المبحـث الأول: تعريف الموازنة العامة وأهميتها
أولاً: تعريف الموازنة العامة للدولة
تُعرّف الموازنة العامة Public Budget، بأنها: “تقدير مفصل ومعتمد للنفقات العامة والإيرادات العامة، عن فترة مالية مستقبلة، غالباً ما تكون سنة”.
ويتبيـن مـن هـذا التعـريف أن المـوازنة العامة للدولة، تستند إلى عنصرين أساسيين، هما التقدير والاعتماد.
فبالنسبة إلى التقدير، فإنه يتمثل في تقدير أرقام تمثل الإيرادات العامة التي ينتظر أن تحصل عليها السلطة التنفيذية، وكذلك النفقات العامة التي يُنْتَظَر أن تنفقها لإشباع الحاجات العامة للشعب، وذلك خلال فترة مالية مستقبلة، غالباً ما تكون سنة.
أمّا بالنسبة إلى الاعتماد، فيقصد به حق السلطة التشريعية واختصاصها، في البلاد الديمقراطية، في الموافقة على توقعات السلطة التنفيذية، من إيرادات عامة ونفقات عامة. وعلى هذا الأساس، فإن الموازنة العامة تظل مجرد مشروع موازنة، حتى تُعتمد من السلطة التشريعية.
ثانياً: أهمية الموازنة العامة للدولة
للموازنة العامة للدولة أهمية كبرى لأنها تعبِّر عن برنامج العمل، السياسي والاقتصادي والاجتماعي، للحكومة خلال الفترة المالية. وبعبارة أخرى، فإن الموازنة العامة للدولة لها دلاله سياسية واقتصادية واجتماعية، إذ يمكن الكشف عن مختلف أغراض الدولة، من طريق تحليل أرقام الإيرادات العامة، والنفقات العامة، التي تجمعهما وثيقة واحدة، هي الموازنة العامة للدولة.
وفي اختصار، يمكن القول إن الموازنة العامة للدولة ليست مجرد بيان يتضمن الإيرادات العامة، والنفقات العامة، وإنما هي، كذلك، وثيقة الصلة بالاقتصاد القومي، والأداة الرئيسية، التي يمكن من طريقها تحقيق أهداف الدولة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
المبحث الثاني: القواعد الأساسية لإعداد الموازنة العامة للدولة
اتفق علماء المالية العامة، على أن إعداد الموازنة العامة للدولة يجب أن يخضع لمجموعة من القواعد، تهدف إلى وضع الموازنة في صورة واضحة، كي يسهل على السلطة التشريعية تفهمها، ومن ثَمَّ فرض الرقابة على تنفيذها. كما تهدف هذه القواعد، كذلك، إلى أن تكون الموازنة العامة معبِّرة تعبيراً صادقاً عن النشاط المالي للدولة. فضلاً عن أن هذه القواعد تجنب الحكومة الخطأ، وتقلل من احتمالات الإسراف، لاسيما في حالة زيادة الإيراد على الإنفاق.
وهناك خمس قواعد أساسية للموازنة العامة هي:
أولاً: قاعدة السنوية
تقضي هذه القاعدة، بأن يتم تقدير استخدامات الدولة ومواردها، لفترة زمنية مقبلة، مدتها سنة، قد تكون مطابقة للسنة الميلادية، أو تتداخل معها، كما هو الحال في بعض الدول، إذ تبدأ السنة المالية في أول يوليو، وتنتهي في آخر يونيه من السنة التالية.
وتُعدّ قاعدة السنوية من المبادئ الأكثر استقراراً، عند إعداد الموازنة العامة للدولة، على أساس أن السنة تمثل دورة كاملة للفصول المناخية الأربعة، ومن ثَمّ تتميز المصروفات والإيرادات خلالها بصفة التكرار، كذلك فإن السنة فترة ملائمة لتقييم أداء السلطة التنفيذية.
