قصة نجاح للشباب الطموح
المناصير ..من قيعان الفقر الى قمم الثراء
أن تغادر الوطن لتصنع مستقبلاً لك في بلد آخر، وانت تعرف يقينا انك خلفت وراءك من يحتاجك هو التحدي الاكبر، فالمغتربون سواء للعمل او للدراسة او لغايات اخرى، غالباً ما يعتمدون في اوطانهم على من يعينهم ان احتاجوا عوناً وهم في الغربة .. الجدليه في هذا المقام لا تحتاج الى تبريرات او تفسيرات، وهو الامر الذي جعل من المهندس زياد المناصير ذائع الصيت، الذي تحول في اقل من عقدين من الزمن من مواطن اردني بسيط مغترب في جمهورية “اذربيجان” الاسلامية، حصل للتو على شهادته الجامعية الاولى في تخصص هندسة البترول الى احد ابرز رجال الاعمال ليس فقط على المستوى المحلي، بل على المستوى الدولي.
صحيح ان المناصير كان احد فرسان الحقبة الجديدة في روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وصحيح انهم جميعاً كانوا مغمورين جميعاً في مجال ادارة الاعمال في الحقبة السوفييتية، لجهة ان الاقتصاد بكليته كان بيد القطاع العام السوفييتي، ولم يكن للقطاع الخاص دور يذكر، ولكن كم عدد الفرسان الجدد في روسيا اولاً، وكم عدد غير الروس ومن الجمهوريات السوفييتية الاخرى غير المناصير من هؤلاء الفرسان، وثالثاً كم عدد الاردنيين من الذين حققوا نجاحات كبيرة في الغربة، ولم يتوانوا في اية لحظة عن تلبية نداء الوطن، وتقديم الغالي والنفيس في محراب عشق للوطن، وكم عدد الذين يتشابهون مع المناصير في تفاصيل بداياتهم والصعاب التي واجتهتم فذللوها والتحديات التي قالوا لها مرحبا بالتحدي، واخيراً كم هم اعداد الذين اصبحوا مثل م. زياد المناصير، عين على الوطن من دون غايات شخصية سوى مرضاة الله والوالدين، وخدمة ابناء اسرته الواحدة في ارجاء الاردن كافة، وعين اخرى على البلد الذي حقق فيه النجاح تلو الاخر. كيف حقق م. زياد المناصير نجاحاته؟ – ما هي التحديات التي واجهته؟ – ومن هو م. المناصير؟
جملة اسئلة نحاول الاجابة عنها في باكورة “الحدث” بحلتها الجديدة.
البدايات
هو الابن الثاني لأسره اردنية بسيطة من عشائر بني عباد، غادر الاردن بعد نجاحه في الثانوية العامة مطلع ثمانينيات القرن الماضي الى رومانيا للدراسة، ولكنه اكتشف قبل انتهاء عامه الدراسي الاول بانه لم يجد ذاته في رومانيا، فعاد الى الوطن، ولأن اسرته لم تكن قادرة على الانفاق عليه للدراسة في جامعات تتقاضى رسوماً جامعية، فقد تدبر امره وتمكن من الحصول على منحة دراسية للدراسة في الاتحاد السوفييتي، فغادر الوطن وقد عقد العزم ان يعود اليه وقد حمل شهادة الهندسة ليحول دموع والدته التي انهمرت وهي تودعه بارض المطار الى دموع فرح بنجاحه وليرتمي بحضنها ويقول لها:
– زغردي يا امي، فها ان ابنك رهن اشارتك، ماذا اقدم لك، مع اني اعلم انني لو قدمت عمري لك، فاني لن اكافؤك عن معاناتك وحضنك الدافيء الذي ضمني مع اخوتي اليك في احلك الليالي.
