ذات صلة

جمع

انخفاض سعر الجنيه الذهب صباح اليوم السبت 16 نوفمبر 2024

سعر الجنيه الذهب، تراجع سعر الجنيه الذهب بحركة تداولات...

تعرف على أكثر 10 شركات تداولا بالبورصة خلال جلسات الأسبوع الماضى

تصدر سهم "البنك التجاري الدولي-مصر (سي أي بي)" قائمة...

أسعار العملات اليوم السبت 16-11-2024.. تعرف على حركة السوق

استقرت أسعار العملات اليوم السبت 16-11-2024 بالبنوك العاملة في...

سعر الذهب فى مصر.. تراجع جديد وعيار 21 يسجل 3545 جنيهًا للجرام

يواصل سعر الذهب في مصر تراجعه بمستهل جلسات اليوم،...

مطلوب محاسبين في شركه ميرج للاستثمار التجاري

تفاصيل الوظيفة مطلوب عدد 4 محاسبين حديثي التخرج للتعين فى...

معلومات عن الرقابة المصرفية ومعايير لجنة بازل

الرقابة المصرفية ومعايير لجنة بازل

شهد القطاع المالي على مستوى العالم العديد من التطورات خلال العقد الأخير من القرن العشرين تمثلت في التقدم التكنولوجي الهائل في الصناعة المصرفية، واستحداث أدوات مالية جديدة، وانفتاح الأسواق المالية على بعضها البعض في الدول المختلفة بصورة غير مسبقة، وعلى الرغم من هذه التطورات الإيجابية، فإن هناك بعض الأزمات التي شهدها القطاع المالي سواء في الدول النامية أوالمتقدمة، أدت إلى التأثير السلبي على اقتصاديات تلك الدول، هذا وقد نلاحظ أن معظم الدول التي شهدت أزمات مالية واقتصادية كانت مشاكل البنوك قاسماً مشتركاً فيها، وأرجع الخبراء ذلك إلى تزايد المخاطر المصرفية وعلى رأسها المخاطر الناتجة عن الائتمان، ومن هنا جاء اقتراح “لجنة بازل للرقابة على البنوك”. والذي تم الإعلان عنه في السادس عشر من يناير 2001، بتعديل معايير كفاية رأس المال السارية منذ عام 1988 بهدف تدعيم الملاءة المالية للجهاز المصرفي على مستوى العالم، وإيجاد المناخ المناسب للائتمان لضمان تفعيل الرقابة على مخاطره.

وقد اهتم الأدب الاقتصادي بدراسة العلاقة بين القطاع المالي والمصرفي والنمو الاقتصادي. حيث يعتبر وجود قطاع مالي قادر على حشد وتخصيص الموارد المالية بكفاءة لخدمة الأغراض المنتجة والتنموية وتقليل المخاطر الائتمانية من المتطلبات الرئيسية لتحقيق وتقوية قطاعاتها المالية، في الوقت الذي تسعى فيه إلى تقليل احتمالات تعرضها للهزات المالية والصدمات الخارجية. وقد خطى كثير من هذه الدول خطوات مهمة في هذا السبيل في السنوات الأخيرة. لقد اختلفت الإصلاحات من حيث مدى عمقها ومجال تركيزها بين الدول المختلفة، ولكن الأهداف في كل الحالات كانت ذاتها: زيادة الاعتماد على قوى السوق والحوافز الخاصة في مجال الوساطة المالية ودارة المخاطر والتأكيد على سلامة القطاع المالي وتقوية أطره التشريعية والتنظيمية، وتحسين مقدرة المؤسسات المالية على تعبئة المدخرات المحلية وزيادة المنافسة بين هذه المؤسسات(1).

وقد جاءت آراء مدرسة ستانفورد بأقطابها إدوارد شو(2) Shaw (1973) ورونالد ماكينون McKinnon (1973) لتربط بين التنمية المالية والتحرير المالي والنمو الاقتصادي ولكي تحيي آراء جوزيف شوميتر التي ترجع لعام (1912) (3). حيث حدد بوضوح وظائف وحدات الوساطة المالية باضطلاعها بتعبئة المدخرات وتقييم المشروعات وإدارة المخاطر المصرفية ومراقبة أداء المشروعات، كما ربط بين هذه الأنشطة والخدمات وعملية التطوير التكنولوجي والإبداع والتنمية الاقتصادية.

ثم جاءت نماذج النمو الداخلي Endogenous Growth Models التي ظهرت في دراسة رومر Romer(1986) ولوكاس Lucas (1988)(4) لكي تظهر أن الاستثمار في شكل تراكم لرأس المال المادي أو لرأس المال البشري تصاحبه وفورات خارجية موجبة، حيث أن الاستثمار لا يرفع من المقدرة الإنتاجية للمنشأة فقط ولكن يرفع من المقدرة الإنتاجية للمنشآت الأخرى ذات العلاقة بهذه المنشأة. وقد دفعت هذه الافكار سولو Solow (1994)(5) للبحث من جديد في نظرية النمو الاقتصادي والتعرف على محددات النمو الاقتصادي فيما شبهه سولو Solow بالنيران المتأججة.

والقطاع المالي والمصرفي يمكنه أن يسهم في عملية النمو الاقتصادي من خلال تمويل الاستثمار، شريطة أن يكون هذا القطاع متطوراً وذا كفاءة في القيام بوظائفه من خلال القيام بوظيفة الوساطة المالية وإدارة المخاطر. حيث تخفض وحدات الوساطة المالية من مخاطر المعاملات وتعمل على زيادة معدل التراكم الرأسمالي وبتطور القطاع المالي ومؤسساته تزداد القدرة على انتقاء المشروعات ومتابعة أدائها.

هذا وقد شهدت الساحة الدولية في السنوات الأخيرة الكثير من التحولات والمستجدات والمتغيرات العالمية في ظل العولمة Globalization التي تقوم على تحرير المبادلات التجارية والمالية مع الاندماج في الاقتصاد العالمي في ظل التكتلات الاقتصادية والكيانات العملاقة.

