أركان نظام التكاليف المعيارية :
إذا كان نظام التكاليف المعيارية يهدف إلى تدعيم وظيفة التخطيط والرقابة فإنه من الواجب أن يقوم على أسس وأركان علمية وواقعية حتى يتمكن من تحقيق أهدافه. وفي رأينا أن أهم هذه الأركان تتمثل في ما يلي :
1/3/6: إعداد معايير واقعيه لعناصر التكاليف : المقصود بالمعاير بصفه عامة هو ذلك المستوى الذي يجب أن يكون عليه الأداء الفعلي مستقبلاً .
وهذا المستوى من الأداء تتم ترجمته في صوره كمية أو مالية أو كمية ومالية في نفس الوقت.
ويكون ناتج الترجمة مقياساً محدداً مسبقاً للأداء الفعلي وهذا المقياس أو بلفظ أخر المعيار لا يتم فرضه علي المنشأة وإنما لكل منشأة أن تعد المعيار الخاص بها في ضوء ظروفها وطبيعة نشاطها وبالتالي يكون معيار المنشأة هو ما تراه المنشأة معياراً لها.
وفي هذا المجال يذكر أستاذنا د . بلبع أن المعايرة التي تقوم بها المنشأة إنما توصلها إلي معايير معدة حسب ظروفها وتناسبها واقعياً وعملياً ومع عدم الإخلال بالأصول العلمية للتكاليف والأداء.
وغني عن البيان أن هذه المعايرة وتلك المعايير التي توصلت إليها إدارة المنشأة هي لذاتها ونابعة من ظروفها وكفاءتها الذاتية فلا تناسب إذن منشأة أخرى .
وعلى كل منشأة أن تقوم بمعايرة ذاتية لها وإقرار المعايير التي تراها كأسس لبناء مخططاتها للفترة القادمة ، وكأدوات تحكم بمقتضاها على التنفيذ والنتائج، وكبيانات تستخدمها في تقويم الإنتاج والتسعير وتحديد الأجور والحوافز وحل مشكلات كثيرة قد تتعرض لها.
فهذه المعايير إذن تدرك المنشأة أهميتها وخطورتها. وإذ تتحمل مسئولية إعدادها واستخدامها، فلابد أن تكون خاصة وذاتية للمنشأة، وليست عامة أو دولية أو مستمرة أو مقتبسة من منشأة أخرى. بل وأكثر من ذلك لعل معايير المنشأة الواحدة التي تصلح لفترة قد لا تصلح لفترة أخرى إذا ما تغيرت ظروف الفترة الثانية عن الأولى.
فالمفروض كما سبق قوله أن الإدارة العلمية تقوم بالمعايرة في ظل أفضل استخدام والانتفاع بالأصول العلمية والخبرات المتاحة والإمكانيات التي تستعملها خلال فترة استخدام المعايير فإذا اختلت إحدى هذه العوامل في فترة أخرى فإن المعايير السابقة لم تعد مسايرة للظروف والإمكانيات الجديدة في الفترة الأخرى. مما يسقط عنها صفة المعايرة الذاتية.
وغني عن البيان، إذا كان لكل منشأة معاييرها الذاتية، فإن الاختلاف بين كفاءة معايير المنشأة ومعايير منشأة مماثلة لها، يكون اختلافاً في أسلوب المعايرة الذاتية في كل منها وكفاءة الإدارة في إجراءات المعايرة والانتفاع بالعلم والخبرة والقدرات المتاحة. فإن اتبعت المنشأة الأولى أسلوباً دقيقاً كانت معاييرها دقيقة، وإذا اتبعت المنشأة الثانية أسلوباً غير دقيق كانت معاييرها غير دقيقة.
ومع ذلك فإن كل منشأة مازال لديها المعايير التي رأتها معاييراً لها فهي المسئولة عنها أولاً وأخيراً فيما يترتب على استخدامها.
وعند إعداد المعيار فإنه قد يكون معياراً مثالياً يفترض توافر ظروف مثالية مصاحبة للتشغيل. وفي هذه الحالة لن يكون إلا مجرد معيار شكلي ويكون بلا وظيفة حيث يصعب الاعتماد على مثل هذا المعيار كأساس للتخطيط وكمرشد للتنفيذ وكأساس للرقابة ومحاسبة المسئولين.