في «باكو» العاصمة الاذرية الجمهورية السوفييتية التي اصبحت اليوم جمهورية مستقلة بدأت اولى خطواته، ومع انه كان فقير الحال بالمقارنة مع زملائه من الطلبة الاردنيين والعرب لجهة تلقيهم من اسرهم مصروفات سنوية متواضعة، بمئات الدولارات كانت تكفي ليعيش الطالب الاجنبي. افضل من الطالب السوفييتي علما بان الحكومة السوفييتية كانت تصرف راتب شهري للطالب الاجنبي ضعف راتب الطالب الوطني من الجمهوريات السوفييتية ولكن م. زياد المناصير تمكن بفضل شخصيته الديناميكية ومواقفه الذهنية الايجابية ووقوفه دائما مع زملائه في السراء والضراء، من التميز وسط الطلبة السوفييت والاجانب على مستوى معهد هندسة البترول الذي كان يدرس به وبشكل عام في اوساط الطلبة الاجانب في مدينة «باكو»
ظلت المشكلة المالية تقض مضج المناصير، فلا هو قادر على الطلب من اسرته المساعدة فهي تنتظر مساعدته، ولا هو قادر على تحسين اوضاعه مثل غيره بالاتجار ببعض السلع التي كانت رائجة في الحقبة السوفييتية، مثل تجارة الملبوسات خاصة «الجينز» وتجارة الاجهزة الكهربائية والعطور ومساحيق وادوات التجميل، وما ان اتيحت له اول فرصة للسفر، غادر الى تركيا وهو يحمل معه مئات الدولارات، حصل عليها من زملاء له بفضل شخصيته المحبوبة وعلاقاته المتوازية مع الطلبة كافة، اصبح اهلاً للثقة عند الطلبة، فاعطوه ما يمتلكون من دولارات قليلة ليتاجر بها ويتقاسم معهم الارباح، وهو ما كان، وبهذه البداية المتواضعة اخذ يتلمس عالم التجارة وينطلق بطيئاً ولكن بتؤدة وصعوداً متنامياً.
من السجاد الى الاخشاب
بفضل مثابرة المناصير وعلاقته المتشعبة مع عدد كبير من الطلبة وابناء المجتمع المحلي في مدينة «باكو» تمكن من الولوج الى عالم صناعة السجاد التركماني والكازاكي المشهور خاصة المغزول يدوياً وهو غالي الثمن، ويعمرُ طويلاً، ووقع تحت يديه يوماً كتالوجات لقطع من السجاد القديم فاخذ يشتري قطعا من هذا السجاد، ويصدرها بطريقته الخاصة الى دول اروربية خاصة المانيا ويبيعها باسعار خيالية ما راكم لديه رأسمال معقول ساعدة على الانتقال الى نشاطات تجارية اخرى، مثل تجارة السيارات ولاحقا تجارة اللؤلؤ.
بعد تخرج م. المناصير صيف 1991 قرر الانتقال الى موسكو خاصة بعد الاضرابات بين جمهوريتي «اذربيجان» و»ارمينيا» على اقليم ناجورنو كاراباخ وكان يمني النفس ان يسافر الى امريكا ولكن السفارة الامريكية في موسكو رفضت منحه تأشيرة دخول ما دفعه للبحث عن نشاط تجاري يبدأ العمل فيه بمدينة موسكو، وترافق مع بدء تفكك الاتحاد السوفييتي، وبيع مؤسسات من القطاع العام باسعار متواضعة فاختار مصنعا لانتاج الاخشاب مقام على قطعة ارض مساحها 64 دونما، واخذ يعقد صفقات مع دول عربية لتصدير الاخشاب اليها مثل المغرب والجزائر ولبنان.
