مدى مساهمة العلوم المحاسبية فى مواجهة المشكلة الإداريه:
أدى حدوث طفرة للعلوم الادارية فى الفترة الأخيرة إلى ضرورة إعتماد الادارة المالية الحديثة على مجموعة من الأساليب الفنية المختلفة لتيسير أعمال المشروعات, والتى يتم بموجبها تأكيد الاستخدام الاقتصادى للطاقات المادية والبشرية وتنمية أكبر قدر متاح من الموارد فى سبيل تحقيق الأهداف الموضوعة بكفاءة وفاعلية.
وتعد المحاسبة المالية من أولى الأساليب الفنية لتحقيق الرقابة على أعمال المشروعات وذلك لعملها على:
– تحديد علاقة أصحاب المشروع بالوحدة الاقتصادية
– تحديد علاقة الوحدة الاقتصادية بالغير
– إظهار تنيجة أعمال الوحدة الاقتصادية عن فترة معينة والمركز المالى لها فى نهاية تلك الفترة
– المساهمة فى الحفاظ على ممتلكات الوحدة الاقتصادية عموماً ضد أخطار الاختلاس والغش
وبالإحتفاظ بأهمية تلك الوظائف الحيوية التى تقدمها المحاسبة المالية للوحدات الاقتصادية أيا كان موضوع نشاطها, إلا أنها لم تعد كافية لمواكبة الطفرة التطورية العظيمة فى النشاط الاقتصادى للمشروعات المختلفة وملاحقة التطور الفنى الذى إتصل بالتغير فى شكلها القانونى الامر الذى يستتبعه بالضرورة إستعمال أساليب إدارية وفنية جديدة للوفاء بمتطلبات عملية اتخاذ القرارات التى تعد بحق فى مركز القلب من العملية الادارية عموماً.
وتلتزم عملية إتخاذ القرارات الادارية تحديد غرض متخذ القرار تجاه مشكلة معينة ووجود مجموعة من الخطط البديلة الممكن تنفيذها لحل المشكلة قيد البحث غير أنه توجد عوامل متنوعة تؤثر سلباً وإيجاباً فى تحديد وإختيار الخطط المتاحة للتنفيذ العملى, ومن أهم تلك العوامل:
– الندرة النسبية للموارد المتاحة
– مشكلة عدم التأكد
– العوامل الاخرى التى لا تخضع لسيطرة متخذ القرارات
ولذلك فإن الموارد المتاحة للإستخدام فى أغلب الحالات أقل من الاحتياجات المطلوبة والمتعددة, والطريقة الأساسية للتعامل مع ذلك هو إختيار أفضل أساليب تخصيص الموارد المتاحة لأفضل إستخدامات ممكنة, ويأمل متخذ القرارات فى أن يحصل من جراء هذه الاساليب المتخصصة على أعلى عائد سهل التحقق, ولكن هذا الطريق يواجهه أنه تحت أحسن الظروف المتوفرة فإنه ليس من المؤكد تماماً نجاح المسعى نحو هذا الاسلوب بسبب تداخل مجموعة من الظروف غير المؤكدة والتى من الصعب حسمها مقدماً, ويتعامل متخذ القرار مع ذلك بجمع أشمل البيانات عن الماضى لمساعدته فى التنبؤ بالمستقبل.
وعلى الرغم من ذلك فإن محاولات متخذ القرارات فى استعمال أنسب أساليب تخصيص الموارد للتعامل مع مشاكل المستقبل غير محددة المعالم, ويجد نفسه فى مواجهة معضلة جديدة تتبلور فى أن العوامل المؤثرة على نتائج قرارات التخصيص ليست جميعها مما تقع فى حدود سيطرته وسلطاته التقديرية, وفى نطاق المشكلة التى يواجهها متخذ القرارات أيا كان موقعة يتحدد دور جميع النظم الادارية التى تعينه على حل ما يواجه عمله من مشاكل .
وفى مرحلة أولية إستطاع نظام المحاسبة المالية وفقا لمنهج النظرة الشاملة وبما يوفره من بيانات إجمالية إمداد متخذى القرارات بالمعلومات المحاسبية التى ساهمت فى عونهم على مواجهة المشاكل التى يلائم حلها توافر بيانات إجمالية تاريخية.
