يُقصد بالسيولة المصرفية بأنّها قدرة المصرف على مواجهة إلتزاماته المالية، والتي تتكون بشكل كبير من تلبية طلبات المودّعين للسحب من الودائع،
وتلبية طلبات المقترضين لتلبية حاجات المجتمع.(الحسيني، الدوري، 2000،93) وتُعرف بأنّها قدرة المصرف على التسديد نقداً جميع إلتزاماته التجارية، وعلى الإستجابة لطلبات الإئتمان، أو منح القروض الجديدة، وهذا يستدعي توفر نقد سائل لدى المصارف، أو إمكانية الحصول عليه عن طريق تسييل بعض أصوله، أي تحويلها إلى نقد سائل بسرعة وسهولة.(أبو حمد، 2002، 185) أو هي مدى توافر أصول سريعة التحويل إلى نقدية بدون خسائر في قيمتها لمقابلة الديون المستحقة في مواعيدها دون تأخير.(الهواري، 1978، 60)
يتبين من هذه التعاريف أنّ السيولة مسألة نسبية، لها متغيران: المتغير الأول هو الأصول السائلة. والمتغير الثاني هو سحوبات المودّعين وطلبات الإئتمان. وبطبيعة الحال تختلف الأصول السائلة في درجة سيولتها، أي في إمكانية تحويلها إلى نقدية بدون خسائر، أو بخسائر يتمّ تحويلها نتيجة هذا التصرف. ومن ناحية أخرى فإنّ قيام المودّعين بسحب ودائعهم مع تزايد طلبات الإئتمان تجعل السيولة في المصارف التجارية مسألة حساسة وخطيرة. ففي الوقت الذي يمكن أن يُطلب من أي دائن في أية شركة صناعية أو زراعية أو عقارية مهلة للسداد، نجد أنّ الأمر يصبح خطيراً لو أنّ المصرف طلب من المودّعين الإنتظار لحين تدبير الأموال، وعلى ذلك فإنّ نقص السيولة للمصرف ربما يكون مميتاً له وللإقتصاد القومي ككل.
إنّ ضعف السيولة يذكرنا بتعثر بنك مصر، ولولا تدخّل الحكومة بدعم البنك، لحدَث تدهور في الإقتصاد الوطني، وإنّ إفلاس بنك أنترا في لبنان من الأمثلة على ما يحدث لمصرف نتيجة الطلب المفاجيء لأموال بعض الزبائن، ممّا دفعه على التوقف عن الدفع وإقفال أبوابه، ليس بسبب عجز في ميزانيته، وإنّما بسبب فقدانه السيولة.
إنّ كمية السيولة التي يجب أن يحتفظ بها المصرف أو الجهاز المصرفي، ككل مشكلة من المشكلات الرئيسة في إدارة المصرف، إذ أنّ زيادة السيولة تعني أنّ المصرف أو الجهاز المصرفي يضحّي بأرباحٍ كان من الممكن تحقيقها لو تمّ توظيف تلك الأموال السائلة، أو إنّ المصرف أو الجهاز المصرفي لا يقوم بواجبه على الوجه الأكمل في تحريك أو تدعيم متطلبات الإقتصاد القومي.
وفي أي شركة صناعية، فإنّه من الممكن عمل ترتيبات للسيولة بوضع خطة للتدفقات النقدية المنتظر ورودها وربطها بالتدفقات النقدية المتوقع حدوثها، بحيث لا يحصل توقف عن دفع أية مطلوبات من ناحية، ولا تكون هناك أصولاً سائلة أو نقدية أكثر من اللازم من ناحية أخرى.
أمّا المصارف التجارية، فإنّ الودائع الجارية والتوفير، التي تمثل الجزء الأعظم من إجمالي الودائع، عبارة عن ودائع تحت الطلب، أي إنّ المصرف لا يستطيع أن يتوانى لحظة إلاّ للإستجابة لطلب زبائنه، كما أنّه لا يتمكن أن يتأخر في صرف قيمة القرض إذا ما توافرت الشروط، وبالتالي فإنّ مشكلة الإدارة في المصارف التجارية هي في الإحتفاظ بقدر ملائم دائماً من الأصول السائلة لمواجهة طلبات الزبائن.
والذي يجعل المصارف التجارية تهتم أكثر من غيرها من المؤسسات المالية الوسيطة كالمصارف المتخصصة وشركات التأمين سببين رئيسيين: الأول أنّ نسبة مطلوبتها النقدية إلى مجموع مواردها كبيرة جداً، والثاني أنّ قسماً كبيراً من مطلوباتها يتألف من إلتزامات قصيرة الأجل.