وكان القطاع المصرفي من أهم القطاعات الاقتصادية وأكثرها تأثراً بالمتغيرات الدولية المتمثلة في التطورات التكنولوجية وعالمية الأسواق المالية والتحرر من القيود التي تعوق الأنشطة المصرفية والاتجاه إلى تطوير وإدارة مخاطر الإقراض في ظل المعايير الدولية لضبط الأداء المصرفي المتمثلة في معايير كفاية رأس المال التي عرفت باسم مقررات لجنة بازل التي أعلنت في عام 1988 التي ألزمت الدول الأعضاء في لجنة بازل بتوحيد طرق الرقابة من قبل البنوك المركزية ورفع نسبة كفاية رأس المال لدى البنوك لتصبح في حدود 8% من مجموع أصولها الخطرة. لذلك تحرص الحكومات على وضع نظم للرقابة المصرفية والإشراف على البنوك بهدف استقرار النظام المالي وضمان كفاءة النظام المصرفي بما يتواءم مع التطورات العالمية المتلاحقة.

وقد اكتسب موضوع كفاية رؤوس أموال البنوك أهمية كبرى في السنوات الأخيرة في ضوء التطورات المالية والمصرفية المتلاحقة. من أجل تلافي انتقال مخاطر العمل المصرفي بين الدول الصناعية بعضها البعض أو من الدول الأخرى.

وعلى الرغم من الانتقادات العديدة التي وجهت لاتفاقية بازل نظراً لانحيازها لصالح الدول الصناعية. فقد أصبح من المتعارف عليه أن تقيم ملاءة البنوك في مجال المعاملات الدولية يرتبط بدرجة كبيرة بمدى استيفائها لحدود معيار كفاية رأس المال.

ثم قامت لجنة بازل بإجراء بعض التعديلات لتطوير أسلوب حساب معدل كفاية رأس المال. وقد تمثلت المقترحات الجديدة التي تم الإعلان عنها في سبتمبر 1999 في توسيع قاعدة وإطار كفاية رأس المال بما يضمن تحقيق الأهداف التالية:
1. المزيد من معدلات الأمان وسلامة ومتابعة النظام المالي العالمي.
2. تدعيم التساوي والتوازن في المنافسة بين البنوك دولية النشاط وضمن تكافؤ الأنظمة والتشريعات.
3. إدراج العديد من المخاطر وإيجاد نماذج اختبار جديدة أكثر ملاءمة للتطبيق في البنوك على كافة مستوياتها.

وضماناً لتحقيق تلك الأهداف أرست لجنة بازل للرقابة المصرفية في 16 يناير 2001 مقترح “اتفاق بازل الجديد لكفاية رأس المال” ومن المنتظر أن يتم تنفيذ تلك المعايير عام 2005. وذلك من أجل تلافي قصور المعايير السابقة وتقوم المعايير الجديدة على ثلاث ركائز أساسية. لتحقيق درجة أكبر من التناسب بين رأس مال البنك وأصوله الخطرة على أن يقترن ذلك بتدعيم فعالية الدور الرقابي للبنوك المركزية والسلطات النقدية وأهمية إفصاح البنوك عن قدر أكبر من المعلومات بشأن التزامها بمعايير كفاية رأس المال.

وقد أكد خبراء المصارف أن المعايير المصرفية التي أقرتها “بازل” سيكون لها صدى كبير في تقليل المخاطر الائتمانية وإعادة الانضباط إلى السياسة الائتمانية التي شابها بعض العيوب خلال السنوات القليلة الأخيرة، والتي كان من نتيجتها ظاهرة التعثر المصرفي.

وطالب الخبراء بالتطبيق الفعلي والحرفي لهذه المعايير واتباع الوسائل الحديثة في التطبيق بجانب التدريب العملي المتخصص للقائمين على تنفيذ هذه القواعد المصرفية التي يكون الجهاز المصرفي في أشد الحاجة إليها لإدارة الائتمان بأسلوب مصرفي سليم قائم على البحث والدراسة والمتابعة الدقيقة.

وقد تعرض اتفاق بازل الجديد للرقابة المصرفية لعدة انتقادات منها عدم تحديده بشكل واضح لمخاطر التشغيل Operational Risk.

كما ترى البنوك الكبرى أن النسبة المقترح تخصيصها من رأس مال البنك لمواجهة مخاطر التشغيل (20%) تعتبر بالغة الارتفاع. كما يرى البعض أنه يجب تخفيض الشريحة المخصصة من رأس المال لتغطية تلك المخاطر بالنسبة للبنوك الواقعة في الاقتصادات الناشئة عن نظيرتها في الاقتصادات المتقدمة نظراً لتطبيق البنوك في الاقتصادات الناشئة لأساليب تكنولوجية، ونظم للمقاصة وتسوية المدفوعات أبسط وأقل تقدماً بالمقارنة بنظيرتها في الاقتصادات المتقدمة.

كما تعرض اقتراح الاعتماد على تقييم مؤسسات التصنيف الائتماني الدولية كأحد المحددات الرئيسية لتحديد الأوزان النسبية المستخدمة في ترجيح مخاطر أصول البنوك لعدة انتقادات. وبذلك يمثل الإطار الجديد لمعايير لجنة بازل منعطفاً هاماً في مستقبل عمل القطاع المصرفي.

أهداف البحث:
1. التأكيد على أهمية مقررات لجنة بازل في وضع معايير وقواعد موحدة لضبط أداء العمل المصرفي وفي معالجة مشكلة التعثر المصرفي التي تصاحب “التحرير المالي” في مراحله الأولى.
2. التأكيد على أهمية الرقابة على العمل المصرفي في ضبط أداء البنوك على النحو الذي يضمن سلامة مراكزها المالية ويحول دون تعرضها للانهيار.
3. التأكيد على أهمية معايير لجنة بازل في دفع مخاطر عمليات وآليات تدويل العمل المصرفي.
4. التركيز على أهمية معايير لجنة بازل في التأكيد على أن أي نظام لمراقبة المخاطر يجب أن يقوم على تحديد جميع المخاطر التي تواجه البنوك وإدارتها.
5. التأكيد على أهمية الإطار المقترح للجنة بازل في علاج مشكلة التصنيف مرتفع المخاطر للدول خارج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية Non OECD وبالتالي تخفيض تكلفة الموارد التي تحصل عليها عن طريق الاقتراض.
6. التأكيد على استمرار مراجعة الإجراءات الرقابية على كفاية رأس المال باعتبار أن كفاية رأس المال هي ضمانة ضرورية للاستقرار المصرفي.
7. التأكيد على دور الإطار المقترح للجنة بازل في مراعاة عملية توريق الأصل Asset Securitisation التي تؤدي إلى توزيع المخاطر المخاطر وخفضها.
8. التأكيد على دور الإطار المقترح في إعطاء خيارين لتحديد مخاطر الالتزامات على البنوك، إما بالاعتماد على تصنيف الدولة المسجل بها البنك أو بالاعتماد على تصنيف البنك ذاته.

