ذات صلة

جمع

متي تُعاقب بتهمة التهرب الضريبى؟.. القانون يُجيب

حدد قانون الضريبة العقارية الصادر برقم 23 لسنة 2020...

«الصناعة»: فتح باب التقدم لمبادرة تمويل القطاعات الصناعية ذات الأولوية

أعلنت وزارة الصناعة بدء تطبيق المرحلة الأولى من مبادرة...

وحدة التجارة الإلكترونية تنظم ندوة كيفية الاستفادة من التسهيلات الضريبية الجديدة

نظمت وحدة التجارة الإلكترونية برئاسة أحمد حجاب، في مصلحة...

3 سيناريوهات محتملة فى اجتماع البنك المركزي المصرى 17 أبريل المقبل

البنك المركزي المصرى، يترقب المستثمرون والأسواق المالية باهتمام بالغ...

أسعار الدولار والعملات الأجنبية اليوم الاثنين 14- 4- 2025 فى منتصف التعاملات

في منتصف التعاملات؛ ننشر أسعار الدولار وباقي العملات الأجنبية...

من مذكرات تلميذ كسول

من مذكرات تلميذ كسول

 

بسرعة فهمت أن لا علاقة لي بذاك الفتى الذي قرأنا عنه في الفصل: الفتى المهذب الذي يستيقظ باكرا، و يغسل وجهه و أسنانه ثم يغادر إلى المدرسة بعد أن يتناول وجبة فطوره المتوازنة. فغالبا ما تكون ليلتي مزيجا من الكوابيس و الأحلام البريئة اللذيذة. وما لم أكن أفهمه كيف أن لا أحد يوقظني حينما أتعرض للضرب أو المطاردة أثناء حلم مزعج، لكن ما إن أمسك بيد خديجة- الفتاة التي أكدت لي ألف مرة أنها لا تحبني لكبر رأسي – حتى تهم أكثر من يد إلى إيقاظي إيذانا بوصول وقت المدرسة. أستيقظ و فراشي مبلل بسبب أمطار لا علاقة لها بالسماء، حينما أفعلها أحاول طمس الحادث و ذلك بقلب الفراش.

أمي المسكينة لم تكن تعاقبني. كانت تأخذ الفراش إلى الشمس، وتضع ملابسي داخل رغوة الصابون. كانت تشرح لي أنني لا أزال صغيرا، و أن خالي الأكبر كان يتبول في فراشه حتى الباكالوريا، ومع ذلك أصبح مهندس دولة في الأرصاد الجوية. كانت هذه الجملة تضحكني، لأنها تجعلني أفكر في حجم الأشياء التي يفعلها معلمي في سرواله لما كان طفلا.

نهضت من فراشي، وبينما بدأت في تناول فطوري الكبير، المكون من كأسي شاي وخبز و زيت الزيتون، تذكرت أني لم أحفظ جدول الضرب، ومجرد هذا الاسم يوحي لي بالضرب بالعصا أكثر ما يوحي إلي بالرياضيات. خرجت باتجاه المدرسة، وكالعادة حينما لا أكون بمزاجي يكون نصيب أي قط ألتقيه هو الرجم بالحجارة.

سأذهب لأدرس، لأصبح مثل خالي. كان يتبول في سرواله و أصبح مهندسا في الأرصاد الجوية. كان يفترض به أن يكون معلم سباحة. القدر أحيانا يكون مضحكا !!

كلما اقتربت من المدرسة ارتفع معدل نبض قلبي الصغير، تساءلت عن سر غياب معلم طيب، فلو كان كل معلمينا مثل جدي لكان التمدرس أمرا ممتعا و رائعا. لما تيقنت أنه أمر مستحيل دعوت الله أن يقتل المعلم أو أن يضرب زلزال مدرستنا، في يوم من أيام الآحاد طبعا.

