اهمية معايير المحاسبه الدوليه لدفع النمو
بينما تتزايد درجة العولمة على مستوى الاقتصاديات المحلية من خلال تبسيط القواعد واصلاحات السوق، تتزايد الحاجة لايجاد نقطة تلاقى بين المعايير المعمول بها فى اعداد التقارير المالية على المستوى المحلى وبين معايير المحاسبة الدولية. ولكن لتحقيق درجة اكبر من الشفافية على المستوى العالمى فى اطار المساءلة العالمى يجب توافر المؤسسات اللازمة لاقتصاد السوق الحر قبل توقع حدوث هذا التوافق. بالاضافة الى ذلك، يحتاج الأمر الى توافر ميثاق فعال لاسلوب ممارسة سلطات الادارة corporate governance ودرجة اكبر من الاستقلالية على مستوى مجالس الادارات. واخيرا يجب ان يتضمن اطار المساءلة العالمى بعض معايير الفعالية غير المالية حتى تتمكن الشركات من اعداد التقارير حول انشطتها فى مجال المسئولية الاجتماعية مع تحديد درجة الافصاح حول المعلومات المالية التى تتسم بالحساسية الشديدة.
ان التطورات الاخيرة فى التجارة العالمية من شأنها أن تؤدى الى موجة جديدة من تخفيف القواعد والاجراءات واصلاح الاقتصاديات المحلية. أن الطلب على رؤوس أموال الاعمال التى يتوقع لها النمو من اسواق رأس المال الرئيسية تعتمد على توافق مبادئ المحاسبة العامة المحلية ومعايير المحاسبة الدولية. وبتعبير مباشر نقول أن هؤلاء الذين يسعون الى تعبئة الموارد المالية سيحتاجون الى ايجاد توافق بين اسلوبهم المحلى فى تطبيق معايير المحاسبة الدولية وبين معايير المحاسبة العامة الأمريكية وهى المعايير المعمول بها فى اعداد التقارير فى اسواق راس المال الرئيسية فى العالم.
معايير المحاسبة الدولية
إن وضع واستخدام معايير المحاسبة الدولية وحده لايكفى لتحقيق نوع النمو الاقليمى الذى نتوقعه للاعمال. غير أن توفيق معايير المحاسبة الدولية مع المعايير المحاسبية لسوق راس المال الامريكى سيكون له اثر هائل على التدفقات الرأسمالية. وتقوم الهيئة الأمريكية لتبادل الأوراق المالية بالعمل مع عدة مؤسسات ومنتديات لوضع اطار مقبول عالميا لاعداد التقارير المالية.
وعبر السنوات الماضية، ادركت الهيئة الأمريكية لتبادل الأوراق المالية ان الشركات الاجنبية تتخذ قرارها بشأن بيع السندات فى الولايات المتحدة لعدة اسباب لا يرتبط معظمها بالقوانين والقواعد الأمريكية ولكن بعض تلك الشركات الاجنبية عبرت عن عدم ارتياحها لاستخدام القواعد المحاسبية الامريكية كسبب لعدم ادراجها فى اسواق المال الامريكية. وقد فضلت هذه الشركات عدم ادراجها فى الولايات المتحدة على استخدام معايير محاسبية لم تشارك فى وضعها. وبالتالى قد يصبح قبول البيانات المالية التى تم اعدادها طبقا للمعايير المحاسبية الدولية دون شرط التوافق مع المعايير الامريكية العامة سببا فى زيادة عدد الشركات الاجنبية المدرجة فى اسواق المال الامريكية.
إلا أن هناك عوامل اخرى يمكنها الاستمرار فى اعاقة دخول الاجانب الى الاسواق الامريكية. فعلى سبيل المثال، عبرت بعض الشركات الاجنبية عن عدم ارتياحها للاجراءات القانونية ومتطلبات الافصاح العامة المصاحبة لدخولها الاسواق الامريكية. كما قد تتعرض الشركات الاجنبية لضغوط محلية للاحتفاظ بالطرح الاولى لسنداتها فى اسواق البلد الأم.
