كيف تُحَسَن تفكيرك
أمامك الفرصة المواتية لتحسن فكرك، إذا ما اقتنعت بأن الانسان يستطيع أن يطور شخصيته في أي عمر، وفى جميع الظروف والأحوال ،وإذا ما اَتبع الوسائل الفعالة في تطوير فكرة ولعلنا نقوم فيما يلي بتقديم الوسائل التي يتسنى لك عن طريقها تحسين طريقتك في التفكير، والارتفاع بمستواه، وجعل تفكيرك مثمرا نافعاّ لك ولغيرك ممن يتأثرون بشخصيتك . والوسائل هي:
أولا:- وسع نطاق فكرك. فالواقع أن الغالبية العظمى من الناس، يحْصرون أذهانهم في نطاق ضًيق فلا يشغل تفكيرهم سوى حيزَ ضيق من الموضوعات التي تستولي على اهتمامهم، وتستأسر بنشاطهم الذهني. فمثلاً تجد أن التاجر يَحْصر اهتمامه في الحسابات والشن التجارية، وتجد الطالب يَحْصُر ذهنه في نطاق المناهج الدراسية التي سوف يُمتحن فيها في أخر العام الدراسي .
وقِسْ على هذا معظم الناس . فهم أسرى نطاق ضَيًق من التفكير، لا يخرجون عن اطاره. فإذا كنت سجين نطاق ضَيًق من التفكير،فإن عليك أن تحاول الانعتاق منه، وأن تَفُك إسَارك بنفسك، وذلك بأن تغزو أفاقاً جديدة، وتتلبسً باهتمامات لم تكن تشغل جانباً من جهدك الذهني . لماذا لم تفكر في مجال جديد تضيفها الى هواياتك السابقة ؟ إنك كلما أطْلت على الوجود من حولك، من أكثر من نافذة أعنى نافذة اهتمامك الحالي الذي سجنت فيه شخصيتك ـ فإنك سوف تُطِل على الوجود الرحب ، وتشاهد فيه مناظر جديدة تٌشيِع السرور في قلبك، وتُضْفى عليك بهجه وسعادة ، وتجعل للحياة روعة ونضارة .
ثانياً:ـ تحرر من إسار الكسب المادي ولا تَربط بين أنشطتك وبين زيادة دخلك. فالواقع أن ما يُقَيًد المرء ، ويَحُولَ بينة وبين غزو مجالات نشاطية جديدة ، هو تساؤله بينه وبين نفسه ، أو بينه وبين ذويه ،عن العائد المادي الذي سوف يحصل عليه إذا مارس هذا النشاط. بيد أن الواقع في دخيلتك من الاستعدادات كنزا دفيناً، لا يتصل بالضرورة بما يمكن أن يعود عليك بالربح الوفير، أو بأي ربح كبير أو ضئيل، بل ربما يُكَلًفك الإنفاق عليه بغير إحراز أي عائد ما يعود عليك من ممارسته، وهو استخراج مكنونات ذلك الكنز المتمثل في تلك الاستعدادات والمواهب الدفينة في قوامك النفسي، واستثمار في واقع حياتك السلوكية، وبذا فإنك ترتفع بمستوى تفكيرك، وتقف على ما يمكن أن تَشُقَّه من مجالات جديدة لم يسبق لك أن خضتها، أو اقتربت منها.