في الطريق التقيت خديجة، لا أنكر أن خوفي زال قليلا. قبل أن أحدثها، سألتني: هل حفظت جدول الضرب والقرآن هذه المرة؟؟ يا إلهي، القران أيضا. “القارعة ما القارعة و ما أدراك مالقارعة”. هذا كل ما أحفظه. أتذكر أيضا كلمة “المنفوش” لكن متى و أين سأضيفها. يا ورطتي !! لم أعد أشك أن هذا اليوم سيكون يومي بامتياز.

ولجنا القاعة ثم دخل المعلم فعم صمت رهيب. لم تعد لي رغبة في لعب دور المهرج و الإضحاك فقد بدا لي المعلم مخيفا كالشبح. إرتدى وزرته البيضاء ثم أخذ يمر بين الصفوف. رائحة عطره وصوت حذائه يزيدان من رعبه. فجأة أتى الحارس طالبا المعلم فذهب إليه وتحدثا معا أمام الباب. رأيته وهو يضحك ويربت على كتف الحارس. مؤشر جيد، لا شك أن مزاجه جيد هذا اليوم. لكن ما إن تودعا حتى دخل بنظرات تشتعل فيها النيران.

ـ هل أنجزتم واجباتكم؟؟ !!

أجبت مع الجميع بكلمة ليست بلا و لا بنعم: نلاعم !!!

كالعادة ابن الفقيه هو الذي يرفع إصبعه أولا و يقول ” أنا نعام أست” كي يمر الأول، وكان له ما أراد، و ذاك ما أردت. بدأ يُجَودُ، فيما الجالسون في الصفوف الخلفية تكاد أوجههم تنفجر من الدم من شدة كتم الضحك. المعلم أعجبه تجويد عبد الصادق فأخذ يحضر بيضة مسلوقة و يحركها على صحن صغير به ملح و كمون. أما هو فقد أخذ يسترق النظر إلى يدي المعلم بعدما فهم أنها مكافأة له على ترتيله و حفظه. أخذت نبرة صوته تتغير و كثر اللعاب في فمه و أخذ يخطئ في الاستظهار، و عندما تعب من الإستدراك قال: صدق الله العظيم !! فضحك الجميع، حتى المعلم.

أخذنا نمر إلى السبورة تباعا لاستظهار ما حفظناه. وفي كل مرة ينتهي فيها دور أحدهم، أنظر إلى المعلم بثقة و كأنني حفظت كل شيء و متشوق للاستظهار. لكن لعبتي الصغيرة لم تعمر طويلا فقد مر الوقت بسرعة وبقيت وحدي. لقد جاء دوري وسقط القناع. حاولت أن أتأخر في كل شيء، في مغادرتي للطاولة في مشيتي باتجاه المنصة، لكني وصلت. تمنيت فقط أن يحدث شيء ينقذني. اجتماع أطر المؤسسة مثلا. وقفت أمام السبورة و أخذت أنظر إلى الأرض وساقاي ترتجفان…:

” أعوذ بالله من الشيطان الرجيـــ…ـــــم. بسم الله الرحمان الرحيــــــ…ــــــــم، القااااارعة مالقاااارعة، وماااا أدرااااك ما القااااارعة.. “. عييت مانجبد، عييت مانكحب و نضيع فالوقت. حصلت !!! لم أعد أفكر في أي شيء آخر غير عدد الضربات التي سأتلقاها، وأملت أن لا يمسكني من أذناي ثانية، فهما كبيرتان بما فيه الكفاية.

مددت يداي الصغيرتان لعصا المعلم التي لا ترحم، وأخذت أنظر إلى التلاميذ بين مستهزئ مني ومشفق علي.

انتهت وجبة العقاب وعدت إلى طاولتي. أحسست بيداي وكأنهما تنبضان. لكني في المقابل أحسست بسعادة كبيرة، حينما تذكرت أنه آخر عقاب لهذا اليوم.

الآن بقي شيء واحد فقط يقض مضجعي و أحتاج رأيكم: لا زلت مترددا ماذا أختار، مهندس طيران أم معلم سباحة؟؟؟.

كتبهاهشام منصوري

 

 

المادة السابقة
المقالة القادمة