 

المناخ العام للصناعة المصرفية في ظل التحولات والمستجدات
والمتغيرات الدولية
أولاً: أوضاع القطاع المالي ودواعي التحرير في ظل التحولات والمستجدات الدولية.

ثانياً: المناخ العام للصناعة المصرفية في العالم في ظل المستجدات العالمية.

ثالثاً: أثر التحولات والمستجدات العالمية على العمل المصرفي.

رابعاً: الاتجاهات الحالية والقضايا الاستراتيجية التي تواجه البنوك.

الفصل الأول
المناخ العام للصناعة المصرفية في ظل التحولات والمستجدات
والمتغيرات الدولية

أولاً: أوضاع القطاع المالي ودواعي التحرير في ظل التحولات والمستجدات الدولية
ظلت القطاعات المالية في الدول النامية لعقود طويلة محل تدخل مستمر من قبل الحكومات سواء في هياكلها ومؤسساتها أو في آليات عملها. ولا يعتبر التدخل ذا طبيعة إصلاحية لفشل السوق Market Failure، ولكنه كان تدخلاً كابحاً Repressive للنشاط الاقتصادي في القطاع المالي بصفة عامة والجهاز المصرفي بصفة خاصة.

ويطلق ماكينون تعبير الكبح المالي Financial Repression على الحالات التي تتدخل فيها الدولة بوسائل ضريبية أو أدوات أخرى مثل وضع سقوف Ceilings على أسعار الفائدة والتدخل في توظيف الائتمان في النشاط المالي، بما يشوه آليات السوق ويحيد بها عن العمل وفقاً لاعتبارات العرض والطلب على الأرصدة المتاحة للإقراض والاستثمار وينحرف بالقطاع المالي بعيداً عن مقتضيات الكفاءة الاقتصادية(7).

ولم يكن تدخل الدولة كبحاً للنشاط المالي دون مبررات والتي يمكن تقسيمها إلى أربعة مجموعات من الأسباب الداعية لهذا التدخل:

1. أوضاع القطاعات المالية في الدول النامية بعد استقلالها: حيث عانت هذه الدول من مشكلات متعددة تعد من أشكال فشل السوق، حيث كانت الأسواق المالية تتصف بالتشرذم Segmentation والضحالة Shallowness في ظل غياب كثير من الخدمات والأدوات والأوعية المالية أو وجود بعضها بقدر كبير من القصور. كما كان يشوب السوق احتكار لقلة من وحدات الوساطة للأنشطة المختلفة، بما صاحب ذلك من استغلال لمراكز احتكارية في ظل انعدام رقابة مالية فعالة، كما لم تتح معلومات كافية عن المتعاملين المحتملين من مدخرين ومقترضين بما كرس ظاهرة تباين المعلومات مسببة زيادة درجة المخاطرة في إجراء المعاملات المالية والاعتماد على اعتبارات غير سعرية في توظيف الائتمان(8).
2. أثر قوانين الربا Usury Laws: حيث احتكمت بعض النظم التشريعية في البلدان النامية إلى تعريف للربا على أنه سعر الفائدة المرتفع المغالى فيه، فقامت بوضع سقوف على أسعار الفائدة الاسمية بحيث تتراوح بين 3% و 7% في أكثر التشريعات الاقتصادية التي تأثرت بقوانين الربا الغربية(9).
3. تأثر السياسة الاقتصادية في الخمسينيات والستينيات بالآراء الكينزية فيما يتعلق بتفضيل السيولة Liquidity Preference، حيث أكد كينز أن منافسة البنوك في حفز الأفراد للتخلي عن السيولة وإبداع مدخراتهم لديها جعلهم يرفعون أسعار الفائدة الاسمية إلى مستويات تتعدى سعر الفائدة الحقيقي التوازني الذي يتحقق عنده التشغيل الكامل، بما دفعه إلى اقتراح وضع سقوف على أسعار الفائدة الاسمية(10).

4. الحاجة إلى تمويل عجز الموازنة العامة والمشروعات الكبرى التي تقوم بها الدولة تمويلاً منخفض التكاليف. إذا اعتبر التمويل بالعجز في هذا الوقت وسيلة مقبولة لتمويل التنمية في ظل محدودية الموارد المتاحة للدولة وعجز القطاع الخاص عن القيام بعملية التنمية(11). وقد رؤى أن كبح القطاع المالي من شأنه أن يوفر تمويلاً منخفض التكلفة لسد عجز الموازنة العامة للدولة. وقد استخدمت عدة أدوات لتنفيذ سياسات الكبح المالي التي اتبعتها الدول النامية وبعض الدول المتقدمة اقتصادياً قام بتلخيصها هانسون ونيل Hanson and Neal (1986) وفراى Fry (1995) وموريس وآخرون Morris et al (1990) فيما يلي(13):

