عندما نجرى قراءة فى تاريخ العالم، وتحليل وحصر خسائر تداعيات الكوارث والأزمات التى مرت بها مناطق جغرافية كبيرة، نجد أن أكبر اقتصاديات العالم لم تصمد أمام الأوبئة، وتتكبد فاتورة خسائر مباشرة وغير مباشرة تقدر بمئات المليارات من الدولارات، خاصة الأوبئة المعقدة التى تمتد آثارها الصحية لحصد أرواح الكثير من المواطنين، وتؤثر اقتصاديًا واجتماعيًا، وتعيد ترتيب أولويات الانفاق الحكومى، للتوسع فى الاستثمار فى التعليم والصحة، والاستثمار فى البنية التحتية.
وجاءت جائحة كورونا لتؤكد أن فاتورة الخسائر الاقتصادية لأكبر 10 اقتصاديات فى العالم، كبيرة، لتصل إلى عدة تريليونات – التريليون 1000 مليار – من الدولارات، وتشمل حزم انقاذ اقتصادى ومحفزات لدعم المواطنين والأعمال المتضررة من فيروس “كوفيد 19”.
ونجد أن الاقتصاد الأكبر فى العالم، وهو الولايات المتحدة الأمريكية، الذى يقدر حجم الناتج المحلى الإجمالى لها بنحو 20 تريليون دولار، تلجأ هناك وزارة الخزانة الأمريكية، إلى عمل مجموعات من المحفزات الشاملة لـ3 أشهر قادمة، باقتراض 3 تريليونات دولار، من أجل دعم وتعويض الأفراد والأعمال جراء ما تكبدته من خسائر ناتجة عن جائحة فيروس كورونا العنيفة، حيث يقدر مجموع ديون الحكومة الأمريكية الحالى إلى 25 تريليون دولار.
وعندما نجرى قراءة فى تقديرات وزير المالية المصرى، الدكتور محمد معيط، بشأن أن خسائر شهر واحد فى مصر جراء فيروس كورونا تتخطى الـ 100 مليار جنيه، نجد أن تلك الأموال تتعلق بإيرادات الدولة التى لم تحصل من مصادرها من أنشطة الأعمال والاقتصاد من الشركات والأفراد، ولكن تحرص مصر على الاستمرار فى دعم المواطن والاقتصاد بقطاعاته المختلفة.
وإيرادات الدولة تمثل مجموع الأموال التى تحصلها الدولة خلال العام سواء فى شكل ضرائب أو رسوم أو منح أو أرباح الشركات والهيئات التى تمتلكها أو تساهم فى ملكيتها الدولة.
وتعتبر الإيرادات الضريبية والتى تصل نسبتها إلى نحو 75% من إيردات الدولة، هى العنصر الرئيسى من موارد الدولة التى تعول عليها الحكومة فى تنفيذ خططها نحو تحسين أحوال المواطنين وتوفير الحياة الكريمة لهم.
ونجد أن قطاعات هامة من الأنشطة الاقتصادية للدولة، مثل السياحة وأنشطة أعمال الشركات، والتى تدر إيرادات ضريبية، هى الأكثر تضررًا من فيروس كورونا.
وتتعد أوجه الضرر من فيروس كورونا خاصة على الإيرادات الضريبية، فى شكل ضرائب كسب العمل وضريبة الدخل وأرباح الشركات نتيجة تأثر حجم الأعمال من الإنتاج من السلع والخدمات، وضرائب على أنشطة للسياحة والطيران بسبب ظروف فيروس كورونا المستجد.
وعلى الرغم من تأثر إيرادات الدولة نتيجة فيروس كورونا، إلا أن الإجراءات التى تتخذها الإدارة المصرية، تؤكد على مساندة ودعم المواطن والقطاعات الاقتصادية المتضررة عبر حزم من الإجراءات بقيمة تصل إلى 100 مليار جنيه.
وأتاح برنامج الإصلاح الاقتصادى الذى نفتده مصر على مدار 3 سنوات من 2016 وحتى 2019، قدرًا من الصلابة للاقتصاد المصرى فى مواجهة تداعيات أزمة فيروس “كورونا” المستجد، حيث اتخذت الحكومة سياسة استباقية لإدارة الأزمة بشكل سريع، من خلال توفير حزمة مالية مساندة للاقتصاد المصرى تبلغ نحو 2٪ من الناتج المحلى الإجمالى لمصر.
وفى إطار دعم قطاع الصناعة تشجيعًا للإنتاج المحلى، تم تخفيض أسعار بيع الغاز والكهرباء للأنشطة الصناعية الذى تتحمل قيمته الخزانة العامة للدولة ويقدر بنحو 10 مليار جنيه، حيث تستهدف تلك الخطوة استمرار عجلة الإنتاج بالمصانع مع الالتزام بكل الإجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية.
وأيضًا شملت الإجراءات الالتزام بزيادة الاستثمارات الحكومية سوف تشهد زيادة غير مسبوقة خلال السنة المالية القادمة 2020 – 2021 بمخصصات مالية تقدر بنحو 280 مليار جنيه، ليكون الاقتصاد المصرى فى وضع متماسك وقوى فور تجاوز أزمة كورونا لضخ استثمارات تسهم فى دفع النشاط الاقتصادى وزيادة فرص العمل.
وتبدأ الموازنة العامة الجديدة للدولة للسنة المالية 2020 – 2021 ، بالعمل على تحسين مستوى معيشة المواطنين، ودعم الاقتصاد فى مرحلة ما بعد كورونا بتحسين جودة الخدمات العامة، وتعزيز الحماية الاجتماعية، بموازنة تاريخية بإجمالى مصروفات يبلغ نحو تريليون و 710 مليارات جنيه، وإيرادات نحو 1.3 تريليون جنيه.
وتستهدف الموازنة الجديدة تحسين أجور العاملين بالدولة والارتقاء بأحوالهم، حيث تم تخصيص 335 مليار جنيه للأجور بزيادة قيمتها 34 مليار جنيه عن العام المالى الحالى، واستيفاء نسب الاستحقاق الدستورى للصحة والتعليم الجامعى وقبل الجامعى والبحث العلمى، حيث تبلغ مخصصات الصحة 95.7 مليار جنيه بزيادة 23.4 مليار جنيه عن العام المالى الحالى، كما تمت زيادة مخصصات التعليم بـ 46.7 مليار جنيه، والبحث العلمى بـ 7.8 مليار جنيه.