كل شي عن البنوك التجارية
يعتبر البنك التجاري نوعا من أنواع المؤسسات المالية التي يتركز نشاطها على قبول الودائع ومنح الائتمان،فالبنك التجاري بهذا المفهوم يعتبر وسيطا بين أولئك الذين لديهم أموال فائضة،و أولئك الذين يحتاجون لهذه الأموال،ويعد البنك التجاري أهم الوسطاء الماليين في الاقتصاد وهذا بفضل الخصائص التي سندرسها في هذا الفصل والتي ينفرد بها عن المؤسسات المالية الأخرى ،وسندرس أيضا مختلف النظريات التي تعرضت لتفسير نشــاط البنك التجاري.
وفي الأخير نتطرق إلى أهداف البنك التجاري بوصفها المعيار الذي على ضوئه سوف تصاغ السياسات وتتخذ القرارات.
مدخل للبنوك التجارية:
سوف نقتصر في دراسة هذا الجزء على العناصر التالية :
المطلب الأول: تعريف البنوك التجارية:
البنك التجاري هو المنشأة أو الشركة المالية التي تقبل الودائع من الأفراد والهيئات (الأشخاص المعنوية ) تحت الطلب ولأجل ثم تستخدم هذه الودائع في فتح الحسابات و القروض (الإئتمانات) بقصد الربح( ) .
وقد استمدت البنوك التجارية تسميتها من خلال تقديمها للقروض قصيرة الأجل للتجار في بداية قيامها (فهي أقدم البنوك تاريخيا على الإطلاق ) ومع تطور النشاط التجاري والصناعي تزايدت أهمية التمويل المصرفي لهذه النشاطات بقروض طويلة ومتوسطة الأجل ، خاصة في ميدان الاستثمار وكذا عمليات تمويل التجارة الخارجية .
ويطلق على البنوك التجارية أحيانا اسم بنوك الودائع لأن أهم مواردها تتمثل في الأموال المودعة لديها ، وهي عند إعادة إقراض هذه الأموال تكون قد تاجرت بما ليس لديها ،وأهم ما يميزها في الوقت الحاضر هو أن البنوك العاملة مجتمعة تقدم قروضا تفوق قيمتها بكثير قيمة الآمال المودعة لديها ،ويطلق على هذه العملية التي تعتبر أهم وظائف البنوك التجارية اسم خلق الودائع أو خلق النقود .
ذلك أن للبنوك التجارية وظيفتان هما:
– وظيفة الوساطة : أي التوسط بين المقرضين والمقترضين بتجميع المدخرات والفوائض المالية ووضعها في متناول الأفراد والمشروعات الراغبة في الاقتراض ، ولا تختلف البنوك التجارية في قيامها بهذا الدور عن البنوك غير التجارية وعن سائر المؤسسات المالية التي يتألف منها السوق الائتماني بالوطن ،والتي تسمى الوسطاء الماليين .
– وظيفة خلق النقود: وهي وظيفة أكثر أهمية وتأثيرا من الوظيفة الأولى، إذ هي الصفة الأساسية التي تتميز بها البنوك التجارية عن المؤسسات المالية الأخرى و عن سائر الوسطاء
الماليين، ومعنى خلق النقود هو إمكان البنك إحلال تعهده بالدفع محل النقود الفعلية فيما يمنحه من قروض،وبذلك يخلق البنك وسائل دفع- تقوم مقام النقود – تتمثل في قدرة الزبون على التعامل بتلك الوسائل – وهي في شكل كتـابي مثل الشيك –يقبلــها الآخرون في المعاملات ( ) .
: خصائص البنوك التجارية:
يمكن دراسة خصائص البنوك التجارية تبعا لعدة معايير:من حيث حجم البنك, من حيث السوق الذي يخدمه البنك, من حيث التنظيمات الإدارية المختلفة التي يتبناها البنك ( )….إلخ
في هذا البحث سنقوم بالتركيز على الخصائص التالية والتي نراها أكثر دقة وشمولية ( ) :
* الخاصية الأولى: تتأثر البنوك التجارية برقابة البنك المركزي ولا تؤثر عليه .
يمارس البنك المركزي رقابته على المصارف من خلال جهاز مكلف بذلك , في حين أن البنوك التجارية مجتمعة لا يمكنها أن تمارس أية رقابة أو تأثير على البنك المركزي .
* الخاصية الثانية :تتعدد البنوك التجارية والبنك المركزي واحد .
تتعدد البنوك التجارية وتتنوع تبعا لحاجات السوق الائتمانية في الوطن غير أن البنك المركزي يبقى واحدا,غير أن تعدد البنوك التجارية في الاقتصاديات الرأسمالية المعاصرة لا يمنع من ملاحظة الاتجاه العام نحو التركز وتحقيق نوع من التفاهم والتحالفات الإستراتيجية , هذا التركز من شأنه خلق وحدات مصرفية ضخمة قادرة على التمويل الواسع والسيطرة شبه الاحتكارية على أسواق النقد والمال غير أن هذا التركز لم يصل بعد إلى مرحلة نتصور فيها وجود بنك تجاري واحد في بلد ما .