1. تحديد أسعار الفائدة إدارياً عن طريق فرض سقوف لا تتعداها أسعار الفائدة الدائنة والمدينة.
2. دعم الفائدة على القروض الموجهة لبعض المشروعات.
3. التدخل في توجيه الائتمان عن طريق وضع حد أقصى للائتمان الموجه لبعض القطاعات الاقتصادية وحد أدنى لقطاعات أخرى.
4. رفع نسبة الاحتياطي القانوني التي تلتزم البنوك بإيداعها لدى البنك المركزي، دون عائد في أغلب النظم، بما يتعدى أغراضها الرقابية ودورها في السياسة النقدية والائتمانية ليجعلها ضريبة مستترة على عملية الوساطة المالية(14).
5. فرض نسب سيولة عالية والمبالغة في مكوناتها من الأوراق المالية الحكومية منخفضة العائد بطريقة تقيد إدارة المحفظة المالية للبنوك وتخفض من عائدها.
6. التدخل في إدارة المؤسسات المالية عن طريق الملكية المباشرة لرؤوس أموالها. وكان ذلك في أغلب الأحوال عن طريق عمليات التأميم والمصادرة لملكيات الأجانب والقطاع الخاص في الدول النامية بعد الاستقلال.
7. فرض قيود على حرية الدخول في القطاع المالي بتقييد التراخيص الجديدة ومنع المؤسسات الأجنبية من تملك رؤوس أموال المؤسسات المالية أو وضع قيود على هذه الملكية بنسب لا تتعداها. وكثيراً ما صوحبت القيود المفروضة على حرية الدخول بقيود على عملية الخروج من السوق بمنع البنوك ووحدات الوساطة المالية من التصفية وبتعقيد عمليات الدمج والاستحواذ Merger and Acquisition، بما حجم من آليات السوق وما يمكن أن تفرضه من نظام تحكمه المنافسة والدافع إلى تعظيم الربح بما يرفع من كفاءة الوساطة المالية(15).

لقد أدى اتباع هذه الأدوات الكابحة للقطاع المالي إلى عواقب وخيمة أكدتها أدبيات التنمية المالية(16) والتي يمكن تلخيصها

1. أدى التحكم الإداري في أسعار الفائدة بوضع سقوف عليها في الدول ذات معدلات تضخم مرتفعة إلى جعل سعر الفائدة الحقيقي سالباً، وقد أدى هذا إلى دفع بعض المدخرين المحتملين إلى توجيه مدخراتهم إلى مشروعات منخفضة العائد يقومون بها بأنفسهم بدلاً من توجيهها للاستثمار عن طريق ادخارها بواسطة مؤسسات القطاع المالي.
2. أدى الانخفاض المفتعل للتمويل المصرفي، بسبب سقوف أسعار الفائدة، إلى اختيار مشروعات كثيفة رأس المال في مجتمعات كان الأولى بها أن تتجه إلى مشروعات كثيفة العمل وفقاً لمزاياها النسبية في هذا العنصر من حيث وفرته.
3. يترتب على ارتفاع معدلات التضخم في ظل الكبح المالي عدم استقرار لمكونات المحافظ المالية حيث يتحول توظيف المدخرات واستثمارها من الأصول المالية ذات العائد الحقيقي السالب إلى أصول مادية تتغير أسعارها بمعدل يساوي أو يزيد عن معدل التضخم فيما يعرف بوسائل التوقى من التضخم Inflation Hedges مثل العقارات وبعض السلع المعمرة والذهب.
4. كما يؤدي الكبح المالي إلى تدهور العائد إلى الأصول المالية المقومة بالعملة المحلية مما يؤدي إلى النزوع إلى التخلي عنها كمخزن للقيمة، بل وكوسيط للمبادلة، وللجوء إلى العملات الأجنبية فيما يعرف بإحلال العملات Currency Substitution(17).
5. كما يدفع الكبح المالي إلى اللجوء إلى أنشطة القطاع المالي غير الرسمي إقراضاً واقتراضاً رغم ما يتميز به من ارتفاع درجة المخاطرة، وقد عرفت الدول النامية اشكالاً متعددة من أنشطة القطاع المالي غير الرسمي، كنظام الجمعيات والمقرضين المحترفين أو المرابين، ونظم الائتمان غير الرسمي المضمونة بعقود عمل أو إيجار رسمية Tied-Credit(18).
6. كما أسهم الكبح المالي، بالإضافة إلى عوامل اقتصادية وسياسية أخرى، في هروب رؤوس الأموال من الاقتصادات النامية إلى أسواق المال الأجنبية التي توفر عائداً حقيقياً موجباً وبمخاطرة أقل نسبياً مما هو قائم في القطاعات المالية التي تخضع للتدخل المشوه لآليات السوق والتي تفتقر إلى الشفافية Transparency في إجراء المعاملات.
7. أدى ارتفاع الضرائب المستترة على الودائع والعمليات المصرفية، مثل معدل الاحتياطي القانوني ونسبة السيولة المبالغ فيها، إلى ارتفاع هامش أسعار الفائدة وتدني كفاءة الوساطة المالية.
8. تسبب التدخل في توظيف الائتمان وتوجيهه إدارياً واستخدام أساليب غير سعرية في اتخاذ القرارات الائتمانية إلى تفاقم مشكلة القروض غير المنتظمة أو الراكدة Non-Performing وانخفاض ربحية البنوك.

وقد أدت هذه النتائج المترتبة على سياسات الكبح المالي إلى اتجاه كل من ماكينون وشو في عام 1973 وعدد من الاقتصاديين إلى التأكيد على أن هذه السياسات قد تسببت في تدن مستمر لكفاءة الوساطة المالية وفي تشويه أسواق المال بما يتطلب إصلاح الأمر عن طريق سياسات التحرير المالي والتي تستهدف إزالة كافة أدوات الكبح المالي التي دأبت الدول النامية على اتباعها، بما يؤدي إلى تحقيق التنمية المالية وزيادة المدخرات وتحسن حجم ونوعية الاستثمار ومن ثم دفع معدلات النمو الاقتصادي، على النحو الذي يوضحه الإطار العام النظري لنماذج مدرسة ستانفورد والاجتهادات النظرية المطورة لها والتي تحاول أن تظهر وجود علاقة إيجابية سببية بين التحرير المالي والنمو الاقتصادي.

ثانياً: المناخ العام للصناعة المصرفية في العالم في ظل المستجدات العالمية
يعد القطاع المصرفي من أهم القطاعات الاقتصادية وأكثرها تأثيراً واستجابة للمتغيرات سواء الدولية أو المحلية. وتتمثل أهم تلك التغيرات في التطورات التكنولوجية، عالمية الأسواق المالية، والتحرر من القيود التي تعوق كل الأنشطة المصرفية، إزالة الحواجز التي تمنع بعض المؤسسات المالية، من العمل في قطاعات معينة، والاتجاه إلى تطوير وإدارة مخاطر الإقراض كل هذا في ظل تزايد حدة المنافسة الدولية في هذا القطاع مع السعي لاستقطاب رؤوس الأموال الأجنبية مع ظهور الكيانات المصرفية العملاقة(19).

