السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد”.. كم سمعنا تلك الجملة مرارًا وتكرارًا من كثيرين كانوا يرتدون ثوب الحكمة والنصيحة، وكم كنّا نعتبرها مقياسًا للنجاح والتفوق؛ فذلك الذي يؤدي عمل اليوم في يومه هو بالتأكيد من الناجحين الفالحين..
فهل كنا مصيبين في ذلك؟
لعلي لا أخطئ حين أقول إننا لم نُصِب كثيرًا في تلك الجملة، ولم يُصِب فيها أولئك الناصحون الذين أكثروا من ترديدها على آذاننا حتى صارت من معالم المرحلة الدراسية المبكرة لمعظمنا إن لم يكن كلنا، تمامًا كساندويتشات المدرسة، وروائحها المختلطة بروائح الفصل المتعددة من طباشير أو أقلام وجلد جديد في الحقائب والأحذية..
نعم أخطأنا في هذه الجملة كثيرًا؛ فليس من الحكمة أن نكتفي بعمل اليوم في يومنا؛ بل نحن مطالبون باستشراف المستقبل، وأن نؤدي اليوم عمل اليوم والغد؛ فكل الدنيا تتحرك حولنا سريعًا، وحياة الإنسان لا تعرف الثبات أبدًا؛ فهو إما أن يتقدم وإما أن يتأخر، وقد يكون تأخره بتقدم الآخرين عليه، وليس بتراجعه هو فقط.
كم مرة أجّلنا أمورًا هامة في حياتنا دون مبرر؟ أو حتى بمبرر غير حقيقي وغير فعّال؟
كم مرة استمتعنا بالتردد في اتخاذ القرارات، وفضّلنا أن نؤجل البتّ فيها؛ لأننا لا نستطيع مواجهة النتائج، وافترضنا أن الزمان كفيل بحل كثير من المشكلات؟
التأجيل مرض يصاب به ضعاف النفوس، وضعاف الهمم؛ فهو نوع رئيس من أنواع الهروب من المواجهة، وعجز عن مواجهة الأحداث وإنجاز المهام..
فهل حدث أن سأل أحدنا نفسه: لماذا أؤجل عملًا؟ لماذا أؤجل موقفًا يجب أن أتخذه؟ لماذا لا أنجز الآن ما يجب من أعمال؟ لماذا لا أستشرف المستقبل وأُنجز ما يؤمّنه لي بأفضل صورة ممكنة؟
كثيرون منّا يؤجلون على اعتقاد أن الظروف ستتغير، وأن الأمور ستتحول إلى الأفضل مع مرور الأيام، وقد يكون هذا شيئًا حادثًا؛ نعم قد تتغير الأمور إلى الأفضل، وقد يكون الوقت فيما بعد ملائمًا أكثر لأداء كثير من الأعمال؛ لكن هل نعتمد في حياتنا على هذه الفكرة غير المؤكدة؟
فإن كان التأجيل في بعض الأمور مقبولًا؛ فإنه في كثير من أمور حياتنا شيء مرفوض؛ فهو غالبًا ما يؤدي للخسائر، ولا تُرجى منه فائدة.
إن كنت تبتعد عن الله وتأمل في أن تجد الوقت الكافي في شيخوختك لذلك؛ فأحذرك: قد لا تجد الوقت لذلك؛ فابدأ الآن وقل: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى}.
إن كنت تؤجل وضع خطة واضحة لحياتك؛ آملًا في أن تستمتع بها قليلًا قبل أن تبدأ في الجد والاجتهاد؛ فأنصحك بأن الاجتهاد والجد لا يتعارضان مع الاستمتاع بالحياة؛ فلتضع خطتك لحياتك من الآن، ولتضع فيها مساحة الاستمتاع المناسبة، واعلم أنك بعد فترة ستجد كل المتعة في الارتقاء بحياتك، وستجد كل المتعة في الاجتهاد والجد.
إن كنت تؤجل مذاكرتك آملًا في أن تجد الوقت المناسب قبل الامتحان؛ فأنبهك: قد لا تجد هذا الوقت، وإن وجدته فلِمَ لا تبدأ مبكرًا فتكون أقدَر وأفضل، وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “أحب الأعمال إلى الله أَدْوَمها وإن قلّ”.. فلا تؤجل أبدًا تحصيلًا علميًّا؛ حتى وإن كان هناك وقت آخر يمكن أن تبدأ فيه، ابدأ ما دمت تستطيع ذلك.
إن كنت تؤجل إصلاح شيء ما آملًا في أن يحتمل فترة أطول من الزمن قبل أن ينهار؛ فأقول لك: قديمًا قالوا: “الوقاية خير من العلاج”، وترك الإصلاح قد يؤدي إلى مفاسد أكثر وضرر أكبر، تحتاج إلى مجهود مضاعف لإصلاحه؛ فلا تؤجل عملًا، ولا تؤجل إصلاحًا أبدًا.
إن كنت تؤجل اهتمامك بصحتك وممارسة الرياضة آملًا في أن تجمع قليلًا أو كثيرًا من المال، وتتحجج بانشغالك وضيق وقتك؛ فأصيح بصوت عالٍ لتسمعني: ربما تجمع المال حقًّا؛ لكنك قد تنفقه في علاج ما أفسدته بإهمالك؛ فصحتك أهم كثيرًا مما قد تجمعه..
ابدأ أيها الأب في تربية أبنائك من الآن مهما كانت أعمارهم، ولا تظنّ أبدًا أنهم صغار لا ينتفعون بالتوجيه، وتذكر أن علماء النفس قالوا: أخبرونا كيف كان أطفالكم في السنوات السبع الأولى نقول لكم كيف سيكونون في حياتهم.
ابدئي أيتها الزوجة في إقامة الجسور والعلاقات مع زوجك، ولا تنشغلي بأي شيء في حياتك؛ فكل ثانية تمرّ عليك دون إصلاح ما بينك وبين زوجك هي صخرة في جدار البعد وهدم المنزل.
ابدأ أيها الشاب في الحياة الجادة النافعة، واعلم أن استمتاعك بشبابك لا يتأثر بالجد؛ فبعد سنوات قليلة ستفاجأ بأنه لا وقت لديك، وأنك أصبحت مطالبًا بأشياء كثيرة في حياتك.
ابدؤوا جميعًا في تنظيم حياتكم، ابدؤوا في تنفيذ أحلامكم، لا تؤجلوا أبدًا؛ فلن يتغير شيء حولنا إلا إذا غيّرناه بأيدينا، وكلما مرّ الوقت قلّ مجهودنا وزادت الصعوبات حولنا.
فهل نفهم قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}؟!
نعم هي كلمة وموقف وقرار سأتخذهم الآن..
كلمتي: لا للتأجيل أبدًا..
وموقفي: أنجز ما عليّ؛ بل أستشرف المستقبل وأمهد له..
وقراري: سأبدأ الآن دون تردد أو تخوف أو تأجيل..