* الخاصية الثالثة :تختلف النقود المصرفية عن النقود القانونية .
تختلف النقود المصرفية التي تصدرها البنوك التجارية عن النقود القانونية التي يصدرها البنك المركزي, فالأولى إبرائية وغير نهائية ,والثانية إبرائية نهائية بقوة التشريع .
وتتماثل النقود القانونية في قيمتها “المطلقة”بصرف النظر عن اختلاف الزمان والمكان.
والنقود القانونية تخاطب كافة القطاعات في حين أن النقود المصرفية تخاطب القطاع الاقتصادي.
* الخاصية الرابعة: تسعى البنوك التجارية إلى الربح عكس المركزي.
تعتبر البنوك التجارية مشاريع رأسمالية, هدفها الأساسي تحقيق أكبر قدر ممكن من الربح بأقل تكلفة ممكنة وهي غالبا ما تكون مملوكة من الأفراد أو الشركات.
هذا الهدف مختلف تماما عن أهداف البنك المركزي والتي تتمثل في الإشراف والرقابة والتوجيه وإصدار النقود القانونية و تنفيذ السياسة المالية العليا.
البنوك التجارية وسيط مالي متميز:
تتميز البنوك التجارية عن بقية الوسطاء الماليين الموجودين في الساحة الاقتصادية بعدة فروق سنورد فيما يلي أهم الفروق بين البنوك التجارية ونوعين من الوسطاء الماليين هما:
بنوك الأعمال ( وهي من البنوك المتخصصة) والمؤسسات المالية.
الفرع الأول: التفرقة بين البنوك التجارية وبنوك الأعمال:
يتركز نشاط بنوك الأعمال على منح القروض وإصدار السندات والمشاركة في المشروعات, لذلك فإن بعض الدول تحرم على البنوك التجارية الحصول على أنصبة في المشروعات التجارية والمالية والصناعية لتجنب منافسة بنوك الأعمال وتشابك مجالات النشاط (مثل نظام مراقبة البنوك في المملكة العربية السعودية ( )) وعلى العكس من ذلك تشجع بلدان أخرى (مثل الجزائر) البنوك التجارية على التوسع في الاستثمار للمساهمة في التنمية الاقتصادية .
الفرع الثاني: التفرقة بين البنوك التجارية والمؤسسات المالية:
إن التفرقة الأولى (تاريخيا ) تتعلق بطبيعة العمليات التي تقوم بها كل من البنوك التجارية والمؤسسات المالية.
فالمؤسسات المالية تقوم بعملية الاستثمار بينما تركزت العمليات التي تقوم بها البنوك التجارية في الائتمان قصير الأجل, وتوشك هذه التفرقة أن تزول في العصر الحديث بسبب توسع نشاط البنوك التجارية.
ويرى بعض المختصين في هذا المجال ( ) أن فكرة الوديعة المصرفية تقع في “قلب ” التمييز بين البنوك والمؤسسات المالية , إذ أن هذه الأخيرة لا يمكنها فتح حسابات (جارية أو لأجل) وبالتالي لا يمكنها الحصول على أموال من الجمهور عكس المؤسسات البنكية وفي المقابل يمكن للمؤسسات المالية القيام بعمليات الإقراض وتسيير وسائل الدفع (مثال عن وسائل الدفع: بطاقات القرض , شيكات السفر…إلخ) ,إذن فالمؤسسات المالية هي شبه بنوك أعمال غير أنه لا يمكن أن تقوم بتعبئة مواردها بالقرب من مودعين أو مدخرين لتسلفها فيما بعد.
علاقة البنك المركزي بالبنوك التجارية :
من أجل تحقيق الأهداف الاقتصادية المطلوبة توسعية وانكماشية لابد من أن يكون لدى البنك المركزي من الوسائل المؤثرة مما يمكنهم من تطبيق السياسة النقدية والائتمانية.
من الطبيعي في هدا المجال أن تكون العلاقة بين البنك المركزي والبنوك التجارية هي في إطار خلق نقود الودائع تم تحويل هده النقود إلى نقود قانونية لدى يمكن أن نتصور إمكانية الرقابة من جانب البنك المركزي بقدرته على الثاثير في سيولة البنوك التجارية وفي أسـعار خدماتها ( سعر الفائدة ) وعن طريق دلك التحكم في حجم وسائل الدفع الخاصة بنقود الودائع أما أساليب هدا التأثير فيمكن أن تعدد وتختلف تبعا لطبيعة العلاقة بين البنك المركزي والبنوك التجارية فمنها مباشرة بهده العلاقة كالاحتياطي الإلزامي سعر الخصم ومنها ما يرتبط بعمليات السوق النقدية (السوق المفتوحة ) وقد تكون هناك أساليب أخرى كتقديم الاستشـارة والنصح .