وتتمثل أهم مظاهر هذه المستجدات فيما يلي:

1. التقدم في مجال الاتصالات والمعلومات: عزز قدرة البنوك والأسواق المالية في استخدام الفرص المتاحة في ظل مناخ التحرر المالي وأدى أيضاً النمو السريع في سوق الأوراق المالية، وساعد التقدم التكنولوجي – كذلك – على إلغاء القيود بين القطاعات والدول وإلى الحد من القيود الرسمية بتدفقات رؤوس الأموال وإلى ابتداع عدد من المنتجات التمويلية الحديثة.
2. تراجع أهمية المصارف: لازدياد حركة نشاط الأسواق المالية والبورصات والمؤسسات المالية غير المصرفية.
3. توسع البنوك في تقديم الخدمات غير التقليدية التي تتواءم مع إيقاع العصر الحديث فظهرت المشققات المالية بأنواعها وتطورت مفاهيم إدارة المخاطر وغيرها من التحولات التي أدت إلى تنوع في أنشطة البنوك عامة.
4. أدت التطورات الحديثة إلى تغير العديد من المفاهيم التقليدية السائدة وخاصة فيما يتعلق بالتقسيم التقليدي للبنوك وفق أنشطتها وزاد عدد البنوك التي تعمل في كل من مجالي العمليات التجارية ومجالات الاستثمار والأعمال على حد سواء وذلك بالإَضافة إلى قائمة طويلة من الخدمات المتطورة المعتمدة على تكنولوجيا الحاسبات في الاتصالات والمعلومات التي يمكن للعميل من خلالها تنفيذ كل معاملاته من منزله أو سيارته عن طريق الحاسبات الشخصية المتصلة بالبنوك.
5. تزايد دور المؤسسات ذات الصفة العالمية مثل بنك التسويات الدولية BIS في الإشراف على المؤسسات المصرفية العالمية بدءاً من مقررات بازل عام 1988 وما بعدها بإصدار كثير من التوجيهات الخاصة بالرقابة والإشراف والإفصاح والشفافية والحد من المخاطر التمويلية وغيرها(20).

ثالثاً: أثر التحولات والمستجدات العالمية على العمل المصرفي
شهدت السنوات الأخيرة من القرن الكثير من المستجدات التي تركت آثارها بشكل كبير على العمل المصرفي والتي من أهمها :

1. تعرض البنوك المنافسة من المؤسسات المالية غير المصرفية:
تشمل المؤسسات المالية غير المصرفية كلاً من شركات التأمين بأنواعها من بيوت التمويل وشركات وصناديق الاستثمار وصناديق الادخار، ومؤسسات التأمين الاجتماعي وصناديق التأمين والمعاشات، وبورصات الأوراق المالية والشركات العاملة فيها وصناديق توفير البريد… ونتيجة للتطورات الجديدة في عملية التمويل أصبحت الفروق بين المؤسسات المالية ضيقة ولم تعد البنوك المتخصصة هي مصدر التمويل الوحيد للاستثمار والنفقات الجارية في القطاعات التي تخصها وتلاشت الفرصة بين الودائع وغيرها من أوعية الادخار والاستثمار والأوراق المالية التي تصدرها هذه المؤسسات من حيث درجة السيولة والعائد وآجال عملية التمويل ذاتها.

وأصبحت المؤسسات الكبرى التي تحتاج إلى تمويل المقترضين الكبار تلجأ إلى مصادر غير البنوك وعن طريق السندات وغيرها واختلفت درجة المنافسة من دولة لأخرى حسب درجة نمو السوق المالية بها، خاصة بعد السماح لمثل هذه المؤسسات بإمكانية الإقراض لعملائها ولغيرها.

بالإضافة إلى تمتع هذه المؤسسات ببعض المزايا مثل نسبة الاحتياطي النقدي وخضوعها للرقابة المصرفية، مع نمو أسواق رأس المال أدى ذلك إلى تعرض البنوك للمنافسة من هذه المؤسسات بدرجة مختلفة مما استدعى ضرورة تطويرها لأنشطتها وأعمالها وخاصة بعد تعرضها لمخاطر متعددة نتيجة تقلبات أسعار الصرف والفائدة في السنين الأخيرة.

2. تزايد المنافسة العالمية بين المؤسسات المصرفية:
منذ بداية السبعينيات شهد العالم عدة تحولات من أهمها السعي لإلغاء كل القيود والقوانين والإجراءات التي كانت تعوق حركة الجهاز المصرفي. بدءاً بتحرير أسعار الفائدة وإلغاء التحديد الجامد لأسعار العمولات والمصاريف البنكية وتخفيف القيود على الائتمان وعلى فتح الفروع الجديدة وبدأت الدول تتجه إلى تعويم أسعار الصرف واختلفت درجة التحرر من القيود في البداية من دولة إلى أخرى حيث بدأت في الاتساع في كل من هولندا، المملكة المتحدة، سويسرا، ثم امتدت إلى كل دول الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى دول أوروبا الشرقية سابقاً. وبدأت أمريكا في إلغاء القيود المتعلقة بالفصل بين الأنشطة التجارية والاستثمار وكذلك اليابان وكانت تهدف إلى منع البنوك التجارية من ممارسة أعمال الأوراق المالية والتي بدأت عام 1993.

وأدى التحرر من القيود الداخلية إلى اتساع المنافسة بين البنوك في الداخل ثم انتقلت إلى الخارج مع ثورة الاتصالات والمواصلات وبالتالي توسعت المنافسة عالمياً. وسوف يؤدي التطبيق الكامل لاتفاقية تحرير تجارة الخدمات المالية الموقعة في عام 1997 إلى مزيد من حرية النفاذ إلى الأسواق وخاصة أسواق الدول النامية باعتبارها سوقاً واسعة أمام البنوك والمؤسسات المالية الأجنبية ويعد اتساع المنافسة بين البنوك العالمية والمحلية من أهم آثار حرية الأسواق والعولمة الاقتصادية.

