلفة كاملة وتسجيلها في الفصل الحالي كما ينبغي. هذه الطبخة قد تؤدي إلى نتائج فورية مميزة، فبدلاً من تسجيل تكاليف بقيمة 100 مليون ريال في هذا العام، يتم تسجيل عشرة ملايين ريال في كل عام، فترتفع الأرباح الصافية بشكل جيد.
إضافة إلى التلاعب بالإيرادات والتكاليف، هناك طرق أخرى أكثر صعوبة وأكبر تأثيرا في النتائج المالية، وهي التلاعب بالأصول والخصوم خارج الميزانية. هناك عدة أساليب مالية يمكن من خلالها للشركة الدخول في تعاقدات كبيرة والتزامات تمتد لعدة سنوات، أو الحصول على أصول كبيرة، جميعها دون إرباك لمركزها المالي. على سبيل المثال، يمكن الاستفادة من بعض الحلول التأجيرية التي تتيح للشركة الحصول على أجهزة وممتلكات دون تسجيلها من ضمن أصولها ولا تسجيل أية مديونية نتيجة اقتنائها، بل بمعاملتها كعقد إيجار تشغيلي، وذلك بتسجيل تكلفة الإيجار الدورية، والاستفادة من الاختلاف المحاسبي بين هذه الطريقة وطريقة عقد الإيجار الرأسمالي الذي يظهر في قائمة المركز المالي.
أما التلاعب ببند الشهرة فهو من أهم الحيل المحاسبية، والفكرة هنا أن الشركة تقوم بتسجيل مبلغ معين مساو للقيمة الإضافية للسعر العادل لأي شركة تم الاستحواذ عليها. على سبيل المثال، لو أنه تم الاستحواذ على شركة قيمتها المحاسبية العادلة 500 مليون ريال، وتم ذلك بدفع 800 مليون ريال، فيجب عندئذ تسجيل مبلغ 300 مليون ريال في بند الشهرة. المشكلة هنا أن هذا المبلغ يبقى بهذا الشكل لسنوات طويلة، حتى إن تعثرت الشركة المستحوذ عليها أو انخفضت قيمتها وفائدتها للشركة. من المفترض أن تكون هناك مراجعة سنوية لبند الشهرة وخفض قيمته حسب الظروف، مع تسجيل مبلغ الانخفاض في قائمة الدخل، ما ينتج عنه تأثير مباشر في صافي الأرباح. غير أن شركات كثيرة، بغياب المساءلة اللازمة، تترك هذا البند وشأنه لسنوات طويلة.
طرق التلاعب بالبيانات المالية كثيرة جدا، بعضها نظامية إلى حد ما، وبعضها مخالفة للأعراف المحاسبية، هدفها في نهاية الأمر تحسين صورة الشركة أمام الأطراف المعنية، من مساهمين ومؤسسات مالية وجهات رقابية. هذه التلاعبات تأتي بسبب الضغوط على الشركة والتركيز على النتائج الفصلية، وكذلك بسبب كون الشركات المدرجة في الأسواق المالية تتأثر قيمتها بشكل يومي نتيجة تغير سعرها في السوق.