حوكمة الشركات ودورها فى علاج أمراض الفكر والتطبيق المحاسبى*
للدكتور /شوقى عبد العزيز الحفناوى
عضو هيئة التدريس بكلية التجارة – جامعة طنطا
لقد اكتسبت قضية حوكمة الشركات Corporate Governance أهمية كبيرة منذ انفجار الأزمة المالية الآسيوية فى العقد الأخير من القرن العشرين ، وزاد من أهمية هذه القضية ما اكتشف خلال السنوات القليلة الماضية من تلاعب وغش مالى وفساد ﺇدارى فى بعض الشركات الأمريكية الدولية العملاقة ، الأمر الذى أودى ببعضها إلى اﻹفلاس ، وماترتب على ذلك من خسائر فادحة لأصحاب المصالح المباشرة والاقتصادات القومية المعنية والاقتصاد العالمى .
ويرجع تزايد أهمية حوكمة الشركات باكتشاف الجرائم المشار ﺇليها ﺇلى أن الحوكمة تعتبر أحدث توجه عالمى ﻹحكام الرقابة على ﺇدارات الشركات لمنعها من ﺇساءة استعمال سلطاتها ، وحثها على حماية حقوق المساهمين وغيرهم من أصحاب المصالح ، وتحسين أدائها وممارساتها المحاسبية ، وتوفير الشفافية فى التقارير المالية وغير المالية الصادرة عنها . كما تؤدى الحوكمة الجيدة الفعالة ﺇلى الاكتشاف المبكر لانخفاض مستويات الأداء التشغيلى والمالى واﻹدارى ومستويات اﻹفصاح والشفافية بالشركات وعلاجه فور اكتشافه ، الأمر الذى يساعد على وقايتها من الانزلاق ﺇلى غيابات الغش والفساد ، ويجنبها والمؤسسات والأسواق المالية الكثير من الأزمات ، وهكذا تبدو لنا حوكمة الشركات علاجا و وقاءا ومقويا عاما للشركات.
و يهدف البحث بصفة أساسية ﺇلى تشخيص أهم الأمراض التى أصابت الفكر والتطبيق المحاسبى وتساعد على ارتكاب التلاعب والغش المالى والفنى والفساد اﻹدارى فى شركات المساهمة وغيرها من الشركات التى تنفصل فيها الملكية عن اﻹدارة . كما يهدف البحث إلى تطوير اﻹطار الفكرى لحوكمة الشركات ، بما يجعله أكثر وضوحا واتساقا وتكاملا من الناحيتين العلمية والعملية ، و أخيرا تحديد علاج أهم وأخطر أمراض الفكر والتطبيق المحاسبى .
أولا : أهم أمراض الفكر والتطبيق المحاسبى كما يراها ويشخصها الباحث :
1- الاختلال الأخلاقى Moral Hazard
ومصدره انتشار نظرية تكلفة الوكالة Agency Cost Theory فى المحاسبة منذ بدايات الربع الأخير من القرن العشرين
Jensen ,M.C. and W.H. Meckling (1976), Watts , R.L. and J.L. Zimmerman (1978,1979,1986)
وما أدت ﺇليه تلك النظرية من تصور وانتشار فكرة تعارض المصالح بين الفئات أو الأطراف المعنية بالشركة ، وبصفة خاصة المساهمين أو الملاك وﺇدارة الشركة عند انفصال الملكية عن اﻹدارة ، وﺇقرار تلك النظرية سعى كل فئة أو طرف لتعظيم منفعته الذاتية ولو على حساب غيره من الأطراف الأخرى ، وما ينشأ عن ذلك من صراع بين أطراف الشركة الواحدة أو الفئات المعنية بها.
2- انعدام الحسم فى بعض المعايير المحاسبية ومعايير المراجعة
ويظهر ذلك بوضوح فى اشتمال بعض معايير المحاسبةعلى معالجات مسموح بها أو بديلة للمعالجة القياسية ، وكذا المرونة الزائدة فى بعض معايير المراجعة .
ويجب ألا يفهم من هذا أن رأى الباحث ضد المرونة اللازمة لتطوير المعايير بما يتطلبه التطور فى الظروف المجتمعية العامة عبر الزمان ؛ فهذا أمر لابد منه . ولكن نحذر من المرونة الزائدة أو عدم الحسم فى المعيار , وهو ما يجعل للمعيار الواحد فى نفس الوقت أكثر من تطبيق بأكثر من نتيجة .