لذا عند إعداد المنشأة لمعيارها يجب أن يكون معيار واقعياً يأخذ في اعتباره ظروف الواقع محل التطبيق بكل أبعاده العامة والتفصيلية.
وبالتالي عند إعداد المعيار يجب دراسة ظروف الواقع محل التطبيق من كافة جوانبه ثم تحديد كيفية تأثير تلك الجوانب على المعيار المقترح للمنشأة ومقدار هذا التأثير سواء من ناحية الكمية أو القيمة.
وفي ضوء تلك الدراسات لظروف الواقع الفنية والتنظيمية والإدارية يتم إعداد المعيار في صورته النهائية أخذاً في اعتباره تلك الظروف مما يجعله معياراً واقعياً يمكن الاعتماد عليه كأساس للتخطيط (وخصوصاً عند إعداد الموازنات التخطيطية) و كمرشد للتنفيذ وكأساس للرقابة ومحاسبة المسئولين باعتباره أساساً دقيقاً وعادلاً للمحاسبة.
2/3/6 قياس الأداء الفعلى ومقابلته مع المعايير: من المفترض بل من الواجب أن يتم التنفيذ الفعلي وفقاً للمعايير المحددة مسبقاً ويقتضي التحقق من هذا الافتراض أن يتم أولاً قياس الأداء الفعلي للنشاط محل الدراسة ثم ثانياً مقابلة هذا الأداء الفعلي مع المعايير المحددة مسبقاً. ويتطلب قياس الأداء الفعلي حصر عناصر التكاليف الفعليـة خــلال الفترة وحصر الإنتاج بكافة تفاصيله خلال نفس الفترة.
ويتطلب حصر عناصر التكاليف الفعلية نظام تكاليف فعلي ملائم للمنشأة يكون الأساس في تصميمه ظروف الحال موضع التطبيق وخصوصاً طريقة الصنع المتبعة (مراحل أو أوامر) ومراعياً للأسس العلمية التي يجب أن يقوم عليها النظام لتحقيق أهدافه التي تتمثل في أدلة العناصر والمراكز ووحدات النشاط والدورات المستندية والمجموعات الدفترية.
وبالنسبة لحصر الإنتاج الفعلي فإنه يتطلب طريقة ملائمة لفحص الإنتاج وحصره أولاً بأول.
وجدير بالذكر أنه كلما كانت الفترة التي يتم الحصر عنها وجيزة كلما تحقق الهدف من قياس الأداء الفعلي وتحققت الاستفادة المرجوة. والمتعارف عليه أن أفضل فترة للحصر الفعلي هي كل شهر حيث يصعب الحصر الفعلي للتكاليف، وخصوصاً غير المباشرة، على فترات أقل من شهر. وفي هذا المجال يذكر د. بلبع أنه من الضروري تواجد نظام سليم وعلمي للتكاليف يحدد خطوط السير في حساب تكلفة الإنتاج ووحدات النشاط الآلي والبشري ويحدد كيفية تجميع البيانات من مصادرها والدورات المستندية اللازمة لذلك . ويحدد كيفية إعداد القوائم والكشوف الخاصة بالتكاليف الفعلية التي تكون محل الضبط عند قياسها على البرامج المخططة والمعايير المعدة لذلك. كما أن الأمر يحتاج إلى التسلسل في تحليل البيانات الفعلية على نمط البيانات المعيارية حتى تسهل وتصح المقارنة والقياس.
كما يتم تحليل الانحرافات بينهما حتى تتضح المسببات والمسئوليات الحقيقية عنها ثم التعمق في تحليل هذه المسببات والمسئوليات في سبيل استنباط وسائل العلاج ومنع تكرار الانحرافات.
وبإتمام القياس الفعلي للتكاليف بالكيفية السابقة يمكن حينئذ مقابلة الفعليات (كمياً ومالياً) بالمعايير المحددة لها مسبقاً. ويمكن حينئذ أيضاً ضبط التكاليف الفعلية بناء على تلك المعايير باعتبار أن المعايير الواقعية هي التي يتم على أساسها الأداء الفعلي ويجب أن يسايرها ولا يتخطاها إلا إذا كان ذلك في صالح المنشأة وبشرط المحافظة على المواصفات المحددة للمنتج.
