التعثر المصرفي يعتبر من المشاكل الاقتصادية المتشابكة لان آثاره لا تقف عند صاحب الديون المصرفية فقط وإنما تؤثر سلبا في أداء الجهاز المصرفي وبالتالي علي الاقتصاد الكلي للدولة بشكل عام لان الجهاز المصرفي يعتبر العمود الفقري لاقتصاديات اي دولة، وإذا ما أصيب او انهار تحدث الآثار لكل القطاعات الاقتصادية الأخرى، وذلك لأن الخلل سينتقل بدوره الى السياسة المالية والنقدية للدولة وربما حدثت حالة من الكساد والركود الاقتصادي، ولعل ذلك يكمن في أن التعثر المصرفي سيؤدي الي تجميد موارد المصارف المالية وبالتالي تخفيض دوران راس المال الذي تعتمد عليه البنوك في تحقيق أرباحها كما يعتمد عليه رجال الأعمال في تمويل عملياتهم الاقتصادية سواء أكان ذلك في القطاع التجاري او الصناعي او الزراعي او الخدمات، مما يخلق حالة من انعدام السيولة، فضلا عن ان ارتفاع التعثر يعني ان ادارة البنك المعني غير جديرة بالاستمرار في اعمالها وتفتقد القدرة الادارية المصرفية التي تجعل من البنك مصرفا ممتازا ومتميزا، ومن هنا فان المصارف عليها ان تتمتع بقدرات ادارية وذات كفاءة وفاعلية حتى لا تهتز الثقة في المصرف ويهرب منه العملاء وودائعهم واستثماراتهم، ولتفادي ذلك فان علي إدارة أي مصرف أن يكون لديها ما يكفي من الاجراءات الاحترازية وان يكون لموظفيهما القدرة علي دراسة مخاطر التمويل بصورة كافية وخاصة في حالة التمويل الضخم والذي يتطلب أن يلم المصرف بمعلومات كافية عن قدرات العميل المالية وخبراته ومشروعاته السابقة وقدراته الإنتاجية والمالية والترويجية والبشرية لان أي خلل في هذه القدرات سيؤدي الي التعثر وضياع أموال البنك أو تأخير سدادها مما يعني تخفيض ربحية البنك وبالتالي تخفيض قدراته التنافسية وهروب العملاء ورجال الأعمال منه الي بنوك أكثر استقرارا، وحينها ربما يتعرض المصرف لخطورة الانهيار وربما يلجأ لما يعرف بإعادة الهيكلة والتي تعني الاستغناء عن عدد من موظفيه وإغلاق بعض الفروع وانكماش نشاط البنك وربما يتم تصفيته أو بيعه أو دمجه مع آخر، وهنا سينتشر فشل البنك في دوائر الاعلام وجمهور المتعاملين وفي ذلك ضرر كبير علي الاقتصاد القومي لان اهتزاز الثقة في بنك ربما تنتقل في موجات دائرية كما تنتشر الاشاعات ليعم ذلك سمعة المصارف في البلاد ويؤدي الي هروب النقد للتعامل خارج القطاع المصرفي وظهور بعض الممارسات الضارة بالاقتصاد والاعمال التجارة مثل ظاهرة ( الكسر) والذي يعني شراء سلع بأجل بأسعار مرتفعة بغرض بيعها في الحال بأسعار قد تقل عن تكاليف الإنتاج للحصول علي السيولة النقدية وفي ذلك تعطيل لكثير من المصانع لان الكسر يتيح تداول سلع بأقل من سعر التكلفة مما يعني تعرض المنشات الاقتصادية للخسائر المحققة وربما يتوقف عن الإنتاج ويتم الاستغناء عن العاملين وزيادة نسبة البطالة وتخفيض الناتج القومي الإجمالي وبذلك تتراجع معدلات النمو الاقتصادي وبذلك تزيد المشاريع الاقتصادية الخاسرة في البلاد وتقل الإنتاج والإنتاجية ويصاب الاقتصاد القومي بالركود وهنا تكمن الآثار المتشابكة للتعثر المصرفي والتي كما قدمنا تعم افرازاتها كل قطاعات الاقتصاد القومي وتتعطل مشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتتحقق حالة من عدم الاستقرار السياسي من جراء تلك المشكلة التي تركت لتنمو وتتضخم بسبب الإهمال الإداري والاقتصادي.
