لا، لا تحكي هذا المقالة قصة أمازون، بل تتناولها من منظور ضوء المعادلة التي قدمها لنا المؤلف مارك جوينر في كتابه. تبدأ قصة موقع امازون مع الموظف جيف بيزوس العامل في شارع وول ستريت، الذي لاحظ في عام 1994 أن شبكة انترنت تنمو بمعدل مطرد خيالي: 2300 % كل سنة.
بحث جيف في عالم تجارة البيع عبر البريد من خلال القوائم المطبوعة (Mail-order) عن الشريحة الغنية (نيش) من المشترين والتي تقف كأفضل فئة منتفعة من خدمات القوائم الإلكترونية. وجد جيف قطاعا كاملا غير مستهدف من أي نشاط تجاري: الكتب المطبوعة. في هذا الوقت، لم تكن لتجد مكانا واحدا يحوي قائمة شاملة كاملة لكل الكتب المنشورة والمطبوعة. كان السبب بديهيا، لا يمكنك أن تجد مخزنا أو مستودعات تكفي لتخزين كل الكتب المنشورة وقتها، وحتى لو فعلت، فكيف ستجعل مثل هذا النشاط رابحا؟
لذا شرع جيف في تأسيس وإطلاق موقعه كادبرا في عام 1994، والذي اشتقه من لفظة ابراكادبرا التي يستخدمها خفيفو حركة اليد في عروض السحرة الترفيهية. كانت كبرى دور النشر توفر نسخا إلكترونية من قوائم كتبها، وكان جل ما ينقص هو جمع هذه القوائم في مكان واحد على شبكة انترنت. اعتمد جيف على ثلاثة أجهزة كمبيوتر من صنع شركة صن، وضعها على طاولة خشبية في غرفة معيشته، وبدأ التسويق لموقعه / متجره الإلكتروني الجديد.
لاحظ جيف أنه كلما أخبر أحدهم عن موقعه، أخطأ في كتابة حروفه مع كلمات أخرى قريبة في النطق، ولذا قرر اللجوء إلى اسم رنان يصعب الخطأ فيه، وكان أمازون الاسم، تيمنا بأنه أكبر نهر في العالم من حيث مساحة الماء، ولعل هذا السبب يلقي بعض الضوء على سبب اختيار اسم النيل والفرات للموقع العربي الشهير، ولعله أضاف الفرات للخروج من الجدل الجغرافي حول عدم أحقية نهر النيل بلقب أطول نهر في العالم، لكن هذا ليس مجال نقاشنا هنا!
كانت البداية الفعلية لموقع أمازون.كوم في شهر يوليو 1995 وبحلول شهر سبتمبر من ذات العام كان إجمالي طلبات الشراء من الموقع 20 ألف دولار أسبوعيًا.
الآن، دعونا نحلل ما فعله جيف بيزوس في ضوء المعادلة التي قدمها لنا المؤلف مارك جوينر في كتابه:
العرض المغري ذو عائد الاستثمار المجزي:
في وقته، كان أمازون الموقع الوحيد على انترنت الذي يقدم هذا الكم الكبير من عناوين الكتب، لتتصفحها وأنت في راحة بيتك الوثير، وفوق هذه الراحة كنت تحصل على سعر أفضل من ذاك الذي تجده في متجر الكتب التقليدي، مع خدمة توصيل سريعة (حسنا، سريعة في أمريكا، وفي بقية العالم إذا استطعت تحمل الكلفة العالية للشحن الدولي!)
يعلق جيف على هذه النقطة بوضوح: إذا كانت تجارتك قائمة على تقديم أرخص سعر في السوق، فأنت في موقع هش وضعيف للغاية، أما إذا كانت تجارتك قائمة على أفضل سعر + أفضل خدمة + أفضل خيارات ممكنة، فأنت في موقع أفضل بكثير.
المقولة الدعائية سهلة الحفظ:
اشتهر موقع أمازون بالمقولة: أكبر متجر كتب على الأرض، هذه المقولة ساعدت الموقع على البقاء حيا حتى بدأ يتعامل في أشياء أخرى بجانب الكتب.
الجمهور المتعطش لمنتجه:
كانت تقديرات حجم سوق الكتب بالمليارات، استطاع أمازون الحصول على حصة كبيرة منها عبر الخدمة الأفضل التي يقدمها. كذلك عمد الموقع إلى زيادة نسبة انتشاره عبر نظام العمولة / المشاركة في الربح، عبر توفير رابط شراء من موقع ما لكتاب/منتج ما من أمازون، وإذا تمت عملية الشراء بنجاح، حصل هذا المرشد على عمولة من سعر البيع. في عام 2003 كان لدى أمازون أكثر من مليون مرشد مبيعات، يدرون 40% من مبيعات أمازون وقتها.
الكوب الثاني:
ربما كان موقع أمازون الأستاذ والمعلم الأول لفن تقديم الكوب الثاني، فهو ينصحك ماذا تشتري، ويخبرك عما اشتراه غيرك مع الكتاب الذي تبحث عنه، ويقدم لك عروضا سعرية خاصة إذا اشتريت كتابين معا أو أكثر، ويراقب خياراتك في الكتب ليقترح عليك عناوين كتب مدحها غيرك من المشترين، وكل هذه الأفكار الذكية.