3. التوسع في عمليات الاندماج المصرفي:
يعد الاندماج المصرفي من أبرز التحولات التي يشهدها القطاع المالي عالمياً، ويعد أحد أوجه التكيف مع المستجدات العالمية ولتعزيز القدرات التنافسية للبنوك سواء الداخل أو الخارج إذ لم يقتصر على البنوك في دولة واحدة بل امتد ليشمل بنوكاً من دول مختلفة ويتيح تحقيق وفورات الحجم الكبير والقدرة على النفاذ إلى الأسواق وتقديم خدمات مصرفية سريعة ذات جودة عالية وتمويل كبير الحجم لنوعيات متميزة من العملاء مع تكنولوجيا متطورة وغيرها.

ويعد تكوين الكيانات المصرفية العملاقة من أهم السمات المعاصرة للعمل المصرفي العالمي في ظل العولمة الاقتصادية ، وأحد أبرز مظاهرها. وبنظرة سريعة إلى التقارير العالمية التي تصدرها مجلة الـ Banker وخاصة في خلال السنوات الأخيرة عن أكبر ألف بنك في العالم من حيث رأس ا لمال والاعتبارات الأخرى سنجد أن شكل القائمة يتغير كل عام بسبب بسيط وهو الاندماج بين المؤسسات المالية المصرفية الكبرى فيما بين البنوك في الدولة نفسها أو بين البنوك في دولة أخرى.

ولذلك يعد الاندماج ليس فقط بين المصارف وبعضها بعضاً بل في كل الاتجاهات هو السمة البارزة للبنوك في العالم ولقد وصلت حقوق الملكية بين البنوك المندمجة إلى مبالغ ضخمة تتخطى حاجز التريليون دولار بالنسبة لحجم الأعمال.

4. الاتجاه نحو توحيد قواعد الرقابة على المصارف عالمياً:
في ظل اتساع دوائر الأعمال المصرفية وسيادة المنافسة بين البنوك وتأثر الجهاز المصرفي العالمي بتسارع خطي العولمة المالية، وتعرض البنوك في كثير من دول العالم لمخاطر متعددة سواء المتقدمة أو النامية. شهد عقد التسعينيات أزمات مالية عديدة لدول مثل المكسيك ودول جنوب شرق آسيا والبرازيل وروسيا وأخيراً اليابان وتركيا بالإضافة إلى الدول الأوروبية مثل هولندا وإسبانيا وغيرها، وفي ظل هذه الأجواء بدأ الاتجاه نحو وضع قواعد آمنة وآليات مشتركة بين البنوك المركزية في دول العالم تقوم بالتنسيق بين السلطات الرقابية لتقليل المخاطر التي تتعرض لها البنوك لأن الخلل في البنوك يؤدي إلى خلل في أداء الاقتصاد الكلي وأن الأزمات المصرفية تنتقل من دول لأخرى ويكون لها تأثير على أداء الاقتصاد العالمي ككل.

لقد كان لأزمة المديونية العالمية في الثمانينيات وتوقف عدد من الدول المدينة عن الدفع مما ألحق الضرر بالبنوك الدائنة أن سعت الدول العشر الصناعية الكبرى عن طريق بنك التسويات الدولية BIS إلى السعي لوضع قواعد تضمن سلامة الأعمال المصرفية وكانت البداية بأشهر هذه القواعد والخاصة بالملاءة المصرفية للبنوك في عام 1988 والتي تعرف باتفاقية بازل للملاءة Basle Accord ثم تبعتها عدة قواعد منظمة أخرى تتضمن التوصيات الخاصة بسلامة الأجهزة المصرفية وتأمين استقرارها من خلال اجتماع وزراء مالية الدول السبع الكبرى في إبريل عام 1998 وانطلاقاً من هذه الدعوة قام بنك التسويات الدولية وصندوق النقد الدولي والمجموعات الرقابية الإقليمية بدراسة وضع القواعد المنظمة للرقابة والسلامة المصرفية على أن تطبق على جميع الدول.

 

5. التوسع في الإقراض قصير الأجل:
من أهم الظواهر التي شهدها الاقتصاد العالمي منذ السبعينيات التوسع في الإقراض الخارجي وبصفة خاصة الإقراض قصير الأجل الذي لا يتجاوز سنة ولقد عرف ذلك في الثمانينيات بأزمة المديونية العالمية والتي توقفت فيها عدة دول عن سداد الديون التي حصلت عليها مثل المكسيك والبرازيل والأرجنتين مما سبب بعض الصعاب للبنوك الدولية الدائنة حينئذ ثم سعت الدول والمنظمات الدولية إلى تسوية هذه المعاملات.

وبدأت الدول في التوسع مرة أخرى في الإقراض وخاصة قصير الأجل (القروض التجارية) وذلك نتيجة سهولته والتوسع في أعمال البورصات والأسواق المالية العالمية وعرف باسم ظاهرة الـ (Hot Money) وهي الأموال سريعة الدخول والخروج وهي لا تتناسب مع التنمية المطلوبة. والتي ساعدت على حدوث الأزمات التي حلت بدول جنوب شرق آسيا في عام 1997(21).

رابعاً: الاتجاهات الحالية والقضايا الاستراتيجية التي تواجه البنوك(22)
من المتوقع خلال السنوات القليلة القادمة، أن تواجه البنوك تغييرات ملحوظة، وكذا عدداً من القضايا الاستراتيجية وذلك نتيجة تزايد تأثير القوى الرئيسية التالية:

1. النزعة نحو التدويل(23):
وفي هذا المجال نقصد بالتدويل تزايد التعاون بين الدول والمؤسسات المختلفة المتواجدة بتلك الدول في المجال الاقتصادي، ويمكن أن نضرب مثالاً على ذلك بالزيادة الهامة والكبيرة في تواجد البنوك والمؤسسات المالية الأخرى خارج أسواقها المحلية اي في الدول الأجنبية. ويلاحظ أن التدويل له ثلاثة آثار هامة في العديد من الدول، وتلك الآثار الثلاثة أدت إلى ما يلي:
– زيادة أهمية الأصول والالتزامات الأجنبية في البنوك المحلية.
– زيادة عدد البنوك والمؤسسات المالية الأجنبية العاملة في اسواق الأعمال المصرفية محلياً.
– تزايد أصول البنوك الأجنبية العاملة في أسواق الأعمال المصرفية المحلية.