ومع التعاظم المستمر فى حاجة متخذى القرارات إلى المزيد من البيانات والمعلومات التفصيلية عن نواحى النشاط ولا سيما فى المجالات الصناعية كان من الضرورى أن تطور نظم المحاسبة المالية أساليبها التقليدية والتى ساعدت كثيرا مع تطور أساليبها وطرقها الفنية على تلبية حاجات متخذى القرارات فى معرفة تفاصيل البيانات والمعلومات الفعلية منها والمحدد مقدما والاستفادة منها فى مجالات التخطيط والرقابة وإتخاذ القرارات, ومع كل ما يساهم به نظام المحاسبة المالية والتكاليف فى توفير البيانات والمعلومات اللازمة لترشيد الادارة فى عملية التخطيط والرقابة واتخاذ القرارات إلا أنها لم تعد كافية فى ذاتها للاستخدام لنفس الأغراض إتصالا بأهداف المشروع كوحدة إقتصادية يضمها نظام متكامل للمعلومات الادارية وخاصة تلك التى تستقى من خارج النظام المحاسبى المالى والتكاليفى , ويستلزم إعدادها تطبيق مزيد من الأساليب الفنية التحليلية الرياضية والاحصائية, وأيضا إجراء كثير من الدراسات والبحوث المتصلة بالمجالات الأخرى والمتعددة للمعرفة الانسانية .
وأدى ذلك إلى ظهور وتطور المحاسبة الادارية والتى تعد ” نظام لإنتاج المعلومات اللازمة لترشيد الادارة فى عمليات التخطيط والرقابة وإتخاذ القرارات باستخدام مجموعة من الأساليب الفنية المحاسبية والإحصائية وكل ما تتيحه المعرفة الإنسانية من وسائل فنية منهجية للمساعدة على إنجاز أهداف الوحدة الاقتصادية بكفاءة وفاعلية “.
ومن هذا المنطلق نعرض أهم أوجه الشبه والفروق الجوهرية بين المحاسبة المالية والمحاسبة الادارية:
تعد تقارير المحاسبة المالية أساسا لخدمة أصحاب المصلحة فى قيام المشروعات من الأطراف الخارجية أمثال حملة الأسهم والدائنين, بينما تعد تقارير المحاسبة الإدارية لخدمة أعضاء إدارة المشروع من الأطراف الداخلية أمثال المدراء على جميع مستوياتهم, وهذا هو الفرق الرئيسي فى التوجه الذي ينتج عنه عدد من الفروق الجوهرية بين المحاسبة المالية والمحاسبة الإدارية, على الرغم من أن كلا منهما يعتمد على نفس قواعد البيانات المالية للمشروع.
وتتمثل تلك الفروق بين المحاسبة المالية والمحاسبة الإدارية فى الأتي:
1- التركيز على المستقبل.
منذ أن كان التخطيط يمثل جزءا هاما من عمل إدارة المشروع ناحية المستقبل أتت المحاسبة الإدارية بتوجه أساسي لتلبية حاجات الإدارة من البيانات والمعلومات المستقبلية وذلك على نقيض المحاسبة المالية التي تقدم بصفة عامة بيانات ومعلومات تاريخية عن فعاليات ما حدث فى الماضي على نحو إجمالي لعمليات المشروع, ذلك أن الصعوبة مع الملخصات المالية عن الماضي هي أن المستقبل ببساطة ليس انعكاسا لما حدث فيما سبق, فالتغيرات تحدث باستمرار فى الظروف الاقتصادية ورغبات واحتياجات المستهلكين وأحوال المنافسين وما شابه ومثل هذه التغيرات السريعة والمتلاحقة تتطلب أن يعتمد التخطيط على تقديرات لما سوف يحدث أكثر من الاعتماد على ملخصات مالية تاريخية عما حدث بالفعل.
2- مدى مناسبة ومرونة البيانات للاستخدامات الإدارية.
من المتوقع فى بيانات المحاسبة المالية أن تكون موضوعية وقابلة للتحقق, ومع ذلك فإن مستخدمي البيانات من مديري المشروع يطلبون بيانات ومعلومات مناسبة للاستخدام داخليا على مستوى المشروع حتى وإن كانت غير موضوعية أو غير قابلة للتحقق على نحو تام, حيث أن المسئولين على كافة مستوياتهم الإدارية يحتاجون إلى بيانات ومعلومات مناسبة للاستخدام لاتخاذ قرارات متصلة بمشكلات إدارية محددة بغرض خاص وهذا ما يوفره نظام المحاسبة الإدارية بفاعلية ومرونة تفوق ما تقدمه تقارير المحاسبة المالية.
