عرف الإنسان المحاسبة Accounting منذ بدء الحضارة الإنسانية، فلقد مرت الحركة التجارية بمراحل عدة، وذلك تبعاً لتطور الحضارة الإنسانية، و توسع الأعمال، لذلك تعتبر المحاسبة قديمة قدم التاريخ، فلم تبرز أي حضارة إلا وكانت المحاسبة أحد ركائزها الأساسية، وفرع هام ومرموق من فروع المعرفة، فالمحاسبة بمفهومها العلمي المعاصر تعتبر أحد فروع العلوم الاجتماعية، كما أنها تشترك مع العلوم التطبيقية في جوانب كثيرة، و الإنسان بصفته كائن بشري يهتم بمعرفة كل ما يحيط به، لذا نجده يهتم بالمحاسبة بمفهومها البسيط منذ القدم، و منذ ممارسته للأشكال البدائية، و البسيطة من النشاط الاقتصادية، هذا وقد حظيت المحاسبة بالاهتمام لعدة أسباب، منها أنها:-
– لغة المال ولسان حاله فهي وسيلة من وسائل توصيل المعلومات وتتمثل رموزها في الأرقام والكلمات وقواعدها تنحصر في إعداد كافة البيانات والمعلومات المتعلقة بالمنشأة.
– تمثل سجل تاريخي مالي للمنشأة .
– تؤثر المحاسبة تأثيرا جوهريا في اتخاذ القرار للمنشأة أو المجتمع عل السواء.
كان لا بد من المقدمة السابقة حتى أبين الأهمية التاريخية التي اكتسبتها المحاسبة منذ قديم الأزل، وحتى تكون المدخل لاستعراض المراحل التاريخية لتطور المحاسبة، حيث أن المحاسبة لم تنشأ من فراغ، وإنما نشأت وتطورت كحاجة ملحة لتلبية احتياجات المجتمع من المعلومات لاتخاذ القرار وتطورها، لم يحدث فجأة، أو دفعة واحدة.
ويمكن إن نقسم تطور المحاسبة إلى ثلاث مراحل:
1- المرحلة التمهيدية ما قبل عام 1494م، ويطلق عليها مرحلة ما قبل القيد المزدوج.
2- المرحلة الفضية من 1494م إلى 1775م، ويطلق عليها مرحلة القيد المزدوج.
3- المرحلة الذهبية من 1775م حتى الآن، ويطلق عليها مرحلة التنظيم المهني.
المرحلة الأولي – المرحلة التمهيدية ما قبل عام 1494م:-
تسمى هذه الفترة بـ”فترة ما قبل القيد المزدوج”Double Entry ، حيث كان السائد استخدام طريقة “القيد المفرد”Single Entry ، كأساس لإمساك الدفاتر.
فقد كان أفراد المجتمع في العهود البدائية يعيشون على عمليات الصيد، و الحصول على المواد الغذائية بطريقة جماعية، و من ثم ظهر عهد التخصص في الحرف و المهن، ومعها بدأت الحاجات تبرز ليتبادل الناس إنتاجهم مع بعضهم بعض، مما مهد لظهور “نظام المقايضة”، و بعد ذلك ظهرت وحدات القياس، و اختراع الطباعة، و بدأ الإنسان يدون ماله و ما عليه بطريقة تتناسب مع ثقافته و حجم معاملاته.
وعندما تعددت المبادلات التجارية، واختفى نظام المقايضة، وظهرت النقود كان لابد من تطور المحاسبة، فاستخدمت الدفاتر لإثبات قيمة العمليات التجارية، ورأى التاجر أو صاحب المحل التجاري أنه لابد وأن يتعامل بالبيع الأجل، والذي يتطلب إثبات ذلك في الدفاتر، فاستخدم دفتر ليومية بشكل بدائي يفي بحاجته، و كان يستطيع معرفة نتيجة أعماله عن طريق الزيادة أو النقص في قيمة موجوداته نقص في تاريخ معين.