مسببات التعثر
كما قلنا تتعدد أسباب التعثر وربما يرجع ذلك الي ظروف وطبيعة العميل بحيث تكون هذه الاسباب لا علاقة للمصارف بها ولكن في بعضها ربما تكون المسببات بسبب سياسات واداء المصرف ذاته، وهنالك اسباب يمكن ارجاعها للظروف الاقتصادية بصورة عامة، ولمنع اسباب التعثر الخاصة بالعملاء لابد لكل بنك أن تكون لديه إدارة مهمتها دراسة مخاطر العملاء ومنع تمويل ذوي المخاطر المرتفعة وربما يكون العميل لا يمتلك القدرات الكافية لادارة مشروعه فهنا لا بد لادارة مخاطر العملاء من التحقق من هذا الامر ومعالجة اي خلل يبدو من الدراسة او ربما يكون العميل من النوعية التي تحصل علي التمويل لأغراض معينة حسب الطلبات والمستندات المقدمة ولكن هنالك نوع درج علي الحصول علي التمويل ومن ثم كسر البضائع في حالة المرابحة والحصول علي مبالغ نقدية لتمويل مشروع اخر وهنا تكون الخسارة قد تحققت ابتداء وربما يكون لا يملك الكادر الاداري الكافي لإدارة المشروع وفي حالة الجوكية تكون المنشاة التي تحصل علي المشروع وهمية ولذلك لا تتوفر مصادر للتمويل الذاتي وذلك عندما يجد هؤلاء ان اموال المصارف اصبحت سائبة ويمكن الحصول عليها بكل سهولة وهنالك انواع من العملاء او اصحاب الاعمال لا نستطيع ان تميز بين أمواله الخاصة واموال الشركات التي يمتلكونها او يديرونها بسبب تفشي المحسوبية والادارة عن طريق المحاباة لافراد الاسرة وهنا لا تتوفر عوامل الادارة الناجحة من تخطيط وتنظيم وتنسيق ورقابة وأشراف ولا يستطيع امثال هؤلاء التعامل مع الظروف المتغيرة مثل دخول سلع منافسة جديدة ولا يحسنون التصرف عند فقدان مراكز التسويق المضادة او يحدث شح او ارتفاع في تكاليف المواد الاولية وتكاليف التشغيل الاخرى ولا تتم الدراسة والمعالجة العملية مما يعني وقوع المشروع في خسائر كبيرة ولكل ما تقدم من اسباب لابد لادارة مخاطر العملاء في البنك من عمل مسح شامل لطالبي التمويل ومن ناحية البنك فان الاسباب قد تتمثل في عدم وجود سياسة ائتمانية صحيحة وواضحة وربما تكون الرقابة علي صغار الموظفين ضعيفة مع وجود سلطات تمويل اكبر من درجاتهم الوظيفية مما يسمح بالتلاعب في طرق منح القروض ودخول بعض اساليب الفساد في العمل المصرفي كالرشوة والعمولات والاختلاس وهي تمثل غطاءا لمنح قروض يكون مصيرها التعثر في نهاية الامر ويظهر الخلل الاداري في بعض البنوك في غياب نظام كفء للمتابعة والرقابة الداخلية مما يتيح الفرصة لان تكون الدراسة المعدة لمنح الائتمان صورية ولا تفي بضوابط وشروط منح الائتمان لدي البنك وتكون المحصلة ضعف قرارات منح التمويل بسبب منحه لاشخاص ليس لديها قدرة لرده ابتداءً ويكون القصور هنا راجعا لادارة البنك وهنالك اسباب اخري خارجة عن ارادة العميل وعن البنك ولظروف عامة مثل التغير في السياسات الاقتصادية وخاصة في حالات عدم استقرار السياسات المالية والنقدية وحالات الاضطراب السياسي وهنا قد تحدث تغيرات في السوق المستهدفة تؤدي الي زيادة العرض او يحدث اغراق تجاري من خارج الحدود ويتسبب ذلك في عدم تمكن المشروع من تصريف منتجاته وربما يكون ذلك بسبب عوامل عالمية مثل ارتفاع النفط والحبوب الغذائية مما يعني ارتفاع حاد في تكاليف الانتاج وهنا لابد دراسة مثل هذه الظروف والتي ربما يتطلب زيادة التمويل لتلافي وقوع خسائر بالمشروع والوصول الي التعثر المصرفي.
آثار التعثر
كما قلنا فان آثار التعثر المصرفي متشابكة وتمتد الي كل المصارف وكل الاقتصاد الوطني وهذه الاثار لا تتوقف علي الوقت الحالي وانما تمتد لفترات طويلة في المستقبل لان الاقتصاد عملية تراكمية وممتدة وهذه الاثار يكمن تشابكها في ان كل واحد يكون بمثابة سبب الي اثر اخر بحيث انها تسبب في تجميد راس مال البنك بصورة جزئية وبالتالي التاثير في دوران راس المال والذي كلما زاد ازدادت الارباح والعكس صحيح ومن ناحية اخري تكون هذه الاموال قد حرمت مشروعات اخري بديلة من فرص التمويل والتالي اثرت في عدم زيادة الانتاج وحرمت الاقتصاد الوطني من قيمة مضافة كان يمكن تخفيضها فضلا عن تخفيض ربحية البنوك ومنعها من الانتشار والتوسع راسيا و افقيا بالقدر الذي يسهم في زيادة النشاط الاقتصادي بصورة عامة ويتضرر البنك المعني ايضا في خراب سمعته وبالتالي انخفاض قدرته علي جذب العملاء واذا زاد مستوي التعثر زيادة كبيرة عن المعدلات المسموح بها ولفترات طويلة فان البنك سيختفي من الساحة الاقتصادية اضافة الي هذه الاثار فان تكاليف معالجة القروض المتعثرة قد تلقي علي المصارف والدولة اعباء مالية اضافية بما يعني ضياع قدر من الاموال والتي كانت ستوجه الي التنمية علي مستوي البنوك والبلاد واذا كان النظام المصرفي بهذا الضعف الذي يسمح فيه باستشراء حالات التعثر المصرفي فان ذلك سيكون مردوده سلبيا علي جذب الاستثمار الاجنبي المباشر والذي يعتمد علي قدرة المصارف وكفاءتها وسمعتها وبالتالي تقل الموارد ورؤوس الاموال وتتعثر مشروعات التنمية في البلاد ولان معالجة الديون المتعثرة تحتاج الي وقت طويل في حالة كبر حجمها فان ايرادات المصارف تقل ويقل تبعا لذلك دورها الهام في تحريك عجلة الاقتصاد ويكون المناخ الاقتصادي والاستثماري محاطا بحالة من التوتر وعدم الاستقرار واشاعة حالة من الاحباط وعدم الاستقرار وينمو قطاع الاقتصاد الطفيلي والهامشي وهكذا نجد ان رماد التعثر المصرفي بخفي وراءه وميضا من نيران الخراب الاقتصادي ولذلك لابد من اطفائها قبل ان يشتعل الحريق ويقضي علي الاخضر واليابس.
__________________
لا الـــــــــــه إلا الله