ثانياً: قاعدة الوحدة
تقضي قاعدة الوحدة، أن تُدرج جميع استخدامات وموارد مختلف الوحدات التابعة للجهاز التنفيذي للدولة في موازنة واحدة، الأمر الذي يساعد على معرفة الظروف، الاقتصادية والمالية، التي تمر بها الدولة، فضلاً عن سهولة ممارسة الرقابة، السياسية والشعبية، خلال مراحل تنفيذ الموازنة.
ثالثاً: قاعدة العمومية
تقضي هذه القاعدة بأن تشمل الموازنة العامة كلاًّ من تقديرات الموارد والاستخدامات بأكملهما، من دون إجراء مقاصة بين بعض أبوابها أو بنودها وبعضها الآخر. وذلك، بهدف تحقيق رقابة فعالة، على كلٍّ من موارد الدولة واستخداماتها.
رابعاً: قاعدة عدم التخصيص
تقضي هذه القاعدة بعدم جواز تخصيص موارد بعينها لمواجهة استخدامات محددة؛ فقاعدة عدم التخصيص تقضي بأن توجّه جميع الموارد إلى جميع الاستخدامات، ومن ثمّ لا يجوز تخصيص مورد معين، كالضريبة على السيارات، على سبيل المثال، للإنفاق على إنشاء الطرق وصيانتها.
خامساً: قاعدة التوازن
تقضي قاعدة التوازن بأن تتساوى الاستخدامات (النفقات) مع الإيرادات، وعلى الرغم من سلامة هذه القاعدة، إلاّ أن الظروف الاقتصادية المتغيرة والمتشابكة، لمعظم دول العالم، أدّت إلى قبول فكرة وجود عجز أو فائض في الموازنة العامة، إذ يُغطى العجز من طريق القروض، المحلية والدولية، ويُرحل الفائض إلى الفترة التالية.
المبحث الثالث: أهم الفروق بين الموازنة العامة للدولة والمصطلحات الأخرى المتداخلة معها
أولاً: الموازنة العامة للدولة، والموازنة التخطيطية على مستوى الوحدة الاقتصادية
تعرف الموازنة التخطيطية بأنها خطة تفصيلية شاملة، تُعَدّ وتُعتمد وتُوزع قبل بدء تنفيذ مختلف العمليات، وتُتْخذ كأداة تخطيطية رقابية. وأهم ما يميزها شمولها للموازنات الفرعية كموازنة المبيعات وموازنة الإنتاج وموازنة الطاقة. وبذلك، فهي تختلف عن الموازنة العامة للدولة، التي تشتمل على استخدامات وموارد الوحدات الإدارية الحكومية. وأهم ما يفرق بين الموازنتين، أن تقديرات الموازنة التخطيطية تبدأ بالإيرادات أولاً، مثل إيرادات المبيعات، وفي ضوء ذلك، يتم تقدير المصروفات المختلفة، سواء للإدارات الإنتاجية أو الإدارات الخدمية، أمّا الموازنة العامة للدولة فتبدأ بتقدير الاستخدامات (النفقات)، وعلى ضوئها تُقدّر الإيرادات اللازمة لتغطية هذه الاستخدامات. فضلاً عن أن الموازنة العامة تتضمن عنصر الاعتماد (التصديق) من السلطة التشريعية، بينما لا تحتاج الموازنة التخطيطية إلى مثل هذا الاعتماد.
ثانياً: الموازنة العامة للدولة والميزانية العمومية للمنشآت
تختلف الموازنة العامة للدولة عن الميزانية العمومية للمنشآت Balance Sheet، في الآتي:
1. الميزانية العمومية، هي بيان يصور المركز المالي للمنشأة، في تاريخ محدد، هو نهاية السنة المالية للمنشأة. وعلى هذا الأساس، فإنها تتضمن أرقاماً فعلية في هذا التاريخ المحدد.
2. تشتمل الموازنة العامة للدولة على أرقام تقديرية عن سنة مقبلة.
3. تتضمن الميزانية العمومية للمنشآت أرصدة الموجودات(الأصول) والمطلوبات (الخصوم).
4. بينما تتضمن الموازنة العامة للدولة النفقات العامة والإيرادات العامة المتوقعة.