المبحث الثاني :نشاط البنوك التجارية الجانب التنظيري:
نحاول في هذا المبحث إعطاء وصف تجريدي لنشاط البنوك التجارية وذلك لتبرير اختياراتها وسلوكها تجاه المتعاملين الاقتصاديين.
المطلب الأول: النظريات المفسرة لنشاط البنوك التجارية:
إجمالا هناك العديد من النظريات التي اهتمت بهذا الموضوع وأهمها:
– نظرية القرض التجاري وهي النظرية الكلاسيكية في الموضوع.
– النظريات الحديثة مثل: نظرية إمكانية التحويل, نظرية الدخل المتوقع, نظرية إدارة المخصوم.
– نتطرق من خلال الفقرات القادمة إلى هذه النظريات بشيء من التفصيل
الفرع الأول: النظرية الكلاسيكية:
وهي نظرية القرض التجاري Commercial loan theory ( )
وتعتبر هذه النظرية تاريخيا أول نظرية تعرضت لهذا الموضوع, وقد نشأت من خلال ممارسات البنوك التجارية الإنجليزية المتأثرة بالفكر التقليدي .ويقول مؤيدوها بأن سيولة البنك تعتبر جيدة مادام أن أمواله يتم استغلالها في قروض قصيرة الأجل .وحسب شيحة فإن القروض قصيرة الأجل يجب ألا يتجاوز أجلها مدة سنة وأن تكون موسمية ومتكررة ومتناسبة مع تقلبات الأعمال وأسعار الفائدة وهي لا يجب أن تنصرف إلى تكوين رؤوس أموال أو المساهمة في المشروعات , أي أن تكون لها طبيعتها التجارية والمتعلقة بحركة تداول البضاعة , وتنصرف
إلى الأوراق التجارية مثل الكمبيالة أو السند الأدنى أو فتح الاعتماد أو الإعتمادات المستندية ( ) ولذلك تسمى قروضا تجارية.
وفقا للتيار التقليدي يمكن القول بأن القروض التي يقدمها البنك التجاري يجب أن تتم بخاصيتين أساسيتين هما:
– خاصية التصفية الذاتية Self-liquidation :
إذ يجب توجيه هذه القروض إلى سلع حقيقية – كالمحاصيل الزراعية – تتحول قبل تاريخ الاستحقاق إلى نقود تستعمل في سداد القرض. أي أن تسديد القروض يتحقق من الموارد التي يولدها استعمال القرض في الإنتاج والتسويق .
– قروض آلية Self-regulation :
أي لا توجد مشكلة بشأنها حيث أن قيمة بيع الإنتاج الحقيقي سوف تغطي قيمة القرض.
يشير مؤيدو النظرية إلى أن الموارد المالية للبنوك التجارية هي من النوع الذي يستحق عند الطلب أو خلال فترة قصيرة , ولذا فمن المنطقي أن توجه هذه الموارد إلى قروض قصيرة
الأجل بما بتناسب مع طبيعة الودائع التي لديها , كما أن الودائع هي ملك الغير فمن الواجب أن توجه استخداماتها إلى تمويل سلع حقيقية مما يضمن استرداد قيمة القروض.
إلا أن لهذه النظرية معارضين كثر , ومن أهم الانتقادات التي وجهت لها :
– فشلها في سد احتياجات التنمية الاقتصادية خاصة في البلدان النامية فالتقيد التام بها يمنع البنوك التجارية من تمويل التوسعات في المصانع وزيادة خطوط الإنتاج وشراء آلات جديدة وغير ذلك من المجالات الضرورية لعملية التنمية الاقتصادية ( ) .
تحتاج التنمية الاقتصادية إلى قروض متوسطة وطويلة الأجل مما وضع البنك التجاري في موقف صعب فإما أن تختار التمسك بالقروض قصيرة الأجل دون غيرها مما يدفع المقترضين إلى اللجوء إلى أسواق رأس المال لتغطية احتياجاتهم وهو ما يؤدي إلى نزع صفة الوساطة المالية عن النظام الاقتصادي Désintermédiation مما يؤدي إلى تسرب الودائع من البنوك
التجارية أو أن تغير المصارف بأن تقدم قروضا طويلة ومتوسطة وطويلة الأجل إلى جانب القروض قصيرة الأجل.