3- الاستشكال الفكرى
حيث نجد التركيز والاهتمام فى كثير من الكتابات المحاسبية العالمية والعربية الحديثة ينصب على المصطلحات والوظائف اﻹدارية أكثر من التركيز والاهتمام بالمصطلحات والوظائف المحاسبية بصورة تكاد تشعر القارئ بأن المحاسبين قد تخلوا عن دورهم الأساسى وهو القياس المالى لنتائج قرارات اﻹدارة والتقرير عنها للمساعدة فى ترشيد القرارات .. ﺇلى مشاركة اﻹدراة ليس فقط فى أداء وظائفها ، ولكن أيضا وبالدرجة الأولى فى أداء ماتريد!!!
وليس أدل على ذلك مما يعج به كثير من الكتابات المحاسبية الحديثة من ألفاظ غير محددة المفاهيم ، وأقرب ﺇلى السياسات والمداخل اﻹدارية منها ﺇلى النظم المحاسبية بزعم أن نظم التكاليف ونظم المحاسبة اﻹدارية التقليدية لم تعد ملائمة لبيئة الأعمال الحديثة لما تشهده هذه البيئة من تقدم أساليب اﻹنتاج وحدة المنافسة العالمية .
ومن أكثر هذه التعبيرات انتشارا فى الفترة الأخيرة التكاليف على أساس النشاط – تحليل القيمة – هندسة القيمة – إدارة التكلفة – اﻹدراة الاستراتيجية للتكلفة التكلفة المستهدفة – اﻹدراة على أساس النشاط .
فما الحجة أو البرهان على القول بأن نظم التكاليف التقليدية لم تعد ملائمة لنظم اﻹنتاج الحديثة وظروف المنافسة العالمية مادامت هذه النظم التقليدية لم تقف عقبة فى سبيل تطوير نظم اﻹنتاج أو تحقيق المزايا التنافسية ، ولم تستخدم تلك الشركات بدلا منها أو معها نظما تكاليفية حديثة؟
ويحذر الباحث من أن هندسة القيمة وﺇدارة التكلفة واﻹدارة الاستراتيجية للتكلفة والتكلفة المستهدفة ، كل ذلك قد تستخدمه ﺇدارارت بعض الشركات لزيادة مساحة حريتها فى التلاعب وﺇدارة الأرباح من خلال تغيير مستويى قاع وشاطئ المحيط المحاسبى (التكاليف والأسعار) فيبدو منسوب المياه (الأرباح ) بالمستوى الذى تريده .
بعد أن ضاقت حريتها فى التلاعب بكمية المياه ودرجة صفائها ( كمية بيانات التقارير
المالية ودرجة شفافيتها ) بالقيود التشريعية وقيود المعايير المحاسبية فى مجالات
القياس واﻹفصاح وكذا معايير المراجعة ومعايير الحوكمة .
ومما لاشك فيه أن التلاعب بمستوى قاع المحيط أو مستوى شاطئه أشد مكرا و تضليلا من التلاعب فى كمية مياهه ودرجة صفائها .
كما يحذر الباحث من ﺇمكانية استخدام ﺇدارات بعض الشركات لتلك المفاهيم والمداخل المشار ﺇليها أو بعضها ليس فقط فى التلاعب والغش المالى ، بل أيضا فى التلاعب والغش الفنى فى عمليات التصميم واﻹنتاج للسلع والخدمات وذلك بهدف ﺇدارة الأرباح أيضا من خلال استخدام مواد أرخص أقل جودة أو أقل أمانا ، خاصة ﺇذا كانت تلك الشركات تتمتع بميزة تنافسية سعرية أو بميزة نوعية ( أى ليس لها منافس فى نوعية المنتج ) .
ومن الجدير بالذكر ان احتمال الغش الفنى يزداد ﺇذا كانت التكلفة المستهدفة منخفضة ﺇلى مستوى غير ممكن عمليا .