ثالثاً: الموازنة العامة للدولة، والموازنة النقدية
تُعرف الموازنة النقدية، بأنها: “بيان يتضمن تقديراً لموارد المجتمع من النقد الأجنبي، وأوجه استخدامات هذه الموارد، خلال فترة مقبلة، غالباً ما تكون سنة”. لذا، تتفق الموازنة العامة والموازنة النقدية في أن كلتيهما تتضمن تقديرات، وليس أرقاماً فعلية. وعلى الرغم من ذلك، فهناك اختلافات بينهما، أهمها أن أرقام الموازنة العامة تكون بالعملة المحلية، بينما تكون أرقام الموازنة النقدية بالعملة الأجنبية. وتختص الموازنة العامة بالنشاط الحكومي فقط (حكومة مركزية، حكم محلي، هيئات عامة، قطاع عام)، بينما تختص الموازنة النقدية بالنشاط الحكومي، ونشاط القطاع الخاص.
والارتباط الوثيق بين الموازنة العامة للدولة والموازنة النقدية، يتمثل في أن جزءاً من نفقات الجهاز الحكومي والقطاع العام يجب أن يكون متوافراً بالعملات الأجنبية.
رابعاً: الموازنة العامة للدولة، والحساب الختامي للدولة
يُعرّف الحساب الختاميFinal account، بأنه: “بيان يتضمن النفقات العامة، التي أُنفقت، والإيرادات العامة، التي حُصّلت، خلال فترة مالية منتهية، غالباً ما تكون سنة”. لذا، فإن الاختلاف الأساسي يتمثل في أن الموازنة العامة تتضمن أرقاماً تقديرية، بينما يتضمن الحساب الختامي أرقاماً حقيقية فعلية. ويلاحظ أن لكل موازنة عامة حساباً ختامياً، يصدر عن الفترة نفسها،التي تكون قد نُفِّذت فيها الموازنة العامة. وبمقارنة أرقام الموازنة العامة، بأرقام الحساب الختامي، يمكن معرفة مدى صحة تقديرات الموازنة العامة، ومطابقتها للواقع.
خامساً: الموازنة العامة للدولة، وموازنة الاقتصاد القومي
تُعرّف موازنة الاقتصاد القومي، بأنها: “بيان يتضمن تقديرات عن النشاط الاقتصادي، في مجموعة (الناتج القومي، الاستهلاك، الاستثمار، الصادرات، الواردات، .. الخ)، خلال فترة مالية مقبلة، غالباً ما تكون سنة”.
تتفق الموازنة العامة للدولة وموازنة الاقتصاد القومي في أن كلتيهما يتضمن أرقاماً تقديرية. أمّا وجه الاختلاف بينهما، فهو أن موازنة الاقتصاد القومي أكثر شمولاً، لما تتضمنه من أرقام وبيانات، عن تلك التي ترد في الموازنة العامة. فضلاً عن أن موازنة الاقتصاد القومي لا تحتاج إلى اعتماد (تصديق) السلطة التشريعية، خلافاً للموازنة العامة للدولة.
كما يلاحظ وجود ارتباط وثيق بين الموازنة العامة للدولة وموازنة الاقتصاد القومي؛ فالبيانات التي تتضمنها موازنة الاقتصاد القومي تعدّ ضرورية لإمكان رسم السياسة المالية، التي تنطوي عليها الموازنة العامة للدولة.
سادساً: الموازنة العامة للدولة، والحسابات القومية
تُعرّف الحسابات القومية، بأنها: “مجموعة من الحسابات تتضمن تسجيلاً لمختلف أوجه النشاط الاقتصادي للمجتمع بأكمله، من خلال حساب الدخل القومي وتكوينه وتوزيعه، عن فترة مالية سابقة، غالباً ما تكون سنة”.
وهكذا، يتبين أن أرقام الموازنة العامة تكون تقديرية، بينما أرقام الحسابات القومية حقيقية فعلية. فضلاً عن أن الحسابات القومية تكون أكثر شمولاً من بيانات الموازنة العامة. ولاشك أن بيانات الحسابات القومية تُفيد كثيراً، عند رسم السياسة المالية، التي تنطوي عليها الموازنة العامة.