– تعتبر التصفية الذاتية للقروض المصرفية ظاهرية فقط وذلك بسبب وجود سلسلة الائتمان المترابط , وتحويل القروض من سلسلة إلى أخرى بدلا من تصفيتها نهائيا ( ) كما أن وجود الرقابة الحكومية و انتشار البنوك المركزية التي تضمن سلامة إجراءات وقرارات الإقراض , وتدخلها بالمساعدة إذا لزم الأمر يوحي بالطمأنينة وبالتالي يشجع على عدم اقتصار البنك التجاري على قروض تسدد نفسها .
-لم تأخذ هذه النظرية بعين الاعتبار الثبات النسبي للودائع بمختلف أنواعها ففي الحالة الاعتيادية يكون السحب والإيداع في البنك بشكل مستمر , كما أن الودائع الجارية لا يتم سحبها كلها في وقت واحد ( إلا في حالة الأزمات البنكية ) وبالنسبة لودائع التوفير فإن كثرة عدد تلك الحسابات وطبيعتها (المتناسبة في الحالة الاعتيادية ) تجعلها تتمتع بصفة الثبات النسبي أما بالنسبة للودائع لأجل فإن تواريخ استحقاقها معروفة للبنك التجاري , ولا يحق لصاحبها السحب منها إلا في مواعيد استحقاقها
النظريات الحديثة:
نظرا للانتقادات الشديدة التي واجهت النظرية الكلاسيكية فقد ظهرت عدة نظريات تحاول سد الثغرات التي من بينها :
1- نظرية إمكانية التحويل :
تهتم هذه النظرية بتوسيع قاعدة التوظيف أو الأصول التي يحوزها البنك التجاري لذلك يمكن أن تعتبر هذه النظرية صورة متطورة للنظرية السابقة وأكثر عمومية.
ويرى مؤيدو هذه النظرية ألا تقتصر عمليات البنك التجاري على نوع واحد من الأصول (القروض التجارية ) بل عليها أن تشمل الاستثمارات في السوق المفتوحة وتدعيم محفظة الأوراق المالية , وفي حالة مطالبة أصحاب الودائع بسحب أموالهم ( وهي المشكلة الأساسية التي يحول البنك التجاري تجنبها ) فإن مركز البنك التجاري لن يتأثر إذا كان يتمتع بمرونة
التحويل و التبديل وقدرتها على بيع أو إعادة خصم الأوراق المالية التي بحوزته أو تسييل بعض الأصول للمحافظة على مستوى سيولة جيد وتدعيم مركزه المالي .
إذن فإن أساس هذه النظرية هو أن سيولة البنك التجاري تعتبر جيدة طالما أن لديه أصولا يمكن تحويلها إلى نقد بأسرع وقت ممكن وبأقل خسارة ممكنة, هذه المرونة في التحويل تتوقف على حجم وتنوع الأصول والعمليات التي يقوم بها البنك.
2- نظرية الدخل المتوقع ٭:
ظهرت هذه النظرية في الأربعينيات, وتختلف عن نظرية القروض التجارية من حيث تشجيعها لتقديم القروض طويلة الأجل والقروض الاستثمارية وغير لمتعلقة بالتمويل الجاري.
يسود أنصار هذه النظرية في كثير من دول القارة الأوروبية فيما يعرف بالمدرسة الألمانية. تقوم هذه النظرية على انتقاد فكرة استمرارية السيولة من خلال إمكانية السداد إذ يرى رشدي شيحة أنه لا يوجد ما يضمن أن كل القروض تحقق إمكانية السداد في موعد استحقاقها , خاصة القروض المتعلقة بتجارة السلع لأن توجيه القروض إلى هذا النشاط ( أي شراء السلع من أجل بيعها فيما بعد ) لا يمثل حماية مؤكدة للبنك فقد يفشل المقترض في تصريف هذه
السلع بسبب التقادم أو الفساد , الأمر الذي قد يؤدي في النهاية إلى صعوبة استرداد البنك لمستحقاته .
بالإضافة إلى هذا العامل هناك مخاطر الإفلاس وتقلبات الأسعار , ومخاطر التضخم , وتغيرات مرونة الطلب وغيرها من العوامل التي قد تؤثر على إمكانية السداد واسترداد قيمة القرض ( ) .
ويرى هندي أن العبرة ليست بكون القرض موجها إلى تمويل سلعة تباع قبل تاريخ استحقاق القرض ( التصفية الذاتية) فالسلعة لا تبيع نفسها وليس هناك ما يضمن أن السلعة التي عليها الطلب اليوم سوف يكون عليها الطلب غدا , ومن ثمة ينبغي تركيز الاهتمام على الدخل المتوقع من النشاط الذي يستخدمه في تمويله لا على النشاط ذاته ( ) .
فإذا كان هناك احتمال كبير من توليد دخل من النشاط يكفي لخدمة الدين حينئذ ينبغي الموافقة على القرض وهذا ما يسمى بنظرية الدخل المتوقع.