وإجراء المقابلة بين المعايير والفعليات في هذا التوقيت وبهذه الطريقة يعني أن يتم ضبط التكاليف والأداء الفعلي والتحكم فيه عند منبع حدوث التكلفة.
وفي هذا الإطار تؤكد على مبدأ الضبط عند المنبع الذي اقترحه وأكد عليه أستاذنا الدكتور / بلبع بقوله أن حدوث عناصر التكاليف يتم في أماكن وأزمنة معينة، وفي إطار ظروف ومسئولية محددة فلكل عنصر تكلفة : منبع: ينبع منه بمعرفة مسئول، وطبقاً للظروف والحاجات التي تستدعيه.
وكلما كان “ضبط التكلفة” عند منبع حدوثها كلما كان أحكم وأدق، حيث أننا نقف في نفس وقت حدوث البند على كل الظروف والملابسات والمسئولية والمسببات لهذا الحدوث فيمكن حينئذ إبداء الرأي الفوري السريع والمناسب لحل أية مشكلة تتبع
عند حدوث البند أو إيقاف أي خطأ قد يقع وذلك عند وقوع هذا الخطأ. وعلى ذلك فإننا نعرض مبدأ الضبط عند المنبع كأحد المبادئ التي تدعم نظرية ضبط التكلفة.
فهو يؤكد ضبط العنصر في لحظة حدوثه والتأكد من مطابقته للمعيار المقرر له نوعاً ووظيفة ومكاناً. ولا شك أن اكتشاف الانحراف في هذه اللحظة وفي هذا المكان عمل فعال ومطلوب، حيث يمكن وقتئذ اتخاذ إجراء العلاج وإيقاف استمرار الانحراف وما ينتج عنه من آثار مع تحديد المسئولية عنه.
والعبرة في تطبيق مبدأ الضبط عند المنبع هي صحة تعيين (المنبع) حيث إذا لم يتحدد منبع العنصر بدقة، حدث الضبط في غير موقعه – زمانياً ومكانياً – وتتوه المسئولية وتتشابك، وتختفي الظروف والأسباب الحقيقية وتلتبس الأمور ويصعب العلاج. وغني عن البيان، أن عنصر التكلفة لا يحدث إلا “بواقعة الاستخدام” وعلــى أساس هذا المفهوم العلمي للعنصر، فإن “منبع العنصر” مرتبط بواقعة استخدامه وذوبانه في بوتقة النشاط وعملياته طبقاً لما هو مخطط لذلك.
ومن هنا يلزم دراسة كل عنصر وتعيين منبعه الزماني والمكاني من الناحية الفنية، ثم تخطيطه وتحديد معياره الكمي والمالي عند هذا المنبع بما يوضح كميته المعيارية ومعدله المعياري والوظيفة التي يتقرر أن يؤديها بعد خروجه من منبعه، والوجهة التي يتجه إليها والمستفيد الذي يتحمل به، وتوقيت حدوثه واستخدامه والمسئولين عن تنفيذ ذلك كله.
وفي رأينا أنه مما يدعم تطبيق مبدأ الضبط عند المنبع أن يشتمل نظام التكاليف، كما اقترحنا على دليل المسببات التكلفة. إن وجود دليل لمسببات التكلفة يجعل عملية الضبط عند المنبع أكثر فاعلية حيث يمكن بسهولة وبدقة تحديد مسبب التكلفة للبنود العامة والتفصيلية.
وبتحديد مسبب التكلفة يتم التحكم في التكلفة عند منبعها من خلال التحكم في مسبب التكلفة وليس مقدار التكلفة، وذلك أخذاً بمبدأ التحكم في السبب وليس النتيجة (مقدار التكلفة). وعليه نرى أن تطبيق الضبط عند المنبع مع وجود هذا الدليل لمسببات التكلفة (ضمن مقومات نظام التكاليف) يجعل رقابة التكلفة والتحكم فيها بصفة خاصة ونظام التكاليف المعيارية بصفة عامة أكثر دقة وفاعلية.