سابعاً: الموازنة العامة للدولة، والخطة الشاملة
يُقصد بالخطة الشاملة، الخطة قصيرة الأجل، التي تغطي فترة سنة. وهي “برنامج يوضح الأهداف، التي يسعى المجتمع إلى تحقيقها، ووسائل تحقيق هذه الأهداف، عن فترة مالية مقبلة، غالباً ما تكون سنة”.
ومعنى هذا أن الخطة أكثر شمولاً، إذ تتضمن الأهداف التفصيلية في مجالات، الإنتاج والاستهلاك والادخار والاستثمار والتصدير والاستيراد والتوظيف، …… إلخ، فضلاً عن وسائل تحقيق هذه الأهداف. ويلاحظ أن الاتجاه الحديث في المالية العامة وتوزيع السُلطات، يقتضي عرض الخطة على السلطة التشريعية لاعتمادها (التصديق عليها)، شأنها في ذلك شأن الموازنة العامة للدولة.
المبحث الرابع: دورة الموازنة العامة للدولة
تمر الموازنة العامة للدولة بعدة مراحل، ابتداءً من مرحلة التحضير والإعداد، حتى مراحل الاعتماد والتنفيذ والرقابة، ثم تبدأ دورة جديدة لسنة قادمة. لذلك، عادة ما يطلق على هذه العملية “دورة الموازنة العامة للدولة”. ويمكن تتبع مراحل هذه الدورة، على النحو التالي:
أولاً: مرحلة إعداد الموازنة العامة للدولة
السلطة المختصة بإعداد الموازنة:
يُعَدّ إعداد الموازنة العامة عملاً إدارياً بحتاً، تقوم به السلطة التنفيذية في الدولة، أي الحكومة.
ولاشك، أن إعداد الحكومة الموازنة العامة، يُعَدّ أمراً طبيعياً، للأسباب الآتية:
أ. تحتاج الموازنة العامة إلى قدر كبير من التنسيق بين بنودها المختلفة، وهو أمرٌ لا يتحقق إلاّ إذا تولت الحكومة إعدادها. أمّا إذا تُرك للسلطة التشريعية إعداد الموازنة العامة، فلن يتحقق التنسيق بين بنودها المختلفة، نظراً إلى تعدد أعضاء السلطة التشريعية، واختلاف اتجاهاتهم السياسية، وانتماءاتهم الحزبية، ومن ثَمّ، تباين مطالبهم المالية، إمّا إرضاء لناخبيهم وإمّا تجاوباً مع برامج أحزابهم، من دون النظر إلى الاعتبارات الفنية والاقتصادية، ومسؤوليات الدولة.
ب. من الأمور المتفق عليها، أن الحكومة هي المسؤولة عن تنفيذ الموازنة العامة، ولذلك فمن المنطق أن تتولى إعدادها، لأنها ستحاول أن تكون الموازنة العامة واقعية ودقيقة، حتى يمكن تنفيذها من دون معوقات أو صعاب.
ج. نظراً إلى أن الحكومة هي المسؤولة عن تسيير المرافق العامة، لذا، فإنها تُعدّ أقدر السلطات على تقدير الإيرادات العامة والنفقات العامة، بدرجة كبيرة من الدقة، لأنها أقدر من غيرها على معرفة احتياجات هذه المرافق من النفقات، وما ينتظر أن تدرّه من إيرادات.
د. نظراً إلى أن الموازنة العامة للدولة هي البرنامج، السياسي والاقتصادي والاجتماعي، للحكومة خلال السنة المقبلة، لذا فمن الطبيعي أن يُتْرك للحكومة إعداد الموازنة العامة، حتى تأتى معبِّرة عن هذا البرنامج، ويمكن في النهاية محاسبة الحكومة، عن مدى تنفيذها لما التزمت به، في برنامجها.
2. سلطة وزير المالية في إعداد الموازنة
بعد أن تنتهي كل وزارة من تقدير نفقاتها وإيراداتها للسنة المقبلة، يستلزم الأمر إجراء تنسيق بينها، ويقوم به وزير المالية، لأنه أقدر من غيره على إجرائه، إذ تتوافر لديه الصورة العامة والكاملة، للأوضاع المالية للدولة.
