الطريقة الواقعية للمعايرة (طريقة بلبع في المعايرة)
وتقوم هذه الطريقة على الأركان الأربعة للمعايرة – كلها مجتمعة. فلكي يكون المعيار واقعياً وممكناً وعملياً تتوافر فيه كافة المفاهيم والمواصفات وتتحقق منه كافة مزايا المعايرة لأغراض الضبط ، فإنه يلزم بألا يخرج عن دائرة إمكانيات المنشأة وقدرتها وكفايات العمل فيها، وظروفه وملابساته، ومعوقاته وتسهيلاته.. إلى غير ذلك، مما تملكه المنشأة وتمنحه لسير العمل المخطط والمطلوب تحقيقه سواء ما تملكه وما يسري عليها حالياً، وكذا ما تتوقعه بالتنبؤ وما تقرره بالتخطيط عن حالة هذه الإمكانيات والظروف والعوامل خلال الفترة التي تفرض فيها المعايير.
والمعايير الواقعية وهي تلتزم عدم الخروج عن الدائرة المذكورة، تلتزم أيضاً بعدم الانحراف عن الأصول العلمية والفنية المعترف بها في الصناعة والنشاط. وذلك حتى يتحقق الإنتاج بالكم والكيف السليمين والمقررين بالضبط.
كما أن المعايير الواقعية تراعي في نفس الوقت مدى تكيف تلك الأصول العلمية والفنية مع الإمكانيات المتاحة وقدرات الأفراد والآلات والظروف العامة للعمل. وذلك عن طريق دراسة الخلفية التاريخية لحياة المنشأة في مضمار الصناعة وتجاربها السابقة وخبرات المسئولين فيها، والايجابيات والسلبيات والنجاح والفشل، والتعديلات والتطورات، ومواطن الإسراف والتوفير، والضعف والكفاية… وما إلى ذلك. إن الدراسة العميقة لكل هذه النقاط ولو أنها عن الماضي- إذا قامت بها المنشأة بدقة في الحاضر تفيد جداً في تكوين الصورة المتوقعة عن المستقبل.
وهكذا نكرر القول أن المعايرة الواقعية تلتزم بالارتكاز على الأركان الأربعة وأخذها جميعاً في الحسبان دون إهمال لإحداها حتى يثبت عدم فاعليته أو عدم وجود دور له ذي بال، ودون تكاسل أو بخل بمجهود سواء في تحليل البيانات أو الاطلاع على المؤلفات والنشرات العلمية ومعرفة تجارب الغير وأحدث الأساليب، أو إجراء تجارب معملية للتثبت من الإمكانية العملية للتنفيذ قبل إقراره وللتأكد من أن تطوير الماضي ممكن في المستقبل في إطار ما ستملكه المنشأة من إمكانيات وقدرات.
وهكذا يتم مزج الأركان الأربعة، أو يتم تشكيل مربع المعايرة ليضع إطار المساحة الممكن التحرك في داخلها بطمأنينة ومقدرة مؤكدتين، حتى إذا اختل ضلع من المربع (نتيجة عدم دقة البيانات) فإن المساحة الجديدة تتشكل وتعطي نتائج جديدة مؤكدة هي الأخرى في حدود المربع الجديد بأركانه الجديدة وهكذا.
وقد تختلف خطوات تركيب مربع المعايرة من الأضلع الأربعة وأيهما نبدأ به ثم نركب عليه الأضلع الثلاثة الأخرى. وظروف الحال هي سيدة الموقف في هذا الشأن وبناء عليها يتم اتخاذ الخطوة الأولى وتتسلسل وراءها الخطوات الأخرى.
ونقترح الخطوات التالية كما نراها الأفضل في معظم الحالات بخصوص تحديد التكلفة المعيارية الواقعية لإحدى العمليات المعينة.
(أ) دراسة تحليلية للبيانات التاريخية عن أداء العملية في الماضي:
1- اختيار عدد من السنوات الماضية المتلاحقة كفترة للدارسة.
2- دراسة كل عنصر تكلفة والمستندات الخاصة بتحميله على العملية. واستنباط نواحي الإسراف أو الضياع أو الإهمال في استخدامه.
وعلى وجه الخصوص المستندات الصادرة والدالة على حدوث التلف والأوقات الضائعة وتقارير الفحص والمعامل وما شابهها وعمل بيان بذلك عن كل عنصر وعن كل سنة على حدة.
