طبيعة الحاجه الي مفاهيم المحاسبه
تعتبر المحاسبة المالية وسيلة قياس وإيصال معلومات عن نشاط وأداء منشأة معينة. ونظرا لأن قياس نشاط وأداء المنشأة وإيصال نتائج هذا القياس قد يأخذ صورا متعددة تدعو الحاجة إلى تحديد مفاهيم المحاسبة المالية للمنشآت الهادفة للربح من أجل تعريف الخصائص الأساسية لعملية القياس والإيصال المحاسبي. وتكو ن مفاهيم المحاسبة المالية بالإضافة إلى أهداف القوائم المالية وحدود استخدامها الإطار الفكري المناسب لوضع معايير محاسبية ملائمة ومتسقة. ولكي تكون ملائمة يتعين على المعايير أن ترتبط ارتباطا وثيقا بأهداف القوائم المالية وحدود استخدامها. ولكي تكون متسقة مع بعضها البعض يتعين على المعايير أن ترتكز على مجموعة من المفاهيم المتكاملة للمحاسبة المالية. ومن ثم تعتبر مفاهيم المحاسبة المالية أحد أجزاء الإطار الفكري اللازم لإرشاد الجهة المسئولة عن وضع معايير المحاسبة المالية. ويشير مجلس معايير المحاسبة المالية الأمريكي إلى هذا الدور الهام لمفاهيم المحاسبة المالية فيما يلي :
“إن مفاهيم المحاسبة المالية مفاهيم عامة بطبيعتها، فهي ترتبط بتشابه الظروف الاقتصادية السائدة في المجالات المختلفة للأنشطة الهادفة للربح وفي الشركات المختلفة، ولهذا التشابه مغزى هام لأنه يشكل الأساس الذي ترتكز عليه المفاهيم الأساسية الشاملة، غير أن هناك – بطبيعة الحال – وجوها للاختلاف يتعين أن تؤخذ في الاعتبار، ومن أمثلتها الأنواع المختلفة من عقود التمويل ووسائله، والأنواع المختلفة من الموارد، والأنواع المختلفة من الالتزامات، والمتطلبات المختلفة للهيئات الحكومية والهيئات المختصة بالرقابة.
وتحتل معايير المحاسبة باعتبارها حلولا عامة لمشاكل محاسبية معينة مكانها بين المفاهيم الأساسية للمحاسبة المالية وفي الممارسة العملية. ولذلك يجب أن تسند معايير المحاسبة إلى مفاهيم راسخة حتى تتسم بالتجرد، وحتى تستطيع تقديم الحلول للمشاكـل ذات الطبيعة الخاصة في إطار الأهداف التي ترمي إليها التقارير المالية. ويستلزم تحقيق هذه الأهداف تحقيق عدة صور من التوازن: توازن بين المنفعة المفترضة مسبقا وقابلية التطبيق العملي ، وتوازن بين ملاءمة المعلومات وإمكانية الاعتماد عليها، وتوازن بين التكلفة والعائد. وتقع مسئولية تحقيق هذا التوازن بصوره المتعددة على عاتق الهيئة المسئولة عن وضع معايير المحاسبة المالية.
وللإطار المتكامل للمفاهيم المحاسبية أهمية متعددة الجوانب فهو يرسم خطا ثابتا للتفكير المنطقي الذي يعتبر أساسا لإيجاد الحلول – أو دستورا تسترشد به الجهات المسئولة عن وضع المعايير – كما أنه يؤدي إلى التقليل من عدد البدائل التي يمكن أن تتناولها الجهة المسئولة عن وضع المعايير بالدراسة، لأن بعض هذه البدائل يقع خارج نطاق الإطار الفكري لتلك المفاهيم، فضلاً عن أن ذلك الإطار يزود الجهة المسئولة عن وضع المعايير بأساس عام لمناقشة المزايا التي يحققها كل من البدائل الممكنة.