3. خطوات إعداد الموازنة العامة
يمرّ إعداد الموازنة العامة، عادة، بخمس خطوات هي:
أ. إعداد إطار مشروع الموازنة العامة:إذ يتولى وزير المالية إعداد هذا الإطار، الذي يتضمن اتجاهات السياسة المالية، وإمكانيات الخزانة العامة للدولة في ضوء مصادر التمويل المتاحة، داخلياً وخارجياً، ومتطلبات الإنفاق العام، مع ربط ذلك الإطار بإمكانيات موازنة النقد الأجنبي من جهة، وبالخطة العامة للتنمية، الاقتصادية والاجتماعية، من جهة أخرى.
ب. إصدار منشور الموازنة العامة:تتولى وزارة المالية إصدار هذا المنشور، وإرساله إلى جميع الوزارات والهيئات العامة. ويتضمن الخطوط العامة لإعداد مشروع الموازنة، مع بيانات عن عناصر السياسة المالية للسنة المقبلة، إلى جانب أسس تقدير النفقات. كما يتضمن، كذلك، مواعيد موافاة وزارة المالية، بمشروعات موازنات الوزارات والهيئات العامة.
ج. إعداد مشروعات موازنات الوزارات والهيئات العامة:يجرى تشكيل لجنة في كل وزارة أو هيئة عامة تتولى إعداد مشروع الموازنة الخاصة بها، وذلك، في ضوء التوجيهات والبيانات، التي يتضمنها منشور الموازنة العامة.
د. بحث مشروعات موازنات الوزارات والهيئات العامة ومناقشتها:ويجرى ذلك في وزارة المالية، بعد أن توافيها الوزارات والهيئات العامة بمشروعات موازناتها، حيث تتولى الإدارات المختلفة بوزارة المالية بحث هذه المشروعات ومراجعتها من الناحية الفنية والحسابية، ومناقشة المسؤولين في الوزارات والهيئات العامة في تفاصيلها، وطلب ما يحتاجون إليه من بيانات ومستندات.
هـ. إعداد الإطار النهائي للموازنة وعرضه على مجلس الوزراء:بعد أن تنتهي وزارة المالية من بحث ومناقشة مشروعات موازنات جميع الوزارات والهيئات العامة، تتولى إعداد الإطار النهائي للموازنة، الذي يتم عرضه على مجلس الوزراء، لاتخاذ قرار في أي نقاط خلاف، ثم يحال مشروع الموازنة العامة إلى السلطة التشريعية.
أسس تقدير نفقات وإيرادات الموازنة العامة
تُعدّ سلامة تقدير نفقات وإيرادات الموازنة العامة للدولة المؤشر الحقيقي، لواقعية الموازنة. لذلك، تحاول السلطة التنفيذية اختيار الأسلوب الأكثر كفاءة في تقدير نفقاتها وإيراداتها، عند إعداد مشروع الموازنة العامة للدولة. وفيما يلي أهم طرق التقدير:
أ. طريقة تقدير النفقات العامة
تُعدّ طريقة “التقدير المباشر” هي الطريقة المتبعة، دائماً، في تقدير النفقات العامة. وبمقتضى هذه الطريقة تُقدّر النفقات طبقاً للاحتياجات المعروفة، لدى الموظفين المختصين في مختلف الوزارات والهيئات العامة. وفي الظروف الواقعية، تميل الوزارات والهيئات العامة، عادة، إلى المغالاة في تقدير نفقاتها، حتى تضمن لنفسها ظروف إنفاق ملائمة للعمل، وحتى يتسنى لها مواجهة أي ظروف طارئة خلال العام. ولذلك فإن تقديرات النفقات التي تتولى الوزارات والهيئات العامة إعدادها، تتم مراجعتها في وزارة المالية، التي تراعى وجود معدلات للإنفاق، وتستشهد بالإنفاق الفعلي في السنتين الأخيرتين. كما أن هناك مراجعة أخرى لتقديرات النفقات تُجرى في اللجنة الفنية المختصة، في السلطة التشريعية.