لذلك نستطيع القول أن هذه الفترة فقد تميزت بالعديد من التطورات، التي مهدت إنشاء المحاسبة، وفيما يلي استعراض موجز لها:
1- بروز العقلية الرأسمالية -:Capitalistic Spirit يعتبر الدافع الرئيسي لقيام أي نشاط هو تحقيق ربح، وهذا ما شكل العقلية الرأسمالية، فالنقوش والآثار إلى ما قبل 1500 ق.م تدل على تواجد طبقة من التجار في الحضارات القديمة لكل من اليمن ومصر وبابل .
2- تطور الكتابة والحساب Writing and Arithmetic:- كانت الكتابة أحد المقومات الأساسية للحضارات القديمة، فالحضارة اليمنية اعتمدت على خط المسند، وارتكزت الحضارة الفرعونية على الحروف الهيروغليفية، والحضارات البابلية و السومرية والأشورية اعتمدت على الكتابة بالصور، وأما الحساب فقد استخدم اليمنيون القدامى نظام مميز للعد والحساب، اعتمد على الحروف، واستخدم المصريون نظام العد بالعشرات بدون الأصفار، وأما البابليون فقد طوروا علم الهندسة والحساب، واستخدموا رمزاً يعبر عن الصفر، وأخر يعبر عن العلامة العشرية، والحضارة الإسلامية طورت العمليات الحسابية والأرقام العربية .
3- ظهور النقد Money كوسيلة للتداول:- ساهمت النقود بشكل أساسي في تطور المحاسبة، حيث كانت في صورة معادن ثمينة كالذهب والفضة، تقاس بها كافة المعاملات التجارية، ولقد عرف قدماء اليمنيون النقود في عهد الدولة القتبانية، وذلك واضح في قانون سوق تمنع عاصمة الدولة.
هذا وسوف نحاول التعرف على نشوء و تطور المحاسبة خلال الحضارات البشرية المختلفة و منها ما يلي:-
– المحاسبة في ظل الحضارة الأشورية:- من المعروف أن ظهور المحاسبة في الحضارة الأشورية كان سابقاً لظهور النقود بفترة طويلة ،مما أصبح الأسلوب السائد التبادل التجاري هو “أسلوب المقايضة” ما بين القبائل و الأقوام والأفراد المنتجة والمستهلكة، و هذا في ظل وجود فائض في الإنتاج، باستخدام رموز معينة و نقوش و رسوم على بعض مواد البناء و الأوراق الزراعية.
– المحاسبة في ظل الحضارة البابلية:- تبين أن هناك تشريعات قانونية تنظم التعامل الاقتصادي من خلال ألواح من الطين ذات مقاسات مختلفة كانت تستخدم بمثابة سجلات محاسبية يشبه دفتر المسودة ليدون فيها عمليات المقايضة.
– المحاسبة في ظل الحضارة اليونانية:- يعتبر الإغريق أول من استخدم حسابات لقياس المدفوعات و المقبوضات أي المداخلات و المخرجات وقد اكتشفت بعض العمليات المحاسبية التي اعتبرت أساس المحاسبة في تلك الحضارة و التي بموجبها أصبح كل مدير منطقة معنية ملزما بإعداد حسابات يومية عن النشاطات و المعاملات التي تمارسها مقاطعته.ومما ساعد في تطور المحاسبة خلال هذه الحضارة هي ظهور النقود كوسيلة للتبادل التجاري و أساس للقياس المحاسبي.
– المحاسبة في ظل الحضارة الرومانية:- ان أهم ما يميز الحضارة هو اهتمامها بمسألتي التشريع القانوني من جهة، و التنظيم الإداري من جهة ثانية، و هاتين الناحيتين ذات علاقة مباشرة بتدقيق و تنظيم و إدارة أموال الدولة، و تنظيم شؤونها المالية من وارد و ضرائب و أوجه إنفاقها.
ظهرت في الصين إشكال معقدة من أنظمة المحاسبة الحكومية، يعود تاريخها إلى 2000 ق.م، تضمنت المحاسبة التاريخية والموازنات ووظيفة المراجع، وأما في بابل فقد شهدت ألاف القطع الفخارية على استخدام نظام إمساك الدفاتر.