وليس من المتوقع أن تتكفل المفاهيم تلقائيا بوضع حلول نهائية للمشاكل ذات الطبيعة الخاصة. لأن الإطار المتكامل لمفاهيم المحاسبة المالية – كالدستور – يحتاج إلى تفسير، كما يحتاج إلى تعديل من وقت لآخر، ومن هذا يتضح أن وضع معايير المحاسبة نشاط له صفة الاستمرار لأن المواقف أو المشاكل الجديدة التي تتطلب تطبيق أو تفسير المفاهيم تظهر بصورة مستمرة
وتمثل مفاهيم المحاسبة المالية لبنات أساسية في بناء أي نظام يهدف إلى زيادة فعالية القوائم المالية عن طريق تحسين قابلية المعلومات التي تشملها للمقارنة. ويؤيد ذلك ما ورد في تحليل مجلس معايير المحاسبة المالية الأمريكي فيما يأتي:
“إن تحسين قابلية المعلومات التي تشملها القوائم المالية للمقارنة يعتبر واحدا من أهم الاعتبارات التي ينطوي عليها إعداد إطار متكامل لمفاهيم المحاسبة ونظرا لأن مقارنة الفرص البديلة للاستثمار والإقراض تعتبر جزءا أساسيا من معظم القرارات الاستثمارية فان المستثمرين والمقرضين يرغبون في الحصول على قوائم مالية تشمل معلومات قابلة للمقارنة – سواء فيما بين المدد المالية المتوالية للمنشأة الواحدة أو فيما بين المنشآت المختلفة خلال نفس المدة المالية كما أنهم يرغبون أيضا في مقارنة أداء المنشأة باستخدام بيانات مستخرجة بطريقة محاسبية واحدة يمكن تطبيقها على نفس الحقائق في نفس الظروف. ومن ثم فان المستثمرين والمقرضين يعتبرون إن قابلية المعلومات للمقارنة من أهم الصفات التي يجب أن تتسم بها المعلومات التي تشملها القوائم المالية.”
“وما لم يكن هناك أساس فكري راسخ فان تحديد الدخل الدوري وتصوير المراكز المالية تصبح – بالضرورة – أمورا تخضع للاجتهاد والآراء الشخصية. ومن ثم، فان مراعاة الدقة في تعريف الأساسيات يكفل تضييق نطاق الاجتهادات الشخصية، ويضع حدودا واضحة للمجال الذي تستخدم فيه التقديرات، ويرسم إطارا واضحا يمكن الرجوع إليه كلما دعت الظروف إلى ذلك، كما أن الإطار الفكري للمفاهيم يؤدي إلى تدعيم المعالجة المحاسبية للمشاكل المتشابهة بصورة متسقة كما يكفل تحديد الوسائل اللازمة للتعرف على الموضوعات غير المتشابهة، وإفساح المجال لتقدير مدى صحة التقديرات المحاسبية. وما لم يكن هناك نظام مستمد من إطار فكري واضح المعالم فان ارتفاع القوائم المالية إلى المستوى الجدير بالثقة يظل أمرا يحوطه الشك”.
فوائد تحديد مفاهيم المحاسبة المالية
تعود فوائد تحديد مفاهيم المحاسبة المالية أساسا إلى الجهة المسئولة عن وضع معايير المحاسبة المالية إذ إن المفاهيم تضع إطاراً عاماً ترتبط به كافة المعايير بما يكفل اتساقها مع بعضها البعض. وفضلاً عن ذلك فان الإطار الفكري للمفاهيم يعتبر ذا فائدة لأطراف أخرى أيضاً ـ بما في ذلك من يتولون إعداد القائم المالية، ومن يتولون مراجعتها، ومن يستخدمون المعلومات التي تشملها. يؤيد ذلك ما ورد في التحليل الذي أعده مجلس معايير المحاسبة المالية الأمريكي فيما يأتي:
“يحقق الإطار الفكري لمفاهيم المحاسبة المالية المزايا الآتية:
أ – إيجاد أساس يمكن الرجوع إليه لحسم المشاكل المحاسبية في غيبة المعايير المقررة التي تنطبق عليها. ففي ضوء هذا الإطار يمكن تحليل الظروف التي أدت إلى ظهور تلك المشاكل، وفي ضوء هذا الإطار يمكن إيراد تركيز الاهتمام على حلول بديلة معينة واستبعاد بدائل أخرى. وعلى أساس هذا الإطار يستطيع المسئولون عن إعداد القوائم المالية، كما يستطيع مراقبو الحسابات التوصل إلى حلول المشاكل المشار إليها وهم على درجة من الثقة ـ لا تصل إلى حالة التأكد بطبيعة الحال ـ بأنه معيار تفصيلي متسق مع الإطار الفكري للمفاهيم فإنه سوف ينص على نفس هذه الحلول، وبذلك يعتبر الإطار الفكري لمفاهيم المحاسبة المالية أساسا يمكن الاسترشاد به في تحليل المشاكل المحاسبية، والتنبؤ بمدى صواب الحلول التي يمكن التوصل إليها.
