– ماهية السلوك الإنساني .
يعرف السلوك الإنساني بأنه كل الأفعال والنشاطات التي تصدر عن الفرد سواءً كانت ظاهرة أم غير ظاهرة. ويعرفه آخرين بأنه أي نشاط يصدر عن الإنسان سواءً كان أفعالا يمكن ملاحظتها وقياسها كالنشاطات الفسيولوجية والحركية أو نشاطات تتم على نحو غير ملحوظ كالتفكير والتذكر والوساوس وغيرها.
والسلوك ليس شيئاً ثابتاً ولكنه يتغير وهو لا يحدث في الفراغ وإنما في بيئة ما، وقد يحدث بصورة لاإرادية وعلى نحو ألي مثل التنفس أو الكحة أو يحدث بصورة إرادية وعندها يكون بشكل مقصود وواعي وهذا السلوك يمكن تعلمه ويتأثر بعوامل البيئة والمحيط الذي يعيش فيه الفرد.
والسلوك نوعان هما:-
أ- السلوك الاستجابي:
وهو السلوك الذي تتحكم به المثيرات التي تسبقه، فبمجرد حدوث المثير يحدث السلوك، فالحليب في فم الطفل يؤدي إلى إفراز اللعاب، ونزول دموع العين عند تقطيع شرائح البصل وهكذا وتسمى المثيرات التي تسبق السلوك بالمثيرات القبلية , إن السلوك الاستجابي لا يتأثر بالمثيرات التي تتبعه وهو أقرب ما يكون من السلوك اللاإرادي، فإذا وضع الإنسان يده في ماء ساخن فانه يسحبها اوتوماتيكياً، فهذا السلوك ثابت لا يتغير وان الذي يتغير هو المثيرات التي تضبط هذا السلوك.
ب.السلوك الإجرائي:
هو السلوك الذي يتحدد بفعل العوامل البيئية مثل العوامل الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والدينية والجغرافية وغيرها ,كما أن السلوك الإجرائي محكوم بنتائجه فالمثيرات البعدية قد تضعف السلوك الإجرائي وقد تقويه وقد لا يكون لها أي تأثير يذكر , ونستطيع القول أن السلوك الإجرائي أقرب ما يكون من السلوك الإرادي
خصائص السلوك:
1.القابلية للتنبؤ:
إن السلوك الإنساني ليس ظاهرة عفوية ولا يحدث نتيجة للصدفة وإنما يخضع لنظام معين، وإذا استطاع العلم تحديد عناصر ومكونات هذا النظام فانه يصبح بالامكان التنبؤ به، ويعتقد معدلي السلوك أن البيئة المتمثلة في الظروف المادية والاجتماعية الماضية والحالية للشخص هي التي تقرر سلوكه، ولذلك نستطيع التنبؤ بسلوك الشخص بناءً على معرفتنا بظروفه البيئية السابقة والحالية، وكلما ازدادت معرفتنا بتلك الظروف وكانت تلك المعرفة بشكل موضوعي أصبحت قدرتنا على التنبؤ بالسلوك أكبر ،ولكن هذا لا يعني أننا قادرون على التنبؤ بالسلوك بشكل كامل ،فنحن لا نستطيع معرفة كل ما يحيط بالشخص من ظروف بيئية سواء في الماضي أو الحاضر .
2.القابلية للضبط:
إن الضبط في ميدان تعديل السلوك عادة ما يشمل تنظيم أو إعادة تنظيم الأحداث البيئية التي تسبق السلوك أو تحدث بعده،كما أن الضبط الذاتي في مجال تعديل السلوك يعني ضبط الشخص لذاته باستخدام المباديء والقوانين التي يستخدمها لضبط الأشخاص الآخرين.
والضبط الذي نريده من تعديل السلوك هو الضبط الايجابي وليس الضبط السلبي، لذا أهم أسلوب يلتزم به العاملون في ميدان تعديل السلوك هو الإكثار من أسلوب التعزيز والإقلال من أسلوب العقاب.
3.القابلية للقياس:
بما أن السلوك الإنساني معقد لان جزء منه ظاهر وقابل للملاحظة والقياس والجزء الأخر غير ظاهر ولا يمكن قياسه بشكل مباشر لذلك فان العلماء لم يتفقوا على نظرية واحدة لتفسير السلوك الإنساني، وعلى الرغم من ذلك فان العلم لا يكون علمياً دون تحليل وقياس الظواهر المراد دراستها، وعليه فقد طور علماء النفس أساليب مباشرة لقياس السلوك كالملاحظة وقوائم التقدير والشطب وأساليب غير مباشرة كاختبارات الذكاء واختبارات الشخصية، وإذا تعذر قياس السلوك بشكل مباشر فمن الممكن قياسه بالاستدلال عليه من مظاهره المختلفة.