3- خصم الخسائر الظاهرة والمبينة بالمستندات المذكورة فيما يزيد عن الحد المسموح به إدارياً وفنياً، من العنصر المختص في كل سنة على حدة ونتيجة هذا الخصم لا يدل على تصفية العنصر بالطبع من كافة الشوائب والضياع تصفية كاملة إلا فيما يتعلق بتلك الشوائب والضياع الظاهر الذي أمكن اكتشافه والإبلاغ عنه.
4- دراسة مقارنة لنتائج الخطوة السابقة بالنسبة لكل عنصر على مدار سنوات الدراسة. وملاحظة أقل مبلغ حدث للعنصر ومدى تكراره وكذلك المبلغ الذي تكرر أكثر من غيره على مدار تلك السنوات أيضاً.
5- دراسة خاصة لحالة الأعمال في السنة التي حدث فيها أقل رقم للعنصر وحصر الظروف التي كانت سائدة ومسيطرة وقتئذ والتي ساعدت على حدوث العنصر بذلك الرقم.
6- دراسة مقارنة بين كافة الإمكانيات والظروف التي تم حصرها عن السنة الأقل رقم للعنصر، وبين الإمكانيات والظروف السائدة حالياً. واستنباط العوامل التي لا تزال موجودة حتى الآن ، وتلك التي كانت موجودة وساعدت على حدوث الرقم الأقل وتغيرت أو تطورت أو اختفت مما أدى إلى ارتفاع هذا الرقم .
7 ـ بحث إمكانية العمل على سيادة العوامل التي كانت موجودة وساعدت على انخفاض رقم العنصر، وعلى استمرار هذه العوامل كلما سمحت بذلك الإمكانيات والقدرات المتاحة.
8 ـ وإذا ثبت عدم إمكانية استمرار العوامل المشار إليها بما لا يؤمل معه الاستمرار في الحصول على الرقم الأقل للعنصر ، تجرى نفس الخطوات السابقة في البنود 5،6،7 عن السنوات التي تكرر فيها رقم ما للعنصر أكثر من غيره من الأرقام التي حدثت خلال سنوات الدراسة.
9- ومن نتيجة الاهتمام الدقيق بالدراسة السابقة – وكلها تنصب على البيانات التاريخية للعملية وعناصر تكلفتها يتم استنباط رقم كل عنصر تكلفة والذي يرى الدارس أنه خير ممثل للعنصر من خلال تجربة المنشأة للعملية طوال فترة سنوات الدراسة. والذي يرى إمكان تحقيقه وحدوثه كما أمكن فعلاً تحقيقه وحدوثه في الماضي.
(ب) تطوير نتيجة الدراسات التاريخية بالأصول العلمية والفنية :
ومن أهم ما يراعى عدم التسرع باتخاذ ذلك الرقم الأقل أو الرقم المتكرر الذي نتج عن الدراسة التاريخية السابقة، ولو تأكد بالدراسة النظرية إمكانية الاستمرار في تحقيقه.
وذلك دون إخضاع ذلك الرقم إلى دراسة عميقة أخرى من زاوية مطابقته وتمشية مع الأصول العلمية والفنية للصناعات والتكاليف والإدارة.
ومن المعروف أن العلوم والفنون تتطور وترتقي إلى الأحسن والأفضل عملياً واقتصادياً، عما كانت عليه في سنة أو في بعض السنوات السابقة. وذلك، فإن ما حدث وكان مثالياً في فترة معينة سابقة قد لا يكون بذات الصفة في فترة لاحقة بل يكون هناك ما هو أكثر مثالية وأفضل ولابد أن تستفيد المنشأة من هذه الفكرة. ولذلك فإن النتائج التي تصل إليها الدراسة التاريخية ، يعاد النظر فيها في ضوء ما استجد من تحديث في طرق الأداء والأدوات والوقود والتنظيم وغيرها. ومن خلال ذلك تتحدد التغيرات التي يلزم إدخالها على ظروف العمل وأدواته ومستلزماته وطرقه، مما يتحدد معه إطار علمي جديد لما يجب أن تسير عليه المنشأة حتى تتحقق نتائج أفضل وأرقام للعناصر أقل حيث أنه كما سبق ذكره، فإن تطور العلوم والفنون يكون دائماً نحو الأفضل.
