إن التضخم في مفهومه الشائع ينطلق من أمرين يمثلان المظهر الملموس للتضخم، هما الارتفاع في المستوى العام للأسعار، والانخفاض في القوة
الشرائية للنقود، وهو ما يظهر بوضوح في تعريف التضخم بأنه: «الارتفاع في المستوى العام للأسعار مصحوباً بانخفاض في القوة الشرائية للوحدة النقدية».
والتضخم بهذا المفهوم يتصل بشكل دقيق بالمحاسبة فمن المعروف أن المحاسبة تعنى بتقديم معلومات كمية عن المعاملات المالية أو الأحداث الاقتصادية والتعبير الكمي عن هذه المعلومات يتم باستخدام النقود كأداة للقياس المحاسبي عند حدوث المعاملة وتسجيلها في الدفاتر بالمبلغ الذي حدثت به، ويطلق على القيمة التي سجلت بها المعاملة حينئذ «القيمة التاريخية أو الدفترية» وبما أن المحاسبة تقدم البيانات عن هذه المعاملات في القوائم المالية التي تعد في نهاية الفترة المالية، وأنه في ظل استمرار النشاط من فترة لأخرى، وارتفاع الأسعار في ظل التضخم تكون القيمة التي سجلت بها المعاملة أو البند وقت حدوثها ممثلة في القيمة التاريخية لها مختلفة عن القيمة الحاضرة لها في أي فترة تالية، كما أنه في ظل انخفاض القوة الشرائية لوحدات النقد عند الاحتفاظ بالنقدية بدون استعمال فترة من الزمن وكذا بالنسبة للحقوق والالتزامات النقدية التي تسدد أو تحصل بالقيمة الاسمية التي حدثت بها، فإنه تكون قيمة هذه البنود في تاريخ إعداد القوائم المالية أقل منها عند الحصول عليها أو حدوثها.
ويعنى كل ما سبق أن أي بند يظهر بالقوائم المالية تكون له قيمتان في ظل التضخم، إحداهما القيمة التاريخية التي حدث بها، والثانية، القيمة الحاضرة عند إعداد القوائم المالية، الأمر الذي يؤكد أن للتضخم آثاراً واضحة على البيانات المحاسبية.
وحيث أن البيانات تكون مسجلة في الدفاتر فعلاً بالقيمة التاريخية، إذا فإنه لتلافى آثار التضخم يتطلب الأمر تعديل قيمة البنود التي تظهر في القوائم المالية من القيمة التاريخية إلى القيمة الحاضرة في تاريخ إعداد هذه القوائم، وهذا ما يعرف “بالمحاسبة عن التضخم” التي يمكن أن نحدد مفهومها في الآتي:
«المحاسبة عن التضخم هي مجموعة الأسس والأساليب التي يعتمد عليها والإجراءات التي تتبع لتعديل قيم العناصر أو البنود التي تظهر في القوائم المالية في ضوء ما يحدث من ارتفاع في الأسعار وانخفاض في القوة الشرائية لوحدات النقود، ثم بيان كيفية إظهار هذا التعديل إما في القوائم المالية الأساسية أو في قوائم ملحقه، وكيفية معالجة الفروق التي تحدث نتيجة لهذه التعديلات كمكاسب أو خسائر رأسمالية أو عادية».