كيف نشيع ثقافة الحوار داخل الأسرة؟
الأسر الناجحة هي الأسر التي تبني ركائزها ولبناتها على التفاهم العميق بين أعضائها ومعرفة الظروف والمستلزمات والحاجات والرغبات والطموحات لكل منهم…
والحوار البناء من أعظم وسائل تحقيق ذلك فهو لغة التواصل الأعمق أثرا وأكثر كفاءة في هذا الجانب…
عديد من الآباء ينظر إلى المنزل على أنه محطة تتوقف فيها المحركات استعدادا لرحلة جديدة في عالم لا يكون إلا خارج أسوار المنزل وبعيدا عن أعضاء الأسرة… لن يكون هناك حوار أسري ما لم ننظم أوقاتنا بحيث نولي أسرتنا : الزوجة .. الأبناء و البنات .. الأم.. الأب.. رعاية خاصة .. نتحاور معهم.. نستغل المشكلات كمواقف تعلم نغرس فيها من خلال قيادتنا الأسرية مبادئ الحوار وثقافته وأدبياته… لا لأحادية الرأي القاطع ومصادرة الآراء المعارضة لنا…
نناقش موضوعا ما فنستثير جميع المعنيين بالموضوع وبأسلوب رصين خال من النقد ” وأعني به نقدنا الحالي الذي يتضمن كل شيء إلا أن يكون بناء ” متجنبين التوجيه المباشر، أو العتاب أو القسوة مراعين فيه اختيار الألفاظ والعبارات المناسبة لشخصية من يقف أمامنا بلا استهزاء أو تجريح أو استحضار لأخطاء وسقطات سابقة تم مناقشتها والتحاور فيها… ننمي فيهم من خلال ممارستنا العملية حسن الإنصات فننصت لهم ونتفاعل معهم ونساعدهم في التنفيس عما بداخلهم. نرسل لهم رسائل في مواقف الحوار تراعي خصائصهم ومستويات تفكيرهم واستيعابهم، تكون خالية من التشويش وإمكانية اللبس وسوء الفهم أو التأويل…
إذا كنا بحاجة ماسة لغرس قيم الحوار في أسرنا فنحن بحاجة أكبر لتنظيم وقتنا بحيث يكون لدينا متسع لنحاور أبناءنا… ولتعلموا أن كثيرا من المشكلات النفسية تم القضاء عليها في مهدها بإتباع الحوار أسلوبا في التعامل و المعالجة… وبنسبة أكبر وللأسف… مشكلات تفاقمت وتعاظمت وأسر تفككت وأبناء وبنات ضاعوا أو انحرفوا بسبب غياب لغة الحوار أو انخفاضها في الأسرة.
ولنحذر في التعامل والحوار الأسري أن يكون مسار الأوامر عموديا ولنركز على شبكية التواصل و الشورية ونستعيض عن أهمية الإقناع وتأكيد أفكارنا والسعي لأن يؤمن بها الآخرون أو على الأقل ألا تجد معارضة لديهم… بالتركيز على فهم وجهات النظر وخبايا الأمور مستندين إلى أهمية أن نعامل أفراد أسرتنا ومجتمعنا بما نحب أن نعامل به ، واضعين أنفسنا مكانهم في كل موقف، محسنين الظن بتصرفاتهم حتى يتبين الحق جليا، وعلينا استغلال المواقف الأسرية المختلفة في التدريب على اختيار الأوقات المناسبة للحديث والكلام وأوقات الصمت والإصغاء والبعد عن الاستنتاجات المسبقة والحلول الجاهزة ممتزجا ذلك كله بضبط دقيق لانفعالاتنا ليكون حوارا بناء بكفاءة عالية.
ويبقى عنصر مهم نحن ملزمون بالإشارة إليه… وهو أن تبني الحوار في تعاملاتنا قيمة تنمو أو تتضاءل بدواخلنا قبل أن تكون من وسائلنا في التواصل مع الذات والآخرين… وهذا يقودنا إلى التأكيد إلى أنها وكأي قيمة نسعى لغرسها وتنميتها في ذواتنا تحتاج إلى مراحل من التبصر بها والتوعية بعناصرها وفهمها وممارستها في مرحلة التطبيق والتقويم لتكون مرحلة التعزيز الداعمة لاستخدامها كنموذج تعاملي رائع في الحياة…
ولنعلم أن العلم بالشيء لا يعني بالضرورة الشيء نفسه …