4- تعقد مقاييس الأداء
ﺇنه من المتفق عليه أنه كلما ارتبطت مقاييس الأداء بأهداف المنشأة ، وانخفض عدد هذه المقاييس ، وزادت بساطتها ، كلما كان ذلك أفضل لكل من العاملين والقائمين بالقياس ومستخدمى مؤشرات هذه المقاييس ، كما أنه من المتفق عليه أيضا أن مستوى الأداء التشغيلى يؤثر فى المؤشرات المالية وأن الربح هو المقياس الأساسى للأداء. فلماذا إذا البحث عن مقاييس أداء معقدة بدرجة تخل بوظيفتها و المناداة بتطبيقها ؟ هل لجعل عملية تقييم أداء الشركة من جانب مستخدمى المعلومات المحاسبية أكثر صعوبة بما يخدم المصلحة الذاتية للإدارة أيضا ؟
ثانيا : الإطار الفكرى لحوكمة الشركات ومقترحات تطويره
يرى الباحث أن الإطار الفكرى لحوكمة الشركات يتكون من تعريفها ، و أهدافها الرئيسية ، وأهميتها ، ومعاييرها ، و مقوماتها االأساسية ، و مبادئها ، و آليات تفعيلها على النحو التالى :
1- التعريف : يعرف الباحث حوكمة الشركات بأنها نظام لإحكام الرقابة بقدر الإمكان على إدارات الشركات .
2- الأهداف الرئيسية لحوكمة الشركات :
2/1. تأكيد مسئوليات الإدارة ، وتعزيز مساءلتها .
2/2 . حماية أصول الشركة ، وكذا حماية حقوق المساهمين ، وغيرهم من أصحاب المصالح، وتعزيز دورهم فى مراقبة أداء الشركة .
2/3. تحسين أداء الشركة وقيمتها الإقتصادية وقيمة أسهمها .
2/4. تحيسن الممارسات المحاسبية والمالية والإدارية فى الشركة .
2/5. تحقيق العدالة والنزاهة والشفافية فى جميع تعاملات الشركة وعملياتها .
3- أهمية الحوكمة
يرى الباحث أن أهمية حوكمة الشركات تتلخص فى أن فيها علاجا و وقاءا للشركات من التلاعب و الغش المالى والفنى و الفساد الإدارى والأزمات والإفلاس ، كما أن فيها مقويا عاما للشركات يحسن أداءها و يزيد قيمتها .
4- معايير حوكمة الشركات
4/1.الالتزام بالقوانين و القرارات الحكومية .
4/2. الالتزام بقرارات الجمعية العامة للمساهمين .
4/3. كفاءة وفاعلية الأداء فى تحقبق الهدف من تأسيس الشركة و أهدافها الاستراتيجية .
4/4. سلامة الممارسات المحاسبية والإدارية وفقا لقاعدة أفضل الممارسات .
4/5.دقة وموضوعية التقارير المالية وغير المالية واكتمالها ( شموليتها )، وشفافية الإفصاح ، وملاءمة توقيته .
5- المقومات الأساسية لحوكمة الشركات :
الإطار القانونى – الإطار المؤسسى – الإطار التنظيمى – روح الانضباط .
6- مبادئ حوكمة الشركات
المبادئ المتعارف عليها الصادرة عن منظمة التعاون الاقتصادى و التنمية .
7- آليات حوكمة الشركات :
هيئات الرقابة الحكومية على الشركات – الجمعية العامة للمساهمين – مراقب الحسابات – مجلس الإدارة ( بلجانه المختلفة وبصف خاصة لجنة المراجعة ولجنة الترشيحات ولجنة المكافآت ) – الإدارة التنفيذية .
ثالثا : علاج أمراض الفكر والتطبيق المحاسبى
مما سبق يتضح بجلاء أن علاج أمراض الفكر والتطبيق المحاسب السابق ذكرها يتلخص فيما يلى :
1- نشر ثقافة الحوكمة علميا وميدانيا داخل الشركات ، و إرساء وتفعيل مقوماتها ومبادئها، ورقابة تنفيذها والالتزام بمعاييرها والتقرير والافصاح عن مدى ممارستها.
2- نبذ فكرة تعارض مصالح الفئات المعنية بالشركة على المستويين العلمى والمهنى .
3- العمل على إسقاط مبدأ المنفعة الذاتية العاجلة ، وإعلاء مبدأ مصلحة الشركة دائما .
4- التخلى عن استخدام تعبير ” إدارة الأرباح ” لأن الأرباح تقاس ولا تدار ، و لأن ذلك التعبير ما هو إلا محاولة لإضفاء الشرعية على الغش و الاحتيال ليجتازا المرور من أمام أعين المراقبين .
_________________
*مقال علمى منشور بالعدد 30 من مجلة المحاسب التى تصدرها جمعية المحاسبين والمراجعين المصرية أكتوبر 2007 ص 26 إلى 28 , والمقال ملخص بحث منشور بالمجلد الثانى للمؤتمر العلمى لكلية التجارة جامعة الإسكندرية ، سبتمبر 2005 .