إذن فهذه النظرية تركز على دراسة البنك لمدى جدية العملية المطلوب تمويلها ومقدار الدخل المتوقع منها بصرف النظر عن كون القرض لمدة قصيرة أو طويلة. ومنها فليس هناك أي سبب يجعل منح القروض مقتصرا على القروض التجارية لذلك يمكن للبنوك أن تمنح قروضا استثمارية, استهلاكية, عقارية وغيرها.
3- نظرية إدارة الخصوم:
وتدعى نظرية إدارة الخصوم بـ: Liability management theory
وهي أحدث النظريات التي سنتطرق إليها .
وتختلف عن النظريات الثلاثة الأولى في أن هذه الأخيرة ركزت اهتمامها على جانب الأصول أو العمليات وهي تتعلق بإدارة السيولة في البنك التجاري.
وتقتضي هذه النظرية بأن السيولة لا تتوقف فقط على فترة استحقاق القروض أو على ما يمتلكه البنك من أوراق مالية سهلة التحويل إلى نقدية كما رأينا في نظرية إمكانية التبديل , بل
تعتمد أيضا على إمكانية البنك للحصول على موارد مالية من مصادر خارجية , مثل إصدار السندات .
فأساس هذه النظرية هو كون مفردات الخصوم (كالودائع ورأس المال والاحتياطات والأرباح المحتجزة والقروض التي يحصل عليها البنك) تمثل في الواقع مصادر الأموال التي يستخدمها البنك في تمويل استثماراته , أي في تمويل الأصول ( بما فيها القروض الممنوحة) وتهدف إدارة الخصوم إلى تحقيق زيادة في موارد البنك تمكنه من الاستجابة إلى المزيد من طلبات الاقتراض .
المطلب الثاني : العوامل المؤثرة على نشاط البنوك التجارية:
كانت إذن هذه أهم النظريات التي تفسر نشاط البنك التجاري , وسلوكه في المحيط الاقتصادي؛بصفة عامة،غير أن هذا السلوك أي اختيار طريقة معينة في توظيف موارده دون أخرى يختلف بطبيعة الحال من بنك لأخر تبعا لعوامل عديدة يمكن تصنيفها إلى( ):
-العوامل القانونية.
-العوامل الاقتصادية.
-اعتبارات السياسة النقدية والائتمانية.
-اعتبارات السياسة المصرفية السليمة.
العوامل القانونية:
وهي الأخذ بالاعتبارات التشريعية الواردة في القوانين:المدنية,التجارية,المصرفية…الخ؛ إذ أن البيئة القانونية التي يعمل بها أي مصرف تحكم نوعية توظيفا ته,فقد تتضمن هذه التشريعات نصوصا تحظر على المصارف التجارية منح أنواع معينة من القــــروض.
الفرع الثاني: العوامل الاقتصادية:
فالنشاط المصرفي يتأثر بالبيئة الاقتصادية السائدة من حيث:ديناميكية الأعوان الاقتصادية,نمو الادخار,استقرار الخيارات الاقتصادية المتبعة في السياسة العامة للبلاد.
الفرع الثالث: اعتبارات السياسة النقدية و الائتمانية:
يتأثر البنك التجاري بالسياسة النقدية و الائتمانية المرسومة من طرف السلطة من حيث تأثيرها على سعر الخصم مثلا,أو إتباعها لطرق الرقابة الكمية والنوعية على الائتمان والتي تؤثر بدورها على حجم وأنواع الائتمان المقدم من طرف النظام المصرفي.
الفرع الرابع: اعتبارات السياسة المصرفية السليمة:
وهي تلك التي ترجع للأعراف والعادات المصرفية السليمة, ويندرج تحت هذه الاعتبارات:
أ) اعتبارات تتعلق بالحذر والحيطة في رسم السياسات الداخلية بالمصرف التجاري سواء من حيث إتباعه لسياسة تمويلية محافظة أو توسعية,ومدى الدقة و الالتزام بقواعد جامدة, والأسلوب الذي تتبعه إدارة البنك لدى دراسة تمويل المشاريع المختلفة.
ب) اعتبارات التوفيق بين عوامل الربحية والسيولة لمقابلة التزامات المصرف تجاه المودعين من ناحية, مع تحقيق أقصى ربحية ممكنة من تشغيل أمواله من ناحية أخرى, وهو ما يبر عنه بالتوفيق
بين اعتبارات السيولة-الربحية-الأمان.
ج) اعتبارات فن التعامل مع العملاء وتنمية النشاط المصرفي عموما,كما هو الحال عندما يلجأ المصرف إلى منح سلف مكشوفة محدودة لبعض العملاء احتفاظا بمعاملاتهم الجيدة الأخرى ذات الحجم الكبير.
المبحث الثالث: الأهداف العامة للبنوك التجارية والتعارض فيما بينها:
المطلب الأول: الأهداف العامة للبنوك التجارية:
يقوم نشاط البنك التجاري عامة على تحقيق ثلاثة أهداف, وهي:
*تحقيق أقصى ربحية.