ثالثاً:ـ الاطلاع اليومي. لا تكتفي بمشاهدة التليفزيون ، والاستماع إلى الراديو ، بل لابد أن تنفق بعض الوقت كل يوم في القراءة ، ومهما قلت لي أن المواد التي تعرضها شاشات التليفزيون وتُقَدَّمها الإذاعات القومية والعالمية، كثيرة ومفيدة ، فإني أقول لك أنه لا غنى عن القراءة. ولكي تقرأ، فإن عليك أن تختار بعناية، المواد التي تطَّلع عليها، ولا يكفى أن تتصفح الجرائد والمجلات، بل لابد من الانكباب على كتاب ثقافي من الكتب الثقافية ذات المستوى الرفيع، وأن تستمر في قراءته من أوله إلى أخره. لا تهم المدة التي تقضيها في قراءته بل المهم أن تُمَرَّن نفسك على قراءة الكتاب الثقافي الذي تختاره بنفسك، من أول صفحة حتى أخر صفحه. من المؤسف أن معظم الناس المثقفين لا يقرءون الكتاب الذي يتحمسون لقراءته بأكمله، بل ما يكادون يبدؤون في قراءة بعض صفحات، حتى يتركونه للبدء في قراءه كتاب أخر. دون أن يرجعوا إلى الكتاب الأول مرة أخري. وهكذا يستمرون في حياتهم كلها لا ينتهون من قراءة أي كتاب بأكمله، فإن أردت أن ترتفع بمستوى تفكيرك، فلابد لك من الإلمام بالكتاب الثقافي الذي تختاره بنفسك وتشتريه بنقودك ، وبذا فإنك تكتسب منهج المؤلف الذي التزم به في تفكيره عن طريق تفاعلك مع مضمون كتابه ، فيرتفع مستوى تفكيرك ويَنشْط ويتحسن.
رابعاً: واكب بين القراءة والكتابة. فلكي يتحَسَّن مستوى تفكيرك، فلابد لك من التمرُّس بالكتابة، بالإضافة التمرُّس بالقراءة. ومن المعروف أن القراءة إدراك بصري، بينما الكتابة مهارة يدوية. وحبذا لو اقتنيت كمبيوتر شخصي، وتدربت على الكتابة سليمة بواسطته بالطريقة السليمة، أعنى طريقة اللمس بأصابعك العشرة، وخصصت بعض الوقت كل يوم للكتابة عليه، ملخصاً بذهنك ما قمت بقراءته، وصابغاً قراءاتك بصبغتك الشخصية، بحيث لا تتقيد بنص ما قرأته، بل تضيف إليه أو تحذف منه كما تشاء. لكي تُدَرَّب نفسك على أن تعبر عن شخصيتك، ولكي ترتفع بمستوى تفكيرك. أليس الارتفاع بمستوى تفكيرك وتحسينه يستحق أن يكون هدفاً لذاته؟ أعلم يا صديقي أنه لا فكاك من ممارسة التفكير، سواء أردت أم لم تُردِ، وسواء عملت على الارتفاع بمستوى تفكيرك، أم تقاعست عن ذلك، وظللت على مستواك الحالي. فما دام الأمر كذلك، وما دمت تمارس التفكير في جميع الأحوال، حتى في أثناء انخراطك في النوم، فلماذا لا تحاول أن ترقى بمستوى تفكيرك، وأن تصل به بمستوى عقلي مرموق؟ انك كلما ارتقيت بمستوى تفكيرك، وعملت على تحسينه باستمرار، فإن الدنيا سوف يكون لها مذاق أفضل في نظرك من مذاقها الحالي، كما انك سوف تُفْعَم بالثقة بالنفس، بل وسوف تفتح أمامك أبواب ومنافذ جديدة، لم تكن تتخيل أنها موجودة، لان مستوى تفكيرك لم يكن يسمح لك بالوقوف عليها، ولكنك بتحسين طريقتك في التفكير، سوف تكتشفها وتقف على أسرارها وخباياها.
خامساً: تخلص من الركامات النفسية. إن وسيلة التنفيس عما كُبِت في دخيلتك، وطرده من لا شعورك، والتخلص منه هو إتباع تكنيك الاستبطان (Introspection). فكلما غُصْت في أعماقك الداخلية وركزت ذهنك في قوامك النفسي واستخرجت ما كان غائباً عن ذاكرتك من مكبوتات تحتل لفائف لا شعورك الداخلي، فإنك تستطيع إذن أن تعمل على خنق تلك الركامات المكبوتة في دخيلتك. واعلم يا أخي أن تلك الركامات التي كُبِتت في قوامك النفسي الداخلي، أشبه ما تكون بالأسماك. فإذا ما استطعت أن تخرجها، وتطفو بها من نطاق اللاشعور إلى نطاق الشعور فإنها تختنق، ولا يكون لها تأثير بعد ذلك في سلوكك الذهني، سلوكك الاجتماعي على السواء، ولا تعمل على إعاقة تفكيرك والحيلولة دون رقيه.