– المحاسبة في الحضارة الفرعونية:- هناك في مصر كانت الرقابة على المخزون وراء إمساك السجلات، فتشير معظم الدراسات إلى أن أكثر الأنظمة المحاسبية القديمة تطوراً كان النظام الذي عرفه الفراعنة في مصر، حيث كان الكاتب المصري القديم يستخدم سجلات كمية لإحصاء ثروات الملوك والقياصرة والفراعنة، حيث نجد إن مرحلة الحضارة الفرعونية تعكس تطورا في النشاط للاقتصادي، و بالذات زيادة للإنتاج الزراعي، بما استوجب حفظ الكميات الفائضة عن الاستهلاك في مستودعات ومخازن خاصة بمختلف أصناف المنتجات، وهذا الواقع شكل سبباً رئيسياً لزيادة الأهتمام بعملية مسك السجلات، و تنظيم حركة المخزون من وارد و صادر و رصيد، الذي يشكل أساس نظام الجرد المستمر المطبق في الوقت الحاضر، كما إن الأهتمام بتنظيم ومراقبة حركة المخزون لم تعد مقتصرة على المحاصيل الزراعية، بل تعدته لتشمل الكنوز والثروات الأساسية والذهب وجميع ممتلكات الدولة في ذلك الوقت.
– المحاسبة في الحضارة اليونانية:- إما في اليونان فقد شملت المحاسبة تتبع رصيد أول الفترة والمقبوضات والمصروفات ورصيد أخر الفترة، وفيما يتعلق بالحضارة الرومانية فهناك ما يشير إلى احتفاظ العديد من العائلات بمجموعتين من الدفاتر، كما اتضح وجود سجل يومي للمقبوضات والمصروفات، وهناك اكتشاف في مصر عبارة عن سجل مكتوب على ورق البردي يعود تاريخه إلى أيام الاستعمار الروماني لمصر.
– المحاسبة في الحضارة الإسلامية:- فقد ساهمت الحضارة الإسلامية في تطوير العديد من فروع المعرفة في شتى المجالات، وكانت المحاسبة من نال القسط الوفير من ذلك، فقد كان “النبي صلى الله عليه وسلم” يوكل مهمة جمع الزكاة والصدقات لمن هم أهلاً للثقة، كان يحاسبهم، ويأمر بتسجيل ما يتم تحصيله وصرفه من الأموال” وكان “أبو بكر” يحاسب عماله بدقة، وكان “عمر بن الخطاب” يستقدم عماله مره كل سنه للمحاسبة، ومع نشوء وتطور الدولة الإسلامية (ما بعد عام 600 ميلادي) تطورت تطبيقات المحاسبة، حيث أنشأت الدواوين والأجهزة التي تهتم بالمال العام، ولعل أشهرها “بيت المال”، والذي أنشأه الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد أضفى ظهور الإسلام على النشاط الاقتصادي تطور كبير، بسبب الأحكام و المصادر الأساسية الأربعة التي استند عليها الإسلام في تنظيم و تطور الحياة الاقتصادية و الاجتماعية، وهي تتمثل في كلاً من:-
-الدستور بمثابة القرآن الكريم كشريعة للمجتمع الإسلامي.
-القانون بمثابة السنة النبوية الشريفة.
-القرارات و اللوائح تمثلها الأحكام التطبيقية للخلفاء الراشدين.
-التعليمات التفسيرية فقه العلماء.