*تجنب تعرض لنقص شديد في السيولة.
*تحقيق أكبر قدر من الأمان للمودعين و البنك.
و سنتعرض فيما يلي ببعض التفصيل لهذه الأهداف:
الفرع الأول: الربحية:
تعتبر الوظيفة الأساسية لإدارة البنك التجاري هي تحقيق أقصى قدر ممكن من الأرباح للملاك
ويعني تحقيق أرباح للبنك أن تكون إيرادات البنك أعلى من تكاليفه, بحيث تشمل إيرادات البنك إجمالا البنود التالية:
– الفوائد المدفوعة على التسهيلات الائتمانية(وهي الفوائد الدائنة).
– العمولات الدائنة التي تتقاضاها البنوك مقابل خدماتها التي تقدمها للآخرين.
– الأتعاب المتقاضاة مقابل الخدمات التي تقدمها البنوك وغير المتعلقة بطبيعة العمل المصرفي كقيامها بتقديم استشارات وإعداد دراسات الجدوى الاقتصادية.
– الأرباح المحققة من شراء وبيع العملات الأجنبية.
– إيرادات أخرى و تشمل الإيرادات الناجمة عن عمليات ليست من طبيعة عمل البنك, مثل:عوائد الاستثمار في الأوراق المالية, و العوائد الناجمة عن خصم الأوراق التجارية, أي أرباح محققة من بيع البنك لأصل من أصوله بسعر أعلى من قيمته الدفترية.
أما فيما يتعلق بتكاليف البنك فإنها تشمل عموما:
– الفوائد التي يدفعها البنك للمودعين (وهي الفوائد المدنية)
– العمولات المدنية المدفوعة من قبل البنك للمؤسسات المالية الأخرى مقابل خدمات تقدمها للبنك نفسه.
– المصاريف الإدارية…الخ .
نلاحظ أن الجانب الأكبر من مصاريف البنك يتكون من تكاليف تابثة لهذا يرى هندي أن أرباح البنوك التجارية أكثر تأثرا بالتغييرات في إيراداتها مع منشآت الأعمال الأخرى.
معنى ذلك أنه إذا ما زادت إيرادات البنك بنسبة معينة زادت الأرباح بنسبة أكبر,وعلى العكس من ذلك فإذا انخفضت الإيرادات بنسبة معينة انخفضت الأرباح بنسبة أكبر؛بل قد تتحول لإيرادات البنك إلى خسائر لهذا على إدارة البنك التجاري أن تسعى إلى زيادة الإرادات وتجنب حدوث انخفاض فيها .
تجدر الإشارة إلى أنه ليس للبنك الحرية المطلقة في التصرف بأرباحه, إذ عليه أن يقتطع منها نسبة إجبارية كل عام(تقدر في الجزائر ب10%من صافي الأرباح سنويا إلى أن يصبح مجموع الاحتياطي الإجباري مساويا لحجم رأس المال) .
الفرع الثاني: السيولة:
تعني سيولة أي أصل من الأصول مدى سهولة تحويله إلى نقد بأقصى سرعة ممكنة وبأقل خسارة و في القطاع المصرفي نعني بالسيولة مقدرة البنك على الوفاء بالتزاماته تجاه المودعين في حالة طلب هؤلاء سحب ودائعهم هذا من جهة,ومن جهة أخرى مقدرته على مقابلة طلبات الائتمان .
وتتكون سيولة البنك التجاري من مجموعتين ( ) :
-السيولة الحاضرة.
السيولة شبه النقدية .
وكما يتضح من ميزانية البنك التجاري تتكون السيولة الحاضرة ؛ أي الأرصدة الحاضرة من نقود حاضرة في خزائن البنك المركزي ,و أرصدة نقدية مودعة في البنك المركزي والبنوك
الأخرى ، كما تتمثل السيولة شبه النقدية في الحوالات المخصومة التي تتكون من أذونات الخزانة و الأوراق التجارية المخصومة التي يمكن إعادة خصمها بسهولة لدى البنك المركزي .
ويعتمد تحقيق أقصى قدر من السيولة على عدة عوامل لعل أهمها:
•مدى استقرار الودائع ( ) :نلاحظ مثلا أن ودائع التوفير تتمتع بتبات نسبي نظرا لعددها الكبير وطبيعتها المتصفة بالتزايد عاما بعد عام ، مما يطمئن المصرفي من ناحيتها ،وكذلك الحال بالنسبة للودائع بإخطار مسبق والودائع لأجل .
يمكن القول إذن بأنه كلما كانت نسبة الودائع لأجل على إجمال الودائع كبيرة كلما شعرت إدارة البنك التجاري بالارتياح بدرجة أكبر دليلا على توفر السيولة.
