مفهوم ونشأة إدارة الموارد البشرية ومراحل تطورها
يعبر مفهوم إدارة الموارد البشرية بصورة شمولية عن عمليات تخطيط وتوجيه وتنظيم ومتابعة الأفراد العاملين في أي منظمة بأختلاف تخصصها وأهدافها بإعتبارهم من أهم الموارد التي لا يمكن الحصول عليها بسهولة ، على إعتبار أن الموارد البشرية هي رأسمال أستثماري يجب تنميته وتطويره لأنه ذو بعد ستراتيجي لنجاح المنظمة أو العمل ، فتظهر إدارة الموارد البشرية بالشكل الذي يعمل على توجيه الرعاية والعناية التامة بالأفراد ومساعدتهم على أداء أعمالهم بأحسن صورة وبما يبرز نشاطهم المتميز والأفكار والطاقات الإبداعية ، ومحصلة ذلك هو تحقيق مصلحة وأهداف المنظمة بما يوفر لها قدرة تنافسية في عالم العمل والأنتاج والبقاء بقوة وثبات في المسار المتخصص لعملها .
ويستخدم علم إدارة الموارد البشرية التكتيك بالإضافة الى الأستراتيجية الأساسية في إدارة العاملين وسبل تحقيق التفوق في ميدان العمل والأنتاج ، وفي الحقيقة أن مفهوم إدارة الموارد البشرية لم يستقر بهذا الشكل إلا بعد مرور العنصر البشري بالتجارب والنشاطات المختلفة والعديدة والتي أكسبته خبرات تراكمية على مر الزمن ، أكسبته القدرة على وضع وصياغة وتطوير مفهوم إدارة الموارد البشرية ، فكانت عندما توجد الحاجة للتطوير في مسيرة عمل المنظمات تجد هذه الإدارة قادرة بكفاءة على مسايرة ذلك من خلال التنسيق بين الوظائف أو إيجاد وظائف جديدة تتطور مع تطور حاجات هذه المنظمات ، ونتيجة لذلك فلقد لعبت إدارة الموارد البشرية وما زالت أدوارا عديدة في حياة المنظمات .
ومن ذلك فإن مفهوم إدارة الموارد البشرية يكمن في تحقيق هدفين مهمين تتمحور حولهما أسس النجاح في المنظمات وهما الكفاءة والعدالة ، حيث تقاس الكفاءة بالنسبة للمنظمة من خلال تحقيق أكبر عائد ممكن لعملية الأستثمار أو تحقيق مستوى عالي من الأنتاجية إعتماداً على الطلب الأستهلاكي ، كما تقاس الكفاءة بالنسبة للعاملين من خلال عدة أمور منها مستوى أداء العاملين والتزامهم بتقديم أقصى وأكفأ جهد للمنظمة إضافة الى إعتماد بعض الأمور ألأخرى كمؤشرات لمعرفة كفاءة العاملين مثل مستوى الحضور والغياب وإصابات العمل والأستقالة وغيرها .
أما هدف تحقيق العدالة فيقصد بها جميع الإجراءات والمقومات التي تعتمد عليها المنظمة لتقديم أفضل التعامل مع العاملين لديها من خلال إنصافهم ومنحهم كل الحقوق الواجب حصولهم عليها نتيجة تقديم خدماتهم للمنظمة ، كما إن عدالة المنظمة تتجسد في مدى الحرية الممنوحة للعاملين في التعبير عن حاجاتهم ودعوتهم لها الى توطيد حالة المساواة بينهم ودعمهم وتعزيز قدراتهم الإبداعية من خلال نظام الحوافز والمكافئات ، لذلك فكلما قل مستوى شكاوي التظلم المقدمة من العاملين بسبب المنظمة كلما دل ذلك على وجود نظام تحقيق العدالة بالتعامل مع العاملين ، وحكم على المنظمة بأنها عادلة .