كما ألزم الإسلام المتعاملون الماليون بكتابة الدين، وبيان أجله، وذلك مهما كان صغيراًً أو كبيراً، حيث قال تعالى:-
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُوْاْ أَن تَكْتُبُوْهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُواْ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } سورة البقرة الآية (282)، حيث وضعت آية الدين هذه عدة ضوابط لكتابة و إخراج هذا المستند منها:-
– يجب كتابة الدين و أجله ( فاكتبوه )
– كاتب الدين يجب أن يكون رجل عدل ذوا علم بكيفية كتابة الدين( وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله)
– يجب أن يدرج المدين أو وكيله بالسند المبلغ الذي استدانه بالكامل ويتق الله فيه ( و ليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئاً )
– ضرورة الاستشهاد برجلين أو رجل وامرأتان ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء )
– عدم الإستهانة في كتابة المبلغ سواء كان صغيراً أو كبيراً ( ولا تسئموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ) لاحتمال نسيانه، و إبعاد الشك و الريبة.
– لا بأس بعدم كتابة البيع الحاضر يداً بيد لانتفاء المحذور ( إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم )، وفيها تسهيل للمعاملات الحاضرة .
– وعلى كل حال من الأفضل توثيق الحقوق سواء كانت بأجل أو بدون اجل وهو من باب الإحتياط ( وأشهدوا إذا تبايعتم ) وهو الحاصل اليوم حينما تجد أنواع المواثيق أمامك وانت فرد عادي من فواتير الشراء و البيع وعقود الخدمات .
كما تطورت مهنة المحاسبة بشكل كبير في العصرين الأموي والعباسي، حيث ظهرت ما يعرف بـ”المنشورات المالية” ومن ذلك:
– إثبات جميع العمليات المالية من حيث الإجمالي والخصم والصافي بوضوح مع الدقة .
– كل عملية حسابية لا بد إن تكون مؤيده بالمستندات .
– تحفظ الأموال في خزائن خاصة مع تطبيق نظام الرقابة .
– اعتماد العمليات من المخولين بالاعتماد .
– مراجعة الحسابات من جهات أخرى موثوقة .
-جرد تفصيلي في نهاية كل فترة .
لن أطيل أو استرسل فالواضح إن الحضارة الإسلامية قد سبقت غيرها من الحضارات القديمة أو المعاصرة في وضع الأسس للمحاسبة المعاصرة.
– المحاسبة في العصور الوسطي:- هذا فيما شهدت العصور الوسطى بدايات نظم محاسبية لحصر موجودات المزارع، والتي يمتلكها الإقطاعيون في إنكلترا وتسجيل نفقات تلك المزارع وإيراداتها
وحتى بداية القرن العاشر الميلادي كانت السجلات المحاسبية بدائية، لا تزيد عن كونها مذكرات يثبت فيه التجار ومقرضو الأموال معاملاتهم المالية الآجلة مع الغير، بقصد إظهار ما يترتب على هذه المعاملات من حقوق والتزامات، أما العمليات النقدية فكان التاجر يخضعها لرقابته الشخصية دون الحاجة لتسجيلها، وقد أطلق فيما بعدد على هذا الأسلوب في تسجيل المعاملات المالية مصطلح “القيد المفرد”.
المرحلة الثانية – المرحلة الفضية من 1494م إلى 1775م:-
يرى كتاب الغرب إن عام 1494م هو تاريخ ميلاد المحاسبة المعاصرة، ويرى آخرون إن الميلاد الحقيقي يجب أن يقترن بنظام الحسبة الإسلامي، و بغض النظر عن من له الفضل في اكتشاف المحاسبة، فالواضح ان المعرفة في مجال المحاسبة تراكمية.
يعتبر عالم الرياضيات الايطالي Luca Pacioli أول من قدم وصف تفصيلي لقاعدة القيد المزدوج، كأساس لمسك الدفاتر، وذلك في عام 1494م، وقد ذكر أنه اعتمد على الطريقة الشائعة في مدينة البندقية، والتي يعود إليها الفضل في نشر أول كتاب محاسبي تعليمي متكامل.
وقد تميزت هذه المرحلة بصدور قوانين تنظم الأعمال التجارية، ففي فرنسا صدر قانون للتجارة البرية، والمعروف بـ”قانون سافاري” عام 1673م على يد القانوني الفرنسي “جاك سافاري”، حيث طالب بمسك سجلات محاسبية نظامية، وإعداد ميزانية عامة تكون بياناتها صحيحة وواضحة وشاملة، في عام 1675م أصدر “سافاري” كتاب باسم “التاجر الكامل”، ثم صدر قانون للتجارة البحرية عام 1681م.