ب. طرق تقدير الإيرادات العامة
(1) طريقة التقدير المباشر:وذلك بأن يستعين المسؤولون، عن إعداد الموازنة، بجميع البيانات والمعلومات، التي يستطيعون الحصول عليها، لتحديد الإيرادات المتوقعة، خلال السنة المقبلة. فإلى جانب الإيرادات التي حُصّلت في السنوات الأخيرة، يؤخذ في الحسبان التغيرات المتوقعة في الضرائب، والرسوم المختلفة، وكذلك ما ينتظر أن يكون عليه النشاط الاقتصادي، والدخل القومي… إلخ.
(2) طريقة حسابات السنة قبل الأخيرة:وذلك بأن تُقدّر الإيرادات العامة للسنة المقبلة، على أساس الإيرادات التي تحققت فعلا في السنة قبل الأخيرة، باعتبار أنها آخر سنة عرفت نتائجها، مع عدم إدخال أي تعديلات على أرقام هذه الإيرادات، إلاّ إذا كان هناك سبب مؤكد يدعو إلى ذلك، مثل: فرض ضريبة جديدة، أو زيادة سعر ضريبة قائمة فعلاً.
(3) طريقة الزيادات السنوية:وذلك بأن تُقدّر الإيرادات العامة للسنة المقبلة، على أساس متوسط الإيرادات، التي حُصِّلت خلال فترة سابقة (ثلاث سنوات، عادة)، وتُزاد بنسبة مئوية معينة، تمثل معدل الزيادة في الدخل القومي.
طرق تصوير الحسابات المالية للدولة
هنـاك طريقتـان لتصـوير الحسابات الماليـة للدولـة: طريقـة محاسبـة الحقـوق، وطريقـة محاسبة الخزانة.
أ. الطريقة الأولى (محاسبة الحقوق)، وبمقتضاها تتضمن الحسابات المالية للدولة جميع الإيرادات والنفقات، التي ترتَّبَت على تصرفات تمت خلال السنة المالية، بصرف النظر عن تاريخ تحصيل الإيرادات أو دفع النفقات.
ومن الواضح، أن الحساب الختامي للحكومة، في هذه الحالة، لا يُقفل عند انتهاء السنة المالية، وإنما يظل مفتوحاً، عدة أشهر، بعد انتهائها، حتى تتم جميع عمليات التحصيل والدفع الناتجة عن تصرفات أجريت خلال السنة المالية.
ب. الطريقة الثانية (محاسبة الخزانة)، وبهذه الطريقة لا تتضمن الحسابات المالية للدولة إلاّ الإيرادات المحققة، أي التي حُصِّلت فعلاً، والنفقات المحققة، أي التي دُفعت فعلاً خلال السنة المالية. ومن الواضح أن الحساب الختامي للحكومة، في هذه الحالة، يُقفل يوم انتهاء السنة المالية.
علاقة طرق تصوير الحسابات المالية للدولة، بموضوع إعداد الموازنة العامة للدولة.
إن نتائج تقدير الإيرادات العامة والنفقات العامة تتوقف، إلى حد بعيد، على الطريقة المتبعة في تصوير الحسابات المالية للدولة. ففي حالة إتباع طريقة محاسبة الحقوق، تتضمن الموازنة، لسنة معينة، جميع الإيرادات والنفقات، التي تترتب على الحقوق والديون، التي من المتوقع أن تنشأ خلال السنة، بصرف النظر عن التاريخ الذي تتم فيه المتحصلات والمدفوعات. أمّا في حالة اتباع طريقة محاسبة الخزانة، فإن الموازنة العامة لسنة معينة، لا تتضمن سوى الإيرادات والنفقات التي تتحقق فعلاً، خلال السنة، حتى لو ترتبت على حقوق وديون تكون قد نشأت قبل السنة المالية، أو تنشأ بعدها.
ثانياً: مرحلة اعتماد الموازنة العامة للدولة
السلطة المختصة باعتماد الموازنة:
تنفرد السلطة التشريعية باعتماد الموازنة، على أساس أنها جهة الاختصاص الوحيدة، التي تتولى مراجعة الحكومة في جميع أعمالها. وتعتمد الموازنة قبل تنفيذها، فالسلطة التنفيذية لا تستطيع أن تبدأ في التنفيذ إلا بعد اعتماد الموازنة من السلطة التشريعية.