لقد كان من أهم العوامل التي أدت بقوة إلى نشوء علم مختص يهتم بإدارة الموارد البشرية وتطويرها وتنميتها للوصول الى الأهداف بأنجع وأرقى الوسائل من خلال أعتبار المورد البشري كرأسمال واجب أستثماره وخصوصاً حالات الإبداع والطاقات البشرية الخلاقة ، هي العوامل التالية :
1- صعوبة المرحلة وزيادة التحديات التنافسية ، فأصبح من الضروري إيجاد الطاقات البشرية التي تشارك في نقلة النجاح النوعي للمنظمات العاملة بأختلاف أنواعها ، عن طريق عناصر الكفاءة والأداء المتميز والإبداع ، بعيداً عن تطبيق العمل على أساس إسقاط الفرض.
2- عامل الزمن فأصبح من العوامل الرئيسية في مجال عمل المنظمات لأن تفويت الفرص سيقف بالضد من تطوير العمل وتقدمه وإحراز النجاح والربح .
3- ظهور نظام العولمة مما جعل العالم عبارة عن قرية صغيرة ، دفع ذلك المنظمات الى التوسع في الأعمال على النطاق العالمي بدلاً من النطاق المحلي ، لغرض الأستمرار بالأنتاج وتطويره ومقاومة المنافسة وهذا التوسع يحتاج الى نظام إداري علمي يبدأ بأهم الموارد وهي الموارد البشرية فيوجه الأهتمام لها لتكن خير ظهير للمنظمة في مسرة العمل والمنافسة .
4- الميزة التنافسية التي نشأت بين المنظمات والمؤسسات دفعتها الى ضرورة أستثمار المورد البشري ومشاركته بفعالية لغرض المضي بالعمل نحو المستوى المتقدم .
5- الموارد البشرية هي العناصر الوحيدة القادرة على استيعاب الأفكار وبلورتها بما يخدم تقدم العمل ، وتنمية الموارد الأخرى إنطلاقاً من ضرورة التغيير والمحافظة على زيادة مستوى الأنتاج ، بغض النظر عن مراعاة عامل الزمن ، فبقية الموارد هي عبارة عن أداة طيعة بيد المورد البشري .
6- إعتبار قيم الجودة الشاملة في تقييم الأداء والأنتاج والنوعية في المنظمات العاملة ، أدى بشكل كبير الى أهتمام أرباب العمل ببحث أنجح السبل لتحقيق ذلك ومن ذلك الأهتمام بالإدارة الكفوءة والنوعية للمورد البشري لغرض الوصول الى الجودة المنشودة.
7- حقيقة أنه كلما تحققت الإدارة الجيدة للمورد البشري فإن ذلك سينعكس على الكفاءة والجودة والإبداع في الأنتاج ، فالعناية به والقضاء على مشاكله وتحقيق العلاقات الأنسانية الجيدة بالعمل وتوطيد شعور المحبة والتعلق بالعمل سينعكس إيجابياً على المنظمة من خلال تحول العاملين والأقسام المختلفة للعمل بروح الفريق الواحد لتحقيق ما كل ما تطمح له المنظمة ، فالمورد البشري هو صاحب العقل المبدع في إيجاد طرق العمل المناسبة لكل واقع .
ونتيجة لذلك أصبح توجه الأهتمام لإدارة الموارد البشرية مساوياً وموازياً للأهتمامات والأعتبارات المقدمة لبقية الأقسام التنفيذية في المنظمات حيث تشارك هذه الإدارة بكافة القرارات الستراتيجية التي تهم مستقبل المنظمات وتعمل بشكل بناء في تحقيق أهدافها لأنها تمثل التعامل مع المورد النادر والماهر والذي يمثل العنصر الرئيسي في تأسيس العمل الناجح بعد أن أثبتت الأفكار والتجارب ذلك ، وبهذا توسعت إتجاهات أهتماماتها ونشاطاتها وأعمالها أكثر من السابق ، فأضافت لنشاطاتها التقليدية المعروفة إعتماداً على البنية الستراتيجية الجديدة :
1 – التطوير التنظيمي .