• قصر مدة التسهيلات الائتمانية:كلما قصرت مدة التسهيلات التي يمنحها البنك التجاري كلما زادت السيولة لأنها تعني أن الأموال الممنوحة ستعود بسرعة, كما أن القروض طويلة الأجل لا توحي لإدارة البنك بالاطمئنان لأن الظروف الاقتصادية قد تتغير على المدى الطويل
إن هدف السيولة هو هدف مهم و أساسي حسب رأينا خاصة في حالة البنوك التجارية ففي حين يمكن لبنوك الأعمال مثلا أن تؤجل سداد ما عليها من مستحقات ولو لبعض الوقت فإن أي تردد للبنك التجاري في تلبية طلب بعض المودعين لسحب أموالهم قد يؤدي إلى زعزعة ثقة المودعين الآخرين به ويدفعهم فجأة إلى المطالبة باسترجاع أموالهم مما قد يعرض البنك للإفلاس Banqueroute ,وقد يتأثر النظام المصرفي كله ما لم يتدخل البنك المركزي لتدارك الوضع ,وفي معظم البلدان تضع السلطات النقدية نسبا قانونية للسيولة .
الفرع الثالث: الأمان:
نقصد بالأمان ذلك المتوفر للطرفين هما:
– المودعون.
– البنك.
فبخصوص أمان المودعين, على إدارة البنك أن تراعي عدم المساس بودائعهم وذلك بتحديد حد أقصى للخسائر التي يمكن أن يتحملها في نشاطه المعتاد. يمكن أن يكون هذا الحد هو رأسمال البنك التجاري, فكما هو معلوم فإن رأسمال البنك الصغير نسبيا ولا يمثل سوى 10%
من إجمال الأصول, لذلك يجب ألا تتجاوز خسائر النشاط المصرفي هذا الحد لأنها قد تمتص جزءا من أموال المودعين.
أما بالنسبة لأمان البنك فهو يعني مدى ثقة إدارة البنك بأن التسهيلات المصرفية التي تمنح سوف يتم تسديديها في تواريخ استحقاقها المحددة ليتم إقراضها مجددا والحصول على أكبر عائد ممكن , من أجل ذلك يجب عليها أن تضع قواعد محددة للإقراض تقلل قدر الإمكان مقدار المخاطرة المصرفية الممنوحة مايلي :
– سمعة العميل المقترض ومدى انتظامه في الوفاء بالتزاماته(سواء تجاه البنك نفسه أو تجاه المتعاملين معه).
– مكانة المؤسسة المعنية في السوق بين المتنافسين .
– المركز المالي للمؤسسة و ملائمتها Solvabilité ومدى توازن هيكلها المالي .
– حجم القرض المطلوب ومدى وجود تناسب بينه وبين دخل المقترض وكذا ملائمته للغرض المعلن عنه .
– مدة القرض , فكلما قصرت المدة كلما ساعد ذلك على التقدير الأمثل للمخاطر المحيطة به
– الضمانات المقدمة , ومدى ملائمتها وإمكانية مراقب
: أهمية تحديد أهداف البنك التجاري:
ترجع أهمية تحديد أهداف البنك التجاري إلى تأثيرها على تشكيل السياسات الخاصة بالأنشطة الرئيسية التي تمارسها البنوك والتي تتمثل في :
– قبول الودائع.
– تقديم القروض.
– الاستثمار في الأوراق المالية .
نجد أن السياسات الرئيسية لتقديم القروض ( والتي تعرضنا لها عند الحديث عن النظريات المفسرة لنشاط البنوك التجارية ) قد تشكلت على ضوء الأهداف التي سبق ذكرها وهي:الربحية, السيولة والأمان
فالسياسة التقليدية (التجارية ) التي تقتضي الاقتصار على تقديم قروض قصيرة الأجل تعد في الحقيقة نتيجة للتمسك بهدف السيولة , ذلك على أساس أن الجانب الأكبر من الودائع هو ودائع تحت الطلب لذا يجب أن تستثمر في قروض قصيرة الأجل , أما تشجيع القروض
الموجهة نحو شراء أو إنتاج سلع حقيقية بدلا من إقراض المستهلكين فهو نتيجة لهدف الأمان, إذ أن الأموال المقترضة حسب مؤيدي هذه النظرية يجب توجيهها إلى إنتاج سلع حقيقية يمكن بيعها إذا ما فشل العميل في الوفاء بالتزاماته.
أما بالنسبة للاتجاه الحديث الذي يقضي بتقديم قروض طويلة الأجل إلى جانب قروض قصيرة الأجل فهو لا بهمل هدف الأمان إذ أنه يشترط أن يكون القرض موجها إلى أنشطة من المتوقع أن يحقق عائدا كافيا لتسديد خدمة القرض , بالإضافة إلى ذلك فإن هذا الاتجاه يستجيب
لهدف الربحية إذ أن إصرار البنك التجاري على تقديم قروض قصيرة الأجل فقط يؤدي إلى إبقاء جزء من موارده في صورة نقدية لا عائد لها ,في الوقت الذي توجد فيه فرص استثمارية مربحة في السوق لا يستغلها .
