لم يلق اهتماما يُذكر، خبر الإعلان عن تزايد نسب الانتحار بين الشباب المصري، وفق ما أعلنته دراسة سكانية حديثة، صدرت مؤخرا في القاهرة. عزت الدراسة الزيادة في معدلات الانتحار – خاصة بين الشباب – إلى تزايد الآثار
الخانقة للأزمة الاقتصادية في مصر، وازدياد الهوة بين الطبقة الغنية والطبقة الفقيرة، وإن كانت الدراسة كذلك ترى أن الفقر وحده ليس السبب الوحيد، بل كذلك غياب القدوة وعدم تحديد الهدف من الحياة. الغريب، أن العاصمة القاهرة، شهدت أعلى زيادة في نسب الانتحار. كما أورد أحد المواقع الإخبارية عن أب مصري ذي 38 ربيعا، غلبته تكاليف الحياة، أن ابنته الصغيرة طالبته بفستان تتزين به يوم العيد، فما كان من الأب العاجز ماديا، إلا وطالب ابنته بأن تحضر له لفافة كان يحتفظ بها، تناول ما فيها، ثم احتضن ابنته وناما معا. اتضح فيما بعد أن سم الفئران كان في اللفافة، وأن هذا الأب انتحر يأسا من عجزه عن تلبية طلبات أسرته.
حتى ولو زعم زاعم أن الصحيفة اختلقت الخبر أو أضافت إليه بعض التوابل لتجعله دراميا بزيادة، لا يمكن لأحدنا أن ينفض يديه من الشباب الذي يقفز على قضبان مترو أنفاق القاهرة ليضع نهاية مأساوية لحياته، ولا للشباب الذي يلقي بنفسه في قلب النيل. في نهاية الدراسة المنشورة، أفاد التقرير أن نسب الانتحار في بعض البلاد العربية الأخرى شهدت ارتفاعا بدورها، ولو أن الإحصائيات الرسمية ربما لم توضح ذلك.
بالطبع، في الإسلام معروف الحكم على المنتحر، وليس هذا محل نقاشنا، السؤال هنا هل أيدينا نظيفة طاهرة من دم أي منتحر؟ هل كان يمكن لنا أن ندخل السرور على قلب أحدهم، فخففنا عليه وطأة مشاكله، فلم نتركه لشيطان – من الإنس أو الجن – ليزين له فكرة الانتحار، أو أي فكرة شيطانية أخرى، لا ترضي الله، لحل مشاكله في الحياة؟
إن المسلم مطالب بإدخال السرور على قلب أخيه المسلم، ومن فرج عن مسلم كربة، فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ولو بحثنا في الإسلام لوجدنا من الأحاديث وتفاسير الآيات ما يوجب علينا التفاؤل وعدم التشاؤم، وحل مشاكل بعضنا.
يحلو للبعض عندما تحزبه مشكلة، سوء الظن بربه، وهذا من ضعْف الإيمان، لكن السؤال لماذا ضعُف الإيمان، وهجم علينا التشاؤم؟ هل الله يريد التضييق علينا؟ ودعونا نفترض ذلك من باب الجدل، فنحن نعلم أن الله شديد القوة، قادر على كل شيء، فلو أن الله – عز وجل – أراد بنا التضييق، فهل كان الله ليكتفي فقط بما يمر بنا من مشاكل ومصائب، أم كان يمكنه أن ينزل بنا القاصمة مخضعة الرقاب والأعناق والرؤوس؟
إذا كنت في حالة عدم يقين من الإجابة، ابحث عن الخطوات الكثيرة التي خاضتها وكالة الفضاء الأمريكية ناسا، لكي تهيئ لإرسال رواد فضاء من البشر إلى كوكب المريخ، ثم انظر إلى كوكب الأرض الذي نعيش عليه، حيث الطبيعة تنتج لنا غاز الأكسجين، والشمس تنتظم في شروقها وغروبها، والقمر يضيء ليلنا، وبحار تحملنا وتنقلنا وتطعمنا، وحقول خضراء تنتج لنا الخضر والفاكهة، والأنهار تسقينا من عذب ماءها.
اقرأ في بحوث اليابانيين لإنتاج روبوت يتحرك مثل الإنسان، وانظر إلى كم ما وجب عليهم فعله لتحريك ما يوازي اليد والقدم في الإنسان، بينما أنت إذا أردت أن تحرك كوبا إلى فمك لتشرب، فعلتها دون أن تفكر. انظر في أبحاث توليد الطاقة ومعالجة عوادمها، بينما نحن صنع الله نأكل ونهضم دون أن نقلق لهذا الأمر.
التشاؤم مثله مثل الرائحة النفاذة، ينتشر بسرعة، فإذا تشاءمت أنت من شيء، قبل أن تدري، انتقلت عدوى تشاؤمك إلى كل من حولك. من فضل الله علينا أن التفاؤل كذلك، ينتقل مثل الريح الطيب، فيبهج من حولك.
هل يجب أن نجد سببا لنتفاءل؟ أنا أجد أنه طالما الله من علينا بنعمة البقاء أحياء، فهذا كافيا للتفاؤل، وإن لم يكفك هذا كسبب، فلن يجدي معك أي سبب، ولذا اقنع نفسك أن تتفاءل بدون سبب، على سبيل التغيير، اضحك بدون سبب، هز رأسك بالإيجاب واضحك بكل قوتك، وليظن بك الناس ما أرادوه، فهم سيضحكون مثلك حين يلمسون الأثر الإيجابي لتفاؤلك.
بما كنت أنصح صاحبنا الذي احتضن ابنته ونام بجانبها؟ كنت لأقول له توضأ، وخذ ابنتك في حجرك، واجعلها تؤمن على دعائك، وابك إلى الله، وأدعوه لأن يرزقك برزق ابنتك، وكلي يقين بأن الله أكرم من أن يرد هذه الأيادي خائبة، وكم ضاقت علينا ثم فرجت ولو بعد حين.
ليس من عدو خارجي أقوى علينا، إذا انهزمنا نحن من الداخل وتشاءمنا، وإذا كان ما أسكر كثيره فقليله حرام، فأنا أرى كذلك أن قليل التشاؤم مثل كثيره، مرفوض في الإسلام، وكلي يقين أنه كذلك في بقية الديانات السماوية، عملا بالقاعدة أنه طالما وجدت المصلحة لوجدت شرع الله.
إن كان لي أن أطلب من قارئ شيئا، لطالبته بأن يتفاءل بدون سبب، يتفاءل على سبيل التغيير، ويجرب معي، هل كانت عاقبة تفاؤله هذا غير مُرضية؟ هل لي أن أطلب منك كذلك أن تبحث عن أي من كان، وتحاول أن تدخل على قلبه السرور والحبور، هل تعرف حزينا يمكنك أن ترسم على شفتيه ابتسامة؟
لم ولن يجدي التشاؤم في الحياة يوما، وإذا كانت نسب الانتحار إلى زيادة، فهذا ناقوس خطر، يذكرنا بأن عظيم الانتحار من مستصغر التشاؤم