وقد يحدث، في الحياة العملية، أن تطول مناقشة السلطة التشريعية لمشروع الموازنة العامة، ومن ثَمّ، لا تُعتمد (يُصادق عليها) قبل بداية السنة المالية، وفي هذه الحالة، يستمر العمل بالموازنة القديمة، إلى حين اعتماد الموازنة الجديدة.
2. إجراءات اعتماد الموازنة
ما أن تتقدم الحكومة بمشروع الموازنة العامة إلى السلطة التشريعية، تتولى اللجنة الفنية المختصة (اللجنة المالية) دراسة المشروع، جملة وتفصيلاً، وإعداد تقرير عنه، يتضمن ملاحظات اللجنة والتعديلات، التي ترى إدخالها على المشروع. ومن حق هذه اللجنة أن تطلب من مختلف الجهات العامة ما ترى ضرورة الحصول عليه من بيانات ومعلومات، للاستفادة بها، عند دراسة مشروع الموازنة العامة. ومن حق اللجنة،كذلك، أن تستدعى الوزراء والمسؤولين، الذي أسهموا في إعداد مشروع الموازنة العامة لمناقشتهم.
وبعد أن تنتهي اللجنة من إعداد تقريرها، يحال إلى البرلمان، لفحص المشروع، على ضوء هذا التقرير، وما يكون قد ورد به من ملاحظات. وبعد أن ينتهي البرلمان من مناقشة مشروع الموازنة العامة واعتمادها باباً باباً، يقترع على المشروع متكاملاً.
حق السلطة التشريعية في تعديل تقديرات الموازنة
من حق أعضاء السلطة التشريعية إبداء الملاحظات على كافة بنود مشروع الموازنة العامة، من إيرادات ونفقات، وكذلك، حق طلب إجراء التعديلات بالزيادة أو النقص، لكافة بنود مشروع الموازنة العامة. ولاشك أن هذا الحق المقرر للسلطة التشريعية يعدّ أمراً طبيعياً، وإلاّ كان اعتماد (تصديق) السلطة التشريعية الموازنة العامة غير ذي معنى.
ولكن، على الرغم من ذلك، فإن دساتير معظم الدول تنص على ضرورة موافقة الحكومة على ما يقترحه أعضاء السلطة التشريعية من تعديلات. والواقع أن هذا القيد يرجع إلى أسباب عديدة منها:
أ. يُطالب أعضاء السلطة التشريعية، دائماً، بزيادة النفقات العامة، ليس بهدف المصلحة العامة، ولكن لتحقيق مصالح فئوية، أو لمجرد كسب رضاء ناخبيهم.
ب. يؤثر تعديل أرقام الإيرادات العامة أو النفقات العامة في التوازن الاقتصادي العام، ومن الضروري إعادة النظر فيه.
ج. ترتبط الموازنة العامة بكلٍّ من الخطة العامة والموازنة النقدية، ولذلك فعند تعديل أرقام الموازنة العامة، لا بد من إعادة النظر في الخطة العامة والموازنة النقدية.
د. يؤثر تعديل أرقام الموازنة العامة في مدى إمكانية تنفيذ برنامج الحكومة، الذي التزمت به أمام السلطة التشريعية.
لهذه الأسباب، فإن الأمر يقتضي ضرورة الحصول على موافقة الحكومة على اقتراحات السلطة التشريعية، بإجراء تعديلات في مشروع الموازنة العامة
طبيعة قانون ربط الموازنة
بعد أن ينتهي البرلمان من الاقتراع بالموافقة على مشروع الموازنة العامة بأكمله، يصدر قانوناً يسمى “قانون ربط الموازنة العامة”. وفي هذا القانون، يتم تحديد الرقم الإجمالي لكل من الإيرادات العامة، والنفقات العامة. كما يُرفق به جدولان، يتضمن أحدهما تفصيلات الإيرادات العامة، ويتضمن الآخر تفصيلات النفقات العامة.