وتتميز هذه المرحلة بالتالي :
– انتشار استخدام طريقة القيد المزدوج في دول أوروبا .
– الاهتمام بالمحاسبة كأداة لخدمة المنشأة فقط.
– ظهور سجلات لحسابات التكاليف في انجلترا .
– ظهور أول تطبيق للطريقة الانجليزية في المحاسبة .
– ترسيخ بعض المفاهيم المحاسبية كمفهوم رأس المال والربح وغيره.
المرحلة الثالثة – المرحلة الذهبية من 1776م وحتى الآن:-
يعتبر العصر الذهبي للمحاسبة، هو عصر الارتقاء إلى مستوى العلوم الاجتماعية المعاصرة، وعصر توسع اهتمام المحاسبة، وأهمية دور المحاسب، و ما ساعد في ذلك العديد من العوامل من أهمها :
1- قيام الثورة الصناعية:- ترتب على الثورة الصناعية التي بدأت بوادرها في النصف الثاني من القرن الثامن عشر الانتقال من نظام الإنتاج العائلي إلى نظام الإنتاج الكبير، وظهور شركات المساهمة، التي حققت نجاحاً كبيراً في مجال تجميع المدخرات الصغيرة لآلاف المساهمين، وانفصال الإدارة عن الملكية في شركات المساهمة، والحاجة إلى إعداد حسابات دقيقة وموثوق بها للمساهمين، وتقييم أداء الإدارة وإخلاء مسؤولياتها تجاه المساهمين، وبالتالي لتأكيد الثقة في ذلك كان لابد من اعتماد تلك الحسابات من محاسب قانوني معتمد.
وترتب على ظهور الشكل القانوني لشركات الأموال بشخصياتها المعنوية المستقلة عن الملاك إعادة النظر في مفهوم معادلة الميزانية، حيث انتقل الاهتمام من التركيز على مشاكل قياس المركز المالي للمنشاة، إلى المشاكل المحاسبية المرتبطة بقياس الدخل مثل أهلاكات الأصول، وتقييم المخزون، وتوقيت تحقق الإيراد، وتحديد المخصصات والاحتياطيات.
بالإضافة إلى ذلك فقد كان من أهم ثمرات الثورة الصناعية انتشار شركات السكك الحديدية، والتي تركزت استثماراتها في الأصول الرأسمالية، كما أدى إفلاس العديد من تلك الشركات بسبب المبالغة في توزيعات الأرباح، وعدم تحميل أرباح الفترة بأقساط الإهلاك اللازمة لاستبدال الأصول، إلى لفت النظر بضرورة التفرقة بين النفقات الرأسمالية والمصروفات الايرادية، وأهمية اخذ الإهلاك بصورة منتظمة عند احتساب قائمة الدخل.
كما ساهمت الثورة الصناعية في توجيه المحاسبة إلى مشاكل توزيع التكاليف غير المباشرة على مراكز التكلفة .
2- صدور قوانين ضرائب الدخل:- ترتب على إصدار العديد من الدول لقوانين ضرائب الدخل على الأشخاص الطبيعيين والمعنويين في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن ا لعشرين، إلى ترسيخ أقدام المحاسبة في مجال التحاسب الضريبي من ناحية، وتحسين الأداء المهني للمحاسبين من ناحية أخرى، فكما نعلم إن تحديد وعاء الضريبة ( الدخل الخاضع للضريبة ) يرتكز بصفة أساسية على الدخل المحاسبي .