3- تركيز أقل على الدقة المتناهية للبيانات والمعلومات.
التوقيت الصحيح غالبا ما يكون أكثر أهمية وأولوية لدى مديري المشروع من الدقة الكاملة فيما يطلبونه من بيانات ومعلومات, فإذا كان لابد من اتخاذ قرار ما فى مشكلة حالية فإن المسئول الإداري المتصدي لاتخاذ هذا القرار يفضل التعامل الفوري مع بيانات ومعلومات تقديرية جاهزة مالية وغير مالية بدلا من الانتظار للحصول على إجابات غاية فى الدقة والكمال.
4-التقارير المالية بين المحاسبة المالية والإدارية
تهتم المحاسبة المالية أساسا بإعداد التقارير المالية عن المشروع كوحدة اقتصادية شاملة, بينما تركز المحاسبة الإدارية على تلبية حاجات مراكز المسئولية والأقسام الداخلية فى المشروع من البيانات والمعلومات المالية وغير المالية لمساعدتهم فى استيفاء متطلبات التخطيط والرقابة وترشيد فى اتخاذ القرارات
5- مدى الالتزام بإتباع قواعد المحاسبة المتعارف عليها.
تعد مخرجات نظام المحاسبة المالية لخدمة أصحاب المصلحة فى قيام المشروعات وفقا لقواعد المحاسبة المتعارف عليها وهذا التزام على المحاسب المالي يقر بوفائه المراجع المستقل وذلك لتعزيز مصداقية التقارير المحاسبية وتسهيل عملية المقارنة بين المشروعات على المستوى النوعي, علاوة على إعطاء متخذي القرارات الاستثمارية من خارج المشروع نوع من التأكيد بأن التقارير المالية الختامية تعرض حقائق خالية من التحريف سواء كان أخطاء أو غش, ومع ذلك ليس من الضروري أن تكون هذه التقارير المحاسبية الختامية تتضمن البيانات والمعلومات المفيدة والنافعة والمناسبة لاتخاذ القرارات على المستويات الإدارية فى المشروع.
وعلى سبيل المثال يتعين على المحاسب المالي إثبات الأصول الثابتة وفقا لتكلفتها التاريخية فإذا كانت إدارة المشروع بصدد اتخاذ قرار فى شأن إحلال بعض الأصول الثابتة فإن المعلومات المفيدة والنافعة بداهة سوف ترتبط بالقيمة السوقية الجارية للأصول الجديدة وهذا مالا توفره التقارير المالية التي تعد وفقا لقواعد المحاسبة المالية المتعارف عليها.
6- المحاسبة الإدارية اختيارية وليست إجبارية.
بالنسبة للمحاسبة المالية إجبارية أي يتعين عملها لخدمة أغراض متخذي القرارات من الأطراف الخارجية من مستثمرين وللتداول فى بورصة الأوراق المالية والجهات الحكومية والمحللين الماليين…… ألخ, بينما نجد أن المحاسبة الإدارية اختيارية التطبيق ولا يوجد إلزام على المشروع بحتمية تطبيقها, وطالما أن المحاسبة الإدارية اختيار محض فإن السؤال المهم دائما هو ” هل المعلومات مفيدة ؟ ” وليس ” هل المعلومات مطلوبة ؟”
المناهج المستحدثة لتحسين إدارة الأعمال:
المنهج الأول: فقط ….. فى الوقت الصحيح just – in – time
يستخدم هذا المنهج لتفعيل نظام الرقابة على الإنتاج والمخزون عن طريق الاقتصار على شراء مستلزمات الإنتاج لتصنيع الوحدات المطلوبة فقط لسد حاجة ومقابلة الطلب الفعلي للمستهلك وهكذا يتم تخفيض المخزون إلي حده الأدنى والذي يصل فى بعض الحالات إلى صفر
وقد قامت الكثير من الشركات العالمية بتطبيق منهج ” فقط فى الوقت الصحيح ” اقتناعا منها بالمزايا التى يحققها هذا النهج فى إدارة المخزون والتي من أهمها:
-تدعيم رأس المال العامل باسترداد المبالغ المعطلة فى أشكال المخزون
-استخدام المساحات التي استعملت فيما سبق للاحتفاظ بالمخزون لأغراض أخرى أكثر إنتاجية