ويلاحظ أن “قانون ربط الموازنة العامة”، لا يعدّ قانوناً، إلاّ من الناحية الشكلية فقط، على أساس أن الموازنة العامة هي أحد منجزات السلطة التشريعية، التي تصدر عادة بقانون. أمّا من حيث المضمون، فإن الموازنة العامة هي عمل إداري ومالي.
وحتى يظهر بوضوح لماذا لا يعدّ “قانونربط الموازنة العامة” قانوناً، إلا من الناحية الشكلية فقط، فإن أهم أوجه الاختلاف بين هذا القانون والقوانين الأخرى هي:
إن أي قانون ينطوي على قواعد عامة دائمة، تنظم الحقوق والواجبات والعلاقات والمعاملات. أمّا “قانون ربط الموازنة العامة” فهو قانون وقتي لمدة سنة فقط، كما أنه يصدر لإجازة تصرفات معينة، تنفيذاً لقوانين سارية.
لا يُنشئ “قانون ربط الموازنة العامة”، بنفسه، ضرائب جديدة، أو يرفع من فئات الضرائب القائمة. لذلك، فإذا تضمن جانب الإيرادات حصيلة ضريبة جديدة، أو زيادة في حصيلة ضريبة قائمة، نتيجة زيادة معدلاتها، فلابد أن تصدر لها قوانين مستقلة.
إذا تأخر صدور “قانون ربط الموازنة العامة”، فإن ذلك لا يعنى توقف إنفاق الأموال العامة لتسيير المرافق وأداء الخدمات، ولا توقف جباية الأموال العامة المفروضة بقوانين.
لا يستحدث “قانون ربط الموازنة العامة” أجهزة أو مصالح عامة. لذلك، إذا تضمن جانب النفقات العامة اعتمادات لأجهزة أو مصالح عامة جديدة، فإن هذه الاعتمادات لا تكون قابلة للصرف، إلاّ بعد صدور قرارات إنشاء تلك الأجهزة والمصالح العامة.
ثالثاً: مرحلة تنفيذ الموازنة العامة للدولة
عقب إقرار الموازنة العامة للدولة، من السلطة التشريعية، وصدور قانون العمل بها، تصبح واجبة التنفيذ في الأمرين التاليين:
تحصيل الموارد العامة للدولة، من ضرائب ورسوم، فضلاً عن مصادر التمويل الأخرى، الواردة في الموازنة العامة للدولة.
الصرف من اعتمادات الاستخدامات، بما لا يجاوز اعتمادات الصرف.
وتلتزم الوحدات الإدارية، في مجال تنفيذ الموازنة العامة للدولة، بلوائحها وتعليماتها، فضلاً عن قواعد المراقبة الداخلية للمصروفات والمتحصلات الحكومية، الواردة في اللائحة المالية للموازنة والحسابات الحكومية.
رابعاً: مرحلة الرقابة على تنفيذ الموازنة
تتولى مجموعة من أجهزة الدولة أعمال الرقابة، الداخلية والخارجية، على تنفيذ الموازنة العامة للدولة. فبالإضافة إلى الرقابة الداخلية، التي تنفذها الوحدة الإدارية الحكومية، وفقاً للوائح والإجراءات المنظمة لأعمال الصرف والتحصيل، تتولى عدة أجهزة خارجية الرقابة على تنفيذ الموازنة العامة للدولة، كرقابة وزارة المالية والبرلمان.
إن أهم ما يميز رقابة تنفيذ الموازنة العامة للدولة، أنها تعتمد على كل من أسلوب الرقابة المانعة (أي الرقابة قبل التنفيذ)، وهي رقابة داخلية تهدف إلى التحقق من أن التصرفات المالية تُجرى وفقاً للقواعد والإجراءات المنظمة لها، وأسلوب الرقابة اللاحقة (أي الرقابة بعد التنفيذ)، وتؤديها الأجهزة الخارجية المختصة، بهدف التحقق من سلامة تنفيذ العمليات، فضلاً عن تقييم أداء تنفيذ الموازنة