ب- وضع حدود للاجتهادات الشخصية فيما يتعلق بإعداد القوائم المالية: ولا ينبغي أن يكون الإطار الفكري للمفاهيم على درجة من التفصيل تكفل تقديم الحلول المناسبة التي تنطبق بصورة تلقائية على مجموعة معينة من الحقائق المالية لأن المغالاة في سرد التفاصيل تجعله إطارا آليا بدلاً من أن يكون إطاراً فكرياً ، وإلا ترتب علي ذلك استئصال الاجتهادات الشخصية كلية مما يؤدي إلى صعوبة وضع حلول محاسبية ملائمة لكثير من المشاكل التي تعترض المنشآت وفي الوقت نفسه – لا ينبغي أن يكون إطار المفاهيم مجردا إلى درجة يترتب عليها أن يصبح التقدير الشخصي هو الأساس السائد في تطبيق المفاهيم حتى لا يؤدي ذلك إلى استمرار العوامل التي يقوم عليها الشك في الأسس التي تتبع لاعداد القوائم المالية.
ومن هذا يتضح إن الإطار الفكري للمفاهيم لا يؤدي إلى استئصال الاجتهاد الشخصي كلية عند إعداد القوائم المالية – كما تنبأ البعض بذلك – وإنما يقتصر على وضع الحدود لتلك الاجتهادات.
ج- يؤدي الإطار الفكري للمفاهيم إلى زيادة الثقة في القوائم المالية وتحسين القدرة على استيعابها: إذ أن من يستخدمون هذه القوائم كثيرا ما يقدرون نوعية البيانات التي تشملها هذه القوائم – أو بعبارة أدق افتقار تلك القوائم إلى نوعية ثابتة ، كما أن بعضهم يعتقدون أن الأرقام المحاسبية يتم إعدادها على أساس مجموعة هلامية من المبادئ والقواعد التي تسمح بالتصرف – بدرجة أكبر مما يجب – في تحديد المعلومات التي ينبغي أن تظهرها القوائم المالية. غير أنه إذا أمكن إعداد إطار لمفاهيم المحاسبة المالية من ناحية، وإذا استطاع من يستخدمون القوائم المالية بذل الجهد اللازم لاستيعاب ذلك الإطار من ناحية أخرى ، فان ثقتهم في المعلومات التي تشملها القوائم المالية سوف تزداد ، كما أنهم سوف يصبحون على بينة من أن التعاريف والمقاييس المتعلقة بالعناصر الأساسية التي تشملها القوائم المالية (الأصول والخصوم والإيرادات …الخ) يجري تطبيقها على أساس ثابت من منشأة إلى أخرى. كما أن الحاجة سوف تقل إلى حد كبير – لإجراء التعديلات التعويضية ، وإضافة أرقام واستبعاد أرقام أخـرى لكي تصبح المعلومات قابلة للمقارنة. وفضلا عن ذلك فان من يستخدمون القوائم المالية سوف يصبحون كذلك على بينة من حدود استخدام المعلومات المحاسبية ، وهو أمر على جانب كبير من الأهمية أيضا. وبذلك يؤدي الإطار المتكامل لمفاهيم المحاسبة المالية إلى زيادة المقدرة على استخدام المعلومات التي تشملها القوائم المالية كما يـؤدي إلى اكتساب ثقة من يستخدمون هذه المعلومات في تقييم أداء المنشأة”.
منقول