2 – دعم إدارة المعرفة بالمنظمة.
3 – تصميم الوظائف .
4 – تخطيط مسارات التطور الوظيفي للعاملين .
5 – التوسع في تقديم منافع جديدة للعاملين .
وقد تطور مفهوم إدارة الموارد البشرية ومن خلال مراحل متعددة ضمن فترة طويلة من الزمن ثم إستقر بعدها بواسطة حصول عدة تطورات وتغيرات مر بها الأفراد العاملون في مسيرة العمل والمجال الوظيفي وتتمثل هذه التطورات التاريخية بالمراحل التالية :
1- مرحلة حركة الإدارة العلمية ( 1856 – 1915 ) : وظهرت هذه الحركة في أوائل القرن العشرين حيث قادها تايلور وركزت هذه الحركة على مبدأ العقاب والثواب ، من خلال وضع خطط علمية تعتمد على أسس محددة في أختيار العاملين وتنسيب العمل لهم وأعتبار عامل الزمن من الأمور الواجب تناسبها بشكل دقيق مع أداء الأعمال ، ولقد ركزت هذه الحركة بشكل مباشر على تحقيق مستوى عالي من الأنتاج بغض النظر عن تحقيق مستويات جيدة من أهداف وطموحات العاملين ، حيث لم يكن في حينها تنظيمات عمالية ترعى شؤون العاملين وتطالب لنيل جميع حقوقهم .
2- مرحلة حركة العلاقات الأنسانية ( ما بعد عام 1920 ): لقد ظهرت هذه الحركة نتيجة وصول ظرف علاقات وأساليب العمل الى مستويات غير مناسبة من خلال عدم حصول العاملين على حقوقهم وإلتزامات أرباب العمل إنسانياً ، حيث ترى هذه الحركة أن التعامل مع الأفراد لا يجب أن يكون فقط لمصلحة العمل على حساب مشاعر العاملين وحالاتهم الأجتماعية ، بل أعتمدت هذه الحركة أن الروح المعنوية للعامل الناتجة من التعامل الأنساني معهم بالإضافة الى مراعاة تحقيق مصالحهم الشخصية ودعم طموحاتهم وأعتبارهم مورد نادر ، هي من العوامل المهمة إضافة الى الحوافز المادية التي توضع لتحفيز العاملين على العمل الكفوء وزيادة الأنتاج ، إلا أن التعامل بأسس هذه الحركة لم يجد له الصدى التطبيقي المناسب بسبب تعدد متطلبات العاملين و الحاجة الى إمكانات عالية تتعارض مع أهداف العمل.
3- مرحلة مدرسة إدارة الأفراد ( ما بعد عام 1960 ) : لم تكن فلسفة الحركتين الإدارة العلمية والعلاقات الأنسانية كافية لتوفير كل المتطلبات المتعلقة بالأداء الأمثل وإشباع الحاجات للطرفين العمل والعاملين ، لذا نشأت في هذه الفترة إدارات تسمى بإدارات الأفراد كان جل أهتمامها ينصب على توفير الخدمات والرعاية الصحية والأجتماعية ، كذلك هي تعمل كوسيط بين الإدارة العليا وبين العاملين فهي تعمل على توجيه الأهتمام بتوظيف العاملين والأهتمام بتنمية مهاراتهم وإنتاجيتهم للوصول الى مستوى أمثل في إنتاجية المنظمة .وقد لوحظ على هذه الإدارة أنها شملت الأهتمام بجميع المستويات من العاملين بالإضافة الى كونها أصبحت تمثل الإدارة المنفذة لإرادات الإدارات العليا في إدارة شؤون الموارد البشرية وتنظيم أدائهم والأهتمام بتنميتهم وتدريبهم وبما يخدم زيادة وتحسين العملية الأنتاجية .
