الكاتب: دزفوزية الدريع
لمن تبوح بأسرارك؟
يتشابه صدر الإنسان مع الوعاء لناحية القدرة على الإتساع. فهو يتسع لحجم معيّن من الكبت، بحيث إنّه يفيض إذا زاد الكبت على حده، وفاق قدرته على الإتساع. لكن، يبقى السؤال، أين يفيض هذا الصدر؟ في الحقيقة، إنّه يفيض إما داخل الإنسان وإما خارجه.
إنّ فاض كبتك داخلك، ظهر على شكل مرض. وإن فاض خارجاً، تحول إلى أذى وعنف تجاه الآخرين. لأجل ذلك، فإنّ البوح راحة. وهنا، سؤال آخر يطرح نفسه وهو: لمن نبوح؟
هناك طرق عديدة للبوح، الطريقة السليمة والعصرية منها تتجلى في الذهاب إلى معالج نفسي، لكن مسألة الذهاب إلى معالج نفسي دونها صعوبات، ومنها أن ظروف البعض لا تسمح لهم بالخروج. في حين أنّ البعض يتملكهم إحساس بالخجل من الذهاب إلى معالج. أمّا البعض الآخر فيجد صعوبة في توفير مبلغ العلاج.
وبالنسبة إلينا نحن المعالجين، ثمّة طرق لا تستدعي الذهاب إلى المعالج النفسي، ومنها الكتابة والتمزيق. وهي طريقة جيِّدة للبوح، تخرج ما في الصدر تريح الإنسان، خاصة إذا كان الأمر لا يتطلب علاجاً بقدر ما يتطلب تنفيساً. وهناك أيضاً ما يسمى “حديث الروح”، أي أن تكون صديق ذاتك، تحاور نفسك، تعاتبها، تطبطب عليها وتعطيها النصيحة. وهناك الحديث مع الطبيعة، مع البحر والشجر، بحيث يتم التأمل في جمالهم وخلقهم وسؤالهم عن بلواهم وتشكو بلواك لهم، بحيث يمكن الحديث معهم عن معاناتهم والتخفيف عنهم وأخذ موقف جيِّد تجاهه.
لكن، في الواقع، وعلى الرغم مما تقدم، فإنّ الإنسان يحتاج إلى روح مثل روحه، إلى كائن من لحم ودم. روح تفهمه ويشعر بالتفاعل معها. وليس المقصود بهذه الروح روح المعالج، إنّما روح صديق أم قريب. وهذه فطرة إنسانية، إلا أنّ هذا البوح يجعل الإنسان عرضة للعديد من النقاط، ويأتي في طليعتها نظرة هذا الصديق أو القريب إليه، بحيث إنّ البوح له يجعله يعرف نقاط ضعفه ومكامن النقص في شخصيته. وهذا الأمر فيه إحراج. وربّما يجعله ذلك أيضاً يتلقى رأياً لا يناسبه وقد يدمره. ذلك أن البت في بعض أنواع الدمار النفسي يجعلها أكثر دماراً. علماً بأنّ كثيراً من الأصدقاء يعكسون في مواقفهم وآرائهم، وجهة نظرهم وأخلاقهم وثقافتهم. وهذا الخلط قد لا يوافق الشخص الذي يبوح لهم وطبعه وظروفه وأخلاقه. بالتالي، قد يجعله يعيش حالة من الإرباك، أو ربّما يعقّد المشكلة بدلاً من أن يحلها.
وفي الحقيقة، إنّه إذا لم يكن في مقدور الإنسان أن يدفع لمعالج نفسي، سيكون من المفيد أن يحسن إختيار من يستشيره. من هنا، عليه أن يستبق البوح والإستشارة بجس نبض الصديق أو القريب في بعض الأمور الصغيرة. فالسر حين يخرج من الإنسان، لا يعود ملكه. وكم من سر قصد صاحبه الراحة من خلال البوح به، فتحول إلى أذى وانعدام راحة إلى الأبد؟
ختاماً، إذا شعرت بأنك في حاجة إلى البوح فقط، وليس إلى النصيحة، فاكتم سرك. فالبوح للشجر والبحر قد يكون أسهل من البوح للبشر.