الانتقال الى الطاقة
عام 1993 تراجعت قيمة العملة الروسية الروبل في اسواق الصرف وتراجعت قيمتها امام الدولار ما نجم عن ذلك اثاراً كارثية على الاقتصاد الروسي ومع ذلك فان اعمال م. المناصير لم تتأثر ما دفعه للتفكير بتوسيع نطاق اعماله ولانه مهندس بترول يعلم ان المستقبل لقطاع الطاقة فاشترى حصة من شركة غاز اسمها «ستر غاز كونسالاتنت» ووجه معظم نشاطاته الى قطاع الطاقة، وبنظره ثاقبة اخذ يتقدم لعطاءات بناء البنى التحتية لمحطات الغاز والنفط في سيبيريا التي تمتكلها شركات حكومية كانت تمتلك حق التنقيب واستخراج وتكرير الغاز والنفط، ومع الوقت اصبحت شركة المناصير من اكبر الشركات العاملة في هذا الحقل خاصة بعد ان تحول م. المناصير الى اكبر مالك فيها.
سعى المناصير الى المزاوجة في استثماراته خاصة بعد ان استقر اوضاع اعماله في قطاع الطاقة فاخذ يتاجر بالمواد الكيماوية والاسمدة بل لعله يعد من اكبر موردي هذه المواد الى عدد من الدول منها على سبيل المثال سورية، ومع كل ذلك وبعد ان اصبح المناصير من كبار رجال الاعمال في روسيا، فانه ظل يشعر بعدم الاستقرار ما دفعه للتفكير بنقل جزء من استثماراته الى وطنه الاردن.
الاستمثار في الاردن
استثمارات المناصير في الاردن لا تعد ولا تحصى بدءاً بشركة الباطون الجاهز التي ادارها شقيقه عبد الحكيم المناصير لعدد من السنوات، واصبحت اكبر شركة لانتاج الباطون الجاهز في الاردن بمواصفات عالية وخدمات ما بعد البيع متميزة وليس انتهاء بمحطات الوقود العديدة التي اخذت في سنوات تنتشر في اماكن متعددة من المملكة، التي يتطلع م. المناصير الى وصول عددها الى مئة محطة بحلول عام 2015.
ولعل تنوع استثماراته في الاردن، وتوجهها الى غير حقل صناعي وتجاري يعطي م. المناصير افضلية على غيره ويعطي مجموعته المكونة من عشرات الشركات القدرة على خدمة الاقتصاد الوطني، وتشجيع رجال الاعمال الاردنيين العاملين خارج الوطن للعودة الى الوطن، وتوظيف رأسمالهم لخدمة الاقتصاد الوطني، ووفقا لما كتبه احد كتاب المقالات في صحيفة يومية قبل سنوات في معرض تعليقه على نجاحات م. المناصير «م. زياد سافر ولم يطلب شيئاً من الوطن، وعاد بمئات ملايين الدولارات للاستثمار في الاردن في وقت تهرب اموال رجال اعمال راكموا تلك الاموال من جيوب الفقراء في الاردن».
م. المناصير لم يكتف بالاستثمارات في الاردن، فاضافه الى اهتماماته المختلفة بادق شؤون اسرته. خاصة والديه واشقائه وشقيقاته، فانه وضع سياسة للقائمين على اعماله في الاردن تتمثل في البعد الانساني والاجتماعي، وظل يصر عليهم بعدم الاعلان عن المساعدات التي يقدمها للفقراء والمحتاجين في ارجاء المملكة كافة مسترشداً بالحديث النبوي الذي يتحدث عن اليد التي لا تعرف عن مقدار ما تصدقت شقيقتها، ولكن بعد عدد من النصائح من قبل شخصيات اردنية مختلفة، فانه لم يمانع في الاعلان عن النشاطات الانسانية والاجتماعية لمجموعته خاصة ان الناصحين قالوا له ان ما ينفقه في هذا الشأن يشكل امثولة لرجال اعمال اخرين للقيام بذلك وهذا كما يبدو ما حدث فبعد بدء حملاته، خاصة الرمضانية منها فان عدداً من الشركات ورجال الاعمال اخذوا يحذون حذوه في هذا السياق، ناهيك عن دخوله عالم الرياضة ومساهماته المتعددة بهذا المجال