3- ظهور المنظمات المحاسبية والمهنية:- بدأ الاهتمام بتنظيم شئون مهنة المحاسبة في النصف الأخير من القرن التاسع عشر، ويعتبر معهد المحاسبين المعتمدين في اسكتلنداICAS ، والذي تأسس عام 1854م، أول منظمة مهنية محاسبية، وتلاه معهد المحاسبين المعتمدين في انجلترا وويلز ICAEW في عام 1880م، أما المعهد الأمريكي للمحاسبين العموميين المعتمدين، والذي ظهر تحت مسمى “الجمعية الأمريكية للمحاسبين العموميين” AAPA ، والذي تأسس عام 1887م، وهذه المنظمات الثلاث أسهمت بشكل ملموس في تطور ونمو المعرفة المحاسبية، من خلال الأخذ على كاهلها مسئولية وضع قواعد مهنية ملزمة لأعضائها، وإصدار النشرات المحاسبية، بالإضافة إلى المنظمات السابقة فقد أسهمت العديد من المنظمات والمعاهد والجمعيات المحاسبية مهنيا وأكاديميا في تطوير المفاهيم والمبادئ والإجراءات المحاسبية وعلى وجه الخصوص المنظمات الآتية :
-جمعية المحاسبة الأمريكية .American Accounting Association (AAA)
– هيئة تداول الأوراق المالية .The Securities Exchange Commission (SEC
-مجلس مبادئ المحاسبة .The Accounting Principles Board (APB)
-مجلس معايير المحاسبة المالية.The Financial Accounting Standards Board (FASB)
-الجمعية الوطنية للمحاسبين .The National Association of Accountants
-مجلس معايير محاسبة التكاليف .The Cost Accounting Standards Board (CASB)
-المعهد الكندي للمحاسبين المعتمدين .The Canadian Institute of Chartered Accountants ( CICA)
-الاتحاد الدولي للمحاسبين .The International Federation of Accountant (IFAC) -لجنة معايير المحاسبة الدولية .The International Accounting Standards Committee (IASC)
4- إسهامات الإدارة العلمية:- كان لكتابات رواد الإدارة الأوائل Taylor و Gilbreths وغيرهم خلال الفترة الواقعة بين 1885 – 1920 تأثر كبير في نمو المعرفة المحاسبية، فقد كان واضحاً لرواد الإدارة العلمية أن للمحاسبة دوراً أساسياً في مجال قياس التكلفة والإنتاج وتقييم أداء الإدارة، ويمكن أن نلخص أهم الإسهامات التي قدمتها الإدارة العلمية للمحاسبة فيما يلي:-
– إرساء اللبنات الأولى للمحاسبة الإدارية ومحاسبة التكاليف وذلك من خلال أعمال كل من Garcke Fells و Hamilton Church في مجال محاسبة التكاليف المعيارية .
– استخدام الأساليب الرياضية والإحصائية في مجالات التطبيق المحاسبي المختلفة .
ومن دراسة التطور التاريخي للمحاسبة نستطيع أن نحدد بعض الحقائق المتعلقة بنشأة المحاسبة وتطورها:-
1-المحاسبة وليدة ظروف اقتصادية وقانونية واجتماعية، ولقد تطورت مع تطور الحاجة إلى البيانات المحاسبية لخدمة طوائف متعددة.
2-المحاسبة وسيلة وليست هدفاً، ولقد تطورت هذه الوسيلة في مراحل متعددة، فمنها وسيلة لخدمة أل أداره إلى وسيلة لخدمة المجتمع، ويجدر الأشارة هنا أن كل مرحلة من هذه المراحل ليست بدائل، وكل منها لا تحل محل الأخرى التي تسبقها، ولكنها في رأي مراحل مكملة لبعضها البعض، وتؤدي إلى زيادة مسؤولية المحاسب، فعليه أن يقدم البيانات اللازمة في الوقت، والقالب المناسب لكل طائفة من الطوائف التي تحتاج أليها.
3-أن تطور المحاسبة مع تطور الظروف الاقتصادية والاجتماعية، أدى إلى ظهور فروع متعددة فمن المحاسبة المالية إلى المحاسبة الإدارية بفروعها المختلفة، إلى المحاسبة الاجتماعية، والمحاسبة البيئية، وكل من هذه الفروع يخدم فئة من الفئات التي تحتاج إلى البيانات المحاسبية.