يقوم الإنسان بإشباع غرائزه وحاجاته العضوية كلما ثارت، أي كلما احتاجت إلى إشباع، وذلك بناء على ما عنده من مفاهيم عن الشيء الذي يُسبِع، وعن طريقة الإشباع. فكل أعمال الإنسان، منذ أن يبدأ بالحركة إلى أن يموت، لا تخرج عن عملية إشباع لإحدى غرائزه أو حاجاته العضوية، أي أن سلوكه كله في الحياة هو لعملية الإشباع هذه، ولا سلوك له خارج هذه العملية. ومن هنا نقول أن السلوك هو فعل يستجيب به الكائن الحي لدافع داخلي ـ غريزة أو حاجة عضوية ـ استجابة معينة واضحة للعيان، وتكون عضلية أو عقلية أو الاثنين معاً.
وسواء ميّزنا السلوك الظاهر والصريح ـ وهو الذي يمكن ملاحظته وتسجيله ـ من السلوك المضمر أو المستتر ـ وهو الذي يصعب على الآخرين ملاحظته لأنه ربما اشتمل على مشاعر أو أفكار ولكنه قد يستنتج من السلوك الظاهر للأفراد، سواء ميزنا أم لم نميز فإن السلوك يبقى هو هو: تصرف أو فعل أو تصرفات قولية يقوم بها الإنسان إشباعاً لجوعة أو غريزة، وذلك نتيجة لمشاهدة واقع محسوس أمامه أو نتيجة لتفكيره بواقع غير مشاهد.
تنظيم السلوك
قلنا إن السلوك هو فعل يستجيب به الكائن الحي لغريزة أو لحاجة عضوية، وهذا ينطبق على كل كائن حي من إنسان وحيوان، لأن الإنسان والحيوان يشتركان في غرائزهما وحاجاتهما العضوية وضرورة إشباعها. ولذلك عرف السلوك الفطري بأنه ذلك الذي يشترك فيه جميع أفراد النوع، وعرف بالمقابل السلوك الموجّه وهو الذي يتبع فيه الإنسان توجيهاً داخلياً معيّناً على ضوء الأعراف والأفكار الموجودة ليده. وهذا هو الفرق بين السلوك الإنساني والسلوك الحيواني، فإن سلوك الحيوان فطري فقط، بينما سلوك الإنسان موجَّه بتوجيه داخلي هو مجموعة المفاهيم أو الأفكار التي صدّق بها، ولذلك تميز الإنسان عن الحيوان بأنه كائن حي مفكّر.
ولما كانت المفاهيم هي التي تنظم السلوك الإنساني وتوجهه، كان يجب أن ينصبّ العمل للارتقاء على المفاهيم بجدّ ونشاط، وذلك لتحويلها من الخطأ إلى الصواب لكي يتحول السلوك الإنساني إلى الصواب. ولما كانت هذه المفاهيم أصلاً أفكاراً جرى التصديق بها بناء على قاعدة فكرية لدى الإنسان، وهي كلها ـ فرعية كانت أو أساسية ـ مبنية على هذه القاعدة الفكرية ونابعة منها، كان لا بد أن ينصب العمل أولاً على هذه القاعدة الفكرية، وهي العقيدة التي تحدد الفكر عن الحياة. ومن هنا، نستطيع أن نقول أننا وصلنا إلى ترتيب أولويات التغيير لدى الإنسان أولاً فأول .
إذاً أول ما يجب أن يُبدأ به هو العقيدة، وذلك أن تعطى العقيدة للإنسان بطريقة بحث عقلية تستند إلى البديهيات التي لا يختلف عليها عاقلان حتى يقتنع عقله ويمتلئ قلبه طمأنينة. وبقدر ما تكون هذه الثوابت راسخة، تكون العقيدة كذلك. وحينذاك، يكون لدى الإنسان الفكر الأساس الذي يستطيع أن يبني أفكاره الأساسية عليه، وبالتالي يستمد منه النظم التي تعالج حياته وتنظم سلوكه وسلوك من يعيش معه على هذه الأرض.
فمن خلال هذه العقيدة وعلى أساسها تتكون المفاهيم لدى الإنسان. وقد تكون هذه المفاهيم صحيحة فتنتج سلوكاً صحيحاً، وقد تكون كذلك خاطئة فتنتج سلوكاً خاطئاً. والحقيقة أن المفاهيم التي يكوّنها الإنسان، وبالتالي سلوكه، تكون صحيحة بقدر ما تكون العقيدة التي كوّن هذا الإنسان مفاهيمه على أساسها صحيحة، وتكون خاطئة كذلك أيضاً، وإنما نعرف صحة السلوك أو المفاهيم من مدى صحة الفكر الكلّي الذي نبعت منه هذه المفاهيم، وهو العقيدة.
فالمفاهيم هي حكم على واقع معيّن تتم نتيجة لربط هذا الواقع بالمعلومات والحقائق الموجودة أصلاً لدى الإنسان. وحتى تكون هذه المفاهيم صحيحة، لا بد من الدقة في عقل الواقع وربطه بالحقائق المناسبة ـ وهي الأفكار الكلية النابعة من العقيدة.
وكذلك فإن نتيجة تلك العملية الفكرية، أي الحكم على الواقع بالقبول أو الرفض، أو بالصحة أو الخطأ، هذا الحكم هو الذي يعين للإنسان الميول نحو هذا الواقع من إقبال أو إعراض، من حب أو بعض. وبذلك يكون قد حصل لهذا الإنسان ذوق خاص بناءً على خصوصية العقيدة.