وحاليا، لا تسمح الهيئة الأمريكية لتبادل الاوراق المالية للشركات الاجنبية بطرح اسهمها الخارجية فى سوق نيويورك قبل اصدار بيان مالى يتبع المعايير المحاسبية الامريكية العامة بما ينطوى عليه ذلك من تكلفة مالية تؤدى الى تحديد دخول الشركات الاجنبية اسواق المال الامريكية وتعطل حصول الولايات المتحدة على الاستثمار الخارجى. ان حجم الاستثمار الكامن يعتبر حجما هائلا اذا اخذنا بعين الاعتبار ان من بين الشركات الاجنبية الرئيسية التى يزيد عددها عن 2000 شركة، لا تزيد نسبة الشركات المسجلة بها فى بورصة نيويورك عن 10%. ويعتقد الكثيرون ان الولايات المتحدة ستخسر شهرتها العالمية لصالح اسواق لندون وبعض الاسواق الاوربية الاخرى ما لم يتم تعديل السياسة الامريكية.
إذن يكون على مصدرى الاوراق المالية الذين يرغبون فى دخول اسواق رأس المال فى دول مختلفة التوافق مع متطلبات كل سوق وهى متطلبات تختلف من سوق الى اخر. ومع تغير تلك المتطلبات من سوق الى اخر تزيد تكلفة دخول اسواق متعددة ويكون هناك عدم كفاءة فى التدفق الرأسمالى عبر الحدود. وتعمل الهيئة الأمريكية لتبادل الاوراق المالية مع القائمين على التشريعات الخاصة بالاوراق المالية فى اماكن متعددة من العالم على تقليل الاختلافات بين التشريعات والقواعد.
وقد تتغير السياسات المحاسبية العالمية قريبا حيث يعمل واضعو القواعد المحاسبية فى جميع انحاء العالم نحو تحقيق هدف التوافق. وفى مقدمة الهيئات التى تعمل من اجل هذا الهدف اللجنة الدولية للمعايير المحاسبية (IASC) التى تهدف الى وضع معايير محاسبية تؤدى الى توافق السياسات المحاسبية على مستوى العالم. وقد عبرت الهيئة الامريكية لتبادل الاوراق المالية عن استعدادها للتوافق مع تلك المعايير بل قامت خلال العام الماضى بقبول ثلاثة من المعايير المحاسبية الدولية فى مجال بيانات التدفقات النقدية وأثر التضخم المفرط وتسجيل السندات الخارجية. ولكن يبدو ان الاجماع العام مازال يعتقد انه قبل تحقيق تقدم حقيقى فى مجال التوافق، يجب أن تتاح لواضعى المعايير الدولية المزيد من الموارد والمشاركة الفعالة من قبل الاطراف الرئيسية.
وقد ساهمت عدة عوامل فى الوصول الى هذا التوافق. فالشركات الكبرى التى تعمل عبر الحدود بدأت فى تطبيق معاييرها المحلية باسلوب يتوافق مع معايير اللجنة الدولية للمعايير المحاسبية او المعايير المحاسبية الامريكية العامة. وبالاضافة الى ذلك، يجب أن تكون المعايير المحاسبية المستخدمة على مستوى راق ويجب ان يصاحب ذلك بنية اساسية قادرة على فهمها وتطبيقها وعلى تحديد وحل القضايا والاشكاليات التى قد تنشأ عن التطبيق بشكل سريع. تتضمن عناصر تلك البنية الأساسية عناصر بشرية تتمتع بالاستقلالية والقدرة على وضع معايير دقيقة للمحاسبة والمراجعة وشركات للمراجعة الداخلية تتمتع بالكفاءة والفعالية على المستوى العالمى وتتوافق مع معايير المهنة والقدرة على مراجعة ودراسة وفحص القواعد والاجراءات.
اسلوب ممارسة سلطات الادارة
يدل تعبير “اسلوب ممارسة سلطات الادارة corporate governance” على “الاجراءات والهياكل التى تدار من خلالها اعمال وشئون الشركة من اجل تعظيم فائدة المساهمين على المدى الطويل من خلال تعزيز الاداء والمساءلة بالشركة مع مراعاة مصالح الاطراف المختلفة”. وهناك حاجة ضرورية لتبنى قواعد فعالة لاسلوب ممارسة سلطات الادارة مع زيادة درجة العولمة.