(ج) تأكيد النتائج بالتجربة المعملية على الإمكانيات والقدرات المتاحة :
لما كانت النتائج التي توصلنا إليها من خلال المرحلتين السابقتين كلها نظرية بمعنى أنها نتيجة دراسات مكتبية دون اختبار عملي على إمكانيات تنفيذها وتحقيقها.
فإن يصير من اللازم إخضاع تلك النتائج للتجربة والاختبار المعملي للتأكد من أن الإمكانيات والقدرات المتاحة فعلاً للمنشأة حالياً تستطيع بكل كفاءة ودقة نقل تلك النتائج النظرية إلى حيز التنفيذ والتحقيق طبقاً للمطلوب العملي. فيتم إجراء التجربة المعملية أو الحسابات العلمية بنفس النمط الموضح تحت الطريقة المعملية للمعايرة.
مع الاختلاف بين الحالتين، ففي هذه المرة نحن بصدد إجراء تجربة بقصد اختبار طريقة معينة بأدوات معينة تقررت نظرياً ونرغب في دراستها على الطبيعة ومدى تجاوب الإمكانيات المتاحة واستعدادها لتنفيذها.
في حين أننا في الطريقة المعملية للمعايرة لم يكن لدينا مسبقاً ومقدماً طريقة معينة ونحتاج لتجربتها ، بل كل القصد هو إجراء التجربة المعملية نفسها لاستنباط المعايير من خلالها.
بمعنى أنه في حين أن الإمكانيات المتاحة تستخدم في الحالتين إلا أننا في الطريقة الواقعية للمعايرة نستخدم التجربة كأسلوب علمي للتحقق من أن النتائج التي تم التوصل إليها في الخطوتين السابقتين متوافقة مع الإمكانيات المتاحة ، حتى إذا تم التأكد من ذلك تقررت وتحددت المعايير من واقع هذا الأسلوب العلمي والتجربة العملية، وهي معايير كل عنصر على حدة من عناصر العملية.
(د) تكييف النتائج النهائية لتلائم فترة سريان المعايير :
من الواضح أن المعيار يتقرر مقدماً الآن ليستخدم كأهداف ومقاييس في فترة مستقبلة.
ولذلك فإن المعايرة ملتزمة بظروف الحال المنتظر سيادتها في تلك الفترة المستقبلة حتى يكون المعيار مستوفياً أركانه وصالحاً لأغراضه.
وقد توصلنا من خلال المراحل الثلاثة السابقة إلى معايير واقعية فعلاً ولكنها واقعية في إطار الماضي والحاضر فقط.
ويبقى الأمر محتاجاً إلى إعادة النظر في تلك الواقعية حتى تمتد للمستقبل وتكون أكثر ملاءمة له.
والتنبؤ بظروف المستقبل قد ينتهي بأمور مؤكدة فتدخل في مخططات المنشأة للفترة القادمة. وبالتالي فإن المعايير تتعدل بالزائد وبالناقص حتى تصل إلى الأرقام المتضمنة للظروف الجديدة المخططة.
كما قد ينتهي التنبؤ بأمور غير مؤكدة إلى الدرجة التي تدخل في مجال التقديرات وعدم التأكد قد يكون بالنسبة لوقوع الحدث من عدمه. أو يكون بالنسبة لكمية ونوع الحدث. فقد تكون هناك زيادة أحد الأسعار، ولكن هذا التوقع لا يحدد حجم الزيادة المتوقعة.
وفي هذه الحالة، فإن نسبة مئوية تضاف إلى السعر الحالي للتقليل من حدة الانحراف المتوقع بين السعر الفعلي المتوقع والسعر المعياري المقرر (والذي يتضمن تلك النسبة).. وثمة فكرة أخرى وهي عدم مراعاة كل التوقعات غير المؤكدة. حتى إذا ما ظهر الانحراف بين المعياري والفعلي فإن الحدث الذي لم يؤخذ في الحسبان عند المعايرة يخصم أو يضاف أولاً من ذلك الانحراف، ويكون الباقي هو محل المسائلة عن عدم تحقيق المعيار المقرر.
ومن المعتقد أنه بعد تكييف المعايير التي تم استنباطها من التجربة المعملية في المرحلة الثالثة وبكل ما أمكن التنبؤ به عن ظروف العمل في الفترة القادمة التي تستخدم فيها المعايير، فإننا نكون قد صممنا مربع المعايرة ووصلنا إلى تحديد أبعاده وبالتالي حددنا المعاير الواقعية أي الأركان الأربعة للمعايرة الواقعية.