-تخفيض أوقات الشحن والنقل مما ينتج عنه الاستجابة السريعة لطلبات العملاء
-تخفيض معدلات الأعطال مما ينتج عند ضياع أقل وإشباع ورضا أكبر من جانب العملاء
المنهج الثاني : إدارة الجودة الشاملة
ويعد هذا المنهج الأكثر شيوعا فى التطبيق لتحقيق التحسينات المستمرة فى إدارة الأعمال والتي تتجسد فى :
-التركيز على خدمة العملاء
-حل المشاكل بطريقة منتظمة باستخدام فرق عمل بمثابة عمال الخطوط الأمامية لمواجهة المشاكل
هذا ويتوفر لدى فرق العمل العديد من الأدوات والأساليب لحل المشاكل والتي من أهمها وأكثرها استخداما ما يطلق علية دورة ” التخطيط – التنفيذ – التقييم – العمل ….To plan – Do – Check – Act Cycle ”
وهذه الدورة تمثل منهجا منتظما مؤسسا على الحقيقة لحل المشاكل على نحو مستمر
وتتمثل تلك الخطوات فى
التخطيط
– دراسة العملية الحالية ( المشكلة )
– تجميع البيانات اللازمة
– تحليل البيانات لتحديد أسباب المشكلة
– تصميم وتطوير خطة التحسينات
– تقرير كيفيه قياس التحسينات
التنفيذ
– جرب الخطة على نطاق صغير ما أمكن
– أجمع بيانات
تقييم
– قيم البيانات التي جمعت خلال التنفيذ
– هل ظهرت التحسينات المتوقعة ؟
عمل
– إذا كان التغير ناجحا اجعله دائما
– إن لم تكن النتائج ناجحة حاول من جديد
المنهج الثالث : عملية إعادة الهندسة
ويعد منهج إعادة الهندسة منهجا أكثر تقدمية من منهج الجودة الشاملة للإدارة بغرض إحداث التحسينات الإدارية
فبدلا من خلخلة النظام الموجود فى سلسلة من التحسينات المتزايدة تدريجيا فإنه طبقا لهذا المنهج يتم هيكلة عمليات المشروع بالتفصيل وتفحص خطواتها الإجرائية بوضعها محل التساؤل فيما حول جدواها ومن ثم يعاد تصميمها بالكامل بغرض عزل وحذف الإجراءات غير الضرورية وتخفيض فرص وقوع الأخطاء وتقليل التكاليف, وبذلك يتضح لنا أن هذا المنهج يركز على تبسيط الإجراءات وتجنب الإسراف والضياع في الوقت والجهد المال تأسيسا على فكرة رئيسية مؤداها أن كل الأنشطة التي لا تضيف قيمة إلى المنتج أي الخدمة المقدمة يتعين الخلاص منها .
المنهج الرابع : نظرية القيود
القيد هو أي شيء يمنعك من الحصول على ما تريد وهكذا تستطيع أن نجزم بأن كل فرد وكل مشروع يواجه بالأقل قيدا على ما يريد وطالما أن القيد يمنعك من تحقيق ما تريد فإن نظرية القيود تؤكد على أن تركيز الجهود على الإدارة الفعالة للقيد هو عامل رئيسي للنجاح
تأثير المنافسة الدولية على إدارة الأعمال والمحاسبة الإدارية:
اشتدت المنافسة بين الوحدات الاقتصادية داخل الدولة والواحدة ومع الوحدات الاقتصادية فى باقى دول العالم والسبب الرئيسى وراء هذا الاتجاه هو إطلاق حرية التجارة العالمية وإزكاء مفهوم العولمة وخاصة فى مجالات التعاملات الاقتصادية.
وما أثر العولمة الاقتصادية على المحاسبة الإدارية؟
إنه عالم الأقوياء وسوف يكون من الصعب على أى مشروع يطمع أن يكون على مستوى عالمى فائق الجودة أن يخطط ويدير ويراقب ويتخذ قراراته بتطبيق نظام محاسبة إدارية من الدرجة الثانية, صحيح أن نظام المحاسبة الادارية الممتاز لا يعد فى ذاته ضمانا للنجاح ولكن من المؤكد أن نظام المحاسبة الادارية الضعيف يمكن ببساطة ان يحبط أفضل جهود العاملين فى المشروع فى سبيل سعيهم ليكون حقيقة على مستوى النافسة العالمية.