المطلب الثالث: التعارض بين أهداف البنك التجاري:
عند التمعن في أهداف البنك التجاري: الربحية, السيولة, الأمان نلاحظ التعارض الواضح فيما بينها لذلك يعتبر التوفيق بينها مهمة صعبة لإدارة البنك التجاري.
فمثلا يمكن للبنك أن يعظم ربحيته بالتركيز على استثمار موارده في إعطاء قروض تدر عائدا مرتفع غير أن مثل هذه الاستثمارات عادة ما تكون ذات مخاطر كبيرة (لتبرير الفائدة المتعاقد عليها) وبالتالي قد ينجر عنها خسائر ضخمة لا يستطيع البنك تحملها ومنه المساس بمبدأ الأمان.
ويمكن أيضا أن يحاول البنك تحقيق أقصى درجة من السيولة و هذا بالاحتفاظ بالجانب الأكبر من موارده المالية في صورة نقدية غير أن هذا يؤثر سلبا على الربحية لأن النقدية لا تدر عوائد .
ويرى بعض المفكرين الاقتصاديين ( ) أن هذا التعارض بين الأهداف الثلاثة يرجع إلى تعارض بين أهداف طرفين أساسين من الأطراف المعنية بشؤون البنك وهما: الملاك والمودعون.
فالملاك يأملون في تحقيق أقصى عائد وهو ما قد يؤثر سلبا على مستوى السيولة ودرجة الأمان, أما المودعون فيأملون في أن يحتفظ البنك بقدر كبير من الأموال السائلة وأن يوجه
موارده الحالية إلى استثمارات تنطوي على حد أدنى من المخاطر , وهو ما يترك أثرا عكسيا على الربحية .
ويمكن تقسيم المشاكل التي تواجه المصرفي عند محاولة التوفيق بين اعتبارات السيولة, الربحية والأمان إلى ثلاث مجموعات من المشاكل:
1- مشاكل تتعلق بتقدير النقد اللازم للاحتفاظ به كاحتياطي إضافي ( خاص ) لمقابلة التزامات المصرف نحو عملائه .
2- مشاكل تتعلق بالتعرف على درجة سيولة استخدامات المصرف , منها ما يتعلق ببعض القروض خاصة في ظروف الضيق الاقتصادي حيث لا يمكن تحديد- بدقة – ما إذا كان العميل سيسدد ما عليه أم لا , وكذلك عندما تكون الضمانات المرافقة لطلب القرض متخصصة حيث ويندر الطلب عليها في السوق في حالة ما إذا أراد المصرفي تصفيتها .
3- مشاكل تحديد أفضل هيكل بين مصادر الأموال واستخداماتها وذلك لأن درجة سيولة الاستخدامات تتوقف على الحالة الاقتصادية السائدة ( كما سبق ذكره), كما يصعب تقدير الالتزامات بدقة من واقع عناصر المركز المالي وحدها.
وفي الأخير ندرج شكلا توضيحيا لأوجه النشاط الأساسي لبنك تجاري ومحاولة التوفيق بين السيولة والربحية خدمة للتنمية
يتمثل دور البنك التجاري في القيام بدور الوساطة بين المدخرين (المودعين) والمقترضين, كما أن له دورا هاما في خلق النقود وهي الوظيفة التي ينفرد بهاو عن باقي الوسطاء الماليين.
لقد كان نشاط البنك التجاري موضوعا للعديد من النظريات الاقتصادية التي حولت إعطاء تبرير لاختياراته وتطور هذه الإختيارت عبر التاريخ.
ظهرت أهم الاختلافات بين هذه النظريات في توسيع (أو عدم توسيع) القروض الممنوحة من طرف البنوك التجارية إلى القروض المتوسطة وطويلة الأجل.
وعلى العموم فإن نشاط البنك التجاري سيسعى لتحقيق ثلاثة أهداف وهي:
تعظيم الربحية , وتوفير أقصى حد من السيولة , وتحقيق الأمان للمودعين .
وتلعب هذه الأهداف دورا بارزا في تشكيل سياسة البنك التجاري في مجال تقديم القروض. كما يلاحظ على هذه الأهداف التعارض الواضح فيما بينها , فمثلا :
زيادة السيولة يمكن أن يكون هدفا مرغوبا فيه من طرف المودعين بينما له أثر عكسي على الربحية مما لا يرضي ملاك البنك, لهذا يسعى البنك التجاري إلى التوفيق بين أهداف المودعين وأهداف الملاك.