وفي الوقت الحاضر، هناك عدد من الدلائل تشير إلى أن البنوك الأجنبية سوف تمثل تهديداً على أسواق الأعمال المصرفية المحلية، وفي أوروبا على سبيل المثال ففي خلال السنوات القليلة القادمة، يُتوقع أن البنوك الأجنبية الكبيرة فقط سوف تشكل التهديد التنافسي الرئيسي في سوق الأعمال المصرفية بالتجزئة (Retail Banking Market) طالما كانت الفرص متاحة، وأن تكون تلك البنوك الأجنبية لديها القدرة على أن تستحوذ (Acquire) على المؤسسات المالية ذات الأعداد الكبيرة من العملاء (Large Customers Bases).

ومن الجدير بالذكر، أنه في عدد لا بأس به من الدول العربية يلاحظ أن ثمة توسعاً للبنوك الأجنبية منذ عدة سنوات في الأسواق المصرفية المحلية، حيث ارتفعت حصة البنوك الأجنبية في عدد من الدول العربية إلى نسب مرتفعة وصلت على سبيل المثال إلى ما يزيد عن 20% في لبنان والإمارات، ومن المتوقع أن يزداد توسع البنوك الأجنبية في ظل انضمام عدد من الدول العربية إلى منظمة التجارة العالمية WTO والتوقيع على اتفاقية تحرير التجارة في الخدمات المالية(24).

2. الشمولية : (Universaliation) (25)
ويعد هذا أحد التطورات المصرفية الرئيسية التي ظهرت في أوروبا ومن بعدها في العديد من دول العالم خلال العقدين الماضيين، إذ بدأت البنوك في تلك الدول في البعد عن التخصص المصرفي وكذا تقليل التركيز على الأشكال التقليدية للإقراض والاستثمار، وبذا أصبحت تلك البنوك تقوم بتقديم تشكيلة شاملة من الخدمات المالية.

وعليه ففي كافة أنحاء أوروبا الآن، تتحرك البنوك باتجاه النظم المصرفية الشاملة والتي تمكنها من ممارسة نشاطها في أسواق كانت من قبل محظورة عليها، كما أن سرعة تآكل الفواصل التقليدية بين العمل المصرفي وتقديم الخدمات الأخرى يعتبر انعكاساً لتزامن تآكل تلك الفواصل في أسواق المال الدولية خاصة بين أسواق التمويل المصرفية وأسواق التمويل من خلال السندات، وبالإضافة إلى ذلك فإن ظاهرة التسنيد (Securitisatisation) سوف تغذى باستمرار اضمحلال وانهيار الخطوط الفاصلة (Demarcation Lines) بين العمل المصرفي وأسواق رأس المال وأسواق النقد.

3. التسنيد: (Securitisation) (26)
وهذه الظاهرة بزغت في السبعينات والثمانينات، وصارت تشكل واحداً من أهم ملامح أسواق المال الدولية هذا ويشير مصطلح “التسنيد” في معناه الأساسي إلى الأساليب الفنية والتي يمكن من خلالها تحويل الأصول أو تغيير شكلها الخارجي إلى أصول مالية وبحيث يمكن إعادة بيعها إلى المستثمرين في أسواق المال، هذا وقد نشأت ظاهرة “التسنيد” في البنوك التي فقدت ميزتها النسبية بالقياس إلى أسواق الأوراق المالية، في مجال الوساطة المالية في عمليات الائتمان الدولية (International Credits). كما حمل أسلوب “التسنيد” معه تغيراً ذات مغزى هام في الدور الذي يقوم به المصرفيون، حيث أن الربحية الآن تحولت من كونها تعتمد على إجراء الدراسات والأبحاث فيما يتعلق بهامش أسعار الفائدة، إلى التركيز باتجاه تحقيق الإيرادات من العمولات عن الأنشطة الخاصة بتقديم أدوات دين (Debt Instruments) للمستثمرين.

وتجدر الإشارة إلى أن “التسنيد” من الظواهر التي اعتمدت على التقدم التكنولوجي وتزايد استخدامات الكمبيوتر، حيث أتاح ذلك للمؤسسات المالية من أن تقوم وبتكاليف قليلة بتجميع حزمة تشكل محفظة قروض بإصدارات صغيرة وبيع هذه الحزمة في صورة ورقة مالية إلى طرف ثالث (حامل الورقة)، وتقوم تلك المؤسسة المالية بتحويل أقساط وفوائد هذه الحزمة إلى حامل الورقة وبذا تكون قد حققت فائدتين من عملية “التسنيد” الأولى هي تحويل أصل غير سائل إلى سيولة تساعد على سد الفجوة التمويلية والثانية الحصول على رسوم نظير تحويل مدفوعات خدمة القروض إلى حامل الورقة، هذا وقد أمكن من من خلال التطور التكنولوجي تطبيق هذا الأسلوب على العديد من أنواع القروض من رهونات وقروض شراء سيارات ومتحصلات بطاقات الائتمان طالما أنه يمكن تجميع هذه القروض في شكل حزم متجانسة ذات قيمة محددة ويتم بيعها في سوق رأس المال كورقة مالية.

4. العولمة : (Globalisation) (27)
تشير العولمة إلى عمليات التوحيد والتكامل عالمية النطاق لكل من أسواق رأس المال وأسواق النقد، أي التوحيد والتكامل بين الأسواق المالية عالمياً، وذلك من خلال آلية المبادلات (Swaps Mechanism) وعمليات الموازنة (Arbitraging) المصاحبة لها وذلك لفروق الأسعار العالمية، هذا وقد أدت عمليات العولمة إلى إمكانية قيام البنوك والمؤسسات المالية الأخرى بإدارة محافظ استثمارات عالمية (Global Investment Portfolios)، كذلك فإن سلسلة كاملة وشاملة من المنتجات والأساليب الجديدة أصبحت متاحة الآن، بحيث يستطيع اللاعبون الرئيسيون في السوق (المؤسسات المالية الدولية) القيام بأنشطتهم في الاسواق المالية المختلفة في كافة أنحاء العالم، في نفس الوقت أي بصورة متزامنة .