4- مرحلة مدرسة إدارة الموارد البشرية ( ما بعد عام 1980 ) : لقد تسببت عوامل أقتصادية وأجتماعية وتكنولوجية وإدارية ودفعت بأتجاه انتهاج هذه المدرسة مفاهيم جديدة تعتمد على إدارة الموارد البشرية من خلال وظائف معينة ساعدت المنظمات على تحقيق النجاح من خلال زيادة الكفاءة في الأنتاجية والتي تكونت نتيجة تسليط الأهتمام من قبل مدرسة إدارة الموارد البشرية على إدارة العاملين بشكل أكثر توسعاً وفاعلية مثل الأهتمام اختيار وتعيين الأفراد وتحديد أجورهم وحوافزهم ، العمل على زيادة خبرة الأفراد من خلال التدريب وتنمية المهارات وتقديم الدعم الكافي لهم ، إضافة الى بناء علاقات تعاونية بين العاملين والتدخل في حل مشاكلهم المختلفة ، كما ساهمت مدرسة إدارة الموارد البشرية في تحليل وتوصيف الوظائف وذلك لتحقق التناسب والتوافق بين العاملين والأعمال الموجودة .
لقد طورت هذه المدرسة مفاهيم جديدة لم تكن مطروحة في السابق مما أدى الى نجاح أفكارها لأنها تصب في تطوير العلاقة بين إدارة الموارد البشرية وبين إدارات المنظمات لتحقيق التنسيق الدائم بينهما للوصول الى مستوى عالي من الفهم المشترك للمصالح ،ليؤدي بالنتيجة الى تحقيق أهداف المنظمة بأقل التكاليف وبفترات زمنية أقصر ، إضافة الى امتلاك المنظمة العاملين الذين يدفعون العمل دوماً الى النجاح .
5- مدرسة ستراتيجية إدارة الموارد البشرية ( مابعد عام 2000 ) : لقد ظهرت هذ المدرسة في بداية القرن الحالي ، معتمدة بأفكارها على أيدلوجية مدرسة إدارة الموارد البشرية التي سبقتها حيث اهتمت بإيجاد وتنظيم أسس إدارة الأداء ، والكفاءة الأنتاجية ، وزيادة مستوى ونوعية الأنتاج ، والذي ساعد بشكل كبير المنظمات على ولوج الأسواق العالمية رغم الصعوبات الموجودة لتحقيق ذلك ، كما إن أيدلوجيتها أهتمت بقضية أن يحل الرجل المناسب في المكان المناسب ، وعملت على تحويل التعامل مع العاملين إعتبارياً الى شركاء في العملية الأنتاجية والأستثمارية في المنظمة مما أدى الى تمكن المنظمات من تحقيق أهدافها بقدرة كبيرة.
إن إعتبار هذه المدرسة لمبدأ ستراتيجية الموارد البشرية كان قابلا للتطبيق بشكل ملح ، ولم يأت عفوياً بل نتج عن عدة عوامل منها اقتصادية وسياسية وأجتماعية ، ومن أهم شواهد هذه العوامل هو ظهور نظام العولمة وزيادة حالات المنافسة بين المنظمات وتنوع الأنتاج العالمي ، بالإضافة الى ظهور مبدأ إدارة الجودة الشاملة وفرض سياسة كسب رضا الزبون كمبدأ يساعد على ديمومة بقاء المنظمة في عملها وأنتشارها .
ونتيجة لتلك التغيرات العالمية والأقليمية تحول الإعتبار لأدارة الموارد البشرية من كونها مجرد إدارة تهتم بشؤون العاملين وعلاقاتهم ومصالحهم وتنظيم عملهم مع المنظمات ، الى أخذها بنظر الأعتبار على أنها وظيفة ستراتيجية بكل معناها لأنها تتعامل مع مورد حيوي وفعال بالنسبة للمنظمات ، والذي سيؤدي الى نجاح الأستثمار في بقية الموارد الأخرى لو تم أستثماره بالشكل المطلوب .
عبدالقادر إسحق إسماعيل /الأكاديمية العربية بالدنمارك/ الدراسات العليا