يعد الجانب الإنساني وإدارة الموارد البشرية موضوعًا هامًا؛ لأن الإنسان هو المسئول الأول والأخير عن الفشل والنجاح لأي شركة من الشركات، أو مؤسسة من المؤسسات، أو دولة من الدول، لذلك كان الاهتمام به وبإدارته وبتوجيهه وتحفيزه، من أهم الأمور التي تكاد تفوق أهميتها كل القضايا الأخرى المتعلقة بالمال والتكنولوجيا والهيكل والتصميم، وغيرها من الأمور الملموسة.
كما إن القضايا المتعلقة بالبعد البشري كثيرة جدًا، وإدارة الموارد البشرية موضوع معروف ومطروق في كتب الإدارة بأشكال كثيرة متعددة، تُجمع في مجملها على أهمية الاختيار والانتقاء ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وتطوير الإمكانيات والتدريب والمحافظة على الموظفين وإعطائهم الحوافز والمكافآت المادية والمعنوية، إلى غير ذلك من أساليب التحفيز وتطوير الأداء والعلاقات العمالية.
لكنه يبرز من بين هذه القضايا موضوع، ما زالت الإدارات العالمية في شركات العالم غربًا وشرقًا تتناوله بحذر مرات، وبشكوك مرات أخرى، وريبة أحيانًا، وباهتمام ورعاية أحيانًا، وهو موضوع التمكين في الإدارة.
وما كان هذا الشك والاهتمام والريبة ليحدث، لو أن الأمر متعلق بتطوير تكنولوجيا جديدة، أو في زيادة أرباح المنظمات، أو الحصول على عدد أكبر من العملاء، أو زيادة حصص المساهمين، أو غيرها من الأمور الملموسة التي لا تعد ولا تحصى.
ولكن عندما يتعلق الأمر بقضية سياسية كالسيطرة والنفوذ، فإن الصراعات لا تنتهي حتى بين الدول على النفوذ والسيطرة والقوة والسيادة، وموضوع التمكين هو موضوع نفوذ وإعادة توزيع لذلك النفوذ. ولا يختلف الأمر لدى المؤسسات فقضية تمكين الإنسان بحق، معناها إعادة هيكلة مراكز القوى وإعادة توزيع للسلطة ولحقوق التصرف واتخاذ القرار، وهنا تصبح العملية صعبة ومعقدة أحيانًا وتحتاج إلى تفكير وإعادة نظر، فتطبيق مفهوم التمكين في المنظمة يحتاج إلى تغييرات وتعديلات متعددة، منها سلوكية ونفسية وإدارية وسياسية، ومنها إعادة لهيكلة المنظمة كذلك.
وتثير بعض الدراسات شكوكًا وأسئلة حول واقعية تطبيق مفهوم التمكين في الإدارة، وصعوبة تطبيقه على أرض الواقع، وعلى الرغم من هذه الشكوك فهنالك شركات عالمية ومؤسسات كبيرة وصغيرة بدأت تمارس هذا المفهوم وتطبقه، وتجد مردودًا إيجابيًا ليس على المستويات المعنوية (مثل رضا العاملين وولائهم) فحسب، بل على المستويات المادية مثل الأرباح والإيرادات كذلك.
وبالمقابل هنالك شركات ومؤسسات حاولت تطبيق المفهوم ولكنها فشلت، ولم تحقق النجاح المتوقع، وأخرى لم تحاول مستفيدة من تجارب الآخرين الفاشلة.
مفهوم التمكين:
وقبل مناقشة مفهوم التمكين، لابد من الاعتراف بأن هنالك آراء مختلفة حول المفهوم، إلا أنها تجمع في أغلبها على أن التمكين يتمحور حول إعطاء الموظفين صلاحية، وحرية أكبر، في مجال الوظيفة المحددة التي يقوم بها الموظف حسب الوصف الخاص بتلك الوظيفة من ناحية، ومن ناحية أخرى منحه حرية المشاركة وإبداء الرأي في أمور في سياق الوظيفة، أي خارج إطار الوظيفة.
عرف (Brown and Harve) التمكين بأنه: “إستراتيجية تهدف إلى تحرير الطاقات الكامنة لدى الأفراد، وإشراكهم في عمليات بناء المنظمة، باعتبار أن نجاح المنظمة يعتمد على تناغم حاجات الأفراد مع رؤية المنظمة وأهدافها البعيدة”.
كما عرفه (Shackleton) بأنه: “فلسفة إعطاء مزيد من المسؤوليات، وسلطة اتخاذ القرار بدرجة أكبر للأفراد في المستويات الدنيا”، وقارن الكاتب بين التمكين والتفويض، فالتفويض عندما يقرر المدير أن يحول بعض صلاحيات عمله لشخص آخر محددة، على سبيل المثال المساعدة في تطوير المرؤوس، أو تفويض الأعمال ذات المخاطر المنخفضة، أما التمكين فيعني توسيع المسؤوليات المتعلقة بالمهام الحالية، دون الحاجة لتغييرها.