بعد أن تحدثنا عن القادة والأتباع أصبح لزاماً أن نتحدث عن القيادة الوسطى التي غالباً ما تهمل أو يتم تجاهلها من قبل المفكرين والدارسين. إن
القيادة مستويات ودرجات. ففي العمل السياسي الإسلامي الأول هناك الخليفة ثم الوالي ويليه العمال وهكذا. كما يوجد في الشركات مستويات مختلفة من الإدارة، بدءاً من رئيس مجلس الإدارة ومروراً بالمدير العام وانتهاءً بمديري الأقسام والدوائر.
ويعتبر هؤلاء جميعهم قادة وإن تفاوتت درجاتهم. فكل منهم قائد بالنسبة لمن تحته وتابع لمن هو أعلى منه. ودور كل من هؤلاء أن يقود من هم تحت سلطته نحو الهدف المشترك للمنظمة.
ويجب أن يختلف تعامل القادة مع أتباعهم من الدرجات القيادية الوسطى عن تعاملهم مع باقي الأتباع أو الجنود. لأن هؤلاء بطبيعتهم قادة لا جنود وهم بحاجة لمعاملة خاصة تشعرهم بمكانتهم وتحفزهم على قيادة أتباعهم وتعبئتهم باتجاه تحقيق الأهداف المنشودة.
ومن أبرز خصوصيات التعامل مع قادة المراتب الوسطى ما يلي
أولاً:
توجيههم عبر الإقناع والحوار وإعطائهم الفرصة الكافية للمناقشة وإبداء الرأي وحتى حق الاعتراض والتعديل على الخطط والأهداف. فإذا اقتنعوا بالأهداف والخطط وتبنوها أصبح من السهل ضمان حسن التنفيذ وإقناع كل منهم لمن تحته من الموظفين والعاملين.
ثانياً:
إعطائهم مكانة معنوية خاصة لا تمنح لغيرهم كمناصب معينة أو المشاركة في دائرة خاصة باتخاذ القرار، كي يكون لهم مكانتهم وهيبتهم فيتبعهم من هم أدنى منهم مرتبة. وهذا من ناحية يؤدي إلى تحقيق مبدأ الشورى كونهم يمثلون أهل الحل والعقد في المنظمة، ومن ناحية أخرى يزيد من ولاءهم وإخلاصهم وحماسهم لتنفيذ قرارات وخطط قيادة المؤسسة والدفاع عن صحة هذه الخطط. وقد فعل عمر بن الخطاب هذا عند مقتله عندما حدد مجموعة الشورى في ستة أشخاص تحملوا مسؤولية وأمانة اختيار خليفة وقائد المسلمين.
ثالثاً:
منحهم حرية كبيرة في التصرف وإعطائهم صلاحيات واسعة لأداء عملهم وتنفيذ ما وضع من خطط وبرامج تحقق الأهداف والتطلعات التي كانوا جزءاً من عملية وضعها وتقريرها. ويترافق هذا التفويض الواسع مع قيام القائد الأعلى بالتوجيه والإرشاد والمتابعة ضماناً لحسن الأداء وعدم الانحراف عن المسار الذي تم تحديده.
رابعاً:
من المفيد أن يخصهم القائد ببعض القضايا والأسرار، أو أن يتعامل معهم بشكل شخصي يرفع الكلفة بينه وبينهم مع المحافظة على هيبة القائد ومكانته. ومن أمثلة ذلك تعامل الرسول صلى الله عليه وسلم الشخصي والمباشر مع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
خامساً:
التجاوز عن صغائر الأخطاء التي لا تقارن بمزاياهم وخدماتهم وعطائهم. ومن ذلك ما حدث من عمر بن الخطاب في قضية القبطي الذي ضربه ابن عمرو بن العاص حيث انتصر عمر للقبطي ولكن دون عزل عمرو بن العاص عن منصبه. أي أن التجاوز عن الأخطاء الصغيرة لا يكون سبباً للفساد ولا ينفي ضرورة العدل بين الناس داخل وخارج المنظمة أو بين الأتباع وغيرهم ولكن دون الإفراط في العقاب، إذ يقدر القائد لكل أمر قدره.