5. التجمع والاندماجية: (Conglomeration) (28)
نظراً لعدد من العوامل والمتغيرات في كل من سوق الخدمات المالية وكذا البيئة الاقتصادية العالمية، فإن من المتوقع في المستقبل أن يتم تقديم الخدمات المالية من خلال أربعة أنماط رئيسية من المؤسسات وهي : (Conglomerates)، والمتخصصين (Specialists)، والوكلاء (Agents)، والمؤسسات التي تمارس أنشطتها تحت مظلة امتياز من مؤسة أخرى (Franchisers).

وعلى الأرجح فإن “التجمع والاندماجية” يعد الاتجاه الأكثر أهمية من بين الاتجاهات التي تلائم العمل المصرفي في أوروبا، بل في العديد من دول العالم المختلفة، ولعل حركة “التجمع والاندماجية” تحددت ملامحها واكتسبت خصائصها وصفاتها المميزة من خلال رغبة البنوك التي تعمل على نطاق واسع في الحفاظ على تواجدها عالمياً. ويذكر أن عدداً كبيراً من عمليات الدمج (Mergers) وكذا عمليات السيطرة (Takeovers) في سوق الخدمات المالية الأوروبية تمت عام 1986، هذا ويمكن القول إن من أهم الأسباب الرئيسية التي تفسر حدوث عمليات الدمج والسيطرة، ترجع إلى الدوافع الاستراتيجية (Strategic Motives) والمرتبطة بالتنويع (Diversification) وكذا الدوافع الاقتصادية ذات العلاقة بالعمل والتعاون معاً (Synergy) والنمو.

وتجدر الإشارة إلى أن “استراتيجية الدمج والاستحواذ” (Merger and Acquisition Strategy) في مجال العمل المصرفي، لا تختلف عن تلك الاستراتيجية في الشركات الصناعية الأخرى. كما أن أحد الأسباب التي تدفع الشركات للاستثمار في خارج دولها، هو تشبع السوق المحلي بدرجة كبيرة، وهذا ينطبق بصفة خاصة على البنوك الألمانية حيث ان ما يزيد عن 90% من السكان لديهم نوع ما من أشكال الحسابات في أحد البنوك وأن السوق المصرفي في ألمانيا يتميز بظاهرة “وجود بنوك أكثر من اللازم” (Over banked). أما الدوافع الاستراتيجية بالنسبة لكل من البنوك في المملكة المتحدة وكذا في دول الاتحاد الأوروبي الأخرى والتي توسعت في الخارج (فيما وراء البحار) فقد تم تبريرها وتفسيرها بالحجج الخاصة بالتنويع “سياسة اتبع العميل” (Follow the Customer) هذا ومن المتوقع أن اتجاه التجمع والاندماجية سوف يستمر بلا شك طالما كانت المؤسسات المالية الكبيرة ترغب في التوسع في تقديم منتجات متعددة، وكذا الهيمنة على الأسواق جغرافياً (Geographical Coverage) أي السيطرة على أسواق جغرافية جديدة، خارج نطاق دولها، وطالما أن تلك المؤسسات لديها مزيد من رؤوس الأموال التي تكفي لابتلاع ضحاياها من المؤسسات المالية الأصغر. ومن القوى الدافعة الرئيسية باتجاه “التجمع والاندماجية” هي النمو الواضح في أعمال مصرفي الاستثمار (Investment Banking)، وكذا النمو في أنشطة أسواق الأوراق المالية.

وأخيراً نشير إلى أنه “من أهم التوجهات التي شهدتها السنة المالية 97/1998، انتشار عمليات الاندماج بين الشركات العملاقة، وأغلبها في قطاقات الاتصالات والسيارات والمال، خاصة بين المؤسسات المالية الكبرى. وتستهدف عمليات الاندماج تحسين مستوى أداء الشركات والمؤسسات المندمجة وتدعيم قدرتها التنافسية في الأسواق العالمية(29).

6. التركز: (Concentration)
إن التركز في أسواق العمل المصرف يعد أيضاً أحد الملامح الهامة للتغييرات الهيكلية في عالم البنوك، والتركز ليس بأي حال ظاهرة حديثة، حيث أن النظم المصرفية في العديد من دول العالم يهيمن ويسيطر عليها عدد قليل من البنوك الكبيرة وذلك منذ نصف قرن على الأقل، هذا وتختلف النظم المصرفية في درجة تركزها التنافسية (Competitive Degree of concentration).

أما بالنسبة للطريقة الأكثر شيوعاً لقياس التركز المصرفي فهي تعتمد على احتساب نسبة أصول أو ودائع القطاع المصرفي في دولة ما والتي يسيطر عليها ويديرها أكبر ثلاثة أو خمسة بنوك. ولكن تجدر الإشارة إلى أنه هناك صعوبة في أن تقيّم بدقة كل من فعالية ومدى التركز في داخل النظم المصرفية بمفردها، كما أنه أصبح أيضاً من الصعوبة بدرجة كبيرة قياس التركز المصرفي بالقياسات المعاصرة (Contemporary measures) وذلك بسبب عدم وضوح الخطوط الفاصلة بين أسواق العمل المصرفي والأسواق المالية الأخرى، ومع ذلك فإنه من الواضح أن هناك اتجاهاً لتفضيل الحجم الكبير لدى العديد من البنوك في عدد كبير من دول العالم المختلفة.

هذا وتتسم الأسواق المصرفية في عدد من الدول العربية بظاهرة التركز المصرفي، ولعل أبلغ مؤشر على التركز المصرفي في الوطن العربي أن حصة أول 20 بنكاً عربياً من موجودات القطاع المصرفي قد قاربت 50% في عام 1995، 90% بالنسبة لحصة أول 100 بنك عربي، الأمر الذي يعني أن أكثر من 200 بنك عربي تنافسي على حصة قدرها 10% فقط من نشاط السوق المصرفية العربية(30).
__________________
لا الـــــــــــه إلا الله