ومن اجل وضع واصلاح نظم اساليب ممارسة سلطات الادارة يجب القيام أولا بالتعرف على المبادئ التى وضعتها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) والتى تبنتها الحكومات اعضاء المنظمة. وتشمل تلك المبادئ حقوق المساهمين والمعاملة المتساوية للمساهمين ودور مختلف اصحاب المصالح فى اسلوب ممارسة سلطات الادارة والشفافية والافصاح ومسئوليات مجلس الادارة. وتوفر الخطوط العريضة لتلك المبادئ قدر كبير من التفاصيل حول وظائف المجلس فى حماية الشركة والمساهمين بها واصحاب المصالح المختلفة. ويتضمن ذلك عناصر مختلفة مثل استراتيجية الشركة والمخاطر التى تواجهها ومكافأة الادارة التنفيذية وأداء تلك الادارة الى جانب النظم المحاسبية ونظم اعداد التقارير.
العولمة
لقد غيرت العولمة والتقدم التكنولوجى طريقة تنظيم الاعمال والحكومات والمجتمعات. ويعتبر نموذج الاعمال الجديد من القوى الدافعة وراء هذه التغيرات. نموذج الاعمال الجديد هذا يعد فلسفة للتنظيم البشرى تعتمد على العمل الجماعى وحفز الافراد وتقليل الفاقد بما فى ذلك تكلفة عدم الاستخدام الامثل للطاقات البشرية وبناء البنية الاساسية اللازمة لخلق المعرفة. أن الفروق فى التصنيف بين نموذج الاعمال القديم والجديد قد تكون فروق زائفة ولكن المهم هنا هو أن تقوم المعايير المحاسبية الدولية بجعل العلاقات والتحالفات الاستراتيجية فى الشركات اكثر شفافية.
ان اسلوب استجابة الدول النامية للقوى الراهنة الدافعة للعولمة سيكون لها أثر رئيسى على مستوى المعيشة ومعدلات النمو ونوعية الحياة وعمليات التنمية فى تلك الدول فى العقود القادمة. أن تطبيق نموذج الاعمال الجديد سيقابل فى الدول النامية التى تفتقر الى مؤسسات راسخة مقاومة أقل من الدول المتقدمة ذات المؤسسات الأكثر تطورا ورسوخا.
وبالطبع سيكون من الصعب تبنى نموذج الاعمال الجديد فى فى الدول التى تتسم بجمود هياكل ادارة الشركات وجمود الهياكل السياسية وتنتشر تلك الهياكل بشكل اساسى فى المجتمعات التى تشيع فيها الصراعات او التوترات. ونتيجة لذلك ستتخلف تلك الدول عن ملاحقة تلك الموجة من موجات العولمة بدرجة أكبر من تخلفها عن ملاحقة امواج العولمة السابقة. وهناك بعض الدول النامية التى تتسم بالمرونة والتى يمكنها التكيف بشكل سريع ولكنها قد تواجه صعوبات فى وضع الاطر المؤسسية اللازمة لهذا التغيير. ولا نستطيع الفصل اذا كان تطبيق نموذج الاعمال الجديد سيؤدى الى استفادة ام خسارة الدول النامية حيث يعتمد ذلك بشكل كبير على كيفية استجابة حكومات تلك الدول.
يتمثل اتجاه التغيير فى المستقبل فى مرونة الانتاج ومرونة الهياكل التنظيمية ولذلك يجب على كثير من الدول النامية الاستمرار فى تحسين نوعية النظم التعليمية وهياكل البنية الاساسية وبشكل خاص الاتصالات والنقل حيث يساعد ذلك فى تمكينها من المنافسة بشكل اكثر كفاءة فى الاسواق المحلية والاقليمية بل وبالنسبة لبعض الصناعات فى الاسواق العالمية.
الاستنتاج: يمكن القول ببساطة اننا فى حاجة فى مزيد من الشفافية والمساءلة. ففى الواقع يحتاج اطار المساءلة العالمى الى جهود كبيرة من جميع الاطراف. أن الازدهار فى القرن الواحد وعشرين يحتاج الى براعة اطراف كثيرة فى التنسيق بين انشطة مختلف الاطراف على جانب العمالة وايضا على جانب اصحاب الاعمال وعلى الموازنة بين احتياجات اصحاب المصالح المختلفين والحكومات والمشرعين